٤٣يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى جمع سكران حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ سبب نزول هذه الآية ما روي عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال صنع لنا ابن عوف طعاما فدعانا فأكلنا وسقانا خمرا قبل تحريم الخمر فأخذت منا وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت : قل يا أيّها الكافرون أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون قال فخلطت فنزلت لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب وأخرجه أبو داود ولفظه أن رجلا من الأنصار دعاه وعبد الرحمن بن عوف فسقاهما قبل أن تحرم الخمر فحضرت الصلاة فأمّهم علي في المغرب فقرأ قل يا أيها الكافرون فخلط فيها فنزلت الآية : لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وروى ابن جرير الطبري عن ابن عباس أن رجالا كانوا يأتون الصلاة وهم سكارى قبل أن تحرم الخمر فقال اللّه عز وجل : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى الآية فعلى هذا ففي المراد بالصلاة قولان : أحدهما أنه نفس الصلاة ذات الركوع والسجود وهو قول الأكثرين المعنى لا تصلّوا وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون. والقول الثاني إن المراد بالصلاة موضع الصلاة وهو المسجد وإطلاق لفظ الصلاة على المسجد محتمل فيكون من باب حذف المضاف. والمعنى لا تقربوا مواضع الصلاة وأنتم سكارى وحذف المضاف جائز سائغ. ويدل عليه قوله تعالى لهدمت صوامع وبيع وصلوات والمراد بالصلوات مواضعها فثبت أن إطلاق لفظ الصلاة والمراد موضعها جائز. واعلم أن هذا النهي عن قربان الصلاة في حالة السكر إنما كان قبل تحريم الخمر فكانوا يشربونها في غير أوقات الصلاة ثم نزل تحريم الخمر بعد ذلك ونسخت هذه الآية وقال الضحاك المراد بالسكر سكر النوم يعني لا تقربوا الصلاة عند غلبة النوم ويدل عليه ما روي عن عائشة رضي اللّه عنها أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلّى وهو ناعس لا يدري لعله يذهب يستغفر ربه فيسب نفسه) أخرجاه في الصحيحين. وقوله تعالى : وَلا جُنُباً يعني ولا تقربوا الصلاة وأنتم جنب والجنب يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث لأنه اسم جرى مجرى المصدر الذي هو الإجناب وأصل الجنابة البعد سمي الذي أصابته الجنابة جنبا لأنه يتجنب الصلاة والمسجد وقيل لمجانبته الناس حتى يغتسل إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ العابر هاهنا فاعل من العبور وهو قطع الطريق من هذا الجانب إلى الجانب الآخر واختلف العلماء في معنى قوله إلا عابري سبيل على قولين : أحدهما إن المراد بالعبور هو العبور في المسجد وذلك أن قوما من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد فتصيبهم الجنابة ولا ماء عندهم ولا ممر لهم إلّا في المسجد فرخص لهم العبور فيه فعلى هذا القول يكون المراد بالصلاة موضع الصلاة والمعنى لا تقربوا المسجد وأنتم جنب إلا مجتازين فيه للخروج منه أو للدخول فيه مثل أن يكون قد نام في المسجد فأجنب فيجب الخروج منه أو يكون الماء في المسجد فيدخل إليه أو يكون طريقه عليه فيمر فيه من غير إقامة وهذا قول ابن مسعود وأنس بن مالك والحسن وسعيد بن المسيب وعكرمة وعطاء الخراساني والنخعي والزهري وإليه ذهب الشافعي وأحمد. القول الثاني أن المراد من قوله إلّا عابري سبيل المسافرون والمعنى لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب إلا أن تكونوا مسافرين ولم تجدوا الماء فتيمموا فمنع الجنب من الصلاة حتى يغتسل إلا أن يكون في سفر ولا ماء معه فيتيمم ويصلّي إلى أن يجد الماء فيغتسل وهذا قول علي وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة فمن جعل عابري السبيل المسافرين منه الجنب من العبور في المسجد وهو مذهب أبي حنيفة. وصحح ابن جرير الطبري الواحدي القول الأول ويدل على صحته وجهان : أحدهما أن المسافر الجنب لا تصح صلاته بدون التيمم ولم يذكر التيمم هاهنا فيحتاج إلى إضمار شيئين : عدم الماء وذكر التيمم وعلى القول الأول لا يحتاج إلى إضمار شيء. الوجه الثاني أن اللّه تعالى ذكر حكم السفر وعدم الماء وجواز التيمم بعد هذا فلا يحل هذا على حكم معاد في الآية ويدل على أن جميع القراء استحسنوا الوقف على قوله : حَتَّى تَغْتَسِلُوا يعني إلى أن تغتسلوا وفيه دليل على أن حكم الجنابة باق على الجنب إلى غاية هي الاغتسال. (فصل في أحكام تتعلق بالآية) اختلف العلماء في العبور في المسجد فأباحه قوم على الإطلاق وهو قول الحسن وبه قال مالك والشافعي ومنعه بعضهم على الإطلاق وهو قول أصحاب الرأي. وقال قوم يتيمم للعبور في المسجد واختلف العلماء في المكث في المسجد أيضا للجنب فمنعه أكثر أهل العلم وقالوا لا يجوز للجنب المكث في المسجد بحال لما روي عن عائشة رضي اللّه تعالى عنها قالت : جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال : وجهوا هذه البيوت عن المسجد ثم دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن تنزل لهم رخصة فخرج إليهم بعد. فقال وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل لحائض ولا جنب أخرجه أبو داود وجوز أحمد المكث في المسجد بشرط الوضوء به. قال المزني من أصحاب الشافعي وأجاب أحمد عن حديث عائشة بأنه في رواته مجهول. وقال عبد الحق لا يثبت من قبل إسناده وأستدل أحمد لمذهبه بما روي عن عطاء بن يسار قال رأيت رجالا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤوا وضوء الصلاة أخرجه سعيد بن منصور في مسنده واحتج لمذهب الجمهور بعموم الآية وبما روي عن أم سلمة قالت دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته أن المسجد لا يحل لجنب ولا حائض أخرجه ابن ماجة ويحرم على الجنب أيضا الطواف وقراءة القرآن كما يحرم عليه فعل الصلاة ويدل على ذلك أيضا ما روي عن علي بن أبي طالب قال كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقضي حاجته ثم يخرج فيقرأ القرآن ويأكل معنا اللحم ولا يحجبه وربما قال ولا يحجزه من القرآن شيء ليس الجنابة أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي ولفظه كان يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبا وقال حديث حسن صحيح عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (لا يقرأ الجنب ولا الحائض ولا النفساء من القرآن شيئا) أخرجه الدار قطني ويجب الغسل بأحد شيئين : بإنزال المني وهو الماء الدافق أو بإيلاج الحشفة في الفرج وإن لم ينزل ويدل على ذلك ما روي عن عائشة رضي اللّه تعالى عنها قالت سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما قال يغتسل وعن الوجه يرى أنه احتلم ولا يجد بللا. قال لا غسل عليه قالت أم سلمة والمرأة ترى ذلك أعليها غسل؟ قال نعم؟ أخرجه أبو داود والترمذي (ق) عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل) زاد في رواية وإن لم ينزل. وقوله تعالى : وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى جمع مريض وأراد به المرض الذي يضر معه إمساس الماء مثل الجدري وإحراق النار ونحو ذلك وإن كان على بعض مع وجود الماء وإن كان بعض أعضائه من استعمال الماء التلف أو زيادة الوجع فإنه يتيمم ويصلي مع وجود الماء وإن كان بعض أعضائه صحيحا وبعضها جريحا غسل الصحيح وتيمم للجريح في الوجه واليدين لما روي عن جابر قال : خرجنا في سفرنا فأصاب رجلا منا حجرا فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات فلما قدمنا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أخبر بذلك فقال : قتلوه قتلهم اللّه ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو قال يعصب شك الراوي على جرحه خرقة ثم يمسح عليه ويغسل سائر جسده أخرجه أبو داود والدار قطني ولم يجوز أصحاب الرأي الجمع بين الغسل والتيمم قالوا إذا كان أكثر أعضائه أو بدنه صحيحا غسل الصحيح ولا يتيمم عليه وإن كان الأكثر جريحا اقتصر على التيمم والحديث حجة لمن أوجب الجمع بين الغسل والتيمم. قوله تعالى : أَوْ عَلى سَفَرٍ يعني أو كنتم مسافرين وأراد به السفر الطويل والقصير وعدم الماء فإنه يتيمم ويصلي ولا إعادة عليه لما روي عن أبي ذر قال : (اجتمعت غنيمة عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال أبا ذر ابد فيها فبدوت إلى الربذة فكانت تصيبني الجنابة فأمكث الخمس والست فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال أبو ذر فسكت فقال ثكلتك أمك يا أبا ذر لأمك الويل فدعا بجارية سوداء فجاءت بعس فيه ماء فسترتني بثوب واستترت بالراحلة فاغتسلت ، فكأني ألقيت عني جبلا. فقال الصعيد الطيب : وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك فإن ذلك خير أخرجه أبو داود العس قدح من فخار يجعل فيه الماء للوضوء والاغتسال. أما إذا لم يكن الرجل مريضا ولا على سفر وعدم الماء في موضع لا يعدم فيه غالبا فإنه يتيمم ويصلي ثم يعيد إذا وجد الماء وقدر عليه وبه قال الشافعي وقال مالك والأوزاعي لا إعادة عليه وقال أبو حنيفة يؤخر الصلاة حتى يجد الماء. وقوله تعالى : أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ الغائط المكان المطمئن من الأرض وجمعه الغيطان وكانت عادة العرب إتيان الغائط للحدث فكنوا به عن الحدث وذلك أن الرجل منهم كان إذا أراد قضاء الحاجة طلب غائطا من الأرض يعني مكانا منخفضا من الأرض يحجبه عن أعين الناس فسمي الحدث بهذا الاسم فهو من باب تسمية الشيء باسم مكانه. وقوله تعالى أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ قرئ هنا وفي سورة المائدة لامستم النساء ولمستم بغير ألف واختلف العلماء في معنى الملامسة على قولين أحدهما أنه الجماع وهو قول علي وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة ووجه هذا القول أن اللّه تعالى كنى باللمس عن الجماع لأن اللمس يوصل إليه. قال ابن عباس إن اللّه حيي كريم يكني عن الجماع بالملامسة ، والقول الثاني إن المراد باللمس هنا التقاء البشرتين سواء كان بجماع أو بغير جماع وهو قول ابن مسعود وابن عمر والشعبي والنخعي ووجه هذا القول إن اللمس حقيقة في اللمس باليد فأما حمله على الجماع فمجاز والأصل حمل الكلام على الحقيقة لا على المجاز. وأما قراءة من قرأ أو لامستم فالملامسة مفاعلة والأصل حمل الكلام على الحقيقية لا على الإطلاق لأنه قد ورد في الحديث النهي عن بيع الملامسة قال أبو عبيدة في معناها هي أن يقول : إذا لمست ثوبي أو لمست ثوبك فقد وجب البيع فالملامسة في الحديث بمعنى اللمس باليد وإذا كانت مستعملة في غير المجامعة لم يدل قوله تعالى : أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ على صريح الجماع بل حمل على الأصل الموضوع له وهو اللمس باليد. (فصل في أحكام تتعلق بالآية وفيه مسائل) المسألة الأولى : إذا أفضى الرجل بشيء من بدنه إلى شيء من بدن المرأة ولا حائل بينهما انتقض وضوءهما وهو قول ابن مسعود وابن عمر وبه قال الزهري والأوزاعي والشافعي لما روي الشافعي بسنده عن ابن عمر أنه قال قبلة الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة فمن قبّل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء أخرجه مالك في الموطأ قال الشافعي : وبلغنا عن ابن المسعود مثله وقال مالك والليث بن سعد وأحمد وإسحاق إذا كان اللمس بشهوة انتقض الوضوء وإن لم يكن بشهوة فلا ويدل عليه ما روي عن عائشة رضي اللّه تعالى عنها : (أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ) قال عروة ومن هي إلّا لا أنت فضحكت أخرجه أبو داود وأجيب عن هذا الحديث بأنه ليس بثابت قال الترمذي إنه لا يصلح إسناده بحال وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث وقال حبيب بن ثابت لم يسمع من عروة وضعف يحيى بن سعيد القطان هذا الحديث وقال هو شبه لا شيء وفيه ضعف من وجه آخر وهو أن عروة هذا ليس بعروة بن الزبير ابن أخت عائشة إنما هو شيخ مجهول قال البيهقي يعرف بعروة المزني وإنما المحفوظ عن عائشة : (أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقبل وهو صائم) كذا رواه الثقات عن عائشة وقال أبو حنيفة لا ينتقض الوضوء باللمس إلّا أن يحدث الانتشار وقال قوم لا ينتقض بحال وهو قول ابن عباس وبه قال الحسن والثوري واحتج من لم يوجب الوضوء باللمس بما روي عن عائشة أنها قالت : (كنت أنام بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح) أخرجاه في الصحيحين وأجاب من أوجب الوضوء باللمس عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن يكون غمزه لها على حائل. المسألة الثانية : اختلف قول الشافعي في لمس المحرم كالأم والبنت والأخت أو أجنبية صغيرة فأصح القولين عنه أنه لا ينتقض الوضوء به والثاني أنه ينتقض الوضوء به ومأخذ القولين عند أصحاب الشافعي التردد بين التعلق بعموم الآية في قوله : (أو لامستم النساء) أو النظر إلى المعنى في النقض باللمس وهو تحرك الشهوة فإن أخذنا بعموم الآية فينتقض الوضوء بلمس المحارم وإن أخذنا بالمعنى فلا ينتقض وفي الملموس قولان والملموس هو الذي لا فعل منه في المباشرة رجلا كان أو امرأة واللامس هو الفاعل اللمس وإن لم يقصد المباشرة فأحد القولين إنه ينتقض وضوء اللامس والملموس لعموم الآية لأنه لمس وقع بين الرجل والمرأة فينتقض وضوءهما معا والقول الثاني إنه ينتقض وضوء اللامس دون الملموس لما روي عن عائشة رضي اللّه تعالى عنها قالت : (فقدت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة من الفراش فالتمسته فوضعت يدي على أخمص قدميه وهو ساجد وهما منصوبتان وهو يقول : اللّهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) أخرجه مسلم فلو انتقض وضوءه صلّى اللّه عليه وسلّم لقطع الصلاة ولو لمس شعر امرأة أو سنها أو ظفرها فلا وضوء عليه. المسألة الثالثة في الحدث : وهو الخارج من السبيلين عينا كالبول والغائط أو أثرا كالريح ونحوها فإذا حصل شيء من ذلك فلا تصح صلاته ما لم يتوضأ أو يتيمم عند عدم الماء لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (لا يقبل اللّه صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) فقال رجل من أهل حضر موت ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال فساء أو ضراط أخرجاه في الصحيحين أما خروج النجاسة من غير السبيلين كالفصد والحجامة والرعاف والقيء ونحوها فذهب قوم إلى أنه لا وضوء من خروج هذه الأشياء يروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس وبه قال عطاء وطاوس والحسن وابن المسيب وإليه ذهب مالك والشافعي لما روي عن أنس قال : (احتجم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فصلى ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه) أخرجه الدار قطني وذهب قوم إلى إيجاب الوضوء من ذلك منهم سفيان الثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق واتفق هؤلاء على أن خروج القليل منه لا ينقض الوضوء ويدل على انتقاض الوضوء بخروج هذه الأشياء ما روي عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء : (أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قاء فتوضأ قال معدان فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت له ذلك فقال صدق أنا صببت له وضوءه) أخرجه الترمذي وقال هو أصح شيء في هذا الباب. المسألة الرابعة : من نواقض الوضوء زوال العقل بجنون أو إغماء أو نوم لما روي عن علي قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ) أخرجه أبو داود وابن ماجة ويستثنى من ذلك النوم اليسير ، قاعدا مفضيا بمحل الحدث إلى الأرض ويدل على ذلك ما روي عن أنس. قال : كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ينتظرون العشاء الأخيرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون أخرجه أبو داود وذهب قوم إلى أن النوم لا ينقض الوضوء بكل حال وهو قول أبي هريرة وعائشة وبه قال الحسن وإسحاق والمزني وذهب قوم إلى أنه لو نام قائما أو قاعدا أو ساجدا وهو في الصلاة فلا وضوء عليه حتى يضطجع وبه قال سفيان الثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي لما روي عن ابن عباس أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (ليس على من نام ساجدا وضوء حتى يضطجع فإذا اضطجع استرخت مفاصله) أخرجه أحمد بن حنبل وضعف بعضهم هذا الحديث. المسألة الخامسة : من نواقض الوضوء مس الفرج من نفسه أو غيره فذهب قوم إلى أنه يوجب الوضوء وهو قول عمر وابن عمر وابن عباس وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وعائشة وبه قال سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وإليه ذهب الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق غير أن الشافعي قال : ينتقض الوضوء إذا لمس ببطن الكف والرجل والمرأة في ذلك سواء ويدل على ذلك ما روي عن بسرة بنت صفوان أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (من مس ذكره فلا يصلّ حتى يتوضأ) أخرجه الترمذي وقال حديث صحيح ولأبي داود والنسائي نحوه وعن أم حبيبة قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول : (من مس فرجه فليتوضأ) أخرجه ابن ماجة وصححه أحمد وأبو زرعة وعن أبي هريرة أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (من أفضى بيده إلى ذكره وليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء) أخرجه أحمد بن حنبل وذهب قوم إلى أن مس الذكر لا يوجب الوضوء وهو قول علي وابن مسعود وأبي الدرداء وحذيفة وبه قال الحسن وإليه ذهب الثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي واحتجوا بما روي عن طلق بن علي قال قدمنا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فجاءه رجل كأنه بدوي فقال : (يا نبي اللّه ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما توضأ قال هل هو إلّا مضغة أو قال بضعة منه؟) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي نحوه بمعناه وأجاب من أوجب الوضوء على من مس الذكر عن حديث طلق بن علي بأن قدومه على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان في أول الهجرة وهو يبني المسجد وأبو هريرة من آخرهم إسلاما. وقد روي انتقاض الوضوء بمس الذكر فصار حديث أبي هريرة ناسخا لحديث طلق بن علي وأيضا فإن حديث طلق يرويه عنه ابنه قيس بن طلق وهو ليس بالقوي عند أهل الحديث. وقوله تعالى : فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً اعلم أن التيمم من خصائص هذه الأمة خصها اللّه تعالى به ليسهل عليهم أسباب العبادة ويدل على ذلك ما روي عن حذيفة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء) أخرجه مسلم وكان سبب بدء التيمم ما روي عن عائشة رضي اللّه تعالى عنها قالت : (خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا : ألا ترى إلى ما صنعت برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبالناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فجاء أبو بكر ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال حبست رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء قالت عائشة فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء اللّه أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلّا مكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على فخذي فنام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى أصبح على غير ماء فأنزل اللّه عز وجل آية التيمم فتيمموا فقال أسيد بن حضير وهو أحد النقباء ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر قالت عائشة فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته) أخرجاه في الصحيحين قولها بالبيداء البيداء : المفازة والقفر وكل صحراء فهي بيداء وجمعها بيد وذات الجيش اسم لموضع وهو على بريد من المدينة وقولها فبعثنا البعير أي أثرناه قوله تعالى : فَلَمْ تَجِدُوا ماءً هو معطوف على ما قبله والمعنى أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فطلبتم الماء لتطهروا به فلم تجدوه يعني فأعوزكم فلم تجدوه بثمن ولا بغير ثمن لأن المحدث مأمور بالتطهر بالماء فإذا أعوزه الماء عدل عنه إلى التيمم بعد طلب الماء. قال الشافعي : إذا دخل وقت الصلاة طلب الماء فإن لم يجده تيمم وصلى ثم إذا دخل وقت الصلاة الثانية وجب عليه الطلب مرة أخرى. وقال أبو حنيفة : لا يجب عليه الطلب للصلاة الثانية حجة الشافعي قوله تعالى فلم تجدوا ماء فعدم الوجدان مشعر بسبق الطلب فلا بد في كل مرة من سبق الطلب وأجمعوا على أنه لو وجد الماء لكنه يحتاج إليه لعطشه أو عطش حيوان محترم فإنه يجوز له التيمم مع وجدان ذلك الماء وقوله تعالى : فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً أصل التيمم في اللغة القصد يقال تيممت فلانا إذا قصدته وهو في الشرع عبارة عن أفعال مخصوصة عند عدم الماء لتأدية الصلاة واختلفوا في الصعيد الطيب فقال قتادة الصعيد الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات. وقال ابن زيد الصعيد : المستوي من الأرض وكذلك قال الليث : الصعيد الأرض المستوية التي لا شيء فيها. وقال الفراء : الصعيد هو التراب وكذلك قال أبو عبيد في قوله صلّى اللّه عليه وسلّم : (إياكم والقعود بالصعدات) قال الصعدات الطرق مأخوذ من الصعيد وهو التراب وقيل الصعيد وجه الأرض البارز وهو اختيار الزجاج قال : الصعيد وجه الأرض ولا تبال أكان في الموضع تراب أو لا لأن الصعيد ليس هو التراب إنما هو وجه الأرض ونقل الربيع عن الشافعي في تفسير الصعيد قال : لا يقع اسم الصعيد إلّا على تراب ذي غبار فأما البطحاء الغليظة والرقيقة فلا يقع عليها اسم الصعيد فإن خالطه تراب أو مدر يكون له غبار كالذي خالطه هو الصعيد قال ولا يتيمم بنورة ولا كحل ولا زرنيخ كل هذا حجارة هذا كلام الشافعي في تفسير الصعيد وهو القدوة في اللغة وقوله في ذلك حجة وقد وافقه على ذلك الفراء وأبو عبيدة في أنه التراب وجميع الأقوال في الصعيد صحيحه في اللغة لكن المراد به هنا التراب وقد قال ابن عباس في قوله صعيدا هو التراب. واختلف أهل العلم فيما يجوز به التيمم فذهب الشافعي إلى أنه يختص بما وقع عليه اسم التراب مما له غبار يعلق بالوجه واليدين لأن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا) فخص التراب بالطهور ولأن اللّه تعالى وصف الصعيد بالطيب والطيب من الأرض هو الذي ينبت فيها بدليل قوله والبلد الطيب يخرج نباته فعلى هذا ما لا ينبت ليس بطيب ولنا أيضا قوله تعالى في سورة المائدة فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه وكلمة من للتبعيض هنا ولا يتأتى ذلك في الصخر الذي لا تراب عليه وأيضا فإنه يقال للغبار صعيد لأنه مأخوذ من الصعود وهو الارتفاع ولا يكون ذلك في الصخر وما أشبهه. وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنه يجوز التيمم بكل ما هو من جنس الأرض كالرمل والجص والنورة والزرنيخ ونحو ذلك حتى لو ضرب يده على صخرة ملساء لا غبار عليها صح تيممه عندهم واحتج أبو حنيفة ومن وافقه بظاهر الآية قالوا لأن التيمم هو القصد والصعيد اسم لما تصاعد من الأرض فقوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا أي اقصدوا أرضا فوجب أن يكون هذا القدر كافيا وأجيب عنه بما تقدم من الدليل في قوله منه وإن لفظة من تكون للتبعيض قالوا ولما روي عن جابر أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (و جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) وأجيب عنه بأن هذا مجمل يفسره ما تقدم من حديث حذيفة في تخصيص التراب والمفسر يقضي على المجمل وجوز بعضهم التيمم بكل ما هو متصل بالأرض من شجر ونبات ومدر ونحو ذلك قالوا لأن اسم الصعيد يقع على ما تصاعد على الأرض وأجيب عنه بما تقدم من الأدلة. وقوله تعالى : فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ الوجه المسموح في التيمم هو المجدود في الوضوء واختلف العلماء فيما يجب مسحه من اليد فذهب أكثر أهل العلم منهم ابن عمر وابنه سالم والحسن وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي أنه يمسح الوجه واليدين إلى المرفقين بضربتين وصورة ذلك أن يضرب كفيه على التراب ويمسح بهما وجهه ولا يجب إيصال التراب إلى منابت الشعور ثم يضرب ضربة أخرى ويفرق أصابعه فيمسح يديه إلى المرفقين ويدل على ذلك ما روي عن جابر عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : (التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين) رواه البيهقي ولم يضعفه وروي الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عن الأعرج عن ابن الصمة قال مررت على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يبول فسلمت عليه فلم يرد عليّ حتى قام إلى الجدار فحته بعصا كانت معه ثم وضع يده على الجدار فمسح وجهه وذراعيه ثم رد على هذا حديث منقطع لأن الأعرج وهو عبد الرحمن بن هرمز لم يسمع هذا من ابن الصمة وإنما سمعه من عمير مولى ابن عباس عن ابن الصمة وكذا هو مخرج في الصحيحين عن عمير مولى ابن عباس قال دخلنا على أبي جهيم بن الحارث فقال أبو جهيم أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم حتى أقبل على الجدار فوضع يده على الحائط فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام. ولأبي داود عن نافع قال انطلقت مع ابن عمر في حاجة إلى ابن عباس فلما أن قضى حاجته فكان من حديثه يومئذ أن قال مر رجل في سكة من سكك المدينة فلقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد خرج من غائط أو بول فسلم عليه الرجل فلم يرد عليه حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في السكة ضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بيده على حائط ومسح بها وجهه ثم ضرب ضربة أخرى فمسح بها ذراعيه ثم رد عليه السلام وقال : لم يمنعني إن أرد عليك أولا إلّا أني لم أكن على طهر وفي رواية فمسح ذراعيه إلى المرفقين فهذا أجود ما في هذا الباب. فإن البيهقي أشار إلى صحة إسناده وفيه دليل على الحكمين يعني مسح الوجه واليدين بضربتين وإيصال المسح إلى المرفقين وفيه دليل على أن التيمم لا يصح ما لم يعلق بالوجه واليدين غبار التراب لأن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم حت الجدار بالعصى ولو كان مجرد الضرب كافيا لما كان حته. ذهب الزهري أنه يمسح اليد إلى المنكبين ويدل على ذلك ما روي عن عمار بن ياسر قال تمسحوا وهم مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالصعيد لصلاة الفجر بأكفهم الصعيد ثم مسحوا بوجوههم مسحة واحدة ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى فمسحوا بأيديهم. كلها إلى المناكب والآباط ثم بطون أيديهم أخرجه أبو داود وذهب جماعة إلى أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين وهو قول علي وابن عباس وبه قال الشعبي وعطاء ومكحول وإليه ذهب الأوزاعي ومالك وأحمد وداود الظاهري واحتجوا بما روي عن عمار بن ياسر قال : بعثني النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة ثم أتيت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فذكرت ذلك له فقال إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ، وباطنهما ووجهه وفي رواية أن تقول هكذا وضرب بيديه الأرض فنفض يديه فمسح وجهه وكفيه أخرجاه في الصحيحين وجملته أن اليد اسم لهذه الجارحة وحدها عند بعض أهل اللغة من أطراف الأنامل إلى الكوع وهذا هو المقطوع في حد السرقة. وقال أبو إسحاق الزّجاج : حدها من أطراف الأنامل إلى الكتف فمن ذهب إلى أن الممسوح في التيمم هو الكف. قال إن حد اليد هو المقطوع في حد السرقة ومن ذهب إلى أن الممسوح في التيمم إلى المناكب والآباط نظر إلى أن مسمى اليد يطلق على جميعها ومن ذهب إلى أن الممسوح في التيمم إلى المرفقين قال إن التيمم بدل عن الوضوء واليد المغسولة في الوضوء هي الممسوحة في التيمم فيحمل المطلق الذي في قوله تعالى فامسحوا بوجوهكم وأيديكم على المقيد الذي في قوله تعالى في آية الوضوء فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأجاب من ذهب إلى هذا عن حديث عمار بأن المراد منه بيان صورة الضرب وليس المراد منه جميع ما يحصل به التيمم. (فصل وأركان التيمم خمسة) الأول تراب طاهر خالص له غبار يعلق بالوجه واليدين ويجوز بالرمل إذا كان عليه غبار. الثاني قصد الصعيد فلو تعرض لمهب الريح لم يكفه ولو يممه غيره بإذنه مع عجزه جاز وإن كان قادرا فوجهان. الثالث نقل التراب إلى الوجه واليدين. الرابع نية استباحة الصلاة فلو نوى رفع الحدث لم يصح وأكمله أن ينوي استباحة الفرض والنفل. الخامس مسح الوجه واليدين إلى المرفقين بضربتين والترتيب ولا يصح التيمم لصلاة إلّا بعد دخول وقتها ولا يجوز الجمع بين صلاتي فرض بتيمم واحد وهو قول علي وابن عباس وابن عمر وبه قال الشعبي والنخعي وقتادة وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وذهب جماعة إلى أن التيمم كالوضوء فيجوز تقديمه إلى الوقت ويجوز أن يصلي به ما شاء من الفرائض ما لم يحدث وهو قول سعيد بن المسيب والحسن والزهري والثوري وأصحاب الرأي واتفقوا على أنه يجوز أن يصلي بتيمم واحد ما شاء من النوافل قبل الفرض وبعده إلى أن يدخل وقت الصلاة الأخرى ، وأن يقرأ القرآن إن كان جنبا ويشترط طلب الماء في السفر بأن يطلبه في رحله وعند رفقائه وإن كان في صحراء ولا حائل دون نظره حواليه ، وإن كان دون نظره حائل قريب من تل أو جدار أو نحوه عدل عنه لأن اللّه تعالى قال فلم تجدوا ماء فتيمموا ولا يقال لم يجد إلّا لمن طلب ولا يشترط طلب عند أبي حنيفة فإن رأى الماء ولا يقدر عليه لمانع من عدو أو سبع يمنعه من الذهاب إليه أو كان الماء في بئر وليس معه آلة الاستقاء فهو كالعادم فيتيمم ويصلي ولا إعادة عليه واللّه أعلم. وقوله تعالى : إِنَّ اللّه كانَ عَفُوًّا يعني يتجاوز عن ذنوب عباده ويعفو ويصفح عنهم غَفُوراً ستورا على عباده يغفر الذنوب ويسترها وفيه تنبيه على أن اللّه تعالى رخص لعباده أمر العبادة ويسرها عليهم لأن من كانت عادته أن يغفر الذنوب ويعفو عنها كان أولى بأن يرخص للعاجزين أمر العبادة قوله عز وجل : |
﴿ ٤٣ ﴾