٩٤٩٨قوله سبحانه وتعالى : يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ يعني يعتذر هؤلاء المنافقون المتخلفون عنك يا محمد إليك وإنما ذكره بلفظ الجمع تعظيما له صلى اللّه عليه وسلم ويحتمل أنهم اعتذروا إليه وإلى المؤمنين فلهذا قال تعالى يعتذرون إليكم يعني بالأعذار الباطلة الكاذبة إذا رجعتم إليهم يعني من سفركم قُلْ أي قل لهم يا محمد لا تَعْتَذِرُوا قال البغوي : روي أن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك كانوا بضعة وثمانين فقال اللّه تعالى قل لا تعتذروا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ يعني لن نصدقكم فيما اعتذرتم به قَدْ نَبَّأَنَا اللّه مِنْ أَخْبارِكُمْ يعني قد أخبرنا اللّه فيما سلف من أخباركم وَسَيَرَى اللّه عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ يعني في المستأنف أتتوبون من نفاقكم أم تقيمون عليه وقيل : يحتمل أنهم وعدوا بأن ينصروا المؤمنين في المستقبل فلهذا قال وسيرى اللّه عملكم ورسوله هل تفون بما قلتم أم لا ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ يعني فيخبركم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ لأنه هو المطلع على ما في ضمائركم في الخيانة والكذب وإخلاف الوعد. قوله عز وجل : سَيَحْلِفُونَ بِاللّه لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ يعني إذا رجعتم من سفركم إليهم يعني إلى المتخلفين بالمدينة من المنافقين لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ يعني لتصفحوا عنهم ولا تؤنبوهم ولا توبخوهم بسبب تخلفهم فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ يعني فدعوهم وما اختاروا لأنفسهم من النفاق. وقيل : يريد ترك الكلام يعني لا تكلموهم ولا تجالسوهم فلما قدم النبي صلى اللّه عليه وسلم المدينة قال لا تجالسوهم ولا تكلموهم قال أهل المعاني إن هؤلاء المنافقين طلبوا إعراض الصفح فأعطوا إعراض المقت ثم ذكر العلة في سبب الإعراض عنهم فقال تعالى : إِنَّهُمْ رِجْسٌ يعني أن بواطنهم خبيثة نجسة وأعمالهم قبيحة وَمَأْواهُمْ يعني مسكنهم في الآخرة جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يعني من الأعمال الخبيثة في الدنيا. قال ابن عباس : نزلت في الجد بن قيس ومعتب بن قشير وأصحابهما وكانوا ثمانين رجلا من المنافقين فقال النبي : صلى اللّه عليه وسلم لا تجالسوهم ولا تكلموهم. وقال مقاتل : نزلت في عبد اللّه بن أبي حلف للنبي صلى اللّه عليه وسلم الذي لا إله إلا هو أنه لا يتخلف عنه بعدها وطلب من النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يرضى عنه فأنزل اللّه عز وجل هذه الآية والتي بعدها يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ يعني : يحلف لكم هؤلاء المنافقون لترضوا عنهم فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ يعني فإن رضيتم عنهم أيها المؤمنون بما حلفوا لكم وقبلتم عذرهم فَإِنَّ اللّه لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ يعني أنه سبحانه وتعالى يعلم ما في قلوبهم من النفاق والشك فلا يرضى عنهم أبدا. وقوله سبحانه وتعالى : الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً نزلت في سكان البادية يعني أن أهل البدو أشد كفرا ونفاقا من أهل الحضر. قال أهل اللغة : يقال رجل عربي إذا كان نسبه في العرب وجمعه العرب. ورجل أعرابي إذا كان بدويا يطلب مساقط الغيث والكلأ. ويجمع الأعرابي على الأعراب والأعاريب فمن استوطن القرى والمدن العربية فهم عرب ومن نزل البادية فهم الأعراب ، فالأعرابي إذا قيل له يا عربي فرح بذلك. والعربي إذا قيل له : يا أعرابي غضب والعرب أفضل من الأعراب ، لأن المهاجرين والأنصار وعلماء الدين من العرب. والسبب في كون الأعراب أشد كفرا ونفاقا بعدهم عن مجالسة العلماء وسماع القرآن والسنن والمواعظ وهو قوله سبحانه وتعالى وَأَجْدَرُ يعني وأخلق وأحرى أَلَّا يَعْلَمُوا يعني بأن لا يعلموا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّه عَلى رَسُولِهِ يعني الفرائض والسنن والأحكام وَاللّه عَلِيمٌ يعني بما في قلوب عباده حَكِيمٌ فيما فرض من فرائضه وأحكامه وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً يعني لا يرجو على إنفاقه ثوابا ولا يخاف على إمساكه عقابا إنما ينفق خوفا أو رياء. والمغرم : التزام ما لا يلزم. والمعنى : أن من الأعراب من يعتقد أن الذي ينفقه في سبيل اللّه غرامة لأنه لا ينفق ذلك إلا خوفا من المسلمين أو مرآة لهم ولم يرد بذلك الإنفاق وجه اللّه وثوابه وَيَتَرَبَّصُ يعني : وينتظر بِكُمُ الدَّوائِرَ يعني بالدوائر تقلب الزمان وصروفه التي تأتي مرة بالخير ومرة بالشر. قال يمان بن رباب : يعني تقلب الزمان فيموت الرسول وتظهر المشركون عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ يعني : بل يتقلب عليهم الزمان ويدور السوء والبلاء والحزن بهم ولا يرون في محمد صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه ودينه إلا ما يسوءهم وَاللّه سَمِيعٌ يعني لأقوالهم عَلِيمٌ يعني بما يخفون في ضمائرهم من النفاق والغش وإرادة السوء للمؤمنين نزلت هذه الآية في أعراب أسد وغطفان وتميم ثم استثنى اللّه عز وجل فقال تبارك وتعالى : وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللّه وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّه فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠) |
﴿ ٩٤ ﴾