١٨٠

وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ يعني ولا يحسبن الذين يبخلون البخل خيرا لهم بَلْ هُوَ يعني البخل شَرٌّ لَهُمْ والبخل هو إمساك المقتنيات عما لا يستحق حبسها عنه والبخيل هو الذي يكثر منه البخل والآية دالة على ذم البخل عن عبد اللّه بن عمر قال : خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال : إياكم والشح فإنما هلك من كان قبلكم بالشح. أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالفجور ففجروا أخرجه أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خصلتان لا يجتمعان في مؤمن : البخل وسوء الخلق أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب واختلف العلماء فيمن نزلت هذه الآية فقال عبد اللّه بن مسعود وأبو هريرة وابن عباس في رواية أبي صالح عنه والشعبي ومجاهد نزلت هذه الآية في الذين يبخلون أن يؤدوا زكاة أموالهم ووجه هذا القول أن أكثر العلماء ذهبوا إلى أن البخل عبارة عن منع الواجب وأن من منع التطوع لا يكون بخيلا ويدل عليه الوعيد الشديد في سياق الآية.

وهو قوله تعالى سيطوقون ما بخلوا به وهذا لا يكون إلّا في ترك الواجب لا في التطوع وقال ابن عباس في رواية عطية عنه وابن جريج عن مجاهد أنها نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا صفة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ونبوته وهذا القول هو اختيار الزجاج ووجه هذا القول أن البخل عبارة عن منع الخير والنفع ويدخل فيه العلم كما يقال بخل فلان بعلمه وصحح الطبري

القول الأول واختاره وقوله سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي سيلزمون وبال ما بخلوا به إلزام الطوق فإن حملنا معنى الآية على منع الزكاة والبخل بها فقد قال ابن مسعود وابن عباس يجعل ما منعه من الزكاة حية تطوق في عنقه يوم القيامة تنهشه من فرقه إلى قدمه ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (من آتاه اللّه مالا فلم يود زكاته مثل له يوم القيام شجاع أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم أخذ بلهزمتيه يعني شدقيه ثم يقول : أنا مالك أنا كنزك ثم تلا ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم اللّه) الآية أخرجه البخاري قوله زبيبتان قيل هما النكتتان السوداوان فوق عيني الحية

وقيل هما نقطتان يكتنفان فاها

وقيل هما زبيبتان في شدقيها وقد جاء في الحديث تفسير لهزمتيه بأنهما شدقاه

وقيل إنهما مضغتان في أصل الحنك

وقيل هما منحني اللحيين أسفل من الأذنين وكله متقارب.

(ق) عن أبي ذر قال : انتهيت إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال : هم الأخسرون ورب الكعبة قال :

فجئت حتى جلست فلم أتقار أن قمت فقلت يا رسول اللّه فداك أبي وأمي من هم؟ قال هم الأكثرون أموالا إلّا من قال هكذا وهكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله

وقيل ما هم ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلّا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما نفذت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضي بين الناس لفظ مسلم وفرقه البخاري ، بمعناه في موضعين.

وقيل في معنى الآية أنه يجعل في أعناقهم أطواق من النار

وقيل يكلفون يوم القيامة أن يأتوا بما بخلوا به من أموالهم في الدنيا وإن حملنا تفسير البخل على البخل بالعلم وكتمانه فقد قال ابن عباس في قوله سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة أي يحملون وزره وإثمه فيكون على طريق التمثيل كما يقال قلدتك هذا الأمر وجعلته في عنقك

وقيل يجعل في رقابهم طوق من نار ويدل عليه ما روي عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من سئل علما يعلمه فكتمه ألجم بلجام من نار أخرجه الترمذي

وفي رواية أبي داود من سئل عن علم فكتمه ألجمه اللّه بلجام من نار يوم القيامة قيل في معنى الحديث إنهم لما سألوا عن العلم فكتموه ولم ينطقوا به بألسنتهم ولم يخرجوه من أفواههم عوضوا عن ذلك بلجام من نار في أفواههم عقوبة لهم واللّه أعلم.

قوله تعالى : وَللّه مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني أنه سبحانه وتعالى الباقي الدائم بعد فناء خلقه وزوال أملاكهم فيموتون وتبقى أملاكهم فيرثها سبحانه والمقصود من الآية أنه يبطل ملك جميع المالكين ويبقى الملك للّه تعالى

وقيل في معنى الآية وله ما فيهما مما يتوارثه أهلهما من مال وعلم وغير ذلك ذلك فما لهؤلاء البخلاء يبخلون عليه بملكه ولا ينفقونه في سبيله وَاللّه بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ قرئ يعملون الياء على الغيبة على طريقة الالتفات وهي أبلغ في الوعيد والمعنى واللّه بما يعملون يعني البخلاء من منعهم الحقوق خبير فيجازيهم عليه وقرئ بالتاء على خطاب الحاضرين

قوله عز وجل :

﴿ ١٨٠