٢٥أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللّه هذا مفعول له معناه كتاب أحكمت آياته ثم فصلت لئلا تعبدوا إلا اللّه والمراد بالعبادة التوحيد وخلع الأنداد والأصنام وما كانوا يعبدون والرجوع إلى اللّه تعالى وإلى عبادته والدخول في دين الإسلام إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ أي : قل لهم يا محمد إنني لكم من عند اللّه نَذِيرٌ ينذركم عقابه إن ثبتم على كفركم ولم ترجعوا عنه وَبَشِيرٌ يعني وأبشر بالثواب الجزيل لمن آمن باللّه ورسوله وأطاع وأخلص العمل للّه وحده وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ اختلفوا في بيان الفرق بين هذين المرتبتين فقيل معناه اطلبوا من ربكم المغفرة لذنوبكم ثم ارجعوا إليه لأن الاستغفار هو طلب الغفر وهو الستر والتوبة الرجوع عما كان فيه من شرك أو معصية إلى خلاف ذلك فلهذا السبب قدم الاستغفار على التوبة وقيل معناه استغفروا ربكم لسالف ذنوبكم ثم توبوا إليه في المستقبل وقال الفراء : ثم هنا بمعنى الواو لأن الاستغفار والتوبة بمعنى واحد فذكرهما للتأكيد يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً يعني إنكم إذا فعلتم ما أمرتم به من الاستغفار والتوبة وأخلصتم العبادة للّه عز وجل بسط عليكم من الدنيا وأسباب الرزق ما تعيشون به في أمن وسعة وخير ، قال بعضهم : المتاع الحسن هو الرضا بالميسور والصبر على المقدور إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يعني يمتعكم متاعا حسنا إلى حين الموت ووقت انقضاء آجالكم. فإن قلت قد ورد في الحديث (إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) وقد يضيق على الرجل في بعض أوقاته حتى لا يجد ما ينفقه على نفسه وعياله فكيف الجمع بين هذا وبين قوله سبحانه وتعالى يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى. قلت أما قوله صلى اللّه عليه وسلم (الدنيا سجن المؤمن) فهو بالنسبة إلى ما أعد اللّه له في الآخرة من الثواب الجزيل والنعيم المقيم فإنه في سجن في الدنيا حتى يفضي إلى ذلك المعد له وأما كون الدنيا جنة الكافر فهو بالنسبة إلى ما أعد اللّه له في الآخرة من العذاب الأليم الدائم الذي لا ينقطع فهو في الدنيا في جنة حتى يفضي إلى ما أعد اللّه له في الآخرة وأما ما يضيق على الرجل المؤمن في بعض الأوقات فإنما ذلك لرفع الدرجات وتكفير السيئات وبيان الصبر عند المصيبات فعلى هذا يكون المؤمن في جميع أحواله في عيشة حسنة لأنه راض عن اللّه في جميع أحواله. وقوله سبحانه وتعالى : وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ أي ويعط كل ذي عمل صالح في الدنيا أجره وثوابه في الآخرة ، قال أبو العالية : من كثرت طاعاته في الدنيا زادت حسناته ودرجاته في الجنة لأن الدرجات تكون على قدر الأعمال ، وقال ابن عباس : من زادت حسناته على سيئاته دخل الجنة ومن زادت سيئاته دخل النار ومن استوت حسناته وسيئاته كان من الأعراف ثم يدخلون الجنة. وقال ابن مسعود : من عمل سيئة كتبت عليه سيئة ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات فإن عوقب بالسيئة التي عملها في الدنيا بقيت له عشر حسنات وإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من حسناته العشر واحدة وبقيت له تسع حسنات ثم يقول ابن مسعود : هلك من غلبت آحاده أعشاره وقيل معنى الآية من عمل للّه وفقه اللّه في المستقبل لطاعته وَإِنْ تَوَلَّوْا يعني وإن أعرضوا عما جئتم به من الهدى فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ أي : فقل لهم يا محمد إني أخاف عليكم عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ يعني : عذاب النار في الآخرة إِلَى اللّه مَرْجِعُكُمْ يعني في الآخرة فيثيب المحسن على إحسانه ويعاقب المسيء على إساءته وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يعني من إيصال الرزق إليكم في الدنيا وثوابكم وعقابكم في الآخرة قوله سبحانه وتعالى : أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ قال ابن عباس : نزلت في الأخنس بن شريق وكان رجلا حلو الكلام حلو المنظر وكان يلقى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بما يحب وينطوي بقلبه على ما يكره فنزلت ألا إنهم يثنون صدورهم يعني يخفون ما في صدورهم من الشحناء والعداوة من ثنيت الثوب إذا طويته. وقال عبد اللّه بن شداد بن الهاد : نزلت في بعض المنافقين كان إذا مر برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطى وجهه كي لا يراه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقال قتادة : كانوا يحنون صدورهم كي لا يسمعوا كتاب اللّه تعالى ولا ذكره وقيل كان الرجل من الكفار يدخل بيته ويرخي ستره ويحني ظهره ويتغشى بثوبه ويقول هل يعلم اللّه ما في قلبي ، وقال السدي : يثنون صدورهم أي يعرضون بقلوبهم من قولهم ثنيت عناني لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ يعني من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال مجاهد من اللّه عز وجل إن استطاعوا أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يعني يغطون رؤوسهم بثيابهم يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ومعنى الآية على ما قاله الأزهري : إن الذين أضمروا عداوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يخفى علينا حالهم في كل حال وقد نقل عن ابن عباس غير هذا التفسير وهو ما أخرجه البخاري في إفراده عن محمد بن عياش بن جعفر المخزومي أنه سمع ابن عباس يقرأ : ألا إنهم يثنون صدورهم ، قال : فسألته عنها فقال كل أناس يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزل ذلك فيهم. وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّه رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) |
﴿ ٥ ﴾