٨٢

أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أصل التدبر النظر في عواقب الأمور والتفكر في أدبارها ثم استعمل في كل تفكر وتأمل. يقال تدبرت الشيء أي نظرت في عاقبته ومعنى تدبر القرآن تأمل معانيه وتفكر في حكمه وتبصر ما فيه من الآيات. قال ابن عباس : أفلا يتدبرون القرآن فيتفكرون فيه فيرون تصديق بعضه لبعض وما فيه من المواعظ والذكر والأمر والنهي وأن أحدا من الخلق لا يقدر عليه قال العلماء إن اللّه تعالى احتج بالقرآن والتدبر فيه على صحة نبوة محمد للّه والحجة في ذلك من ثلاثة أوجه

أحدها فصاحته التي عجز الخلائق عن الإتيان بمثلها في أسلوبه.

الثاني إخباره عن الغيوب وهو ما يطلع اللّه تعالى نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم على أحوال المنافقين وما يخفونه من مكرهم وكيدهم فيفضحهم بذلك وغير ذلك من الاخبار عن أحوال الأولين وأخبارهم وما يأتي في المستقبل من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا اللّه تعالى.

الثالث سلامته من الاختلاف والتناقض وهو المراد بقوله تعالى : وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّه لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً قال ابن عباس يعني تفاوتا وتناقضا

وفي رواية عنه لو كان من عند مخلوق لكان فيه كذب واختلاف

وقيل معناه لوجدوا في إخباره عن الغيب بما يكون وبما قد كان اختلافا كثيرا لأن الغيب لا يعلمه إلا اللّه تعالى.

وإذا كان كذلك ثبت أنه من عند اللّه وأنه ليس فيه اختلاف ولا تناقض

وقيل لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا من حيث البلاغة والفصاحة والمعنى لو كان من عند مخلوق لكان على قياس الكلام المخلوق بعضه فصيح بليغ حسن وبعضه مردود ركيك فاسد فلما كان القرآن جميعه على منهاج واحد في الفصاحة والبلاغة ثبت أنه من عند اللّه والمعنى أفلا يتفكرون في القرآن فيعرفوا بعدم التناقض فيه وصدق ما يخبر به عن الغيوب أنه كلام اللّه عزّ وجلّ وأن ما يكون من عند غير اللّه لا يخلو عن تناقض واختلاف فلما كان القرآن ليس فيه تناقض واختلاف علم أنه من عند قادر على ما لا يقدر غيره عالم بما لا يعلمه سواه.

﴿ ٨٢