١٥٤

ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ يا معشر المسلمين مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ الذي أصابكم أَمَنَةً نُعاساً يعني أمنا والأمنة والأمن واحد

وقيل الأمن يكون مع زوال الخوف والأمنة مع بقاء سبب الخوف. وكان سبب الخوف يعد باقيا ، والنعاس أخف من النوم والمعنى أعقبكم بما نالكم من الخوف والرعب أن أمّنكم أمنا تنامون معه لأن الخائف لا يكاد ينام فأمّنهم بعد خوفهم يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ قال ابن عباس : أمّنهم يومئذ بنعاس يغشاهم وإنما ينعس من يأمن والخائف لا ينام

(خ) عن أنس عن أبي طلحة قال : كنت فيمن يغشاهم النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا يسقط وآخذه ويسقط فآخذه. وأخرجه الترمذي عنه قال : غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد وذكر نحو رواية البخاري وزاد والطائفة الأخرى المنافقون ليس لهم هم إلا أنفسهم أجبن قوم وأرعبه وأخذ له للحق.

وفي رواية أخرى له قال رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أراهم وما منهم يومئذ أحد إلا يميد تحت حجفته من النعاس فذلك

قوله تعالى ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا. وقال الزبير بن العوام لقد رأيتني مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين اشتد علينا الخوف أرسل اللّه تعالى علينا النوم واللّه إني لأسمع قول معتب بن قشير والنعاس يغشاني ما أسمعه إلا كالحلم يقول لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلناها هنا فقوله تعالى : يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ يعني المؤمنين وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يعني المنافقين أراد اللّه يميز المؤمنين من المنافقين فأوقع النعاس على المؤمنين حتى أمنوا ولم يوقع النعاس على المنافقين فبقوا في الخوف.

وفي إلقاء النعاس على المؤمنين دون المنافقين آية عظيمة ومعجزة باهرة لأن النعاس كان سبب أمن المؤمنين وعدم النعاس عن المنافقين كان سبب خوفهم وهو

قوله تعالى : وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يعني حملتهم أنفسهم على الهم لأن أسباب الخوف وهي قصد الأعداء كانت حاصلة عندهم يَظُنُّونَ بِاللّه غَيْرَ الْحَقِّ يعني يظنون أن اللّه لا ينصر محمدا وأصحابه

وقيل إن محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم قد قتل وإن أمره يضمحل والمعنى يظنون باللّه غير الظن الحق الذي يجب أن يظن به ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ أي كظن أهل الجاهلية يَقُولُونَ يعني المنافقين هَلْ لَنا أي مالنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ وذلك أنه لما شاور النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول رأس المنافقين في هذه الواقعة وأشار عليه أن لا يخرج من المدينة فلما خالفه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وخرج وقتل من قتل قيل لعبد اللّه بن أبيّ قد قتل بنو الخزرج قال هل لنا من الأمر شيء وهو استفهام على سبيل الإنكار أي مالنا أمر يطاع.

وقيل المراد بالأمر النصر والظفر يعني ما لنا من هذا الذي يعدنا محمد به من النصر والظفر من شيء إنما هو للمشركين قُلْ يا محمد لهؤلاء المنافقين إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ للّه يعني النصر والظفر والقضاء والقدر كله للّه وبيده يصرفه كيف يشاء ويدبره كيف أحب يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ

يعني من الكفر والشك في وعد اللّه عز وجل

وقيل يخفون الندم على خروجهم مع المسلمين

وقيل الذي أخفوه وهو

قوله تعالى حكاية عنهم : يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا وذلك أن المنافقين قال بعضهم لبعض لو كان لنا عقول لم نخرج مع محمد إلى قتال أهل مكة ولم تقتل رؤساؤنا.

وقيل كانوا يقولون لو كنا على الحق ما قتلنا هاهنا. وعن ابن عباس في

قوله تعالى : يَظُنُّونَ بِاللّه غَيْرَ الْحَقِّ يعني التكذيب بالقدر وهو قولهم :

(لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا) قيل إن الذي قال هل لنا من الأمر من شيء هو عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول المنافق والذي قال لو كان لنا من الأمر شيء هو معتب بن قشير قُلْ أي قل يا محمد لهؤلاء المنافقين لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ أي قضى عليهم القتل وقدر عليهم إِلى مَضاجِعِهِمْ يعني مصارعهم التي يصرعون بها وقت القتل ومعنى الآية أن الحذر لا ينفع مع القدر والتدبير لا يقاوم. التقدير فالذين قدر عليهم القتل وقضاه وحكم به عليهم لا بد وأن يقتلوا والمعنى لو جلستم في بيوتكم لخرج منها ولظهر الذين قضى اللّه عليهم بالقتل وقضاه إلى حيث يقتلون فيه وَلِيَبْتَلِيَ اللّه ما فِي صُدُورِكُمْ أي وليختبر ما في صدوركم ليعلّمه مشاهدة ، كما علمه غيبا لأن المجازاة إنما تقع على ما علمه مشاهدة

وقيل معناه ليعاملكم معاملة المبتلي المختبر لكم

وقيل معناه ليبتلي أولياء اللّه ما في صدوركم فأضاف الابتلاء إليه تعظيما لشأن أوليائه المؤمنين وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ قال قتادة أي يطهرها من الشك والارتياب بما يريكم من عجائب صنعه في إلقاء الأمنة وصرف العدو وإظهار سرائر المنافقين فعلى هذا يكون الخطاب للمؤمنين خاصة.

وقيل معناه وليبين ويظهر ما في قلوبكم يعني من الاعتقاد للّه ولرسوله وللمؤمنين من العداوة فعلى هذا يكون الخطاب للمنافقين خاصة وَاللّه عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ يعني بالأشياء الموجودة في الصدور وهي الأسرار والضمائر لأنه عالم بجميع المعلومات.

قوله عز وجل :

﴿ ١٥٤