٢٣٨حافِظُوا أي داوموا وواظبوا عَلَى الصَّلَواتِ يعني الخمس المكتوبات أمر اللّه عز وجل عباده بالمحافظة على الصلوات الخمس المكتوبات بجميع شروطها وحدودها وإتمام أركانها وفعلها في أوقاتها المختصة بها وَالصَّلاةِ الْوُسْطى تأنيث الأوسط ووسط كل شيء خيره وأعدله وقيل الوسطى يعني الفضلى من قولهم للأفضل أوسط وإنما أفردت وعطفت على الصلوات لانفرادها بالفضل وقيل سميت الوسطى لأنها أوسط الصلوات محلا. (فصل في ذكر اختلاف العلماء في الصلاة الوسطى) قد اختلف العلماء من الصحابة فمن بعدهم في الصلاة الوسطى على مذاهب : الأول أن الصلاة الوسطى هي صلاة الفجر ، وهو قول عمر وابن عمر وابن عباس ومعاذ وجابر وعطاء وعكرمة ومجاهد والربيع بن أنس ، وبه قال مالك والشافعي ، ويدل على ذلك أن مالكا بلغه أن علي بن أبي طالب وابن عباس كانا يقولان : الصلاة الوسطى صلاة الفجر أخرجه مالك في الموطأ ، وأخرجه الترمذي عن ابن عباس وابن عمر تعليقا. ولأنها بين صلاتي جمع فالظهر والعصر يجمعان وهما صلاتا نهار ، والمغرب والعشاء يجمعان وهما صلاتا ليل وصلاة الفجر لا تقصر ولا تجمع إلى غيرها ولأنها تأتي في وقت مشقة بسبب برد الشتاء وطيب النوم في الصيف وفتور الأعضاء إلى غيرها ولأنها تأتي في وقت مشقة بسبب برد الشتاء وطيب النوم في الصيف وفتور الأعضاء وكثرة النعاس وغفلة الناس عنها فخصت بالمحافظة عليها لكونها معرضة للضياع ولأن اللّه تعالى قال عقبها وَقُومُوا للّه قانِتِينَ والقنوت هو طول القيام وصلاة الفجر مخصوصة بطول القيام ولأن اللّه تعالى خصها بالذكر في قوله وقرآن الفجر إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً يعني تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار فهي مكتوبة في ديوان حفظة الليل وديوان حفظة النهار فدل ذلك على مزيد فضلها. المذهب الثاني أنها صلاة الظهر وهو قول زيد بن ثابت وأسامة بن زيد وأبي سعيد الخدري ورواية عائشة وبه قال عبيد اللّه بن شداد وهو رواية عن أبي حنيفة ويدل على ذلك ما روي عن زيد بن ثابت وعائشة قالا : الصلاة الوسطى صلاة الظهر ، أخرجه مالك في الموطأ عن زيد والترمذي عنهما تعليقا وأخرجه أبو داود عن زيد قال : (كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منها فنزلت : حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وقال إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين ولأن صلاة الظهر تأتي وسط النهار وفي شدة الحر ولأنها تأتي بين البردين يعني صلاة الفجر وصلاة العصر. المذهب الثالث أنها صلاة العصر وهو قول علي وابن مسعود وأبي أيوب وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس وأبي سعيد الخدري وعائشة ، وهو قول عبيدة السلماني والحسن البصري وإبراهيم النخعي وقتادة والضحاك والكلبي ومقاتل ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد وداود وابن المنذر وقال الترمذي : هو قول أكثر الصحابة فمن بعدهم وقال الماوردي من أصحابنا : هذا مذهب الشافعي لصحة الأحاديث فيه قال وإنما نص على أنها الصبح لأنه لم تبلغه الأحاديث الصحيحة في العصر ومذهبه اتباع الحديث ويدل على صحة هذا المذهب ما روي عن علي أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال يوم الأحزاب وفي رواية يوم الخندق (ملأ اللّه قلوبهم وبيوتهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس) وفي رواية (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر) وذكر نحوه وزاد في أخرى (ثم صلاها بين المغرب والعشاء) أخرجاه في الصحيحين (م) عن ابن مسعود قال حبس المشركون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس أو اصفرت فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ اللّه أجوافهم وقبورهم نارا ، أو حشا اللّه أجوافهم وقبورهم نارا) عن سمرة بن جندب أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (الصلاة الوسطى صلاة العصر) أخرجه الترمذي وله عن ابن مسعود مثله وقال في كل واحد منهما حسن صحيح (م) عن أبي يونس مولى عائشة قال أمرتني عائشة أن أكتب مصحفا وقالت إذا بلغت هذه الآية فآذني : حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى قال فلما بلغتها آذنتها فأملت علي : (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا للّه قانتين) قالت عائشة سمعتها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ويروى عن حفصة نحو ذلك ، ولأن صلاة العصر تأتي وقت اشتغال الناس بمعايشهم فكان الأمر بالمحافظة عليها أولى ، ولأنها تأتي بين صلاتي نهار وهما الفجر والظهر وصلاتي ليل و هما المغرب والعشاء ، وقد خصت بمزيد التأكيد والأمر بالمحافظة والتغليظ لمن ضيعها ، ويدل على ذلك ما روي عن أبي المليح قال : كنا مع بريدة في غزوة فقال في يوم ذي غيم : بكروا بصلاة العصر فإن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله) أخرجه البخاري. قوله بكروا بصلاة العصر أي قدموها في أول وقتها (ق) عن ابن عمر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله) قوله : وتر أي نقص وسلب أهله وماله فبقي فردا بلا أهل ولا مال ومعنى الحديث ليكن حذره من فوت صلاة العصر كحذره من ذهاب أهله وماله. المذهب الرابع أنها صلاة المغرب قاله قبيصة بن ذؤيب ، وحجة هذا المذهب أن صلاة المغرب تأتي بين بياض النهار وسواد الليل ولأنها أزيد من ركعتين كما في الصبح ، وأقل من أربع ، ولا تقصر في السفر وهي وتر النهار ، ولأن صلاة الظهر تسمى الأولى لأن ابتداء جبريل كان بها ، وإذا كانت الظهر أولى الصلوات كانت المغرب هي الوسطى. المذهب الخامس أنها صلاة العشاء ولم ينقل عن أحد من السلف فيها شيء ، وإنما ذكرها بعض المتأخرين ، وحجة هذا المذهب أنها متوسطة بين صلاتين لا تقصران وهما المغرب والصبح ولأنها أثقل صلاة على المنافقين. المذهب السادس أن الصلاة الوسطى هي إحدى الصلوات الخمس لا بعينها لأن اللّه تعالى أمر بالمحافظة على الصلوات الخمس ثم عطف عليها بالصلاة الوسطى ، وليس في الآية ذكر بيانها ، وإذا كان كذلك أمكن أن يقال في كل واحدة من الصلوات الخمس أنها هي الوسطى أبهمها اللّه على عباده مع ما خصها بمزيد التوكيد تحريضا لهم على المحافظة على أداء جميع الصلوات على صفة الكمال والتمام ولهذا السبب أخفى اللّه تعالى ليلة القدر في شهر رمضان وأخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة وأخفى اسمه الأعظم في جميع أسمائه ليحافظوا على ذلك كله. وهذا المذهب اختاره جمع من العلماء قال محمد بن سيرين إن رجلا سأل زيد بن ثابت عن الصلاة الوسطى فقال حافظ على الصلوات كلها تصبها وسئل الربيع ابن خيثم عن الصلاة فقال للسائل الوسطى واحدة منهن فحافظ على الكل تكن محافظا على الوسطى ثم قال أرأيت لو علمتها بعينها أكنت محافظا عليها ومضيعا سائرهن فقال السائل لا فقال الربيع إنك أن حافظت عليهن فقد حافظت على الوسطى. والصحيح من هذه الأقوال كلها قولان قول من قال إنها الصبح وقول من قال إنها العصر وأصح الأقوال كلها أنها العصر للأحاديث الصحيحة الواردة فيها واللّه تعالى أعلم. وقوله تعالى : وَقُومُوا للّه قانِتِينَ أي طائعين فهو عبارة عن إكمال الطاعة وإتمامها والاحتراز عن إيقاع الخلل في أركانها وسننها قيل لكل أهل دين صلاة يقومون فيها عاصين فقوموا أنتم للّه في صلاتكم طائعين ، وقيل القنوت هو الدعاء والذكر بدليل : (أمن هو قانت) ولما أمر بالمحافظة على الصلوات وجب أن يحمل هذا القنوت على ما فيها من الذكر والدعاء فمعنى الآية وقوموا للّه داعين ذاكرين وقيل إنما خص القنوت بصلاة الصبح والوتر لهذا المعنى ، وقيل : القنوت هو السكوت عما لا يجوز التكلم به في الصلاة ، ويدل على ذلك ما روي عن زيد بن أرقم قال : (كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت : وَقُومُوا للّه قانِتِينَ فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام) أخرجاه في الصحيحين ، وقيل : القنوت هو طول القيام في الصلاة ويدل عليه ما روي عن جابر قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (أفضل الصلاة طول القنوت) أخرجه مسلم ومن القنوت أيضا طول الركوع والسجود وغض البصر والهدوء في الصلاة وخفض الجناح والخشوع فيها وكان العلماء إذا قام أحدهم يصلي يهاب الرحمن أن يلتفت أو يقلب الحصى أو يعبث بشيء أو يحدث نفسه بشيء من أمور الدنيا إلّا ناسيا قوله عز وجل : |
﴿ ٢٣٨ ﴾