سورة الرعد

قال ابن الجوزي : اختلفوا في نزولها على قولين :

أحدهما أنها مكية ، رواه أبو طلحة عن ابن عباس ، وبه قال الحسن وسعيد بن جبير وعطاء وقتادة.

وروى أبو صالح عن ابن عباس أنها مكية إلا آيتين إحداهما قوله وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ والأخرى قوله وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا.

والقول الثاني أنها مدنية رواه عطاء الخراساني عن ابن عباس ، وبه قال جابر بن زيد وروي عن ابن عباس أنها مدنية إلا آيتين نزلتا بمكة ، وهما قوله وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ إلى آخر الآيتين

وقال بعضهم : المدني منها قوله هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ إلى قوله دَعْوَةُ الْحَقِّ وهي ثلاث

وقيل خمس وأربعون آية وثمانمائة وخمس وخمسون كلمة وثلاثة آلاف وخمسمائة وستة أحرف.

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١) اللّه الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢)

١

٢

قوله عز وجل المر قال ابن عباس رضي اللّه عنهما : معناه أنا اللّه أعلم وأرى.

وروى عطاء عنه أنه قال :

إن معناه أنا اللّه الملك الرحمن تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الإشارة بتلك إلى آيات السورة المسماة بالمر ، والمراد بالكتاب السورة أي آيات السورة الكاملة العجيبة في بابها ثم قال تعالى : وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ يعني من القرآن كله هو الحق الذي لا مزيد عليه ،

وقيل المراد بالإشارة في قوله : تلك الأخبار والقصص أي الأخبار والقصص التي قصصتها عليك يا محمد هي آيات التوراة والإنجيل والكتب الإلهية القديمة المنزلة ، والذي أنزل إليك يعني وهذا القرآن الذي أنزل إليك يا محمد من ربك الحق أي هو الحق فاعتصم به وقال ابن عباس وقتادة : أراد بآيات الكتاب القرآن ، والمعنى : هذه آيات الكتاب الذي هو القرآن ثم قال : والذي أنزل إليك من ربك الحق ، يعني : وهذا القرآن الذي أنزل إليك من ربك هو الحق لا شك فيه ولا تناقض وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ يعني مشركي مكة نزلت هذه الآية في الرد عليهم حين قالوا إن محمدا يقوله من تلقاء نفسه ، ثم ذكر من دلائل ربوبيته وعجائب قدرته ما يدل على وحدانيته

فقال تعالى : اللّه الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ جمع عمود وهي الأساطين والدعائم التي تكون تحت السقف وفي قوله : تَرَوْنَها قولان

أحدهما أن الرؤية ترجع إلى السماء يعني : وأنتم ترون السموات مرفوعة بغير عمد من تحتها يعني ليس من دونهما دعامة تدعمها ولا من فوقها علاقة تمسكها ، والمراد نفي العمد بالكلية. قال إياس بن معاوية : السماء مقبية على الأرض مثل القبة ، وهذا قول الحسن وقتادة وجمهور المفسرين ، وإحدى الروايتين عن ابن عباس.

والقول الثاني : إن الرؤية ترجع

إلى العمد ، والمعنى أن لها عمدا ولكن لا ترونها أنتم ، ومن قال بهذا القول يقول : إن عمدها على جبل قاف ، وهو جبل من زمرد محيط بالدنيا ، والسماء عليه مثل القبة ، وهذا قول مجاهد وعكرمة والرواية الأخرى عن ابن عباس ، و

القول الأول أصح ،

وقوله تعالى ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ تقدم تفسيره والكلام عليه في سورة الأعراف بما فيه كفاية وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يعني ذللّهما لمنافع خلقه فهما مقهوران ، يجريان على ما يريد كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يعني إلى وقت معلوم ، وهو وقت فناء الدنيا وزوالها. وقال ابن عباس : أراد بالأجل المسمى درجاتهما ومنازلهما يعني أنهما يجريان في منازلهما ودرجاتهما إلى غاية ينتهيان إليها ولا يجاوزانها ، وتحقيقه أن اللّه تعالى جعل لكل واحد من الشمس والقمر سيرا خاصا إلى جهة بمقدار خاص من السرعة والبطء في الحركة ، يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يعني أنه تعالى يدبر أمر العالم العلوي والسفلي ، ويصرفه ويقضيه بمشيئته ، وحكمته ، على أكمل الأحوال لا يشغله شأن عن شأن ،

وقيل : يدبر الأمر بالإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة ، ففيه دليل على كمال القدرة والرحمة ، لأن جميع العالم محتاجون إلى تدبيره ورحمته ، داخلون تحت قهره وقضائه وقدرته يُفَصِّلُ الْآياتِ يعني أنه تعالى يبين الآيات الدالة على وحدانيته وكمال قدرته.

وقيل : إن الدلائل الدالة على وجود الصانع قسمان :

الأول : الموجودات المشاهدة ، وهي خلق السموات والأرض وما فيهما من العجائب وأحوال الشمس والقمر وسائر النجوم وهذا قد تقدم ذكره.

والقسم الثاني : الموجودات الحادثة في العالم ، وهي الموت بعد الحياة والفقر بعد الغنى والضعف بعد القوة إلى غير ذلك من أحوال هذا العالم ، وكل ذلك مما يدل على وجود الصانع وكمال قدرته لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ يعني أنه تعالى يبين الآيات الدالة على وحدانيته وكمال قدرته لكي توقنوا ، وتصدقوا بلقائه والمصير إليه بعد الموت لأن من قدر على إيجاد الإنسان بعد عدمه قادر على إيجاده وإحيائه بعد موته ، واليقين صفة من صفات العلم ، وهو فوق المعرفة والدراية وهو سكون الفهم مع ثبات الحكم وزوال الشك ، يقال منه استيقن وأيقن بمعنى علم.

قوله تعالى :

وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤) وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٥) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (٧)

﴿ ١