٢٦٧يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ أي من خيار ما كسبتم وجيده وقيل : من حلالات ما كسبتم بالتجارة والصناعة وفيه دليل على إباحة الكسب وأنه ينقسم إلى طيب وخبيث. عن خولة الأنصارية قالت : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول : (إن هذا المال خضر حلو من أصابه بحق بورك له فيه ، ورب متخوض فيما شاءت نفسه من مال اللّه ورسوله ليس له يوم القيامة إلّا النار) أخرجه الترمذي. المتخوض الذي يأخذ المال من غير وجهه كما يخوض الإنسان في الماء يمينا وشمالا (خ) عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن حلال أم من حرام) (خ) عن المقدام أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي اللّه داود كان يأكل من عمل يده) عن عائشة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم ، وإن أولادكم من كسبكم) أخرجه الترمذي والنسائي. واختلفوا في المراد بقوله تعالى : أَنْفِقُوا فقيل : المراد به الزكاة المفروضة لأن الأمر للوجوب والزكاة واجبة فوجب صرف الآية إليها وقيل : المراد به صدقة التطوع وقيل : إنه يتناول الفرض والنفل جميعا لأن المفهوم من هذا الأمر ترجيح جانب الفعل على الترك وهذا المفهوم قدر مشترك بين الفرض والنفل فوجب أن يدخل تحت هذا الأمر فعلى القول الأول أن المراد من هذا الإنفاق هو الزكاة يتفرع عليه مسائل : المسألة الأولى : ظاهر الآية يدل على وجوب الزكاة في كل مال يكتسبه الإنسان فيدخل فيه زكاة الذهب والفضة والنعم وعروض التجارة ، لأن ذلك يوصف بأنه مكتسب وذهب جمهور العلماء إلى وجوب الزكاة في مال التجارة وقال داود الظاهري : لا تجب الزكاة بحكم التجارة في العروض إلّا أن ينوي به التجارة في حال تملكه ، ودليل الجمهور ما روي عن سمرة بن جندب قال : (كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأمرنا بإخراج الصدقة من الذي يعد للبيع) أخرجه أبو داود وعن أبي عمرو بن خماس أن أباه قال : مررت بعمر بن الخطاب وعلى عنقي أدمة أحملها فقال عمر ألا تؤدي زكاتك يا خماس فقلت مالي غير هذا واهب في القرظ قال : ذاك مال فضع فوضعها فحسبها فأخذ منها الزكاة فإذا حال الحول على عروض التجارة قوم فإن بلغ قيمته عشرين دينارا أو مائتي درهم أخرج منه ربع العشر. المسألة الثانية : في قوله تعالى : وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ظاهر الآية يدل على وجوب الزكاة في كل ما خرج من الأرض من النبات مما يزرع الآدميون ، لكن جمهور العلماء خصصوا هذا العموم فأوجبوا الزكاة في النخيل ، والكروم وفيما يقتات ويدخر من الحبوب وأوجب أبو حنيفة الزكاة في كل ما يقصد من نبات الأرض ، كالفواكه والبقول والخضراوات كالبطيخ والقثاء والخيار ونحو ذلك ، دليل الجمهور ما روي عن معاذ : (أنه كتب إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يسأله عن الخضراوات وهي البقول فقال : ليس فيها شي ء) أخرجه الترمذي. وقال هذا الحديث ليس بصحيح وليس يصح عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في هذا الباب شيء وإنما يروى هذا عن موسى بن طلحة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ، مرسلا والعمل على هذا عند أهل العلم أنه ليس في الخضراوات صدقة قلت وحديث موسى بن طلحة أخرجه الشيخ مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد اللّه بن تيمية الحراني في أحكامه عن عطاء بن السائب قال : (أراد عبد اللّه بن المغيرة أن يأخذ من أرض موسى بن طلحة من الخضراوات صدقة فقال له : موسى بن طلحة : ليس ذلك لك إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول : ليس في ذلك صدقة) رواه الأثرم في سننه وهو أقوى المراسيل لاحتجاج من أرسله به وقال الزهري والأوزاعي ومالك تجب الزكاة في الزيتون ، وتجب في الثمار عند بدو الصلاح وهو أن يحمر البسر ويصفر ووقت الإخراج بعد الاجتناء والجفاف ، وفي الحبوب عند الاشتداد ووقت الإخراج بعد الدراس والتصفية. المسألة الثالثة : يجب إخراج العشر فيما سقي بالمطر والأنهار والعيون ونصف العشر فيما سقي بنضح أو سانية ، ويدل على ذلك ما روي عن ابن عمر أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وما سقي بالنضح نصف العشر) أخرجه البخاري. ولأبي داود والنسائي قال : (فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلا العشر وما سقي بالسواني والنضح نصف العشر) قال أبو داود البعل ما شرب بعروقه ولم يتعن في سقيه وقال وكيع : هو الذي ينبت من ماء السماء قوله : أو كان عثريا أراد به القوي من الزرع وهو البعل وقد فسره في لفظ الحديث والنضح هو الاستسقاء وكذلك السانية وهي الدابة التي يسقي عليها سواء كانت من الإبل أو البقر ، ولا يجب العشر في السماء والزروع حتى تبلغ خمسة أوسق والوسق ستون صاعا ، وقال أبو حنيفة : يجب العشر في كل قليل أو كثير من الثمار والزروع واحتج الجمهور في إيجاب النصاب بما روي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى اللّهعليه وسلّم أنه قال : (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وليس فيما دون خمسة أواق صدقة ، وليس فيما دون خمسة ذود صدقة) وفي رواية (ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر أو حب صدقة) أخرجاه في الصحيحين ، ومن قال : إن المراد بقوله تعالى : أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ صدقة التطوع احتج بما روي عن أنس بن مالك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلّا كان له به صدقة) أخرجاه في الصحيحين. وقوله تعالى : وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ أي ولا تقصدوا الخبيث يعني الرديء من أموالكم مِنْهُ تُنْفِقُونَ أي من الخبيث. عن البراء بن عازب في قوله تعالى : وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ قال : نزلت فينا معشر الأنصار ، كنا أصحاب نخل فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته ، وقلته : وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلقه في المسجد ، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصا ، فسقط البسر أو التمر فيأكل وكان ناس ممن لا يرغب في الخير ، يأتي بالقنوفية الشيص والحشف ، وبالقنو قد انكسر فيعلقه فأنزل اللّه تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ قال : لو أن أحدكم أهدي إليه مثل ما أعطى لم يأخذه إلّا على إغماض وحياء قال : فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده أخرجه الترمذي. وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب وقيل كانوا يتصدقون بشرار ثمارهم ورذالة أموالهم ، ويعزلون الجيد لأنفسهم فأنزل اللّه تعالى : وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ يعني الرديء منه تنفقون يعني تتصدقون وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ يعني ذلك الشيء الخبيث الرديء إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ الإغماض في اللغة غض البصر ، وإطباق الجفن والمراد به هنا التجويز والمساهلة ، وذلك أن الإنسان إذا رأى ما يكره أغمض عينيه لئلا يرى ذلك قال ابن عباس : معناه لو أن لأحدكم على رجل حقا فجاءه بهذا لم يأخذه إلّا وهو يرى أنه قد أغمض عن حقه وتركه وقال البراء : هو لو أهدى ذلك ما أخذتموه إلّا على استحياء من صاحبه وغيظ فكيف ترضون إلى ما لا ترضون لأنفسكم إذا كان المال كله جيدا فليس له إعطاء الرديء لأن أهل السهمان شركاء له فيما عنده ، وإن كان كله رديئا فلا بأس بإعطاء الرديء وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّه غَنِيٌّ يعني عن صدقاتكم لم يأمركم بالتصدق لعوز واحتياج إليها حَمِيدٌ أي محمود في أفعاله ، وقيل : حميد بمعنى حامد أي أجركم على ما تفعلونه من الخير. قوله عز وجل : |
﴿ ٢٦٧ ﴾