سورة الحجر

مكية بإجماعهم وهي تسع وتسعون آية وستمائة ، وأربع وخمسون كلمة وألفان وسبعمائة وستون حرفا.

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (١) رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (٢) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣)

١

٣

قوله سبحانه وتعالى : الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ تلك إشارة إلى ما تضمنته السورة من الآيات والمراد بالكتاب وبالقرآن المبين : الكتاب الذي وعد به اللّه محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم ، وتنكير القرآن للتفخيم ، والتعظيم والمعنى تلك آيات الكتاب الكامل في كونه كتابا ، وفي كونه قرآنا وأي قرآن كأنه قيل : الكتاب الجامع للكمال والغرابة في البيان

وقيل : أراد بالكتاب التوراة والإنجيل ، لأن عطف القرآن على الكتاب والمعطوف غير المعطوف عليه وهذا القول ليس بالقوي ، لأنه لم يجر للتوراة والإنجيل ذكر حتى يشار إليهما.

وقيل : المراد بالكتاب القرآن وإنما جمعهما بوصفين ، وإن كان الموصوف واحدا لما في ذلك من الفائدة وهي التفخيم والتعظيم ، والمبين الذي يبين الحلال من الحرام ، والحق من الباطل رُبَما قرئ بالتخفيف والتشديد وهما لغتان ورب للتقليل وكم للتكثير ، وإنما زيدت ما مع رب ليليها الفعل تقول رب رجل جاءني وربما جاءني زيد وإن شئت جعلت ما بمنزلة شيء كأنك قلت رب شيء فتكون المعنى رب شيء يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا

وقيل : ما في ربما بمعنى حين أي رب حين يود يعني يتمنى الذين كفروا لأن التمني هو : تشهي حصول ما يوده ، واختلف المفسرون في الوقت الذي يتمنى الذين كفروا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ على قولين

أحدهما : أن ذلك يكون عند معاينة العذاب وقت الموت فحينئذ يعلم الكافر أنه كان على الضلال ، فيتمنى لو كان مسلما ، وذلك حين لا ينفعه ذلك التمني.

قال الضحاك : هو عند حالة المعاينة

والقول الثاني : إن هذا التمني يكون في الآخرة ، وذلك حين يعاينون أهوال يوم القيامة وشدائده وما يصيرون عليه من العذاب ، فحينئذ يتمنى الذين كفروا لو كانوا مسلمين.

وقال الزجاج : أن الكافر كلما رأى حالا من أحوال العذاب ورأى حالا من أحوال المسلم ولو كان مسلما

وقيل إذا رأى الكافر أن اللّه تعالى يرحم المسلمين ، ويشفع بعضهم في بعض حين يقول : من كان من المسلمين فليدخل الجنة فحينئذ يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين والقول المشهور أن ذلك التمني حين يخرج اللّه المؤمنين من النار عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم (قال إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء اللّه من أهل القبلة قال الكفار لمن في النار من أهل القبلة : ألستم مسلمين؟ قالوا : فما أغنى عنكم إسلامكم وأنتم معنا في النار. قالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها فيغفرها اللّه لهم بفضل رحمته فيأمر اللّه بكل من كان من أهل القبلة في النار ، فيخرجون منها فحينئذ يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) ذكره البغوي بغير سند ، وكذا ذكره ابن الجوزي وقال : وإليه ذهب ابن عباس في رواية عنه عن أنس بن مالك ومجاهد وعطاء وأبو العالية وإبراهيم يعني النخعي.

فإن

قلت : رب إنما وضعت للتقليل ، وتمني الذين كفروا لو كانوا مسلمين يكثر يوم القيامة فكيف قال : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين.

قلت : قال صاحب الكشاف هو وارد على مذهب العرب في قولهم لعلك ستندم على فعلك ، وربما ندم الإنسان على فعله ، ولا يشكون في تندمه ولا يقصدون تقليله ، ولكنهم أرادوا لو كان الندم مشكوكا فيه أو كان قليلا لحق عليك أن لا تفعل هذا الفعل لأن العقلاء يتحرزون من التعرض للغمّ المظنون كما يتحرزون من المتيقن ومن القليل منه كما يتحرزون من الكثير وقال غيره إن هذا القليل أبلغ في التهديد ومعناه يكفيك قليل الندم في كونه زاجرا لك عن هذا الفعل. فكيف بكثيره؟

وقيل : إن شغلهم بالعذاب لا يقرعهم للندامة إنما يخطر ذلك ببالهم.

فإن

قلت : رب لا تدخل إلا على الماضي فكيف قال : ربما يود وهو في المستقبل قلت لأن المترقب في أخبار اللّه تعالى بمنزلة الماضي المقطوع به في تحققه كأنه قال : ربما ود.

قوله سبحانه وتعالى ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا يعني دع يا محمد هؤلاء الكفار يأكلوا في دنياهم ويتمتعوا بلذاتها وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ يعني ويشغلهم طول الأمل عن الإيمان والأخذ بطاعة اللّه تعالى فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ يعني إذا وردوا القيامة ، وذاقوا وبال ما صنعوا وهذا فيه تهديد ووعيد لمن أخذ بحظه من الدنيا ، ولذاتها ولم يأخذ بحظه من طاعة اللّه عز وجل ، وقال بعض أهل العلم : ذرهم تهديد وفسوف يعلمون تهديد آخر فمتى يهنأ العيش بين تهديدين وهذه الآية منسوخة بآية القتال ، وفي الآية دليل على أن إيثار التلذذ ، والتنعم في الدنيا يؤدي إلى طول الأمل وليس ذلك من أخلاق المؤمنين. قال علي بن أبي طالب : إنما أخشى عليكم اثنتين طول الأمل واتباع الهوى فإن طول الأمل ، ينسي الآخرة ، واتباع الهوى يصد عن الحق.

وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (٤) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٥) وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧) ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (٨)

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١١) كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣)

وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥) وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧)

﴿ ٢