٣٣٣٨هَلْ يَنْظُرُونَ يعني هؤلاء الذين أشركوا باللّه وجحدوا نبوتك يا محمدلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ يعني لقبض أرواحهم وْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ يعني بالعذاب في الدنيا وهو عذاب الاستئصال. وقيل : المراد به يوم القيامةذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني من الكفر والتكذيب ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ يعني بتعذيبه إياهم لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ يعني باكتسابهم المعاصي ، والكفر والأعمال القبيحة الخبيثة ، فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا يعني فأصابهم عقوبات ما اكتسبوا من الأعمال الخبيثة وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ والمعنى ونزل بهم جزاء استهزائهم وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا يعني أن مشركي مكة قالوا هذا على طريق الاستهزاء. والحاصل أنهم تمسكوا بهذا القول في إنكار النبوة ، فقالوا : لو شاء اللّه منا الإيمان لحصل جئت أو لم تجيء ولو شاء اللّه منا الكفر لحصل جئت أو لم تجيء. وإذا كان كذلك فالكل من اللّه ، فلا فائدة في بعثة رسل إلى الأمم والجواب عن هذا أنهم لما قالوا : إن الكل من اللّه فكانت بعثة الرسل عبثا كان هذا اعتراضا على اللّه تعالى ، وهو جار مجرى طلب العلة في أحكام اللّه ، وفي أفعاله وهو باطل لأن اللّه سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فلا اعتراض لأحد عليه في أحكامه وأفعاله ، ولا يجوز لأحد أن يقول له لم فعلت هذا ، ولم لم تفعل هذا وكان في حكم اللّه وسنته في عباده إرسال الرسل إليهم ليأمروهم بعبادة اللّه تعالى ، وينهوهم عن عبادة غيره وأن الهداية والإضلال إليه فمن هداه فهو المهتدي ، ومن أضله فهو الضال وهذه سنة اللّه في عباده أنه يأمر الكل بالإيمان به وينهاهم عن الكفر. ثم إنه سبحانه وتعالى يهدي من يشاء إلى الإيمان ، ويضلّ من يشاء فلا اعتراض لأحد عليه. ولما كانت سنة اللّه قديمة ببعثة الرسل إلى الأمم الكافرة المكذبة كان قول هؤلاء لو شاء اللّه ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا جهلا منهم ، لأنهم اعتقدوا أن كون الأمر كذلك يمنع من جواز بعثة الرسل وهذا الاعتقاد باطل فلا جرم استحقوا عليه الذم والوعيد. وأما قوله تعالى وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ يعني الوصيلة والسائبة والحام. والمعنى : فلولا أن اللّه رضيها لنا لغير ذلك ولهدانا إلى غيره كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني أن من تقدم هؤلاء من كفار مكة ومن الأمم الماضية كانوا على هذه الطريقة ، وهذا الفعل الخبيث فإنكار بعثة الرسل كان قديما في الأمم الخالية فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ يعني ليس إليهم هداية أحد إنما عليهم تبليغ ما أرسلوا به إلى من أرسلوا إليه وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا يعني كما بعثنا فيكم محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ يعني أن الرسل كانوا يأمرونهم بأن يعيدوا اللّه وأن يجتنبوا عبادة الطاغوت ، وهو اسم كل معبود من دون اللّه فَمِنْهُمْ يعني فمن الأمم الذين جاءتهم الرسل مَنْ هَدَى اللَّهُ يعني هداه اللّه إلى الإيمان به وتصديق رسله وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ يعني ، ومن الأمم من وجبت عليه الضلالة بالقضاء السابق في الأزل حتى مات على الكفر والضلال ، وفي هذه الآية أبين دليل على أن الهادي ، والمضل هو اللّه تعالى لأنه المتصرف في عباده فيهدي من يشاء ويضل من يشاء لا اعتراض لأحد عليه بما حكم به في سابق علمه فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ يعني فسيروا في الأرض معتبرين متفكرين لتعرفوا مآل من كذب الرسل ، وهو خراب منازلهم بالعذاب والهلاك ، ولتعرفوا أن العذاب نازل بكم إن أصررتم على الكفر والتكذيب كما نزل بهم. قوله سبحانه وتعالى إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ الخطاب للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم يعني إن تحرص يا محمد على هدى هؤلاء ، وإيمانهم وتجتهد كل الاجتهاد فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ قرئ بفتح الياء وكسر الدال يعني لا يهدي اللّه من أضله ، وقيل : معناه لا يهتدي من أضله اللّه وقرئ بضم الياء ، وفتح الدال ومعناه من أضله اللّه فلا هادي له وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ أي مانعين يمنعونهم من العذاب وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ قال ابن الجوزي : سبب نزولها أن رجلا من المسلمين كان له على رجل من المشركين دين فأتاه يتقاضاه فكان فيما تكلم به المسلم : والذي أرجوه بعد الموت. فقال المشرك : إنك لتزعم أنك تبعث بعد الموت ، وأقسم باللّه لا يبعث اللّه من يموت فنزلت هذه الآية قاله أبو العالية. وتقرير الشبهة التي حصلت للمشركين في إنكار البعث بعد الموت أن الإنسان ليس هو ، إلا هذه البنية المخصوصة ، فإذا مات وتفرقت أجزاؤه وبلى امتنع عوده بعينه لأن الشيء إذا عدم فقد فني ، ولم يبق له ذات ولا حقيقة بعد فنائه وعدمه ، فهذا هو أصل شبهتهم ومعتقدهم في إنكار البعث بعد الموت ، فذلك قوله تعالى وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ فرد اللّه عليهم ذلك ، وكذبهم في قولهم فقال تعالى بَلى يعني بلى يبعثهم بعد الموت لأن لفظة بلى إثبات لما بعد النفي. والجواب عن شبهتهم أن اللّه سبحانه وتعالى ، خلق الإنسان وأوجده من العدم ولم يك شيئا فالذي أوجده بقدرته ثم أعدمه قادر على إيجاده بعد إعدامه لأن النشأة الثانية أهون من الأولى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا يعني أن الذي وعد به من البعث بعد الموت وعد حق لا خلف فيه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يعني لا يفهمون كيف يكون ذلك العودو اللّه سبحانه وتعالى ، قادر على كل شيء. لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (٣٩) إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٤٧) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (٤٨) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٥٠) |
﴿ ٣٤ ﴾