٩٢

٩٣

قوله عز وجل لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ لما ذكر اللّه سبحانه وتعالى المنافقين الذين تخلفوا عن الجهاد واعتذروا بأعذار باطلة عقبه بذكر أصحاب الأعذار الحقيقية الصحيحة وعذرهم وأخبر أن فرض الجهاد عنهم ساقط فقال سبحانه وتعالى : ليس على الضعفاء والضعيف هو الصحيح في بدنه العاجز عن الغزو وتحمل مشاق السفر والجهاد مثل الشيوخ والصبيان والنساء ومن خلق في أصل الخلقة ضعيفا نحيفا ويدل على أن هؤلاء الأصناف هم الضعفاء أن اللّه سبحانه وتعالى عطف عليهم المرضى فقال سبحانه وتعالى : وَلا عَلَى الْمَرْضى والمعطوف مغاير للمعطوف عليه فأما المرضى فيدخل فيهم أهل العمى والعرج والزمانة وكل من كان موصوفا بمرض يمنعه من التمكن من الجهاد والسفر للغزو وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ يعني الفقراء العاجزين عن أهبة الغزو والجهاد ، فلا يجدون الزاد والراحلة والسلاح ومؤنة السفر لأن العاجز عن نفقة الغزو معذور حَرَجٌ أي ليس على هؤلاء الأصناف الثلاثة حرج أي إثم في التخلف عن الغزو. وقال الإمام فخر الدين الرازي : ليس في الآية أنه يحرم عليهم الخروج لأن الواحد من هؤلاء لو خرج ليعين المجاهدين بمقدار القدرة إما بحفظ متاعهم أو بتكثير سوادهم بشرط أن لا يجعل نفسه كلا ووبالا عليهم فإن ذلك طاعة مقبولة ثم إنه تعالى شرط على الضعفاء في جواز التخلف عن الغزو شرطا معينا و

قوله سبحانه وتعالى : إِذا نَصَحُوا للّه وَرَسُولِهِ

ومعناه : أنهم إذا أقاموا في البلد احترزوا عن إفشاء الأراجيف وإثارة الفتن وسعوا في إيصال الخير إلى أهل المجاهدين الذين خرجوا إلى الغزو وقاموا بمصالح بيوتهم وأخلصوا الإيمان والعمل للّه وتابعوا الرسول صلى اللّه عليه وسلم فإن جملة هذه الأمور تجري مجرى النصح للّه ورسوله ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ أي ليس على من أحسن فنصح للّه ولرسوله في تخلفه عن الجهاد بعذر قد أباحه الشارع طريق يتطرق عليه فيعاقب عليه والمعنى أنه سد بإحسانه طريق العقاب عن نفسه ويستنبط من قوله ما على المحسنين من سبيل أن كل مسلم يشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه مخلصا من قلبه ليس عليه سبيل في نفسه وماله إلا ما أباحه الشرع بدليل منفصل وَاللّه غَفُورٌ يعني لمن تخلف عن الجهاد بعذر ظاهر أباحه الشرع رَحِيمٌ يعني : أنه تعالى رحيم بجميع عباده.

قال قتادة : نزلت هذه الآية في عائذ بن عمرو وأصحابه. وقال الضحاك : نزلت في عبد اللّه بن أم مكتوم وكان ضرير البصر ولما ذكر اللّه عز وجل هذه الأقسام الثلاثة من المعذورين أتبعه بذكر قسم رابع وهو

قوله تعالى : وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ يعني ولا حرج ولا إثم في التخلف عنك على الذين إذا ما أتوك لِتَحْمِلَهُمْ يعني يسألونك الحملان ليبلغوا إلى غزو عدوك وعدوهم والجهاد معك يا محمد. قال ابن إسحاق :

نزلت في البكائين وكانوا سبعة. ونقل الطبري عن محمد بن كعب وغيره قالوا : جاء ناس من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يستحملونه فقال : لا أجد ما أحملكم عليه فأنزل اللّه هذه الآية وهم سبعة نفر من بني عمرو بن عوف سالم بن عمير ومن بني واقف جرمي بن عمير ومن بني مازن ابن النجار عبد الرحمن بن كعب يكنى أبا ليلى ومن بني المعلى سلمان بن صخر ومن بني حارثة عبد الرحمن بن زيد وهو الذي تصدق بعرضه فقبل اللّه منه ذلك ومن بني سلمة عمرو بن عنمة وعبد اللّه بن عمر المزني.

وقال البغوي : هم سبعة نفر سموا البكائين معقل بن يسار ، وصخر بن خنساء ، وعبد اللّه بن كعب الأنصاري ، وعلية بن زيد الأنصاري ، وسالم بن عمير ، وثعلبة بن عنمة ، وعبد اللّه بن مغفل المزني. قال : أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا : يا رسول اللّه إن اللّه عز وجل قد ندبنا إلى الخروج معك فاحملنا. فقال : لا أجد ما أحملكم عليه. وقال مجاهد : هم بنو مقرن من مزينة وكانوا ثلاثة إخوة : معقل ، وسويد ، والنعمان بنو مقرن.

وقيل :

نزلت في العرباض بن سارية ، ويحتمل أنها نزلت في كل ما ذكر.

قال ابن عباس : سألوه أن يحملهم على الدواب.

وقيل : بل سألوه أن يحملهم على الخفاف المرفوعة والنعال المخصوفة فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : لا أجد ما أحملكم عليه ، فولوا وهم يبكون ولذلك سموا البكائين. فذلك

قوله سبحانه وتعالى : قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ قال صاحب الكشاف :

وكقولك تفيض دمعا وهو أبلغ من يفيض دمعها لأن العين جعلت كأن كلها دمع فائض ومن البيان كقولك أفديك من رجل حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ يعني على أنفسهم في الجهاد إِنَّمَا السَّبِيلُ لما قال اللّه سبحانه وتعالى : ما على المحسنين من سبيل. قال تعالى في حق من يعتذر ولا عذر له إنما السبيل يعني إنما يتوجه الطريق بالعقوبة عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ يا محمد في التخلف عنك والجهاد معك وَهُمْ أَغْنِياءُ يعني قادرين على الخروج معك رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ يعني رضوا بالدناءة والضعة والانتظام في جملة الخوالف وهم النساء والصبيان والقعود معهم وَطَبَعَ اللّه عَلى قُلُوبِهِمْ يعني ختم عليها فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ما في الجهاد من الخير في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فالفوز بالغنيمة والظفر بالعدو

وأما في الآخرة فالثواب والنعيم الدائم الذي لا ينقطع.

يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّه مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللّه عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٤) سَيَحْلِفُونَ بِاللّه لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللّه لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٩٦) الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّه عَلى رَسُولِهِ وَاللّه عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٩٧) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٩٨)

﴿ ٩٣