٦٨٦٩٧٠٧١٧٢أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي يعني أؤدي إليكم ما أرسلني به من أوامره ونواهيه وشرائعه وتكاليفه وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ يعني فيما آمركم به من عبادة اللّه عز وجل وترك عبادة ما سواه أَمِينٌ يعني على تبليغ الرسالة وأداء النصح والأمين الثقة على ما ائتمن عليه. حكى اللّه عن نوح عليه الصلاة والسلام ، أنه قال وأنصح لكم وحكى عن هود عليه الصلاة والسلام أنه قال : وأنا لكم ناصح فالأول بصيغة الفعل والثاني بصيغة اسم الفاعل والفرق بينهما أن صيغة الفعل تدل على تجدد النصح ساعة بعد ساعة فكان نوح يدعو قومه ليلا ونهارا كما أخبر اللّه عنه بقوله قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلما كان ذلك من عادته ذكره بصيغة الفعل فقال : وأنصح لكم وأما هود فلم يكن كذلك بل كان يدعوهم وقتا دون وقت فلهذا قال : وأنا لكم ناصح أمين والمدح للنفس بأعظم صفات المدح غير لائق بالعقلاء وإنما فعل هود ذلك وقال هذا القول لأنه كان يجب عليه إعلام قومه بذلك ومقصوده الرد عليهم في قولهم وإنا لنظنك من الكاذبين فوصف نفسه بالأمانة وأنه أمين في تبليغ ما أرسل به من عند اللّه ففيه تقرير للرسالة والنبوة وفيه دليل على جواز مدح الإنسان نفسه في موضع الضرورة إلى مدحها أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ يعني أعجبتم أن أنزل اللّه وحيه على رجل تعرفونه لينذركم بأس ربكم ويخوفكم عقابه وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ يعني واذكروا نعمة اللّه عليكم إذا أهلك قوم نوح وجعلكم تخلفونهم في الأرض وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً يعني طولا وقوة. قال الكلبي والسدي : كانت قامة الطويل منهم مائة ذراع وقامة القصير ستين ذراعا وقيل سبعين ذراعا. عن ابن عباس رضي اللّه عنهما ثمانين ذراعا وقال مقاتل : اثني عشر ذراعا وقال وهب : كان رأس أحدهم مثل القبة العظيمة فَاذْكُرُوا آلاءَ اللّه يعني نعم اللّه وفيه إضمار تقديره فاذكروا نعمة اللّه عليكم واعملوا عملا يليق بذلك الإنعام وهو أن تؤمنوا به وتتركوا ما أنتم عليه من عبادة الأصنام لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ يعني لكي تفوزوا بالفلاح وهو البقاء في الآخرة قالُوا يعني قال قوم هود مجيبين له أَجِئْتَنا يا هود لِنَعْبُدَ اللّه وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا يعني من الأصنام فَأْتِنا بِما تَعِدُنا يعني من العذاب إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ يعني في قولك إنك رسول اللّه قالَ يعني قال هود مجيبا لهم قَدْ وَقَعَ يعني نزل ووجب عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أي عذاب وسخط أَتُجادِلُونَنِي يعني أتخاصمونني فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ يعني وضعتم لها أسماء من عند أنفسكم والمراد منه الاستفهام على سبيل الإنكار عليهم لأنهم سموا الأصنام بالآلهة وذلك معدوم فيها ما نَزَّلَ اللّه بِها مِنْ سُلْطانٍ يعني من حجة وبرهان على هذه التسمية وإنما سميتموها أنتم من عند أنفسكم بغير دليل فَانْتَظِرُوا يعني العذاب إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ يعني نزول العذاب بكم فَأَنْجَيْناهُ يعني فأنجينا هودا عند نزول العذاب بقومه وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا يعني وأنجينا أتباعه الذين آمنوا به وصدقوه لأنهم كانوا مستحقين للرحمة وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني وأهلكنا الذين كذبوا هودا من قومه وأراد بالآيات معجزات هود عليه الصلاة والسلام الدالة على صدقه وهذا هلاك استئصال فهلكوا جميعا ولم يبق منهم واحد وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ يعني لأنهم لم يكونوا مصدقين باللّه ولا برسوله هود عليه الصلاة والسلام : ( (ذكر قصة عاد على ما ذكره محمد بن إسحاق وأصحاب السير والأخبار)) قالوا جميعا : كانت منازل عاد وجماعتهم حين بعث اللّه تعالى فيهم هودا عليه الصلاة والسلام الأحقاف والأحقاف الرمل فيما بين عمان وحضر موت من أرض اليمن وكانوا قد فسقوا في الأرض كلها وقهروا أهلها بفضل قوتهم التي جعلها اللّه فيهم وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها من دون اللّه عز وجل صنم يقال له صداء ، وصنم يقال له صمود وصنم يقال له الهباء فبعث اللّه عز وجل فيهم هودا عليه الصلاة والسلام وهو من أوسطهم نسبا وأفضلهم موضعا فأمرهم أن يوحدوا اللّه ولا يجعلوا معه إلها غيره وأن يكفوا عن ظلم الناس ولم يأمرهم بغير ذلك فيما ذكر فأبوا عليه وكذبوه وقالوا من أشد منا قوة واتبعه منهم ناس فآمنوا به وهم يسير يكتمون إيمانهم وكان ممن صدقه وآمن به رجل يقال له مرثد بن سعد بن عفير وكان يكتم إيمانه فلما عتوا على اللّه وكذّبوا نبيهم وأكثروا في الأرض الفساد وتجبروا وبنوا بكل ريع آية واتخذوا المصانع لعلهم يخلدون فلما فعلوا ذلك أمسك اللّه عنهم المطر ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك وكان الناس في ذلك الزمان إذا نزل بهم بلاء وجهد يطلبون الفرج من اللّه عز وجل وذلك عند بيته الحرام بمكة مؤمنهم ومشركهم وكان يجتمع بمكة ناس كثير مختلفة أديانهم وكل معظم مكة معترف بحرمتها ومكانها من اللّه عز وجل وكان البيت معروفا مكانه من الحرم وكان سكان مكة يومئذ العماليق وإنما سموا العماليق لأن أباهم كان عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح وكان سيد العماليق يومئذ رجلا يقال له معاوية بن بكر وكانت أم معاوية كلهدة بنت الخيبري وهو رجل من عاد وكانت عاد أخوال معاوية سيد العماليق فلما قحطت عاد وقلّ عنهم المطر قالوا : جهزوا منكم وفدا إلى مكة ليستسقوا لكم فإنكم قد هلكتم فبعثوا قيل بن عنز ونعيم بن هزال من هزيل وعقيل بن صنديد بن عاد الأكبر ومرثد بن سعد بن عفير وكان مسلما يكتم إسلامه وجلهمة بن الخيبري خال معاوية بن بكر سيد العماليق ولقمان بن عاد فانطلق كل رجل من هؤلاء القوم ومعه جماعة من قومه فبلغ عدد وفد عاد سبعين رجلا فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر وهو بظاهر مكة خارجا عن الحرم فأنزلهم وأكرمهم وكانوا أخواله وأصهاره فأقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان وهما قينتان لمعاوية بن بكر فلما رأى معاوية بن بكر طول مقامهم عنده وقد بعثهم قومهم يتغوثون لهم من البلاء الذي أصابهم شق ذلك عليه وقال هلك أخوالي وأصهاري وهؤلاء مقيمون عندي وهم ضيفي نازلون عليّ واللّه وما أدري كيف أصنع فإني أستحي أن آمرهم بالخروج لما بعثوا إليه فيظنوا أنه ضيق مني بمكانهم عندي وقد هلك من وراءهم من قومهم جهدا وعطشا قال وشكا ذلك من أمرهم إلى قينتيه الجرادتين فقالتا قل شعرا نغنيهم به ولا يدرون من قاله لعل ذلك أن يحركهم فقال معاوية : ألا يا قيل ويحك قم فهينم لعل اللّه يسقينا غماما فيسقي أرض عاد إن عادا قد أمسوا لا يبينون الكلاما من العطش الشديد فليس نرجو به الشيخ الكبير ولا الغلاما وقد كانت نساؤهمو بخير فقد أمست نساؤهم أيامى وإن الوحش تأتيهم جهارا ولا تخشى لعادي سهاما وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم نهاركمو وليلكمو تماما فقبح وفدكم من وفد قوم ولا لقوا التحية والسلاما فلما قال معاوية هذا الشعر وغنتهم به الجرادتان وعرف القوم ما غنتا به قال بعضهم لبعض : يا قوم إنما بعثكم قومكم ليتغوثوا بكم من هذا البلاء الذي نزل بهم وقد أبطأتم عليهم فادخلوا الحرم واستسقوا لقومكم فقال مرثد بن سعد بن عفير : إنكم واللّه لا تسقون بدعائكم ولكن إن أطعتم نبيكم وتبتم إلى ربكم سقيتم وأظهر إسلامه عند ذلك وقال في ذلك : عصت عاد رسولهم فأمسوا عطاشا ما تبلهم السماء لهم صنم يقال له صمود يقابله صداء والهباء فبصرنا الرسول سبيل رشد فأبصرنا الهدى وجلا العماء وأن إله هود هو إلهي على اللّه التوكل والرجاء زاد في رواية : لقد حكم الإله وليس جورا وحكم اللّه إن غلب الهواء على عاد وعاد شر قوم فقد هلكوا وليس لهم بقاء وإني لن أفارق دين هود طوال الدهر أو يأتي الفناء فقال جلهمة بن الخيبري مجيبا لمرثد بن سعد حين فرغ من مقالته وعرف أنه اتبع دين هود وآمن به : ألا يا سعد إنك من قبيل ذوي كرم وأمك من ثمود فإنا لا نطيعك ما بقينا ولسنا فاعلين لما تريد أتأمرنا لنترك دين وفد ورمل والصداء مع الصمود ونترك دين آباء كرام ذوي رأي ونتبع دين هود ثم قال جلهمة لمعاوية بن بكر وأبيه بكر احبسا عنا مرثدا فلا يقدمن معنا مكة فإنه قد تبع دين هود وترك ديننا ثم خرجوا إلى مكة يستسقون بها لعاد فلما ولو إلى مكة خرج مرثد بن سعد من منزل معاوية بن بكر حتى أدركهم بمكة قبل أن يدعو اللّه بشيء مما خرجوا إليه فلما انتهى إليهم قام يدعو اللّه وبها وفد عاد يدعونه فقال مرثد : اللّهم أعطني سؤلي وحدي ولا تدخلني فيما يدعوك به وفد عاد ، وقام قيل بن عنز رأس وفد عاد يدعو فقال : اللّهم أعط قيلا ما سألك. وقال الوفد معه : واجعل سؤلنا مع سؤله. وكان قد تخلف عن وفد عاد لقمان بن عاد وكان سيد عاد حتى إذا فرغوا من دعواتهم قام لقمان فقال : اللّهم إني جئتك وحدي في حاجتي فأعطني سؤلي وسأل طول العمر فعمر عمر سبعة أنسر وقال قيل بن عنز حين دعا يا إلهنا إن كان هود صادقا فاسقنا فإنا قد هلكنا فأنشأ اللّه تعالى سحائب ثلاثا بيضاء وحمراء وسوداء ثم ناداه مناد من السماء يا قيل اختر لقومك ولنفسك من هذه السحائب فقال قيل : قد اخترت السحابة السوداء فإنها أكثر السحاب ماء فناداه مناد اخترت رمادارمددا لا يبقي من آل عاد أحدا وساق اللّه تعالى السحابة السوداء التي اختارها قيل بما فيها من النقمة إلى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث فلما رأوها استبشروا بها وقالوا هذا عارض ممطرنا يقول اللّه عز وجل : بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ أي كل شيء مرت به بأمر ربها وكان أول من أبصر ما فيها وعرف أنها ريح مهلكة امرأة من عاد يقال لها مهدد فلما عرفت ما فيها من العذاب صاحت ثم صعقت فلما أن أفاقت قالوا لها ماذا رأيت قالت رأيت الريح فيها كشهب النار أمامها رجال يقودونها فسخرها اللّه عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فلم تدع من آل عاد أحدا إلا أهلكه واعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبه ومن معه من الريح إلا ما تلين عليه الجلود وتلذ به الأنفس وإنها في وقتها لتمر بالظعن من عاد فتحملها بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة وخرج وفد عاد من مكة حتى مروا بمعاوية بن بكر فنزلوا عليه فبينما هم عنده إذ أقبل إليه رجل على ناقة في ليلة مقمرة وذلك مساء ثالثة من مصاب عاد فأخبرهم الخبر فقالوا له : أين فارقت هودا وأصحابه؟ فقال : فارقتهم بساحل البحر وكأنهم شكوا فيما حدثهم به فقالت هذيلة بنت بكر : صدق ورب الكعبة. وقال السدي بعث اللّه عز وجل على عاد الريح العقيم فلما دنت منهم نظروا إلى الإبل والرجال تطير بهم الريح بين السماء والأرض فلما رأوها تبادروا إلى البيوت فدخلوها وأغلقوا الأبواب ، فجاءت الريح فقلعت أبوابهم ودخلت عليهم فأهلكتهم فيها ثم أخرجتهم من البيوت فلما أهلكتهم أرسل اللّه تعالى عليهم طيرا أسود فنقلهم إلى البحر فألقاهم فيه ، وقيل : إن اللّه تعالى أمر الريح فأمالت عليهم الرمال فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام يسمع لهم أنين تحت الرمل ثم أمر اللّه الريح فكشفت عنهم الرمل ثم احتملتهم فرمت بهم في البحر ولم تخرج ريح قط إلا بمكيال إلا يومئذ فإنها عتت على الخزنة فغلبتهم فلم يعلموا كم كان مكيالها وفي الحديث (إنما خرجت على مثل خرق الخاتم) وقيل : إن مرثد بن سعد ولقمان بن عاد وقيل ابن عنز حين دعوا بمكة قيل لهم أعطيتم مناكم فاختاروا لأنفسكم غير أنه لا سبيل إلى الخلود ولا بد من الموت فقال مرثد : اللّهم أعطني برا وصدقا فأعطي ذلك ، وقال لقمان : اللّهم أعطني عمرا فقيل له اختر فاختار عمر سبعة أنسر فكان يأخذ الفرخ حين يخرج من البيضة وكان يأخذ الذكر لقوته فيربيه حتى يموت فإذا مات أخذ غيره فلم يزل يفعل ذلك حتى أتى على السابع وكان كل نسر يعيش ثمانين سنة وكان السابع من النسور اسمه لبد فلما مات لبد مات لقمان معه. وأما قيل فإنه اختار لنفسه ما يصيب قومه فقيل له إنه الهلاك فقال لا أبالي لا حاجة لي في البقاء بعد قومي فأصابه الذي أصاب عادا فهلك ومن معه من الوفد الذين خرجوا يستسقون لعاد فأتت الريح لما خرجوا من الحرم فأهلكتهم جميعا فلما أهلك اللّه عادا ارتحل هود ومن معه من المؤمنين من أرضهم بعد هلاك قومه إلى موضع يقال له الشجر من أرض اليمن فنزل هناك ثم أدركه الموت فدفن بأرض حضر موت. يروى عن علي بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه أن قبر هود عليه الصلاة والسلام بحضر موت في كثيب أحمر وقال عبد الرحمن بن شبابة : بين الركن والمقام وزمزم قبر تسعة وتسعين نبيا وأن قبر هود وصالح وشعيب وإسماعيل عليهم الصلاة والسلام في تلك البقعة ويروى أن كل نبي من الأنبياء كان إذا هلك قومه جاء هو والصالحون من قومه معه إلى مكة يعبدون اللّه تعالى حتى يموتوا بها. وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّه ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللّه لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّه وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) |
﴿ ٧٢ ﴾