٨٦٨٧٨٨٨٩وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ يعني أن شعيبا قال لقومه الكفار ولا تقعدوا على كل طريق من الدين والحق تمنعون الناس من الدخول فيه وتهددونهم على ذلك ذلك أنهم كانوا يجلسون على الطرقات ويخوفون من يريد الإيمان باللّه وبرسوله شعيب وهو قوله تعالى : وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّه مَنْ آمَنَ بِهِ يعني وتمنعون من يريد الإيمان باللّه وتقولون إن شعيبا كذاب وتخوفونه بالقتل. قال ابن عباس : كانوا يجلسون على الطريق فيخبرون من أتى عليهم أن شعيبا الذي تريدونه كذاب فلا يفتنكم عن دينكم وَتَبْغُونَها عِوَجاً يعني : وتريدون اعوجاج الطريق عن الحق وعدولها عن القصد. وقيل معناه تلتمسون لها الزيغ والضلال ولا تستقيمون على طريق الهدى والرشاد وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ يعني : أن شعيبا عليه الصلاة والسلام ذكرهم نعمة اللّه عليهم. قال الزجاج : يحتمل ذلك ثلاثة أوجه كثر عددكم وكثركم بالغنى بعد الفقر وكثركم بالقوة بعد الضعف ووجه ذلك أنهم إذا كانوا فقراء ضعفاء فهم بمنزلة القليل والمعنى إنه كثركم بعد القلة وأعزكم بعد الذلة فاشكروا نعمة اللّه تعالى عليكم وآمنوا به وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ يعني وانظروا نظر اعتبار ما نزل بمن كان قبلكم من الأمم السالفة والقرون الخالية حين عتوا على ربهم وعصوا رسله من العذاب والهلاك وأقرب الأمم إليكم قوم لوط فانظروا كيف أرسل اللّه تعالى عليهم حجارة من السماء لما عصوه وكذبوا رسله وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا يعني وإن اختلفتم في رسالتي فصرتم فرقتين فرقة آمنت بي وصدقت برسالتي وفرقة كذبت وجحدت رسالتي فَاصْبِرُوا فيه وعيد وتهديد حَتَّى يَحْكُمَ اللّه بَيْنَنا يعني حتى يقضي اللّه ويفصل بيننا فيعجز المؤمنين المصدقين وينصرهم ويهلك المكذبين الجاحدين ويعذبهم وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ يعني أنه حاكم عادل منزه عن الجور والميل والحيف في حكمه وإنما قال خير الحاكمين لأنه قد يسمى بعض الأشخاص حاكما على سبيل المجاز واللّه تعالى هو الحاكم في الحقيقة فلهذا قال وهو خير الحاكمين قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ يعني قال الجماعة من أشراف قومه الذين تكبروا عن الإيمان باللّه وبرسوله وتعظموا عن اتباع شعيب لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا يعني أن قوم شعيب أجابوه بأن قالوا لا بد من أحد أمرين إما إخراجك ومن تبعك على دينك من بلدنا أو لترجعن إلى ديننا وملتنا وما نحن عليه وهذا فيه إشكال وهو أن شعيبا عليه الصلاة والسلام لم يكن قط على ملتهم حتى يرجع إلى ما كان عليه فما معنى قوله أو لتعودن في ملتنا وأجيب عن هذا الإشكال بأن اتباع شعيب كانوا قبل الإيمان به على ملة أولئك الكفار فخاطبوا شعيبا وأتباعه جميعا فدخل هو في الخطاب وإن لم يكن على ملتهم قط. وقيل : معناه لتصيرن إلى ملتنا فوقع العود على معنى الابتداء كما تقول قد عاد عليّ من فلان مكروه بمعنى قد لحقني منه ذلك وإن لم يكن قد سبق منه مكروه فهو كما قال الشاعر : فإن تكن الأيام أحسن مدة إلي فقد عادت لهن ذنوب أراد فقد صارت لهن ذنوب ولم يرد أن ذنوبا كانت لهن قبل الإحسان. وقوله تعالى : قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ أي لا نعود في ملتكم وإن أكرهتمونا وأجبرتمونا على الدخول فيها فلا نقبل ولا ندخل قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللّه كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّه مِنْها يعني أن شعيبا أجاب قومه إذ دعوه ومن آمن به إلى العود إلى ملتهم والدخول فيها فقال قد افترينا يعني قد اختلقنا على اللّه كذبا وتخرصنا عليه من القول باطلا إن نحن رجعنا إلى ملتكم وقد علمنا فساد ما أنتم عليه من الملة والدين وقد أنقذنا اللّه وخلصنا منها وبصرنا خطأها وهذا أيضا فيه من الأشكال مثل ما في الأول وهو أن شعيبا عليه الصلاة والسلام ما كان في ملتهم قط حتى يقول إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا اللّه منها والجواب عنه مثل ما أجيب عن الإشكال الأول وهو أن نقول إن اللّه نجى قومه الذين آمنوا به من تلك الملة الباطلة ، إلا أن شعيبا نظم نفسه في جملتهم وإن كانا بريئا مما كانوا عليه من الكفر فأجرى الكلام على حكم التغليب. وقيل : معنى نجانا اللّه منها علمنا قبح ملتكم وفسادها فكأنه خلصنا منها وقوله تعالى إخبارا عنه وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللّه رَبُّنا يعني وما يكون لنا أن نرجع إلى ملتكم ونترك الحق الذي نحن عليه إلا أن يشاء اللّه ربنا يعني إلا أن يكون قد سبق لنا في علم اللّه أن نعود فيها فحينئذ يمضي قضاء اللّه وقدره فينا وينفذ سابق مشيئته علينا وقال الواحدي : ومعنى العود هنا الابتداء والذي عليه أهل العلم والسنة في هذه الآية أن شعيبا وأصحابه قالوا ما كنا لنرجع إلى ملتكم بعد أن وقفنا على أنها ضلالة تكسب دخول النار إلا أن يريد اللّه إهلاكنا فأمورنا راجعة إلى اللّه غير خارجة عن قبضته يسعد من يشاء بالطاعة ويشقي من يشاء بالمعصية وهذا من شعيب وقومه استسلام لمشيئة اللّه ولم تزل الأنبياء والأكابر يخافون العاقبة وانقلاب الأمر ألا ترى إلى قول الخليل عليه الصلاة والسلام (و اجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام) وكان نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم كثيرا ما يقول (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) قال الزجاج رحمه اللّه تعالى المعنى وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يكون قد سبق في علم اللّه ومشيئته أن نعود فيها وتصديق ذلك قوله وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً يعني أنه تعالى يعلم ما يكون قبل أن يكون وما سيكون وأنه تعالى كان عالما في الأزل بجميع الأشياء فالسعيد من سعد في علم اللّه تعالى والشقي من شقي في علم اللّه تعالى عَلَى اللّه تَوَكَّلْنا على اللّه نعتمد وإليه نستند في أمورنا كلها فإنه الكافي لمن توكل عليه والمعنى : على اللّه توكلنا لا على غيره فكأنه ترك الأسباب ونظر إلى مسبب الأسباب رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ لما أيس شعيب من إيمان قومه دعا بهذا الدعاء فقال ربنا افتح أي اقض وافصل واحكم بيننا وبين قومنا بالحق يعني بالعدل الذي لا جور فيه ولا ظلم ولا حيف وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ يعني خير الحاكمين قال الفراء إن أهل عمان يسمون القاضي الفاتح والفتاح وقال غيره من أهل اللغة هي لغة مراد وأنشد لبعضهم في ذلك : ألا أبلغ بني عصم رسولا فإني عن فتى حكم غني أراد أنه غني عن حاكمهم وقاضيهم. وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما : ما كنت أدري ما معنى قوله ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين حتى سمعت ابنة ذي يزن تقول تعال أفاتحك يعني أقاضيك. وهذا قول قتادة والسدي وابن جريج وجمهور المفسرين أن الفاتح هو القاضي والحاكم سمي بذلك لأنه يفتح أغلاق الإشكال بين الخصوم ويفصلها. وقال الزجاج : وجائز أن يكون معناه ربنا أظهر أمرنا حتى ينفتح بيننا وبين قومنا وينكشف والمراد منه أن ينزل عليهم عذابا يدل على كونهم مبطلين وعلى كون شعيب وقومه محقين وعلى هذا الوجه فالفتح يراد به الكشف والتمييز. وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٩٠) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٩١) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (٩٢) |
﴿ ٨٧ ﴾