٣١

فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ يعني فلما سمعت زليخا بقولهن وما تحدثن به إنما سمى قولهن ذلك مكرا لأنهن طلبن بذلك رؤية يوسف وكان وصف لهن حسنه وجماله فقصدن أن يرينه

وقيل إن امرأة العزيز أفشت إليهن سرها واستكتمتهن فأفشين ذلك عليها فلذلك سماه مكرا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ يعني أنها لما سمعت بأنهن يلمنها على محبتها ليوسف أرادت أن تقيم عذرها عندهن قال وهب اتخذت مائدة يعني صنعت لهن وليمة وضيافة ودعت أربعين امرأة من أشراف مدينتها فيهن هؤلاء اللاتي عيرنها وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً يعني ووضعت لهن نمارق ومساند يتكئن عليها ، وقال ابن عباس وابن جبير والحسن وقتادة ومجاهد : متكئا يعني طعاما وإنما سمي الطعام متكئا لأن كل من دعوته ليطعم عندك فقد أعددت له وسائد يجلس ويتكئ عليها فسمي الطعام متكأ على الاستعارة ويقال : اتكأنا عند فلان أي طعمنا عنده المتكأ ما يتكأ عليه عند الطعام والشراب والحديث ولذلك جاء النهي عنه في الحديث وهو قوله صلى اللّه عليه وسلم (لا آكل متكئا)

وقيل المتكأ الأترج

وقيل هو كل شيء يقطع بالسكين أو يحز بها ويقال إن المرأة زينت البيت بألوان الفاكهة والأطعمة ووضعت الوسائد ودعت النسوة اللاتي عيرنها بحب يوسف وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً يعني وأعطت كل واحدة من النساء سكينا لتأكل بها وكان من عادتهم أن يأكلن اللحم والفواكه بالسكين وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ يعني وقالت زليخا ليوسف اخرج على النسوة وكان يخاف من مخالفتها فخرج عليهن يوسف وكانت قد زينته واختبأته في مكان آخر فَلَمَّا رَأَيْنَهُ يعني النسوة أَكْبَرْنَهُ يعني أعظمنه ودهشن عند رؤيته وكان يوسف قد أعطي شطر الحسن ، وقال عكرمة : كان فضل يوسف على الناس في الحسن كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم وروى أبو سعيد الخدري رضي اللّه تعالى عنه قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم (رأيت ليلة أسري بي إلى السماء يوسف كالقمر ليلة البدر) ذكره البغوي بغير سند ، وقال إسحاق بن أبي فروة : كان يوسف إذا سار في أزقة مصر تلألأ وجهه على الجدران ويقال إنه ورث حسن آدم يوم خلقه اللّه عز وجل قبل أن يخرج من الجنة وقال أبو العالية هالهن أمره وبهتن إليه

وفي رواية عن ابن عباس قال أكبرنه أي حضن ونحوه ، عن مجاهد والضحاك قال : حضن من الفرج وأنكر أكثر أهل اللغة هذا القول. قال الزجاج : هذه اللفظة ليست معروفة في اللغة والهاء في أكبرنه تمنع من هذا لأنه لا يجوز أن يقال النساء قد حضنه لأن حضن لا يتعدى إلى مفعول قال الأزهري إن صحت هذه اللفظة فلها مخرج وذلك أن المرأة إذا حاضت أول

ما تحيض فقد خرجت من حد الصغار إلى حد الكبار فيقال لها أكبرت أي حاضت على هذا المعنى فإن صحت الرواية عن ابن عباس ، سلمنا له وجعلنا الهاء في قوله أكبرنه هاء الوقف لا هاء الكناية ،

وقيل : إن المرأة إذا خافت أو فزعت فربما أسقطت ولدها وتحيض فإن كان ثم حيض فربما كان من فزعهن وما هالهن من أمر يوسف حين رأينه قال الإمام فخر الدين الرازي : وعندي أنه يحتمل وجها آخر وهو أنهن إنما أكبرنه لأنهن رأين عليه نور النبوة وسيما الرسالة آثار الخضوع والإخبات وشاهدن فيه مهابة وهيبة ملكية وهي عدم الالتفات إلى المطعوم والمنكوح وعدم الاعتداد بهن وكان ذلك الجمال العظيم مقرونا بتلك الهيبة والهيئة فتعجبن من تلك الحالة فلا جرم أكبرنه وأعظمنه ووقع الرعب والمهابة في قلوبهن قال وحمل الآية على هذا الوجه أولى وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ يعني : وجعلن يقطعن أيديهن بالسكاكين التي معهن وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترج ولم يجدن الألم لدهشتهن وشغل قلوبهن بيوسف قال مجاهد فما أحسسن إلا بالدم ، وقال قتادة : أين أيديهن حتى ألقينها والأصح أنه كان قطعا من غير إبانة ، قال وهب : مات جماعة منهن وَقُلْنَ يعني النسوة حاشَ للّه ما هذا بَشَراً أي معاذ اللّه أن يكون هذا بشرا إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ يعني على اللّه والمقصود من هذا إثبات الحسن العظيم المفرط ليوسف لأنه قد ركز في النفوس أن لا شيء أحسن من الملك فلذلك وصفته بكونه ملكا

وقيل لما كان الملك مطهرا من بواعث الشهوة

وجميع الآفات والحوادث التي تحصل للبشر وصفن يوسف بذلك.

قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢) قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤) ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥)

﴿ ٣١