١٢١

١٢٢

وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّه عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ مخصوصا بما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّه بِهِ واللّه أعلم.

وقوله تعالى : وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ يعني أن الشياطين يوسوسون إلى أوليائهم من المشركين ليجادلوكم ويخاصموا محمدا صلى اللّه عليه وسلم ، وذلك أن المشركين قالوا يا محمد أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها فقال : اللّه قتلها قالوا فتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال وما قتله الكلب والصقر حلال وما قتله اللّه حرام فأنزل اللّه عز وجلّ هذه الآية ، وقال عكرمة : لما نزلت هذه الآية في تحريم الميتة كتبت فارس ، وهم المجوس ، إلى مشركي قريش أن خاصموا محمدا وقولوا له إن ما ذبحت فهو حلال ، وما ذبحه اللّه فهو حرام فأنزل اللّه : وأن الشياطين ، يعني مردة الإنس وهم المجوس ، ليوحون إلى أوليائهم ، يعني مشركي قريش ، وكان بين فارس والعرب مولاة ومكاتبة على الروم ، فعلى هذا يكون المراد بالوحي المكاتبة في خفية وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ يعني في أكل الميتة ، وما حرم اللّه عليكم إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ يعني أنكم إذا مثلهم في الشرك ، قال الزجاج : فيه دليل على أن كل من أحل شيئا مما حرم اللّه أو حرم شيئا مما أحل اللّه فهو مشرك إنما سمي مشركا لأنه أثبت حاكما غير اللّه عز وجل ومن كان كذلك فهو مشرك.

قوله عز وجل : أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ يعني أو من كان ميتا بالكفر فأحييناه بالإيمان وإنما جعل الكفر موتا لأنه جعل الإيمان حياة لأن الحي صاحب بصر يهتدي به إلى رشده ولما كان الإيمان يهدي إلى الفوز العظيم والحياة الأبدية شبهه بالحياة وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ يعني وجعلنا له نورا يستضيء به في الناس ويهتدي به إلى قصد السبيل ، قيل : النور هو الإسلام لأنه يخلص من ظلمات الكفر لقوله : يخرجهم من الظلمات إلى النور.

وقال قتادة : هو كتاب اللّه القرآن لأنه بينة من اللّه مع المؤمن بما يعمله كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ يعني كمن هو في ظلمة الكفر وظلمة الجهالة وظلمة عمى البصيرة لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها يعني من تلك الظلمات وهذا مثل ضربه اللّه تعالى لحال المؤمن والكافر فبين أن المؤمن المهتدي بمنزلة من كان ميتا فأحياه وأعطاه نورا يهتدي به في مصالحه وأن الكافر بمنزلة من هو في ظلمات منغمس فيها ليس بخارج منها فيكون متحيرا على الدوام ، ثم اختلف المفسرون في هذين المثالين هل هما مخصوصان بإنسانين معينين أو هما عامّان في كل مؤمن وكافر؟

فذكروا في ذلك قولين :

أحدهما أن الآية في رجلين معينين ثم اختلفوا فيهما فقال ابن عباس في قوله وجعلنا له نورا يمشي به في الناس يريد حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى اللّه عليه وسلم كمن مثله في الظلمات يريد بذلك أن أبا جهل بن هشام وذلك أبا جهل رمى النبي صلى اللّه عليه وسلم بفرث فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل ، وكان حمزة قد رجع من صيد وبيده قوس وحمزة لم يؤمن بعد فأقبل حمزة غضبان حتى علا أبا جهل وجعل يضربه بالقوس ، وجعل أبو جهل يتضرع إلى حمزة ويقول : يا أبا يعلى أما ترى ما جاء به سفّه عقولنا وسب آلهتنا وخالف آباءنا؟ فقال حمزة : ومن أسفه منكم عقولا تعبدون الحجارة من دون اللّه أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمدا رسول اللّه ، فأسلم حمزة يومئذ فأنزل اللّه هذه الآية. وقال الضحاك : نزلت في عمر بن الخطاب وأبي جهل. وقال عكرمة والكلبي : نزلت في عمار بن ياسر وأبي جهل ، وقال مقاتل : نزلت في النبي صلى اللّه عليه وسلم وأبي جهل وذلك أن أبا جهل قال زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا نحن وهم كفرسي رهان ، قالوا منا نبي يوحى إليه واللّه لا نؤمن حتى يأتينا وحي كما يأتيه فنزلت هذه الآية.

والقول الثاني : وهو قول الحسن في آخرين أن هذه الآية عامة في حق كل مؤمن وكافر وهذا هو الصحيح لأن المعنى إذا كان حاصلا في الكل دخل فيه كل أحد.

وقوله تعالى : كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ قال أهل السنة : المزين هو اللّه تعالى ويدل عليه قوله زينّا لهم أعمالهم ولأن حصول الفعل يتوقف على حصول الدواعي وحصوله لا يكون إلا بخلق اللّه تعالى فدل ذلك على أن المزين هو اللّه تعالى ، وقالت المعتزلة المزين هو الشيطان ويرده ما تقدم.

وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (١٢٣) وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللّه اللّه أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللّه وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (١٢٤)

﴿ ١٢٢