١١٤١١٥١١٦١١٧قوله عز وجل : أَفَغَيْرَ اللّه أَبْتَغِي حَكَماً أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين أفغير اللّه أطلب حكما قاضيا يقضي بيني وبينكم وذلك أنهم كانوا يقولون للنبي صلى اللّه عليه وسلم اجعل بيننا وبينك حكما ، فأمره اللّه تعالى أن يجيبهم بهذا الجواب والحكم والحاكم واحد عند أهل اللغة ، غير أن بعض أهل المعاني قال : الحكم أكمل من الحاكم لأن الحاكم من شأنه أن يحكم والحكم أهل أن يتحاكم إليه وهو الذي لا يحكم إلا بالحق فاللّه تعالى حكم لا يحكم إلا بالحق فلما أنزل اللّه على محمد القرآن فقد حكم له بالنبوة وهو قوله تعالى : وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا يعني علماء اليهود والنصارى يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ يعني يشهدون أن هذا القرآن منزل من عند اللّه وذلك لما ثبت عندهم بالدلائل الدالة على ذلك ، وقيل المراد بهم علماء الصحابة ورؤساؤهم مثل : أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ونظرائهم يعلمون أن هذا القرآن منزل من ربك بالحق فآمنوا به وصدقوه فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ يعني فلا تكونن يا محمد من الشاكّين أن علماء أهل الكتاب يعلمون أن هذا القرآن حق وأنه منزل من عند اللّه وقيل : معناه فلا تكونن في شك مما قصصنا عليك أنه حق وصدق فهو من باب التهييج لأنه صلى اللّه عليه وسلم لم يشك قط ، وقيل : الخطاب وإن كان في الظاهر للنبي صلى اللّه عليه وسلم إلا أن المراد به غيره. والمعنى : فلا تكونن أيها الإنسان السامع لهذا القرآن في شك أنه منزل من عند اللّه لما فيه من الإعجاز الذي لا يقدر على مثله إلا اللّه تبارك وتعالى. قوله تعالى : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ وقرئ كلمات ربك على الجمع فمن قرأ على التوحيد قال : الكلمة قد يراد بها الكلمات الكثيرة إذا كانت مضبوطة بضابط واحد كقولهم قال الشاعر في كلمته يعني في قصيدته ، وكذلك القرآن كلمة واحدة لأنه شيء واحد في إعجاز النظم وكونه حقا وصدقا ومعجزا ومن قرأ بالجمع قال لأن اللّه قال في سياق الآية لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ فوجب الجمع في اللفظ الأول اتباعا للثاني صِدْقاً وَعَدْلًا يعني صدقا فيما وعد وعدلا فيما حكم وقيل إن القرآن مشتمل على الأخبار والأحكام فهو صادق فيما أخبر عن القرون الماضية والأمم الخالية وعما هو كائن إلى قيام الساعة. وفيما أخبر عن ثواب المطيع في الجنة وعقاب العاصي في النار وهو عدل فيما حكم من الأمر والنهي والحلال والحرام وسائر الأحكام لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ يعني لا مغير لقضائه ولا رادّ لحكمه ولا خلف لمواعيده ، وقيل : لما وصف كلماته بالتمام في قوله وتمت كلمة ربك والتمام في كلام اللّه لا يقبل النقص والتغيير والتبديل. قال اللّه تعالى : لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ لأنها مصونة عن التحريف والتغيير والتبديل باقية إلى يوم القيامة وفي قوله : لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ دليل على أن السعيد لا ينقلب شقيا ولا الشقي ينقلب سعيدا ، فالسعيد من سعد في الأزل والشقي من شقي في الأزل وأورد على هذا أن الكافر يكون شقيا بكفره فيسلم فينقلب سعيدا بإسلامه وأجيب عنه بأن الاعتبار بالخاتمة فمن ختم له بالسعادة كان قد كتب سعيدا في الأزل ومن ختم له بالشقاوة كان شقيا في الأزل واللّه أعلم. وقوله تعالى : وَهُوَ السَّمِيعُ يعني لما يقول العباد الْعَلِيمُ بأحوالهم قوله عز وجل : وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللّه قال المفسرون إن المشركين جادلوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين في أكل الميتة وذلك أنهم قالوا للمسلمين كيف تأكلون ما قتلتم ولا تأكلوا ما قتل ربكم؟ فقال اللّه تعالى لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : وإن تطع أكثر من في الأرض في أكل الميتة ، وكان الكفار يومئذ أكثر أهل الأرض يضلوك عن سبيل اللّه ، يعني يضلوك عن دين اللّه الذي شرعه لك وبعثك به وقيل معناه لا تطعهم في معتقداتهم الباطلة فإنك إن تطعهم يضلوك عن سبيل اللّه يعني يضلوك عن طريق الحق ومنهج الصدق ثم أخبر عن حال الكفار وما هم عليه فقال تعالى : إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ يعني أن هؤلاء الكفار الذين يجادلونك ما يتبعون في دينهم الذي هم عليه إلا الظن وليسوا على بصيرة وحق في دينهم وليسوا بقاطعين أنهم على حق لأنهم اتبعوا أهواءهم وتركوا التماس الصواب والحق واقتصروا على اتباع الظن والجهل وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ يعني يكذبون وأصل الخرص الحزر والتخمين ، ومنه خرص النخلة إذا حزر كمية ثمرتها على الظن من غير يقين ويسمى الكذب خرصا لما يدخله من الظنون الكاذبة وقيل : إن كل قول مقول عن ظن وتخمين يقال له خرص لأن قائله لم يقله عن علم ويقين إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ يقول اللّه لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم يا محمد إن ربك هو أعلم منك ومن جميع خلقه أيّ الناس يضل عن سبيله وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ يعني وهو أعلم أيضا بمن كان على هدى واستقامة وسداد ولا يخفى عليه شيء من أحوال خلقه فأخبر تعالى أنه أعلم بالفريقين الضال والمهتدي وأنه يجازي كلّا بما يستحق. فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّه عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨) وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّه عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (١١٩) وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠) |
﴿ ١١٦ ﴾