١٢

١٤

وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ أي الشدة والجهد والمراد بالإنسان في هذه الآية الكافر دَعانا لِجَنْبِهِ أي على جنبه مضطجعا أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً يريد جميع حالاته لأن الإنسان لا ينفك عن إحدى هذه الحالات الثلاث والمعنى أن المضرور لا يزال داعيا في جميع حالاته إلى أن ينكشف ضره سواء كان مضطجعا أو قائما أو قاعدا وهذا القول فيه بعد لأن ذكر الدعاء إلى هذه الأحوال أقرب من ذكر الضر فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ يعني فلما أزلنا عنه ما نزل به من الضر ودفعنا عنه مَرَّ يعني على طريقته الأولى قبل مس الضر كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا فيه حذف تقديره كأنه لم يدعنا وإنما أسقط الضمير على سبيل التخفيف إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ والمعنى أنه استمر على حالته الأولى قبل أن يمسه الضر ونسي ما كان فيه من الجهد والبلاء والضيق والفقر كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ يعني مثل ما زين لهذا الكافر هذا العمل القبيح كذلك زين للمسرفين والمزين هو اللّه سبحانه وتعالى لأنه مالك الملك والخلق كلهم عبيدة يتصرف فيهم كيف يشاء

وقيل المزين هو الشيطان وذلك بأقدار اللّه إياه على ذلك والمسرف هو المجاوز الحد في كل شيء وإنما سمي الكافر مسرفا لأنه أتلف نفسه وضيعها في عبادة الأصنام وأتلف ماله وضيعه في البحائر والسوائب وما كانوا ينفقونه على الأصنام وسدنتها يعني خدامها. وقال ابن جريج : في قوله كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون يعني من الدعاء عند المصيبة وترك الشكر عند الرخاء.

وقيل : كما زين لكم أعمالكم كذلك زين للمسرفين الذين كانوا من قبلكم أعمالهم. وبيان مقصود الآية أن الإنسان قليل الصبر عند نزول البلاء قليل الشكر عند حصول النعماء والرخاء فإذا مسه الضر أقبل على الدعاء والتضرع في جميع حالاته مجتهدا في الدعاء طالبا من اللّه إزالة ما نزل به من المحنة والبلاء فإذا كشف اللّه ذلك عنه أعرض عن الشكر ورجع إلى ما كان عليه أولا وهذه حالة الغافل الضعيف اليقين فأما المؤمن العاقل فإنه بخلاف ذلك فيكون صابرا عند البلاء شاكر اللّه عند الرخاء والنعماء كثير التضرع والدعاء في جميع أوقات الراحة والرفاهية وهاهنا مقام أعلى من هذا وهو أن المؤمن إذا ابتلي ببلية أو نزل به مكروه يكون مع صبره على ذلك راضيا بقضاء اللّه غير معرض بالقلب عنه بل يكون شاكرا للّه عز وجل في جميع أحواله وليعلم العبد المؤمن أن اللّه تبارك وتعالى مالك الملك على الإطلاق حكيم في جميع أفعاله وله التصرف في خلقه بما يشاء ويعلم أنه إن أبقاه على تلك المحنة فهو عدل وإن أزالها عنه فهو فضل.

قوله سبحانه وتعالى : وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ يعني أهلكنا الأمم الماضية من قبلكم يخوف بذلك كفار مكة لَمَّا ظَلَمُوا يعني لما أشركوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ يعني فكذبوهم وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا

يعني : هذه الأمم برسلهم ويصدقوهم بما جاءوا به من عند اللّه كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ يعني : كما أهلكنا الأمم الخالية لما كذبوا رسلهم كذلك نهلككم أيها المشركون بتكذيبكم محمدا صلى اللّه عليه وسلم ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ الخطاب لأهل مكة الذين أرسل فيهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمعنى ثم جعلناكم أيها الناس خلفاء في الأرض من بعد القرون الماضية الذين أهلكناهم لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ يعني خيرا أو شرا فنعاملكم على حسب أعمالكم والنظر هنا بمعنى العلم يريد لنختبر أعمالكم وهو يعلم ما يكون قبل أن يكون. قال أهل المعاني : معنى النظر ، هو طلب العلم وجاز في وصف اللّه سبحانه وتعالى إظهارا للعدل لأنه سبحانه وتعالى يعامل العباد معاملة من يطلب العلم بما يكون منهم ليجازيهم بحسبه كقوله تبارك وتعالى : لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ذكره الواحدي والرازي

(م) عن سعيد الخدري أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : (إن الدنيا حلوة خضرة وأن اللّه مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واحذروا فتنة النساء) أخرجه مسلم قوله فاتقوا الدنيا معناه احذروا فتنة الدنيا واحذروا فتنة النساء.

وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُلْ لَوْ شاءَ اللّه ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّه كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧)

﴿ ١٢