٢

وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ نزلت في رجل من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم كان في حجره فلما بلغ اليتيم طلب المال الذي له فمنعه عمه فترافعا إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فنزلت هذه الآية فلما سمعها العم قال : (أطعنا اللّه وأطعنا الرسول نعوذ باللّه من الحوب الكبير ودفع إلى اليتيم ماله فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : من يوق شح نفسه ويطع ربه هكذا. فإنه يحل داره يعني جنته فلما قبض الصبي أنفقه في سبيل اللّه فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : ثبت الأجر وبقي الوزر فقالوا كيف ثبت الأجر وبقي الوزر؟ قال ثبت الأجر للغلام وبقي الوزر على أبيه. والخطاب في

قوله تعالى وَآتُوا خطاب للأولياء والأوصياء واليتامى جمع يتيم وهو الصبي الذي مات أبوه واليتيم في اللغة الانفراد ومن الدرة اليتيمة لانفرادها واسم اليتيم يقع على الصغير والكبير لغة لبقاء معنى الانفراد عن الآباء لكن في العرف اختص اسم اليتيم بمن لم يبلغ مبلغ الرجال.

فإذا بلغ الصبي وصار يستغني بنفسه عن غيره زال عنه اسم اليتم وسئل ابن عباس اليتيم متى ينقطع عنه اسم اليتم؟ قال إذا أونس منه الرشد وإنما سماهم يتامى بعد البلوغ على مقتضى اللغة أو لقرب عهدهم باليتم وإن كان قد زال عنهم بالبلوغ

وقيل المراد باليتامى الصغار الذين لم يبلغوا والمعنى وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ بعد البلوغ وتحقق الرشد

وقيل معناه وآتوا اليتامى الصغار ما يحتجون إليه من نفقة وكسوة و

القول الأول هو الصحيح إذا المراد باليتامى البالغون لأنه لا يجوز دفع المال إلى اليتيم إلا بعد البلوغ وتحقق الرشد وَلا تَتَبَدَّلُوا أي ولا تستبدلوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ يعني الخبيث الذي هو حرام عليكم بالحلال من أموالكم واختلفوا في هذا التبديل فقال سعيد بن المسيب والنخعي والزهري والسدي كان أولياء اليتامى يأخذون الجيد من مال اليتيم ويجعلون مكانه الرديء ، فربما كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة ويجعل مكانها الهزيلة ويأخذ الدرهم الجيد ويجعل مكانه الزيف ويقول شاة بشاة ودرهم بدرهم فذلك تبديلهم فنهوا عنه وقال عطاء هو الربح في مال اليتيم وهو صغير لا علم له بذلك.

وقيل إنه ليس بإبدال حقيقة. وإنما هو أخذه مستهلكا وذلك أن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون النساء والصغار وإنما كان يأخذ الميراث الأكابر من الرجال

وقيل هو أكل مال اليتيم عوضا عن أكل أموالهم فنهوا عن ذلك وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ يعني مع أموالكم

وقيل معناه ولا تضموا أموالهم إلى أموالكم في الإنفاق واعلم أن اللّه تعالى نهى عن أكل مال اليتيم وأراد به جميع التصرفات المهلكة للمال وإنما ذكر الأكل لأنه معظم المقصود إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً يعني أن أكل مال اليتيم من غير حق إثم عظيم والحوب الإثم.

قوله عز وجل : وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى يعني وإن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا فيهن إذا نكحتموهن فانكحوا غيرهن من الغرائب

(ق) عن عروة أنه سأل عائشة رضي اللّه تعالى عنهما عن

قوله تعالى : وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ- إلى قوله- أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ قالت يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن ينتقص صداقها فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق وأمروا بنكاح من سواهن قالت عائشة رضي اللّه عنها فاستفتى الناس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد ذلك فأنزل اللّه عز وجل وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ- إلى- وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ فبيّن اللّه لهم هذه الآية أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها ولم يلحقوها بسنتها في إكمال الصداق وإن كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء قال فكلما يتركونها حين يرغبونها عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق. وقال الحسن كان الرجل من أهل المدينة تكون عنده الأيتام وفيهن من يحل له نكاحها فيتزوجها لأجل مالها وهي لا تعجبه كراهية أن يدخل غريب فيشاركه في مالها ثم يسيء صحبتها ويتربص بها إلى أن تموت فيورثها فعاب اللّه ذلك عليهم وأنزل

هذه الآية. وقال عكرمة في روايته عن ابن عباس كان الرجل من قريش يتزوج العشر من النساء أو أكثر فإذا صار معدما من نساء مال إلى مال يتيمته التي في حجره فأنفقه فقيل لهم : لا تزيدوا على أربع حتى لا يحوجكم إلى أخذ مال اليتامى

وقيل كانوا يتحرجون عن أموال اليتامى ويترخصون في النساء فيتزوجون ما شاؤوا فربما عدلوا وربما لم يعدلوا فلما أنزل اللّه تعالى في أموال اليتامى وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ أنزل هذه الآية

﴿ ٢