١٠١

وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ يعني إذا سافرتم فيها فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أي حرج وإثم أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ يعني من أربع ركعات إلى ركعتين وذلك في صلاة الظهر والعصر والعشاء ، وأصل القصر في اللغة التضييق

وقيل هو ضم الشيء إلى أصله. وفسر ابن الجوزي القصر بالنقص ولم أره لأحد من أهل التفسير واللغة

وقيل معنى قصر الصلاة جعلها قصيرة بترك بعض ركعاتها أو بعض أركانها ترخيصا ولهذا السبب ذكروا في تفسير

قصر الصلاة المذكورة في الآية قولين :

أحدهما أنه في عدد الركعات وهو رد الصلاة الرباعية إلى ركعتين

والقول الثاني أن المراد بالقصر إدخال التخفيف في أدائها وهو أن يكتفي بالإيماء والإشارة عن الركوع والسجود. و

القول الأول أصح ويدل عليه لفظة من في قوله أن تقصروا من الصلاة ولفظة من هنا للتبعيض وذلك يوجب جواز الاقتصار على بعض الصلاة فثبت بهذا أن تفسير القصر بإسقاط بعض ركعات الصلاة أولى إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ يعني يغتالكم ويقتلكم في الصلاة الَّذِينَ كَفَرُوا ذهب داود الظاهري إلى أن جواز القصر مخصوص بحال الخوف واستدل على صحة مذهبه بقوله تعالى : إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ولأن عدم الشرط يقتضي عدم المشروط فعلى هذا لا يجوز القصر عند الأمن ولا يجوز رفع هذا الشرط بخبر الآحاد لأنه يقتضي نسخ القرآن بخبر واحد ، وذهب جمهور أهل العلم إلى أن القصر في حال الأمن في السفر جائز ويدل عليه ما روي عن يعلى بن أمية. قال : قلت لعمر بن الخطاب ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا فقد أمن الناس فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ذلك فقال : (صدقة تصدق اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته) أخرجه مسلم وعن عبد اللّه بن خالد بن أسيد أنه قال لابن عمر كيف تقصرون الصلاة وإنما قال اللّه تعالى ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا فقال ابن عمر يا ابن أخي : (إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أتانا ونحن في ضلال فعلمنا فكان فيما علمنا أن أمرنا أن نصلي ركعتين في السفر).

أخرجه النسائي وعن ابن عباس أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا رب العالمين فصلى ركعتين أخرجه الترمذي والنسائي وأجاب الجمهور عن

قوله تعالى إن خفتم أن كلمة إن تفيد حصول الشرط ولا يلزم عند عدم الشرط عدم المشروط فقوله تعالى : إِنْ خِفْتُمْ يقتضي أن عند عدم الخوف لا تحصل رخصة القصر. وإذا كان كذلك كانت الآية ساكتة عن حال الأمن فإثبات الرخصة حال الأمن بخبر الواحد يكون إثباتا لحكم سكت عنه القرآن وذلك غير ممتنع إنما الممتنع إثبات الحكم بخبر الواحد على خلاف ما دل عليه القرآن.

فإن قلت إذا كان هذا الحكم ثابتا في حال الأمن والخوف فما فائدة تقييده بحال الخوف؟

قلت إنما نزلت الآية على غالب أسفار النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وأكثرها لم يخل عن خوف العدو فذكر اللّه عز وجل هذا الشرط من حيث إنه الأغلب في الوقوع.

وقوله تعالى : إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً أي ظاهر العداوة فلعلمي بهذا رخصت لكم في قصر الصلاة لئلا يجدوا إلى قتلكم واغتيالكم سبيلا وإنما قال عدوا ولم يقل أعداء لأنه يستوي فيه الواحد والجمع.

(فصل في أحكام تتعلق بالآية وفيه مسائل) المسألة الأولى : في حكم القصر قصر الصلاة في حالة السفر جائز بإجماع الأمة وإنما اختلفوا في جواز الإتمام في حال السفر فذهب أكثر العلماء إلى أن القصر واجب في السفر وهو قول عمر وعلي وابن عمر وجابر وابن عباس وبه قال الحسن وعمر بن عبد العزيز وقتادة وهو قول مالك وأبي حنيفة ويدل عليه ما روي عن عائشة قالت فرض اللّه الصلاة حين فرضها ركعتين ثم أتمها في الحضر وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى.

وفي رواية أخرى قالت : فرض اللّه الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر أخرجاه في الصحيحين وذهب قوم إلى جواز الإتمام في السفر ، ولكن القصر أفضل يروى ذلك عن عثمان وسعد بن أبي وقاص وإليه ذهب الشافعي وأحمد وهو رواية عن مالك أيضا. ويدل على ذلك ما روى البغوي بسند الشافعي عن عائشة قالت : كل ذلك قد فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قصر وأتم وعن عائشة أنها اعتمرت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت يا رسول اللّه بأبي أنت وأمي قصرت وأتممت وصمت وأفطرت؟ قال أحسنت يا عائشة وما عاب عليّ أخرجه النسائي وظاهر القرآن يدل على ذلك لأن اللّه تعالى قال فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ولفظة ولا جناح إنما تستعمل في الرخصة لا فيما يكون

حتما ، وأجيب عن حديث عائشة فرض اللّه الصلاة ركعتين بأن معناه فرضت ركعتين أولا وزيد في صلاة الحضر ركعتان على سبيل التحتم وأقرت صلاة السفر على جواز الاقتصار عليها وثبت جواز الإتمام بدليل آخر فوجب المصير إليه ليمكن الجمع بين الأحاديث ودلائل الشرع.

المسألة الثانية : اختلف في صلاة المسافر إذا صلى ركعتين ركعتين هل هي مقصورة أم غير مقصورة فذهب قوم إلى أنها غير مقصورة وإنما فرض صلاة المسافر ركعتان تمام غير قصر يروى ذلك عن ابن عباس وابن عمر وجابر بن عبد اللّه وإليه ذهب سعيد بن جبير والسدي وأبو حنيفة فعلى هذا يكون معنى القصر المذكور في الآية هو تخفيف ركوعها وسجودها. وقد تقدم الجواب عنه وذهب قوم إلى أنها مقصورة وليست بأصل ، وهو قول مجاهد وطاوس ، وإليه ذهب الشافعي وأحمد.

المسألة الثالثة : ذهب الشافعي ومالك وأحمد والجمهور ، إلى أنه يجوز القصر في كل سفر مباح وشرط بعضهم كونه سفر حج أو عمرة أو جهاد أو سفر طاعة ، ولا يجوز القصر في سفر المعصية ، وقال أبو حنيفة والثوري يجوز ذلك.

المسألة الرابعة : اختلف العلماء في مسافة القصر فقال داود وأهل الظاهر يجوز القصر في قصير السفر وطويله وروي ذلك عن أنس أيضا وقال عمرو بن دينار قال لي جابر بن زيد أقصر بعرفة.

وأما عامة أهل العلم فإنهم لا يجوزون القصر في السفر القصير واختلفوا في حد الطويل الذي يجوز فيه القصر. فقال الأوزاعي مسيرة يوم وكان ابن عمرو وابن عباس يقصران ويفطران في مسيرة أربعة برد هي ستة عشر فرسخا وإليه ذهب مالك وأحمد وإسحاق وقول الحسن والزهري قريب من ذلك فإنهما قالا مسيرة يومين ، وإليه ذهب الشافعي فقال مسيرة ليلتين قاصدتين ستة عشر فرسخا كل فرسخ ثلاثة أميال فتكون ثمانية وأربعين ميلا بالهاشمي والميل ستة آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرون إصبعا معترضة معتدلة والأصبع ست شعيرات معترضات معتدلات ، وقال الثوري وأبو حنيفة وأهل الكوفة لا قصر في أقل من ثلاثة أيام.

(فصل) قيل

قوله تعالى : إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا كلام متصل بما بعده منفصل عما قبله وتقديره وإن خفتم روي عن أبي أيوب الأنصاري أنه قال نزل

قوله تعالى : فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ هذا القدر ثم بعد حول سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن صلاة الخوف فنزل : إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ الآية ومثل هذا في القرآن كثير يجيء الخبر بتمامه ثم ينسق عليه خبر آخر هو في الظاهر كالمتصل به وهو منفصل عنه.

قوله عز وجل :

﴿ ١٠١