٧٩ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ يعني من خير ونعمة فَمِنَ اللّه يعني من فضل اللّه عليك يتفضل به إحسانا منه إليك وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ يعني من شدة ومكروه ومشقة وأذى فَمِنْ نَفْسِكَ يعني فمن قبل نفسك وبذنب اكتسبته نفسك استوجبت ذلك به وفي المخاطب بهذا الكلام قولان : أحدهما أنه عام وتقديره ما أصابك أيها الإنسان والثاني أنه خطاب للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم والمراد به من غيره من الأمة والنبي صلّى اللّه عليه وسلّم بريء لأن اللّه عز وجل قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وقد عصمه من حين البعثة فهو معصوم فيما يستقبل حتى يموت ويدل على أن المراد بهذا الخطاب غيره قوله عز وجل : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ خاطبه وحده ثم جمع الكل بقوله إذا طلقتم النساء فمعنى قوله فمن نفسك أي عقوبة لذنبك يا ابن آدم كذا قاله قتادة. وقال الكلبي : ما أصابك من خير فاللّه هداك له وأعانك فيه وما أصابك من أمر تكرهه فبذنبك عقوبة لذلك الذنب وقد تعلق بظاهر هذه الآية القدرية وقالوا نفى اللّه السيئة عن نفسه ونسبها إلى الإنسان بقوله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ولا متعلق لهم بها لأنه ليس المراد من الآية حسنة الكسب من الطاعات ولا السيئة المكتسبة من فعل المعاصي بل المراد من الحسنة والسيئة في هذه الآية ما يصيب الإنسان من النعم والمحن وذلك ليس من فعل العبد لأنه لا يقال في الطاعة والمعصية أصابني وإنما يقال أصبتها. ويقال في النعم والمحن أصابني بدليل أنه لم يذكر عليه ثوابا ولا عقابا فهو كقوله تعالى : فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ ولما ذكر اللّه حسنات الكسب وسيئاته وعد عليها بالثواب والعقاب فقال تعالى : مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها فبطل بهذا قول القدرية وقال بعضهم لو كانت الآية على ما يقول أهل القدر لقال ما أصبت من حسنة وما أصبت من سيئة ولم يقل ما أصابك لأن العادة جرت بقول الإنسان أصابني خير أو مكروه وأصبت حسنة أو سيئة وقيل في معنى الآية ما أصابك من حسنة أي النصر والظفر يوم بدر فمن اللّه أي من فضل اللّه ، وما أصابك من سيئة أي من قتل وهزيمة يوم أحد فمن نفسك يعنى فبذنوب أصحابك وهو مخالفتهم إياك. فإن قلت كيف وجه الجمع بين قوله تعالى قل كل من عند اللّه وبين قوله وما أصابك من سيئة فمن نفسك فأضاف السيئة إلى فعل العبد في هذه الآية قلت أما إضافة الأشياء كلها إلى اللّه تعالى في قوله : قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّه فعلى الحقيقة لأن اللّه تعالى وهو خالقها وموجدها وأما إضافة السيئة إلى فعل العبد فعلى المجاز تقديره وما أصابك من سيئة فمن اللّه بذنب نفسك عقوبة لك وقيل السيئة إلى فعل العبد على سبيل الأدب فهو كقوله تعالى : وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ فأضاف المرض إلى نفسه على طريق الأدب ولا يشك عاقل أن المرض هو اللّه تعالى وقيل هذه متصلة بما قبلها وفيه إضمار وتقديم وتأخير تقديره فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ويقولون ما أصابك من حسنة فمن اللّه وما أصابك من سيئة فمن نفسك قل كل من عند اللّه وقال ابن الأنباري في معنى الآية ما أصابك اللّه به من حسنة وما أصابك به من سيئة فالفعلان راجعان إلى اللّه تعالى. قوله تعالى : وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا يعني وأرسلناك يا محمد إلى كافة الناس رسولا لتبلغهم رسالتي وما أرسلتك به ولست رسولا إلى العرب خاصة كما قال بعض اليهود بل أنا رسول إلى الخلق كافة العرب وغيرهم وَكَفى بِاللّه شَهِيداً يعني على إرسالك للناس كافة فما ينبغي لأحد أن يخرج عن طاعتك واتباعك ، وقيل معناه وكفى باللّه شهيدا على تبليغك ما أرسلت به إلى الناس وقيل معناه وكفى باللّه شهيدا على أن الحسنة والسيئة من اللّه قوله عز وجل : |
﴿ ٧٩ ﴾