سورة الأنفالمدنية كلها إلا سبع آيات منها نزلت بمكة وهي من قوله سبحانه وتعالى : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى آخر سبع آيات والأصح أنها نزلت بالمدينة وإن كانت الواقعة مكية وهي خمس وسبعون آية وألف وخمس وسبعون كلمة وخمسة آلاف وثمانون حرفا. بسم اللّه الرّحمن الرّحيم بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ للّه وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّه وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١) ١قوله سبحانه وتعالى : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ (ق) عن سعيد بن جبير قال : سألت ابن عباس عن سورة الأنفال. قال : نزلت في بدر واختلف أهل التفسير في سبب نزولها فقال ابن عباس لما كان يوم بدر قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا ومن أتى مكان كذا وكذا فله كذا وكذا ومن قتل قتيلا فله كذا فتسارع الشباب وبقيت الشيوخ تحت الرايات فلما فتح اللّه عليهم جاءوا يطلبون ما جعل لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال لهم الأشياخ : لا تذهبوا به دوننا ولا تستأثروا به علينا فإن كنا رداءا لكم ولو انكشفتم إلينا فتنازعوا. فأنزل اللّه عز وجل : يسألونك عن الأنفال. الآية قال أهل التفسير : قام أبو اليسر بن عمرو الأنصاري أخو بني سلمة فقال : يا رسول اللّه إنك وعدت أن من قتل قتيلا فله كذا وكذا وإنا قد قتلنا سبعين وأسرنا سبعين وقام سعد بن معاذ فقال : واللّه ما منعنا أن نطلب ما طلب هؤلاء زهادة في الآخرة ولا جبن عن العدو ولكن كرهنا أن تعرى مصافك فتعطف عليك خيل من المشركين فيصيبونك. فأعرض عنهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال سعد : يا رسول اللّه إن الناس كثير والغنيمة دون ذلك فإن تعط هؤلاء الذين ذكرت لا يبقى لأصحابك كبير شيء فنزلت هذه الآية : يسألونك عن الأنفال وقال محمد بن إسحاق : (أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بما في العسكر فجمع فاختلف المسلمون فيه فقال من جمعه هو لنا وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نفل كل امرئ ما أصاب وقال الذين كانوا يقاتلون العدو لولا نحن ما أصبتموه وقال الذين يحرسون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لقد كنا نقدر أن نقاتل العدو ولكنا خفنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غرة العدو فقمنا دونه فما أنتم بأحق منا فنزلت هذه الآية). روى مكحول عن أبي أمامة الباهلي قال : (سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال فينا معشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه اللّه من أيدينا وجعله إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقسمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيننا عن بواء) يقول على سواء وكان فيه تقوى اللّه وطاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وإصلاح ذات البين وعن سعد بن أبي وقاص قال : (لما كان يوم بدر جئت بسيف فقلت يا رسول اللّه إن اللّه قد شفى صدري من المشركين أو نحو هذا هب لي هذا السيف فقال : (هذا ليس لي ولا لك ف قلت : عسى أن يعطي هذا من لا يبلي بلائي فجاءني الرسول فقال (إنك سألتني وليس لي وأنه قد صار لي وهو لك) فنزلت يسألونك عن الأنفال ، الآية أخرجه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح وأخرجه مسلم في جملة حديث طويل يتضمن فضائل سعد ولفظ مسلم فيه. قال : (أصاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غنيمة عظيمة وإذا فيها سيف فأخذته فأتيت به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلت نفلني هذا السيف فأنا قد علمت حاله فقال رده من حيث أخذته فانطلقت به حتى أردت أن ألقيه في القبض لامتني نفسي فرجعت إليه فقلت أعطنيه قال فشد على صوته (رده من حيث أخذته فأنزل اللّه عز وجل) يسألونك عن الأنفال وقال ابن عباس : كانت المغانم لرسول صلى اللّه عليه وسلم خاصة ليس لأحد فيها شيء وما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به فمن حبس منه إبرة أو سلكا فهو غلول وأما التفسير ف قوله سبحانه وتعالى) يسألونك عن الأنفال) استفتاء يعني يسألك أصحابك يا محمد عن حكم الأنفال وعلمها وهو سؤال استفتاء لا سؤال طلب. وقال الضحاك وعكرمة : هو سؤال طلب وقوله عن الأنفال أي من الأنفال وعن بمعنى من. وقيل : عن صلة أي يسألونك الأنفال والأنفال هي الغنائم في قول ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة وأصله الزيادة سميت الغنائم أنفالا لأنها زيادة من اللّه عز وجل لهذه الأمة على الخصوص وأكثر المفسرين على أنها نزلت في غنائم بدر. وقال عطاء : هي ما شذ عن المشركين إلى المسلمين بغير قتال من عبد أو امرأة أو متاع فهو للنبي صلى اللّه عليه وسلم يصنع فيه ما يشاء قُلِ الْأَنْفالُ للّه وَالرَّسُولِ أي : قل لهم يا محمد إن الأنفال حكمها للّه ورسوله يقسمانها كيف شاؤوا واختلف العلماء في حكم هذه الآية فقال مجاهد وعكرمة والسدي هذه الآية منسوخة فنسخها اللّه سبحانه وتعالى بالخمس في قوله وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للّه خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ الآية. وقيل كانت الغنائم لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقسمها كيف شاء ولمن شاء ثم نسخها اللّه بالخمس. وقال بعضهم : هذه الآية ناسخة من وجه منسوخة من وجه وذلك أن الغنائم كانت حراما على الأمم الذين من قبلنا في شرائع أنبيائهم فأباحها اللّه لهذه الأمة بهذه الآية وجعلها ناسخة لشرع من قبلنا ثم نسخت بآياته الخمس وقال عبد الرحمن بن زيد إنها محكمة وهي إحدى الروايات عن ابن عباس ومعنى الآية على هذا القول قل الأنفال للّه والرسول يضعها حيث أمره اللّه وقد بين اللّه مصارفها في قوله : وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للّه خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ الآية. وصح من حديث ابن عمر ، قال : بعثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في سرية فغنمنا إبلا فأصاب كل واحد منا اثني عشر بعيرا ونفلنا بعيرا نعيرا أخرجاه في الصحيحين فعلى هذا تكون الآية محكمة وللإمام أن ينفل من شاء من الجيش ما شاء قبل التخميس فَاتَّقُوا اللّه يعني اتقوا اللّه بطاعته واتقوا مخالفته واتركوا المنازعة والمخاصمة في الغنائم وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ أي أصلحوا الحال فيما بينكم بترك المنازعة والمخالفة وبتسليم أمر الغنائم إلى اللّه ورسوله وَأَطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ فيما يأمرانكم به وينهيانكم عنه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يعني إن كنتم مصدقين بوعد اللّه ووعيده قوله سبحانه وتعالى : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللّه وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) |
﴿ ١ ﴾