١٣٤

مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا يعني من كان يريد بعمله عرضا من الدنيا نزلت في مشركي العرب وذلك أنهم كانوا يقرون باللّه تعالى خالقهم ولا يقرون بالبعث يوم القيامة فكانوا يقربون إلى اللّه ليعطيهم من خير الدنيا ويصرف عنهم شرها

وقيل نزلت في المنافقين لأنهم كانوا لا يصدقون بيوم القيامة ، وإنما كانوا يطلبون بجهادهم مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عاجل الدنيا وهو ما ينالونه من الغنيمة فَعِنْدَ اللّه ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ يعني الذين يطلبون بأعمالهم وجهادهم ثواب الدنيا وما ينالونه من الغنيمة مخطئون في قصدهم لأن اللّه عنده ثواب الدنيا وثواب الآخرة فلو كانوا عقلاء لطلبوا ثواب الآخرة حتى يحصل لهم ذلك ويحصل لهم ثواب الدنيا على سبيل التبعية والمعنى أن من أراد بعمله الدنيا آتاه اللّه منها ما أراد وصرف عنه من شرها ما أراد وليس له ثواب في الآخرة يجزى به ، ومن أراد بعمله وجه اللّه وثواب الآخرة فعند اللّه ثواب الدنيا والآخرة يؤتيه من الدنيا ما قدر له ويجزيه في الآخرة خير الجزاء وَكانَ اللّه سَمِيعاً يعني لأقوالهم وما يسرونه من طلب ثواب الدنيا بَصِيراً يعني بنياتهم وما في نفوسهم

وقيل بصيرا بمن يطلب الدنيا بعمله وبمن يطلب الآخرة بعمله.

قوله عز وجل :

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ للّه قال السدي إن فقيرا وغنيا اختصما إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فكان صغوه مع الفقير يرى أن الفقير لا يظلم الغني فأنزل اللّه هذه الآية وأمر بالقيام بالقسط مع الغني والفقير

وقيل إن هذه الآية متعلقة بقصة طعمة بن أبيرق فهي خطاب لقومه الذين جادلوا عنه وشهدوا به بالباطل ، فأمرهم اللّه تعالى أن يكونوا قائمين بالقسط شاهدين للّه على كل حال ولو على أنفسهم وأقاربهم

فقال تعالى : كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ القوام مبالغة في القيام بالعدل في جميع الشهادات واجتناب الجور فيها قال ابن عباس كونوا قوامين بالعدل في جميع الشهادات على من كانت شهداء للّه يعني أقيموا شهادتكم لوجه اللّه كما أمركم فيها فيقول الحق في شهادته وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ يعني ولو كانت الشهادة على أنفسكم أمر اللّه العبد أن يشهد على نفسه بالحق وهو أن يقر على نفسه وذلك الإقرار يسمى شهادة في كونه موجبا للحق عليه أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ يعني ولو كانت الشهادة على الوالدين والأقربين من ذوي رحمه أو أقاربه والمعنى قولوا الحق ولو على أنفسكم أو على الوالدين أو الأقارب فأقيموا الشهادة عليهم للّه تعالى ولا تحابوا غنيا لغناه ولا ترحموا فقيرا لفقره فذلك

قوله تعالى : إِنْ يَكُنْ يعني المشهود عليه غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللّه أَوْلى بِهِما يعني منكم والمعنى كلوا أمرهم إلى اللّه تعالى فهو أعلم بهم وبحالهم وإنما قال بهما على التثنية لأن رد الضمير إلى المعنى دون اللفظ يعني فاللّه أولى بالغني والفقير فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا يعني فلا تتبعوا الهوى واتقوا اللّه أن تعدلوا عن الحق في أداء الشهادة

وقيل معناه اتركوا متابعة الهوى حتى تصيروا موصوفين بصفة العدل ، لأن العدل عبارة عن ترك متابعة الهوى وَإِنْ تَلْوُوا

قرئ بواوين ومعناه أن يلوي الشاهد لسانه إلى غير الحق قال ابن عباس يلوي لسانه بغير الحق ولا يقيم الشهادة على وجهها أَوْ تُعْرِضُوا يعني أو يعرض الشاهد عن الشهادة فيكتمها ولا يقيمها يقال لويته حقه إذا دفعته عنه ومطلته به ،

وقيل معناه وإن تلووا عن القيام بأداء الشهادة أو تعرضوا عنها فتتركوها

وقيل معناه التحريف والتبديل في الشهادة من قولهم لويت الشيء إذا قبلته

وقيل هو خطاب مع الحكام يقول وإن تلووا يعني تميلوا مع أحد الخصمين دون الآخر أو تعرضوا عنه بالكلية وقرئ تلوا بواو واحدة من الولاية فهو خطاب للحكام أيضا ومعناه فلا تلوا أمور المسلمين وتضيعوهم أو تعرضوا عنهم فَإِنَّ اللّه كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً يعني أنه تعالى يجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته فيجازيكم بأعمالكم.

قوله عز وجل : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللّه وَرَسُولِهِ قال ابن عباس نزلت في عبد اللّه بن سلام وأسد وأسيد ابني كعب وثعلبة بن قيس وسلام ابن أخت عبد اللّه بن سلام وسلمة ابن أخيه ويامين بن يامين فهؤلاء مؤمنو أهل الكتاب أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا

إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير ونكفر بما سوى ذلك من الكتب والرسل فقال لهم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : (بل آمنوا باللّه وبرسوله محمد والقرآن وبكل كتاب كان قبله) فأنزل اللّه هذه الآية : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يعني بمحمد والقرآن وبموسى والتوراة آمنوا باللّه ورسوله اسم جنس يعني آمنوا بجميع رسله

وقيل هو خطاب لأهل الكتاب جميعا والمعنى يا أيها الذين آمنوا بموسى والتوراة وبعيسى والإنجيل آمنوا بمحمد والقرآن

وقيل هو خطاب للمنافقين والمعنى يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم آمنوا بقلوبكم حتى ينفعكم الإيمان لأن الإيمان باللسان لا ينفع من غير مواطأة القلب

وقيل هو خطاب للمؤمنين والمعنى يا أيها الذين آمنوا في الماضي والحال آمنوا في المستقبل ودوموا واثبتوا على الإيمان والكتاب وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ يعني القرآن وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ يعني وآمنوا بالقرآن وبجميع الكتب الذي أنزلها على أنبيائه قبل القرآن فيكون الكتاب اسم جنس لجميع الكتب وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللّه وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً

قوله عز وجل :

﴿ ١٣٤