١٨

٢١

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّه ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ يعني : ويعبد هؤلاء المشركون الأصنام التي لا تضرهم إن عصوها وتركوا عبادتها ولا تنفعهم إن عبدوها لأنها حجارة وجماد لا تضر ولا تنفع وإن العبادة أعظم أنواع التعظيم فلا تليق إلا بمن يضر وينفع ويحيي ويميت وهذه الأصنام جماد وحجارة لا تضر ولا تنفع وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ يعني الأصنام التي يعبدونها شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللّه قال أهل المعاني : توهموا أن عبادتها أشد من تعظيم اللّه من عبادتهم إياه وقالوا لسنا بأهل أن نعبد اللّه ولكن نشتغل بعبادة هذه الأصنام فإنها تكون شافعة لنا عند اللّه ومنه

قوله سبحانه وتعالى إخبارا عنهم ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللّه زُلْفى وفي هذه الشفاعة قولان :

أحدهما : أنهم يزعمون أنها تشفع لهم في الآخرة قاله ابن جريج عن ابن عباس.

والثاني : أنها تشفع لهم في الدنيا في إصلاح معايشهم قاله الحسن لأنهم كانوا لا يعتقدون بعثا بعد الموت قُلْ أي قل لهم يا محمد أَتُنَبِّئُونَ اللّه بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ يعني : أتخبرون اللّه أن له شريكا ولا يعلم اللّه لنفسه شريكا في السموات ولا في الأرض. وهذا على طريق الإلزام. المقصود : نفي علم اللّه بذلك الشفيع وأنه لا وجود له البتة لأنه لو كان موجودا لعلمه اللّه وحيث لم يكن معلوما للّه وجب أن لا يكون موجودا ومثل هذا مشهور في العرف فإن الإنسان إذا أراد نفي شيء حصل في نفسه يقول : ما علم اللّه ذلك مني مقصوده أنه ما حصل ذلك الشيء منه قط ولا وقع سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ نزه اللّه سبحانه وتعالى نفسه عن الشركاء والأضداد والأنداد وتعالى أن يكون له شريك في السموات والأرض ولا يعلمه.

قوله سبحانه وتعالى : وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا يعني : فتفرقوا إلى مؤمن وكافر يعني كانوا جميعا على الدين الحق وهو دين الإسلام ويدل على ذلك أن آدم عليه السلام وذريته كانوا على دين الإسلام إلى أن قتل قابيل هابيل ثم اختلفوا.

وقيل : بقوا على ذلك إلى زمن نوح عليه السلام ثم اختلفوا فبعث اللّه نوحا.

وقيل : إنهم كانوا على دين الإسلام وقت خروج نوح ومن معه من السفينة ثم اختلفوا بعد ذلك

وقيل كانوا على دين الإسلام من عهد إبراهيم الخليل عليه السلام إلى أن غيره عمرو بن لحي. فعلى هذا القول ، يكون المراد من الناس في قوله وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً العرب خاصة.

وقيل : كان الناس أمة واحدة في الكفر. وهذا القول منقول عن جماعة من المفسرين ويدل عليه

قوله سبحانه وتعالى في سورة البقرة : فَبَعَثَ اللّه النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وتقديره : أنه لا مطمع في أن يصير الناس على دين واحد فإنهم كانوا أولا على الكفر وإنما أسلم بعضهم ففيه تسلية للنبي صلى اللّه عليه وسلم.

وقيل : كان الناس أمة واحدة. وليس في الآية ما يدل على أي دين كانوا من إيمان أو كفر فهو موقوف على دليل من خارج.

وقيل :

معناه أنهم كانوا في أول الخلق على الفطرة السليمة الصحيحة ثم اختلفوا في الأديان وإليه الإشارة بقوله صلى اللّه عليه وسلم :

(كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) والمراد بالفطرة في الحديث ، فطرة الإسلام.

قوله سبحانه وتعالى : وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ يعني أنه سبحانه وتعالى جعل لكل أمة أجلا وقضى بذلك في سابق الأزل ، قال الكلبي : هي إمهال هذه الأمة وأنه لا يهلكهم بالعذاب لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ يعني بنزول العذاب وتعجيل العقوبة للمكذبين وكان ذلك فصلا بينهم فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ وقال الحسن : ولولا كلمة سبقت من ربك يعني مضت في حكمة اللّه أنه لا يقضي عليهم فيما اختلفوا فيه بالثواب والعقاب دون يوم القيامة لقضى بينهم في الدنيا فأدخل المؤمنين الجنة بإيمانهم وأدخل الكافرين النار بكفرهم ولكن سبق من اللّه الأجل فجعل موعدهم يوم القيامة

وقيل سبق من اللّه أنه لا يؤاخذ أحدا إلا بعد إقامة الحجة عليه.

وقيل : الكلمة التي سبقت من اللّه هي قوله :

إن رحمتي سبقت غضبي ولولا رحمته ، لعجل لهم العقوبة في الدنيا ولكن أخرهم برحمته إلى يوم القيامة ثم يقضي بينهم فيما كانوا فيه يختلفون يعني في الدنيا وَيَقُولُونَ يعني كفار مكة لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ يعني هلا نزل على محمد ما نقترحه عليه من الآيات فَقُلْ أي : فقل لهم يا محمد إِنَّمَا الْغَيْبُ للّه يعني إن الذي سألتمونيه هو من الغيب وإنما الغيب للّه لا يعلم أحد ذلك إلا هو والمعنى لا يعلم أحد متى نزول الآية إلا هو فَانْتَظِرُوا يعني نزولها إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ

وقيل معناه فانتظروا قضاء اللّه بيننا بإظهار المحق على المبطل إني معكم من المنتظرين

قوله عز وجل : وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً يعني رخاء ونعمة مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ يعني من بعد شدة وبلاء وضيق في العيش أصابهم والمراد بالناس هنا : كفار مكة ، وذلك أن اللّه سبحانه وتعالى حبس عنهم المطر سبع سنين حتى هلكوا من الجوع والقحط ، ثم إن اللّه سبحانه وتعالى رحمهم ، فأنزل عليهم المطر الكثير حتى أخصبت البلاد وعاش الناس بعد ذلك الضر فلم يتعظوا بذلك بل رجعوا إلى الفساد والكفر والمكر وهو

قوله سبحانه وتعالى : إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قال مجاهد : أي تكذيب واستهزاء وقال مقاتل وابن حيان : لا يقولون هذا رزق اللّه إنما يقولون سقينا بنوء كذا وكذا. ويدل على صحة هذا القول ما روي عن زيد بن خالد الجهني قال : صلى بنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل ، فلما انصرف ، أقبل على الناس فقال : هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم قال : قال (أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل اللّه ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب

وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب) أخرجاه في الصحيحين.

قوله : على أثر سماء كانت من الليل أي مطر كان قد وقع في الليل وسمي المطر سماء لأنه يقطر من السماء. والأنواء عند العرب : هي منازل القمر إذا طلع نجم سقط نظيره وكانوا يعتقدون في الجاهلية أنه لا بد عند ذلك من وجود مطر أو ريح كما يزعم المنجمون أيضا فمن العرب من يجعل ذلك التأثير للطالع لأنه ناء أي ظهر وطلع ومنهم من ينسبه للغارب فنفى النبي عليه السلام صحة ذلك ونهى عنه وكفّر معتقده إذا اعتقد أن النجم فاعل ذلك التأثير

وأما من يجعله دليلا ، فهو جاهل بمعنى الدلالة.

وأما من أسند ذلك إلى العادة التي يجوز انخرامها فقد كرهه قوم وحرمه قوم ومنهم من تأول الكفر بكفر نعمة اللّه واللّه أعلم وسمى تكذيبهم بآيات اللّه مكرا لأن المكر عبارة عن صرف الشيء عن وجهه الظاهر بنوع من الحيلة وكان كفار مكة يحتالون في دفع آيات اللّه بكل ما يقدرون عليه من المفاسد : قُلِ اللّه أَسْرَعُ مَكْراً أي :

قل لهم يا محمد اللّه أعجل عقوبة وأشد أخذا وأقدر على الجزاء وإن عذابه في هلاكهم أسرع إليكم مما يأتي منكم في دفع الحق ولما قابلوا نعمة اللّه بالمكر ، قابل مكرهم بمكر أشد منه وهو إمهالهم إلى يوم القيامة إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ يعني الحفظة الكرام الكاتبين يكتبون ويحفظون عليهم الأعمال القبيحة السيئة إلى يوم القيامة حتى يفتضحوا بها ويجزون على مكرهم

قوله تعالى :

هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣)

﴿ ١٩