٥٠

٥١

٥٢

٥٣

وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّه قالُوا قال ابن عباس رضي اللّه عنهما لما صار أصحاب الأعراف إلى الجنة طمع أهل النار في الفرج فقالوا : يا ربنا إن لنا قرابات من أهل الجنة فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم فيأذن لهم فينظرون إلى قرابتهم في الجنة وما هم فيه من النعيم فيعرفونهم وينظر أهل الجنة إلى قرابتهم من أهل النار فلم يعرفوهم لسواد وجوههم فينادون أي أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم فينادي الرجل أباه وأخاه فيقول قد احترقت أفض عليّ من الماء فيقال لهم : أجيبوهم فيقولون إن اللّه حرمهما على الكافرين. ومعنى الآية أن أهل النار يستغيثون بأهل الجنة إذا استقروا فيها وذلك عند نزول البلاء بأهل النار وما يلقون من شدة العطش والجوع عقوبة لهم من اللّه على ما سلف منهم في الدنيا من الكفر والمعاصي. يقول أهل النار لأهل الجنة يا أهل الجنة أفيضوا علينا من الماء يعني صبوا علينا من الماء أو مما رزقكم اللّه يعني أو أطعمونا مما رزقكم اللّه ووسعوا علينا من طعام الجنة فيجيبهم أهل الجنة بقولهم إِنَّ اللّه حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ وهذا الجواب يفيد الحرمان ،

وقال بعضهم : لما كانت شهواتهم في الدنيا في لذة الأكل والشرب عذبهم اللّه في الآخرة بشدة الجوع والعطش فسألوا ما كانوا يعتادونه في الدنيا في طلب الأكل والشرب فأجيبوا بأن اللّه حرمهما على الكافرين يعني طعام الجنة وشرابها ثم وصف الكافرين

فقال تعالى : الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً يعني أنهم تلاعبوا بدينهم الذي شرع لهم ولهوا عنه. وأصل اللّهو ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه. ويقال لهوت بكذا ولهيت عن كذا أي اشتغلت عنه.

قال ابن عباس رضي اللّه عنهما : هم المستهزؤون وذلك أنهم كانوا إذا دعوا إلى الإيمان سخروا ممن دعاهم إليه وهزءوا به استهزاء باللّه عز وجل ،

وقيل : هو ما زين لهم الشيطان من تحريم البحائر والسوائب والمكاء والتصدية حول البيت وسائر الخصال الذميمة التي كانوا يفعلونها في الجاهلية.

وقيل : معنى دينهم عيدهم اتخذوه لهوا ولعبا لا يذكرون اللّه فيه وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا يعني وخدعهم عاجل ما هم فيه من خصب العيش ولذته وشغلهم ما هم فيه من ذلك عن الإيمان باللّه ورسله وعن الأخذ بنصيبهم من الآخرة حتى أتتهم المنية على ذلك. والغرة غفلة في اليقظة وهو طمع الإنسان في طول العمر وحسن العيش وكثرة المال والجاه ونيل الشهوات فإذا حصل ذلك صار محجوبا عن الدين وطلب الخلاص لأنه غريق في الدنيا بلذاته وما هو فيه من ذلك ولما وصفهم اللّه تعالى بهذه الصفات الذميمة قال فَالْيَوْمَ يوم القيامة نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا يعني فاليوم نتركهم في العذاب المهين جياعا عطاشا كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا. وهذا قول ابن عباس ومجاهد والسدي. قال ابن عباس رضي اللّه عنهما : نسيهم من الخير ولم ينسهم من الشر.

وقيل معناه نعاملهم معاملة من نسي فنتركهم في النار كما تركوا العمل وأعرضوا عن الإيمان إعراض الناسي. سمى اللّه تعالى جزاء نسيانهم بالنسيان على المجاز لأن اللّه تعالى لا ينسى شيئا فهو كقوله وجزاء سيئة سيئة مثلها فيكون المراد من هذا النسيان أن اللّه تعالى لا يجيب دعاءهم ولا يرحم ضعفهم وزلتهم بل يتركهم في النار كما تركوا الإيمان والعمل وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ يعني ونتركهم في النار كما كانوا بدلائل وحدانيتنا يكذبون.

قوله تعالى : وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ يعني ولقد جئنا هؤلاء الكفار بالقرآن الذي أنزلناه عليك يا محمد فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ أي بيناه على علم منا بما نفصله ونبينه هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أي جعلنا القرآن هاديا وذا رحمة لقوم يؤمنون هَلْ يَنْظُرُونَ يعني هل ينتظر هؤلاء الكفار الذين كذبوا بآياتنا وجحدوها ولم يؤمنوا بها إِلَّا تَأْوِيلَهُ يعني هل ينظرون ويتوقعون إلا ما وعدوا به على ألسنة الرسل من العذاب وأن مصيرهم إلى النار

والتأويل ما يؤول إليه الشيء يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يعني يوم القيامة لأنه يوم الجزاء وما تؤول إليه أمورهم يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ يعني : يقول الذين تركوا العمل بالقرآن ولم يؤمنوا به يوم القيامة عند معاينة العذاب قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ أقروا على أنفسهم واعترفوا حين لا ينفعهم ذلك الاعتراف والإقرار. والمعنى أن الكفّار أقروا بأن الذي جاءت به الرسل من الإيمان والتصديق والحشر والنشر والبعث يوم القيامة والثواب والعقاب حق وصدق وإنما أقروا بهذه الأشياء لأنهم شاهدوها معاينة وذلك حين لا ينفعهم ولما رأوا أنفسهم في العذاب قالوا فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ يعني أنه ليس لنا طريق إلى الخلاص مما نحن فيه من العذاب إلا أن يشفع لنا شفيع عند ربنا فيقبل شفاعته فينا فيخلصنا من هذا العذاب أو نرد إلى الدنيا فنعمل غير الذي كنا نعمل فيها فنبدل الكفر بالتوحيد والإيمان والمعاصي بالطاعة والإنابة قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ يعني أن الذي طلبوه لا يحصل لهم فتبين خسرانهم وإهلاكهم أنفسهم لأنهم كانوا في الدنيا أول مرة فلم يعملوا بطاعة اللّه ولو ردوا إلى الدنيا لعادوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والعصيان لسابق علم اللّه تعالى فيهم وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ يعني وبطل وذهب عنهم ما كانوا يزعمون ويكذبون في الدنيا من أن الأصنام تشفع لهم فلما أفضوا إلى الآخرة ذهب ذلك عنهم وعملوا أنهم كانوا في دعواهم كاذبين.

إِنَّ رَبَّكُمُ اللّه الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللّه رَبُّ الْعالَمِينَ (٥٤)

﴿ ٥٣