٧٢

٧٧

قالَ العالم وهو الخضر أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قالَ يعني موسى لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ. قال ابن عباس : لم ينس ولكنه من معاريض الكلام فكأنه نسي شيئا آخر.

وقيل معناه بما تركت من عهدك والنسيان الترك وقال أبي بن كعب عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم (كانت الأولى من موسى نسيانا

والثانية شرطا والثالثة عمدا) وَلا تُرْهِقْنِي أي لا تغشني مِنْ أَمْرِي عُسْراً والمعنى لا تعسر علي متابعتك وسيرها بالاغضاء وترك المناقشة

وقيل لا تكلفني مشقة ولا تضيق علي أمري. فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ في القصة أنهما خرجا من البحر يمشيان فمرا بغلمان ، يلعبون فأخذ الخضر غلاما ظريفا وضيء الوجه كان وجهه يتوقد حسنا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين ، وروينا أنه أخذ برأسه فاقتلعه.

وروى عبد الرزاق هذا الخبر وفيه أشار بأصابعه الثلاث الإبهام والسبابة والوسطى وقلع رأسه. وروي أنه رضخ رأسه بحجر

وقيل ضرب رأسه بالجدار فقتله. قال ابن عباس :

كان غلاما لم يبلغ الحنث ولم يكن نبي اللّه موسى يقول أقتلت نفسا زاكية ، إلا وهو صبي لم يبلغ الحنث ،

وقيل كان رجلا

وقيل كان اسمه حيسور

وقيل كان فتى يقطع الطريق ويأخذ المتاع ويلجأ إلى أبويه.

وقيل كان غلاما يعمل بالفساد ويتأذى منه أبواه.

(ق) عن أبي بن كعب قال : قال رسول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا) لفظ مسلم قالَ يعني موسى أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً أي لم تذنب قط وقرئ زكية وهي التي أذنبت ثم تابت بِغَيْرِ نَفْسٍ أي لم تقتل نفسا حتى يجب عليها القتل لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً أي منكرا عظيما ،

وقيل النكر أعظم من الأمر لأنه حقيقة الهلاك ، وفي خرق السفينة خوف الهلاك ،

وقيل الأمر أعظم لأن فيه تغريق جمع كثير ،

وقيل معناه لقد جئت شيئا أنكر من الأول لأن ذاك كان خرقا

يمكن تداركه بالسد وهذا لا سبيل إلى تداركه قالَ يعني الخضر أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قيل زاد في هذه الآية قوله لك لأنه نقض العهد مرتين ،

وقيل إن هذه اللفظة توكيد للتوبيخ فعند هذا قالَ موسى إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قيل إن يوشع كان يقول لموسى يا نبي اللّه اذكر العهد الذي أنت عليه ، قال موسى إن سألتك عن شيء بعد هذه المرة فلا تصاحبني ، أي فارقني لا تصاحبني قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً قال ابن عباس : أي قد أعذرت فيما بيني وبينك ،

وقيل معناه اتضح لك العذر في مفارقتي والمعنى أنه مدحه بهذه الطريقة من حيث أنه احتمله مرتين أولا وثانيا مع قرب المدة

(ق) عن أبي بن كعب قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (رحمة اللّه علينا وعلى موسى وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه لولا أنه عجل لرأى العجب ، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة فقال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فلو صبر لرأى العجب) قوله ذمامة هو بذال معجمة أي حياء وإشفاق من الذم واللوم ، يقال ذممته ذمامة يعني لمته ملامة ويشهد له قول الخضر هذا فراق بيني وبينك.

قوله سبحانه وتعالى فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ قال ابن عباس : يعني أنطاكية

وقيل الأيلة وهي أبعد الأرض من السماء

وقيل هي بلدة بالأندلس اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما قال أبي بن كعب عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم (أتيا أهل قرية لئاما فطافا في المجلس فاستطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما). وروي أنهما طافا في القرية فاستطعماهم فلم يطعموهما واستضافاهم فلم يضيفوهما. وعن أبي هريرة قال : أطعمتهما امرأة من أهل بربر بعد أن طلبا من الرجال فلم يطعموهما فدعا لنسائهم ولعن رجالهم. وعن قتادة قال : شر القرى التي لا تضيف الضيف فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ أي يسقط وهذا من مجاز الكلام لأن الجدار لا إرادة له ، وإنما معناه قرب ودنا من السقوط كما تقول داري تنظر إلى دار فلان إذا كانت تقابلها ، فاستعير لها النظر كما أستعير للجدار الإرادة. فَأَقامَهُ أي سواه ، وفي حديث أبي بن كعب عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال الخضر بيده هكذا فأقامه وقال ابن عباس : هدمه وقعد يبنيه. قالَ يعني موسى لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً يعني على إصلاح الجدار جعلا والمعنى أنك قد علمت أنا جياع ، وأن أهل القرية لم يطعمونا فلو اتخذت على عملك أجرا.

قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (٧٩)

وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (٨٠) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١)

وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٨٢)

﴿ ٧٥