١٦١

قوله عز وجل : وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ قال ابن عباس نزلت هذه الآية وما كان لنبي أن يغل في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر فقال بعض القوم لعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أخذها فأنزل اللّه تعالى هذه الآية إلى آخرها. أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن غريب وروي عن الضحاك قال بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم طلائع فغنم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فلم يقسم الطلائع فأنزل اللّه تعالى وما كان لنبي أن يغل وروى ابن جرير الطبري عن ابن عباس في

قوله تعالى وما كان لنبي أن يغل يقول ما كان لنبي أن يقسم إلى طائفة من المؤمنين ويترك طائفة ويجوز في القسم ولكن يقسم بالعدل ويأخذ فيه بأمر اللّه ويحكم فيه بما أنزل اللّه يقول ما كان اللّه ليجعل نبيا يغل من أصحابه فإذا فعل ذلك النبي استنوا به وقال مقاتل والكلبي نزلت في غنائم أحد حين ترك الرماة المركز للغنيمة.

وقالوا نخشى أن يقول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : من أخذ شيئا فهو له وأن لا تقسم الغنائم كما لم تقسم يوم بدر فتركوا المركز ووقعوا في الغنائم فقال لهم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : ألم أعهد إليكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمري قالوا تركنا بقية إخواننا وقوفا فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بل ظننتم أنا نغل فلا نقسم فأنزل اللّه هذه الآية وقال قتادة ذكر لنا أنها نزلت في طائفة غلت من أصحابه

وقيل إن الأقوياء ألحوا عليه يسألونه من المغنم فأنزل اللّه تعالى وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ يعني فيعطي قوما ويمنع آخرين بل عليه أن يقسم بينهم بالسوية وقال محمد بن كعب القرظي ومحمد بن إسحاق بن يسار هذا في شأن الوحي يقول وما كان لنبي أن يكتم شيئا من الوحي رغبة أو رهبة أو مداهنة والغلول هو الخيانة. وأصله أخذ الشيء في خفية يقال غل فلان يغل قرئ بفتح الياء وضم الغين أي وما كان لنبي أن يخون لأن النبوة والخيانة لا يجتمعان لأن منصب النبوة أعظم المناصب وأشرفها وأعلاها لا تليق به الخيانة لأنها في نهاية الدناءة والخسة والجمع بين الضدين محال فثبت بذلك أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لم يخن أمته في شيء لا من الغنائم ، ولا من الوحي.

وقيل المراد به الأمة لأنه قد ثبت براءة ساحة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من الغلول والخيانة فدل ذلك على أن المراد بالغلول غيره

وقيل اللام فيه منقولة معناه ما كان النبي ليغل على نفي الغلول عن الأنبياء

وقيل معناه ما كان لنبي الغلول أراد ما غل نبي قط فنفى عن الأنبياء :

الغلول

وقيل معناه وما كان يحل لنبي الغلول وإذا لم يحل له لم يفعله وحجة هذه القراءة أنهم نسبوا النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الغلول. في بعض الروايات فبين اللّه تعالى بهذه الآية أن هذه الخصلة لا تليق به ونفى عنه ذلك بقوله وما كان لنبي أن يغل وقرئ يغل بضم الياء وفتح الغين ولها معنيان

أحدهما أن يكون من الغلول أيضا ومعناه وما كان لنبي أن يخان أي تخونه أمته

والثاني أن يكون من الإغلال ومعناه وما كان لنبي أن يخون أي ينسب إلى الخيانة وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يعني بالشيء الذي غله بعينه يحمله على ظهره يوم القيامة ليزداد فضيحة بما يحمله يوم القيامة

وقيل يمثل ذلك الشيء في النار ثم يقال له انزل فخذه فينزل فيحمله على ظهره فإذا بلغ موضعه وقع ذلك الشيء في النار فيكلف أن ينزل إليه ليخرجنه يفعل به ذلك ما شاء اللّه

وقيل معناه أنه يأتي بإثم ما غله فيجازى به يوم القيامة وهو

قوله تعالى : ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ يعني من خير أو شر والمعنى أن كل كاسب خيرا كان ذلك الكسب أو شرا فهو مجزى به يوم القيامة وهو في جزاء عمله وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ يعني بل يعدل بينهم يوم القيامة في الجزاء فيجازى كل على عمله.

(فصل في ذكر أحاديث وردت في الغلول ووعيد الغال) وقد تقدم أن أصل الغلول هو أخذ الشيء في خفية وأنه الخيانة إلا أنه قد صار في العرف مخصوصا بالخيانة في الغنيمة وبهذا وردت الأحاديث

(ق) عن أبي هريرة قال : قام فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذات يوم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره حتى قال : لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول اللّه أغثني وأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول يا رسول اللّه أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول يا رسول اللّه أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح فيقول يا رسول اللّه أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة وعلى رقبته رقاع تخفق فيقول يا رسول اللّه أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول يا رسول اللّه أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك لفظ مسلم.

الرغاء صوت البعير والثغاء صوت الشاة والرقاع الثياب والصامت الذهب والفضة

(ق) عن أبي هريرة قال : خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى خيبر ففتح اللّه علينا فلم نغنم ذهبا ولا ورقا غنمنا المتاع والطعام والثياب ثم انطلقنا إلى الوادي يعني وادي القرى ومع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عبد له وهبه له رجل من جذام يدعى رفاعة بن زيد من بني الضبيب فلما نزلنا الوادي قام عبد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحل رحله فرمى بسهم فكان فيه حتفه فقلنا هنيئا له شملته الشهادة يا رسول اللّه فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : كلا والذي نفس محمد بيده إن الشملة لتلتهب عليه نارا أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم قال ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال : أصبتها يوم خيبر فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شراك من نار أو شراكان من نار

وفي رواية نحوه وفيه ومعه عبد يقال له مدعم أهداه له أحد بني الضبيب وفيه إذ جاءه سهم عائر إشراك سير النعل الذي يكون على ظهر القدم ومثله شسع النعل والسهم العائر هو السهم الذي لا يدرى من رماه

(خ) عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال كان على ثقل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : رجل يقال له كركرة فمات فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هو في النار فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها عن زيد بن خالد الجهني أن رجلا من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم توفي فذكروه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال صلّوا على صاحبكم فتغيرت وجوه الناس لذلك فقال أن صاحبكم غل في سبيل اللّه ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز اليهود لا يساوي درهمين. أخرجه أبو داود والنسائي عن عمر بن الخطاب أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال من غل فاحرقوا متاعه واضربوه.

أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأبا بكر وعمر أحرقوا متاع الغال وضربوه زاد في رواية ومنعوه سهمه أخرجه أبو داود.

قوله تعالى :

﴿ ١٦١