٢٦

٢٩

قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا والأصح أنه إخبار من اللّه تعالى عن قدر لبثهم في الكهف ويكون معنى قوله قل اللّه أعلم بما لبثوا ، يعني إن نازعوك في مدة لبثهم في الكهف فقل أنت اللّه أعلم بما لبثوا أي هو أعلم منكم وقد أخبر بمدة لبثهم

وقيل إن أهل الكتاب قالوا إن المدة من حين دخلوا الكهف إلى يومنا هذا وهو اجتماعهم بالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاثمائة وتسع سنين فرد اللّه عليهم بذلك وقال قل اللّه أعلم بما لبثوا يعني بعد قبض أرواحهم إلى يومنا هذا لا يعلمه إلا اللّه.

فإن قلت لم قال سنين ولم يقل سنة ، قلت قيل لما نزل

قوله سبحانه وتعالى وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ فقالوا أياما أو شهورا أو سنين فنزلت سنين على وفق قولهم

وقيل هو تفسير لما أجمل في قوله فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا وازدادوا تسعا

وقيل قالت نصارى نجران أما ثلاثمائة فقد عرفنا

وأما التسع فلا علم لنا بها. فنزلت قل اللّه أعلم بما لبثوا.

وقيل إن عند أهل الكتاب لبثوا ثلاثمائة سنة شمسية واللّه سبحانه وتعالى ذكر ثلاثمائة سنة وتسع سنين قمرية والتفاوت بين القمرية والشمسية في كل مائة سنة ثلاث سنين فتكون الثلاثمائة الشمسية ثلاث مائة وتسع سنين قمرية لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني أنه سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء من أحوال أهلها فإنه العالم وحده به فكيف يخفى عليه حال أصحاب الكهف أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ معناه ما أبصر اللّه بكل موجود وأسمعه بكل مسموع لا يغيب عن سمعه وبصره شيء يدرك البواطن كما يدرك الظواهر والقريب والبعيد والمحجوب وغيره لا تخفى عليه خافية ما لَهُمْ أي ما لأهل السموات والأرض مِنْ دُونِهِ أي من دون اللّه مِنْ وَلِيٍّ أي ناصر وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً قيل معناه لا يشرك اللّه في علم غيبه أحدا

وقيل في قضائه.

قوله تعالى وَاتْلُ أي واقرأ يا محمد ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ يعني القرآن واتبع ما فيه واعمل به لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ أي لا مغير للقرآن ولا يقدر أحد على التطرق إليه بتغيير أو تبديل.

فإن قلت موجب هذا أن لا يتطرق النسخ إليه

قلت النسخ في الحقيقة ليس بتبديل لأن المنسوخ ثابت في وقته إلى وقت طريان الناسخ فالناسخ كالمغاير فكيف يكون تبديلا.

وقيل معناه لا مغير لما أوعد اللّه بكلماته أهل معاصيه وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ أي من دون اللّه إن لم تتبع القرآن مُلْتَحَداً أي ملجأ وحرزا تعدل إليه.

قوله عز وجل وَاصْبِرْ نَفْسَكَ الآية نزلت في عيينة بن حصن الفزاري أتى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قبل أن يسلم وعنده جماعة من

الفقراء ومنهم سلمان وعليه صوف قد عرق فيها وبيده خوص يشقه وينسجه فقال عيينة للنبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم : أما يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات مضر وأشرافها إن أسلمنا أسلم الناس وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء فنحهم حتى نتبعك أو اجعل لنا مجلسا فأنزل اللّه عز وجل واصبر نفسك أي احبس يا محمد نفسك مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يعني طرفي النهار يُرِيدُونَ وَجْهَهُ أي يريدون وجه اللّه لا يريدون عرض الدنيا ،

وقيل نزلت في أصحاب الصفة وكانوا سبعمائة رجل فقراء في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لا يرجعون إلى تجارة ولا زرع ولا ضرع يصلون صلاة وينتظرون أخرى فلما نزلت هذه الآية قال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم (الحمد للّه الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم) وَلا تَعْدُ أي لا تصرف ولا تجاوز عَيْناكَ عَنْهُمْ إلى غيرهم تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي تطلب مجالسة الأغنياء والأشراف وصحبة أهل الدنيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا أي جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا يعني عيينة بن حصن

وقيل أمية بن خلف وَاتَّبَعَ هَواهُ أي في طلب الشهوات وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ضياعا ضيع أمره وعطل أيامه ،

وقيل ندما

وقيل سرفا وباطلا

وقيل مخالفا للحق وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ أي قل يا محمد لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا من ربكم الحق وإليه التوفيق والخذلان وبيده الهدى والضلال ليس إلي من

ذلك شيء فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ

هذا على طريق التهديد والوعيد كقوله (اعملوا ما شئتم)

وقيل معنى الآية وقل الحق من ربكم أي لست بطارد المؤمنين لهواكم فإن شئتم فآمنوا وإن شئتم فاكفروا ، فإن كفرتم فقد أعد لكم ربكم نارا وإن آمنتم فلكم ما وصف اللّه لأهل طاعته ، وعن ابن عباس في معنى الآية : من شاء اللّه له الإيمان آمن ومن شاء له الكفر كفر إِنَّا أَعْتَدْنا أي هيأنا من العتاد وهو العدة لِلظَّالِمِينَ أي الكافرين ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها السرادق الحجزة التي تطيف بالفساطيط عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم (قال سرادق النار أربعة جدر كثف كل جدار أربعون سنة) أخرجه الترمذي قال ابن عباس : هو حائط نار

وقيل هو عنق يخرج من النار فيحيط بالكفار كالحظيرة

وقيل هو دخان يحيط بالكفار وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا أي من شدة العطش يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ قال ابن عباس : هو ماء غليظ مثل دردي الزيت ، عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال في

قوله سبحانه وتعالى بماء كالمهل قال : (كعكر الزيت فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه منه) أخرجه الترمذي. وقال رشدين أحد رواة الحديث قد تكلم بفيه من قبل حفظة الفروة جلدة الوجه

وقيل المهل الدم والقيح

وقيل هو الرصاص والصفر المذاب يَشْوِي الْوُجُوهَ أي ينضج الوجوه من حره بِئْسَ الشَّرابُ أي ذلك الذي يغاثون به وَساءَتْ أي النار مُرْتَفَقاً قال ابن عباس رضي اللّه عنهما : منزلا

وقيل مجتمعا وأصل المرتفق المتكأ وإنما جاء كذلك لمشاكلة قوله وحسنت مرتفقا وإلا فلا ارتفاق لأهل النار ولا متكأ.

قوله عز وجل :

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِ

أَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (٣٢) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (٣٣)

﴿ ٢٩