٣٦

وَاعْبُدُوا اللّه يعني وحدوه وأطيعوه وعبادة اللّه تعالى عبارة عن كل فعل يأتي به العبد لمجرد اللّه تعالى ويدخل فيه جميع أعمال القلوب وأعمال الجوارح وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً يعني وأخلصوا له في العبادة ولا تجعلوا له في الربوبية والعبادة شريكا لأن من عبد مع اللّه غيره أو أراد بعمله غير اللّه فقد أشرك به ولا يكون مخلصا

(ق) عن معاذ بن جبل قال : كنت رديف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على حمار يقال له عفير أو اسمه يعفور فقال : يا معاذ هل تدري ما حق اللّه على عباده وما حق العباد على اللّه؟

قلت : اللّه ورسوله أعلم قال : فإن حق اللّه على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على اللّه أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا فقلت يا رسول اللّه أفلا أبشر الناس قال لا تبشرهم فيتكلوا) قوله هل تدري ما حق اللّه على عباده معناه ما يستحقه مما أوجبه وجعله متحتما عليهم ثم فسر ذلك الحق بقوله أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وقوله وما حق العباد على اللّه إنما قال حقهم على سبيل المقابلة لحقه عليهم لا لأنهم يستحقون عليه شيئا ويجوز أن يكون من قول الرجل لصاحبه حقك عليّ واجب أي متأكد قيامي به. وقوله أفلا أبشر الناس إلخ إنما قال لا تبشرهم فيتكلوا. لأنه صلّى اللّه عليه وسلّم رأى ذلك أصلح لهم وأحرى أن لا يتكلوا على هذه البشارة ويتركوا العمل الذي ترفع لهم به الدرجات في الجنة.

وقوله تعالى : وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً تقديره وأحسنوا بالوالدين إحسانا يعني برّا بهما واعطفا عليهما وإنما قرن بر الوالدين بعبادته وتوحيده لتأكد حقهما على الولد. واعلم أن الإحسان بالوالدين هو أن يقوم بخدمتها ولا يرفع صوته عليهما ويسعى في تحصيل مرادهما والإنفاق عليهما بقدر القدرة

(ق) عن أبي هريرة قال : (جاء رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال يا رسول اللّه من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال أمك قال ثم من؟ قال ثم أمك؟ قال ثم من؟

قال ثم أمك؟ قال ثم من؟ قال ثم أبوك)

وفي رواية قال : (أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك فأدناك قوله ثم أباك فيه حذف تقديره ثم بر أباك)

(م) عنه قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول : (رغم أنفه رغم أنفه رغم أنفه قيل من يا رسول اللّه؟ قال من أدرك والديه عند الكبر أو

أحدهما ثم لم يدخل الجنة).

قوله تعالى : وَبِذِي الْقُرْبى أي وأحسنوا إلى ذي القرابة وهو ذوو رحمه من قبل أبيه وأمه

(ق) عن أنس بن مالك رضي اللّه تعالى عنه قال :

سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول : (من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) قوله ينسأ له في أثره يعني يؤخر له في أجله وعمره.

وقوله تعالى : وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ أي وأحسنوا إلى اليتامى وإنما أمر بالإحسان إليهم لأن اليتيم مخصوص بنوعين من العجز والصغر وعدم المشفق والمسكين هو الذي ركبه ذل الفاقة والفقر فتمسكن لذلك

(خ) عن سهل بن سعد قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (أنا وكافل اليتيم في الجنة) هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا. عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : (قال الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل اللّه وأحسبه قال وكالقائم الذي لا يفتر وكالصائم الذي لا يفطر)

وقوله تعالى : وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ أي وأحسنوا إلى الجار ذي القربى وهو الذي قرب جواره منك والجار الجنب هو الذي بعد جواره عنك

وقيل الجار ذو القربى هو القريب والجار الجنب هو الأجنبي الذي ليس بينك وبينه قرابة :

(ق) عن ابن عمر رضي اللّه تعالى عنه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) وعن عائشة مثله

(خ) عن عائشة رضي اللّه عنها قالت : (قلت يا رسول اللّه إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال إلى أقربهما بابا منك)

(م) عن أبي ذر قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك)

وفي رواية قال أوصاني خليلي صلّى اللّه عليه وسلّم : (قال إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها ثم انظر إلى أهل البيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف)

(ق) عن أبي هريرة أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (و اللّه لا يؤمن واللّه لا يؤمن واللّه لا يؤمن قيل من يا رسول اللّه؟ قال الذي لا يأمن جاره بوائقه) ولمسلم (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه) البوائق الغوائل والشرور

(ق) عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (يا نساء المؤمنات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة) معناه ولو أن تهدي إليها فرسن شاة وهو الظلف وأراد به الشيء الحقير

(ق) عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت).

وقوله تعالى : وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ قال ابن عباس هو الرفيق في السفر

وقيل هي المرأة تكون معك إلى جنبك

وقيل هو الذي يصحبك رجاء نفعك.

عن عبد اللّه بن عمر قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (خير الأصحاب عند اللّه تعالى خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند اللّه تعالى خيرهم لجاره) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن

وقوله تعالى : وَابْنِ السَّبِيلِ يعني المسافر المجتاز بك الذي قد انقطع به وقال الأكثرون المراد بابن السبيل الضيف يمر بك فتكرمه وتحسن إليه

(ق) عن أبي شريح خويلد بن عمرو العدوي قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول : (من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته قالوا وما جائزته يا رسول اللّه؟ قال : (يومه وليلته والضيافة ثلاثة أيام فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه) وقال : (من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) زاد في رواية ولا يحل لرجل مسلم أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه. قال : يا رسول اللّه وكيف يؤثمه؟ قال يقيم عنده ولا شيء عنده يقريه به) قوله جائزته يومه وليلته الجائزة العطية أي يقري الضيف ثلاثة أيام ثم يعطيه ما يجوز به من منهل إلى منهل

وقيل هو أن يكرم الضيف فإذا سافر أعطاه ما يكفيه يوما وليلة حتى يصل إلى موضع آخر وقوله أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه أي يوقعه في الإثم لأنه إذا أقام عنده ولم يقره أثم بذلك.

وقوله تعالى : وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يعني المماليك فأحسنوا إليهم والإحسان إليهم أن لا يكلفهم ما لا يطيقون ولا يؤذيهم بالكلام الخشن وأن يعطيهم من الطعام والكسوة ما يحتاجون إليه بقدر الكفاية

عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (لا يدخل الجنة سيئ الملكة) أخرجه الترمذي عن رافع بن مكيث أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (حسن الملكة نماء وسوء الخلق شؤم) أخرجه أبو داود وله عن علي بن أبي طالب قال كان آخر كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (الصلاة الصلاة اتقوا اللّه فيما ملكت أيمانكم)

(ق) عن المعرور بن سويد قال رأيت أبا ذر وعليه حلة وعلى غلامه حلة مثلها فسألته عن ذلك فذكر أنه سابّ رجلا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فعيره بأمه فأتى الرجل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فذكر ذلك له فقال له النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : (إنك امرؤ فيك جاهلية قلت على ساعتي هذه من كبر السن قال نعم هم إخوانكم وخولكم جعلهم اللّه تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم عليه).

وقوله تعالى : إِنَّ اللّه لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا المختال المتكبر العظيم في نفسه الذي لا يقوم بحقوق الناس (فخورا) الفخور هو الذي يفتخر على الناس ويعدد مناقبه تكبرا وتطاولا على من دونه ،

وقيل هو الذي يفتخر على عباد اللّه بما أعطاه اللّه من نعمه ولا يشكره عليها وإنما ختم اللّه هذه الآية بهذين الوصفين المذمومين لأن المختال الفخور يأنف من أقاربه الفقراء ومن جيرانه الضعفاء فلا يحسن إليهم ولا يلوي بنظره عليهم ولأن المختال هو المتكبر ومن كان متكبرا فلا يقوم بحقوق الناس

(ق) عن ابن عمر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (لا ينظر اللّه تعالى يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء)

(ق) عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (لا ينظر اللّه يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا)

(ق) عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل جمته يختال في مشيته إذ خسف اللّه به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة)

(خ) عن ابن عمر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :

(بينما رجل ممن كان قبلكم يجر إزاره من الخيلاء خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة

(ق)) عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول : (الفخر والخيلاء في الفدادين من أهل الوبر والسكينة في أهل الغنم الفدادون هم الفلاحون والحراثون وأصحاب الإبل والبقر المستكبرون منهما المتكبرون على الناس بهما)

قوله عز وجل :

﴿ ٣٦