١٠٣وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه جَمِيعاً أي تمسكوا بحبل اللّه والحبل هو السبب الذي يتوصل به إلى البغية وسمي الإيمان حبلا لأنه سبب يتوصل به إلى زوال الخوف وقيل حبل اللّه هو السبب الذي به يتوصل إليه فعلى هذا اختلفوا في معنى الآية فقال ابن عباس : معناه تمسكوا بدين اللّه لأنه سبب يوصل إليه ، وقيل حبل اللّه هو القرآن لأنه أيضا سبب يوصل إليه. وفي أفراد مسلم من حديث زيد بن أرقم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب اللّه هو حبل اللّه من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة) الحديث عن ابن مسعود عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (إن هذا القرآن هو حبل اللّه المتين وهو النور المبين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به) وذكره البغوي بغير سند وقال ابن مسعود : هو الجماعة وقال عليكم بالجماعة فإنها حبل اللّه الذي أمر به وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة خير مما تحبون في الفرقة وقيل بحبل اللّه يعني بأمر اللّه وطاعته وَلا تَفَرَّقُوا يعني كما تفرقت اليهود والنصارى وقيل ولا تفرقوا يعني كما كنتم متفرقين في الجاهلية متدابرين يعادي بعضكم بعضا ويقتل بعضكم بعضا. قيل معناه لا تحدثوا ما يكون عنه التفرق ويزول معه الاجتماع والألفة التي أنتم عليها ففيه النهي عن التفرق والاختلاف والأمر بالاتفاق والاجتماع لأن الحق لا يكون إلا واحدا وما عداه يكون جهلا وضلالا وإذا كان كذلك وجب النهي عن الاختلاف في الدين وعن الفرقة لأن كل ذلك كان عادة أهل الجاهلية فنهوا عنه وروى البغوي بسنده عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (إن اللّه يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل اللّه جميعا ، وأن تناصحوا من ولى اللّه أمركم ، ويسخط لكم ثلاثا قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال). قوله تعالى : وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً قال محمد بن إسحاق وغيره من أهل الأخبار كان الأوس والخزرج أخوين لأب وأم فوقعت بينهما عداوة قتيل ثم تطاولت تلك العداوة والحروب بينهم مائة وعشرين سنة إلى أن أطفأ اللّه ذلك بالإسلام وألف بينهم بنبيه محمد صلّى اللّه عليه وسلّم. وسبب ذلك أن سويد بن الصامت أخا بني عمرو بن عوف وكان شريفا يسميه قومه الكامل لجلده ونسبه قدم مكة حاجا أو معتمرا وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد بعث وأمر بالدعوة فتصدى له النبي حين سمع به ودعاه إلى اللّه عز وجل وإلى الإسلام فقال له سويد فلعل الذي معك مثل الذي معي فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وما الذي معك؟ قال مجلد لقمان يعني حكمة لقمان فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أعرضها علي فعرضها عليه فقال : إن هذا الكلام حسن ومعي أفضل من هذا قرآن أنزل اللّه عز وجل على نورا وهدى فتلا عليه القرآن ودعاه إلى الإسلام فلم يبعد منه وقال : إن هذا القول قول حسن ثم انصرف إلى المدينة فلم يلبث أن قتله الخزرج يوم بعاث وإن قومه يقولون : قد قتل وهو مسلم. ثم قدم أبو الحيس أنس بن رافع ومعه فتية من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج فلما سمع بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أتاهم وجلس إليهم وقال لهم : هل لكم إلى خير مما جئتم له قالوا وما هو؟ قال أنا رسول اللّه قد بعثني اللّه إلى العباد أدعوهم إلى أن لا يشركوا باللّه شيئا وأنزل على الكتاب ثم ذكر الإسلام وتلا عليهم القرآن. قال إياس بن معاذ وكان غلاما حدثا أي قوم هذا واللّه خير مما جئتم له فأخذ أبو الحيس حفنة من البطحاء فضرب بها وجه إياس وقال : دعنا منك فلعمري لقدجئنا لغير هذا فصمت إياس وقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عنهم وانصرفوا إلى المدينة فكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج فلم يلبث إياس بن معاذ أن هلك ، فلما أراد اللّه عز وجل إظهار دينه وإعزاز نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار فعرض نفسه على القبائل من العرب كما كان يصنع في كل موسم فلقي عند العقبة رهطا من الخزرج أراد اللّه بهم خيرا وهم ستة نفر أسعد بن زرارة وعوف بن الحارث وهو ابن عفراء ورافع بن مالك العجلاني وقطبة بن عامر بن خريدة وعقبة بن عامر بن بابي وجابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهم فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من أنتم قالوا نفر من الخزرج قال أمن موالي اليهود قالوا نعم قال : أفلا تجلسون حتى أكلمكم قالوا : بلى ، فجلسوا معه فدعاهم إلى اللّه عز وجل وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن. قال : وكان مما صنع اللّه لهم به في الإسلام أن يهود كانوا معهم ببلادهم وكانوا أهل كتاب وعلم وهم أهل أوثان وشرك وكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا : إن نبيّا الآن مبعوث قد أظل زمانه سنتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم فلما كلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أولئك النفر ودعاهم إلى اللّه عز وجل قال بعضهم لبعض : يا قوم تعلمون واللّه أنه النبي الذي توعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه فأجابوه وصدقوه وأسلموا معه وقالوا إنا تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم فعسى اللّه أن يجمعهم بك وسنقدم عليهم وندعوهم إلى أمرك ، فإن يجمعهم اللّه عليك فلا رجل أعز منك ثم انصرفوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم راجعين إلى بلادهم فلما قدموا المدينة ذكروا لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم فلم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا وهم أسعد بن زرارة وعوف ومعاذ ابنا عفراء ورافع بن مالك العجلاني وذكوان بن عبد القيس وعبادة بن الصامت وزيد بن ثعلبة وعباس بن عبادة وعقبة بن عامر وقطبة بن عامر فهؤلاء خزرجيون وأبو الهيثم بن التيهان وعويم بن ساعدة من الأوس فلقوه بالعقبة وهي العقبة الأولى فبايعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على بيعة النساء على أن لا يشركن باللّه شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين بهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف الآية فإن وفيتم فلكم الجنة وإن غشيتم شيئا من ذلك فأخذتم بحده في الدنيا فهو كفارة وإن ستر عليكم فأمركم إلى اللّه عز وجل إن شاء عذبكم وإن شاء غفر لكم قال وذلك قبل أن يفرض الحرب ، قال : فلما انصرف القوم بعث معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف وأمره أن يقرئهم القرآن و يعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين وكان يسمى مصعب بالمدينة المقرئ ، وكان منزله على أسعد بن زرارة ثم إن أسعد بن زرارة خرج ومصعب فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر فجلسا في الحائط واجتمع إليهما رجال ممن أسلم فقال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير انطلق إلى هذين الرجلين اللذين أتيا دارنا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما فإن أسعد بن خالتي ولولا ذلك لكفيتكه ، وكان سعد بن معاذ وأسيد بن حضير سيدي قومهما من بني عبد الأشهل وهما بعد مشركان فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إلى مصعب : وأسعد وهما جالسان في الحائط فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق اللّه فيه قال مصعب إن يجلس أكلمه فلما وقف عليهما متشتما وقال ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا اعتزلا إن كانت لكما في أنفسكما حاجة قال له مصعب أو تجلس فتسمع فإن رضيت أمرا قبلته وإن كرهته كف عنك ما تكره؟ قال : أنصفت ثم ركز حربته وجلس إليهما فكلمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن قال واللّه لعرفنا الإسلام في وجهه قبل أن يتكلم من إشراقه وتسهله ثم قال ما أحسن هذا وأجمله كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين قالا تغتسل وتطهر ثوبك وتشهد شهادة الحق ثم تصلي ركعتين فقام واغتسل وطهر ثوبه وشهد شهادة الحق ثم صلى ركعتين ثم قال : إن ورائي رجلا إن تبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه وسأرسله إليكما الآن سعد بن معاذ ثم أخذ حربته فانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم فلما نظر سعد إلى أسيد مقبلا قال أحلف باللّه لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم فلما وقف أسيد على النادي قال له سعد ما فعلت قال كلمت الرجلين فو اللّه ما رأيت بهما بأسا وقد نهيتهما فقال : لا نفعل إلا ما أحببت وقد حدثت أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليحقروك فقام سعد مغضبا للذي ذكره من بني حارثة فأخذ الحربة ثم قال واللّه ما أراك أغنيت شيئا فانصرف إليهما فلما رآهما مطمئنين عرف أن أسيدا إنما أراد أن يسمع منهما فوقف عليهما متشتما ثم قال لأسعد بن زرارة : لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني تغشانا في دارنا بما نكره وقد كان قال أسعد لمصعب : جاءك واللّه سيد قومه إن يتبعك لم يخالفك أحد منهم ، فقال له مصعب : أو تقعد فتسمع فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره فقال سعد : أنصفت ثم ركزا الحربة وجلس فعرض عليه مصعب الإسلام وقرأ عليه القرآن قالا فعرفنا واللّه الإسلام في وجهه قبل أن يتكلم من إشراق وجهه وتسهله ثم قال : كيف تصنعون إذا أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ قالا : تغتسل وتطهر ثوبك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلّي ركعتين. فقام واغتسل وطهر ثوبه وشهد شهادة الحق وركع ركعتين ثم أخذ حربته وأقبل عامدا إلى نادي قومه ومعه أسيد بن حضير فلما رأوه مقبلا قالوا نحلف باللّه لقد رجع سعد إليكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم فلما وقف عليهم قال : يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم قالوا سيدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة. قال : فإن كان رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتى تؤمنوا باللّه ورسوله قال فما أمسى في دار بني الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلم ومسلمة ورجع أسعد بن زرارة ومصعب بن عمير إلى منزل أسعد فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون ومسلمات إلّا ما كان من دار أمية بن زيد وخطمة ووائل ووافق ذلك أنه كان فيهم أبو قيس بن الأسلت الشاعر وكانوا يسمعون منه ويطيعونه فوقف بهم عن الإسلام حتى هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المدينة ومضى بدر وأحد والخندق قالوا ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة وخرج معه من الأنصار المسلمين سبعون رجلا مع حجاج قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة فوعدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم العقبة من أوسط أيام التشريق وهي بيعة العقبة الثانية قال كعب ابن مالك وكان قد شهد ذلك فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومعنا عبد اللّه بن عمرو بن حرام أبو جابر أخبرناه وكنا نكتم من معنا من المشركين من قومنا أمرنا فكلمناه وقلنا : يا أبا جابر إنك سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا ، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا ودعوناه إلى الإسلام فأسلم فأخبرناه بميعاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فشهد معنا العقبة وكان نقيبا فبتنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا لميعاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نتسلل مستخفين تسلل القطا حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن سبعون رجلا ومعنا امرأتان من نسائنا نسيبة بنت كعب أم عمارة إحدى نساء بني النجار وأسماء بنت عمرو بن عدي أم منيع إحدى نساء بني سلمة فاجتمعنا بالشعب ننتظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى جاءنا ومعه عمه العباس ابن عبد المطلب وهو يومئذ على دين قومه إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوقف له فلما جلسنا كان أول من تكلم العباس بن عبد المطلب فقال : يا معشر الخزرج وكانت العرب يسمون هذا الحي من الأنصار الخزرج خزرجها وأوسها إن محمدا منا حيث قد علمتم وقد منعناه عن قومنا ممن هو على مثل رأينا وهو في عز من قومه ومنعة في بلده وإنه قد أبى إلا الانقطاع إليكم واللحوق بكم ، فإن كنتم ترون أنكم وافون بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم به من ذلك ، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم فمن الآن فدعوه فإنه في عزو ومنعة قال فقلنا : قد سمعنا ما قلت فتكلم يا رسول اللّه وخذ لنفسك ولربك ما شئت فتكلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فتلا القرآن ودعا إلى اللّه عز وجل ورغب في الإسلام ثم قال أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم ونساءكم وأبناءكم قال فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال والذي بعثك بالحق نبيّا لنمعنك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا يا رسول اللّه فنحن أهل الحرب وأهل الحلقة ورثناهما كابرا عن كابر فاعترض القول والبراء يكلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أبو الهيثم بن التيهان فقال : يا رسول اللّه إن بيننا وبين الناس حبالا يعني عهودا وإنا قاطعوها فهل عسيت إن فعلنا ذلك ثم أظهرك أن ترجع إلى قومك وتدعنا فتبسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثم قال : بل الدم الدم والهدم الهدم أنتم مني وأنا منكم أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : أخرجوا إلى منكم اثني عشر نقيبا كفلاء على قومهم بما فيهم ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم فأخرجوا اثني عشر نقيبا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس قال عاصم بن عمرو بن قتادة إن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري : يا معشر الخزرج هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود ، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا أسلمتموه فمن الآن فهو واللّه خزي في الدنيا والآخرة وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه فهو واللّه خير الدنيا و الآخرة. قالوا فإنا نأخذ على مصيبة الأموال وقتل الأشراف فما لنا بذلك يا رسول اللّه إن نحن وفينا قال الجنة قالوا ابسط يدك فبسط يده فبايعوه وأول من ضرب على يده البراء بن معرور ثم تتابع القوم قال فلما بايعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت ما سمعته قط يا أهل الحباحب هل لكم في مذمم والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : هذا عدو اللّه هذا أزب العقبة يعني شيطان العقبة اسمع أي عدو اللّه أما واللّه لأفرغن لك ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : انفضوا إلى رحالكم فقال العباس بن عبادة بن نضلة والذي بعثك بالحق لئن شئت لنميلن على أهل منى بأسيافنا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم فرجعنا إلى مضاجعنا فنمنا عليها حتى أصبحنا فلما أصبحنا غدت علينا جلة قريش حتى جاءونا في منازلنا فقالوا : يا معشر الخزرج بلغنا أنكم جئتم صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه على حربنا وإنه واللّه ما حي من العرب أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينه منكم قال فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون باللّه ما كان من هذا شيء وما علمناه وصدقوا لم يعلموا به وبعضنا ينظر إلى بعض وقام القوم وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي وعليه نعلان جديدتان قال : فقلت له كلمة كأني أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوه يا أبا جابر أما تستطيع أن تتخذ وأنت سيد من ساداتنا مثل نعلي هذا الفتى من قريش قال فسمعها الحارث فخلعهما من رجليه ورمى بهما إليّ وقال واللّه لتنتعلنهما قال أبو جابر مه واللّه أحفظت الفتى فاردد إليه نعليه قال فقلت لا أردهما قال : واللّه يا أبا صالح لئن صدق الفأل لأسلبنه قال : ثم انصرف الأنصار إلى المدينة وقد شدوا العقد فلما قدموها أظهروا الإسلام بها وبلغ ذلك قريشا فآذوا أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأصحابه : (إن اللّه قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون فيها) فأمرهم بالهجرة إلى المدينة واللحوق بإخوانهم من الأنصار فأول من هاجر إلى المدينة أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي ثم عامر بن ربيعة ثم عبد اللّه بن جحش ثم تتابعوا أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أرسالا إلى المدينة ثم هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المدينة فجمع اللّه عز وجل أهل المدينة أوسها وخزرجها بالإسلام ، وأصلح ذات بينهم بنبيه عليه الصلاة والسلام وأنزل اللّه عز وجل : وَاذْكُرُوا يعني يا معشر الأنصار نِعْمَتَ اللّه عَلَيْكُمْ يعني بالإسلام إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً يعني قبل الإسلام فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ يعني بالإسلام وبنبيّه عليه الصلاة والسلام فأصبحتم بنعمته إخوانا يعني فصرتم برحمته وبدينه الإسلام إخوانا في الدين والولاية بعد العداوة وَكُنْتُمْ يا معشر الأوس والخزرج عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ يعني على طرف حفرة مثل شفا البئر ليس بينكم وبين الوقوع في النار إلا أن تموتوا على كفركم فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها أي فخلصكم بالإيمان من الوقوع في النار كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّه لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. |
﴿ ١٠٣ ﴾