٣١٣٢٣٣قوله تعالى : قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللّه يعني خسروا أنفسهم بسبب تكذيبهم بالمصير إلى اللّه تعالى وبالبعث بعد الموت وهذا الخسران هو فوت الثواب العظيم في دار النعيم المقيم وحصول العذاب الأليم ، في دركات الجحيم حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً يعني جاءتهم القيامة فجأة وسميت القيامة ساعة : لأنها تفجأ الناس بغتة في ساعة لا يعلمها أحد إلا اللّه تبارك وتعالى. وقيل : سميت ساعة لسرعة الحساب فيها لأن حساب الخلائق يوم القيامة يكون في ساعة أو أقل من ذلك قالُوا يعني منكري البعث وهم كفار قريش ومن سلك سبيلهم في الكفر والاعتقاد يا حَسْرَتَنا يعني : يا ندامتنا والحسرة التلهف على الشيء الفائت وذكرت على وجه النداء للمبالغة والمراد تنبيه المخاطبين على ما وقع بهم من الحسرة عَلى ما فَرَّطْنا يعني قصرنا فِيها يعني في الدنيا لأنها موضع التفريط في الأعمال الصالحة والمعنى يا حسرتنا على الأعمال الصالحة التي فرطنا فيها في دار الدنيا. وقال محمد بن جرير الطبري : الهاء والألف في قوله فيها تعود إلى الصفقة ولكن اكتفى بدلالة قوله قد خسر الذين كذبوا بلقاء اللّه عليها من ذكرها إذ كان معلوما أن الخسران لا يكون إلا في صفقة بيع قد جرى ومعنى الآية قد وكس الذين كذبوا بلقاء اللّه ببيعهم الإيمان الذي يستوجبون به رضوان اللّه وجنته بالكفر الذي يستوجبون به سخط اللّه وعقوبته وهم لا يشعرون بذلك حتى تقوم الساعة. فإذا جاءتهم الساعة بغتة ورأوا ما لحقهم من الخسران في بيعهم قالوا حينئذ : يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وروى الطبري بسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله يا حسرتنا ، قال : يرى أهل النار منازلهم في الجنة فيقولون يا حسرتنا. وقوله تعالى : وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ يعني أثقالهم : عَلى ظُهُورِهِمْ والأوزار : الخطايا والذنوب. وأصل الوزر : الثقل والحمل. يقال : وزرته إذا حملته وإنما قيل للذنوب أوزار ، لأنها تثقل ظهر من يحملها. قال قتادة والسدي : إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن شيء صورة وأطيبه ريحا فيقول هل تعرفني؟ فيقول لا فيقول أنا عملك الصالح فاركبني فقد طالما ركبتك في الدنيا فذلك قوله : يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً يعني ركبانا. وأما الكافر فيستقبله أقبح شيء صورة وأنتنه ريحا فيقول هل تعرفني؟ فيقول لا فيقول أنا عملك الخبيث طالما ركبتني في الدنيا فأنا اليوم أركبك فذلك معنى قوله وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ. وقال عمر بن هانئ : يحشر مع كل كافر عمله في صورة رجل قبيح كلما رأى هو صورته وقبحه زاده اللّه خوفا فيقول له بئس الجليس أنت فيقول أنا عملك طالما ركبتني فلأركبنك اليوم حتى أخزيك على رؤوس الخلائق فيركبه ويتخطى به الناس حتى يقف بين يدي ربه تعالى فذلك قوله تعالى : وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ. وقال الزجاج : الثقل كما يذكر في الوزن فقد يذكر في الحال والصفة يقال ثقل علي كلام فلان بمعنى كرهته فالمعنى أنهم يقاسون من ألم عقاب ذنوبهم مقاساة تثقل ذلك عليهم فعلى هذا القول يكون قوله وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ مجازا عما يقاسونه من شدة العذاب. وقيل في معنى الآية : أوزارهم لا تزايلهم كما تقول شخصه نصب عيني أي ذكره ملازم لي أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ يعني بئس الشيء شيئا يحملونه. وقال ابن عباس : بئس الحمل حملوا. قوله عز وجل : وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ أي باطل وغرور لا بقاء لها وهذا فيه رد على منكري البعث في قولهم إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ فقال اللّه ردا عليهم وكذبا لهم وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وهل المراد بهذه الحياة حياة المؤمن أو الكافر قولان : أحدهما : إن المراد بها حياة الكافر لأن المؤمن لا يزداد بحياته في الدنيا إلا خيرا لأنه يحصل في أيام حياته من الأعمال الصالحة والطاعة ما يكون سببا لحصول السعادة في الآخرة وأما الكافر فإن كل حياته في الدنيا وبال عليه قال ابن عباس يريد حياة أهل الشرك والنفاق. والقول الثاني : إن هذا عام في حياة المؤمن والكافر لأن الإنسان يلتذ باللعب واللّهو ثم عند انقضائه تحصل له الحسرة والندامة لأن الذي كان فيه من اللعب واللّهو سريع الزوال لا بقاء له فبان بهذا التقرير أن المراد بهذه الحياة حياة المؤمن والكافر وأنه عام فيهما. وإنما شبه الحياة الدنيا باللعب واللّهو لسرعة زوالها وقصر عمرها كالشيء الذي يلعب به. وقيل : معناه إن أمر الدنيا والعمل لها لعب ولهو فأما فعل الخير والعمل الصالح فهو من فعل الآخرة وإن كان وقوعه في الدنيا وقيل معناه وما أهل الحياة الدنيا إلا أهل لعب ولهو لأنه لا يجدي شيئا ولاشتغالهم عما أمروا به ونسبوا إلى اللعب وقوله تعالى : وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ يعني الجنة واللام فيه لام القسم تقديره واللّه لدار الآخرة خَيْرٌ يعني من الدنيا وأفضل لأن الدنيا سريعة الزوال والانقطاع لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ يعني الشرك. وقيل : يتقون اللعب واللّهو أَفَلا تَعْقِلُونَ إن الآخرة خير من الدنيا فيعملون لها. قوله تعالى : قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ يعني قد نعلم يا محمد إنه ليحزنك الذي يقوله المشركون لك ، قال السدي : التقى الأخنس بن شريق أبو جهل بن هشام فقال الأخنس لأبي جهل : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب فإنه ليس هنا أحد يسمع كلامك غيري؟ فقال أبو جهل : واللّه إن محمدا لصادق وما كذب محمد قط ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش؟ فأنزل اللّه هذه الآية وقال ناجية بن كعب : قال أبو جهل للنبي صلى اللّه عليه وسلم : ما نتهمك ولا نكذبك ولكنا نكذب الذي جئت به ، فأنزل اللّه هذه الآية. عن علي بن أبي طالب أن أبا جهل قال للنبي إنا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به فأنزل اللّه فيهم فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللّه يَجْحَدُونَ أخرجه الترمذي من طريقين وقال في أحدهما وهذا أصح ، ففي هذه الآية تسلية للنبي صلى اللّه عليه وسلم وتعزية عما يواجهه به قومه لأنهم كانوا يعتقدون صدقه وأنه ليس بكذاب وإنما حملهم على تكذيبه في الظاهر الحسد والظلم : فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ يعني أنهم لا يكذبونك في السر ، لأنهم قد عرفوا أنك صادق وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ يعني الكافرين بِآياتِ اللّه يَجْحَدُونَ يعني في العلانية وذلك أنهم جحدوا القرآن بعد معرفة الصدق الذي أنزل عليه لعنادهم وكفرهم كما قال اللّه تعالى في حق غيرهم ، وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا. وقيل : ظاهر الآية يدل على أنهم لم يكذبوا محمدا صلى اللّه عليه وسلم وإنما جحدوا آيات اللّه وهي القرآن الدال على صدقه ، فعلى هذا يكون المعنى : فإنهم لا يكذبونك لأنهم قد عرفوا صدقك وإنما جحدوا آيات اللّه وهي القرآن الدال على صدقه فعلى هذا يكون المعنى فإنهم لا يكذبونك لأنهم قد عرفوا صدقك وإنما جحدوا صحة نبوتك ورسالتك ، قوله عز وجل : وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللّه وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤) وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللّه لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٥) |
﴿ ٣٢ ﴾