سورة مريممكية وهي ثمان وتسعون آية وثمانون وسبعمائة كلمة وثلاثة آلاف وسبعمائة حرف بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦) يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠) ١١٠كهيعص قال ابن عباس رضي اللّه عنهما هو اسم من أسماء اللّه تعالى ، وقيل اسم للقرآن ، وقيل للسورة وقيل هو قسم أقسم اللّه تعالى به. وعن ابن عباس قال الكاف من كريم وكبير ، والهاء من هاد ، والياء من رحيم ، والعين من عليم ، والصاد من صادق ، وقيل معناه كاف لخلقه هاد لعباده يده فوق أيديهم عالم ببريته صادق في وعده. ذِكْرُ أي هذا الذي نتلو عليك ذكر رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا قيل معناه ذكر ربك عبده زكريا برحمته إِذْ نادى أي دعا رَبَّهُ في المحراب نِداءً خَفِيًّا أي دعاء سرا من قيامه في جوف الليل ، وقيل راعى سنة اللّه في إخفاء دعائه لأن الجهر والإسرار عند اللّه تعالى سيان ، ولكن الإخفاء أولى ، وقيل خفت صوته لضعفه وهرمه يدل عليه قوله تعالى قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ أي رق وضعف الْعَظْمُ مِنِّي أي من الكبر وقيل اشتكى سقوط الأضراس وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ أي ابيض الشعر شَيْباً أي شمطا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا أي عودتني الإجابة فيما مضى ولم تخيبني ، وقيل معناه لما دعوتني إلى الإيمان آمنت ولم أشق بترك الإيمان وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي أي من بعد موتي والموالي هم بنو العم وقيل العصبة وقيل الكلالة وقيل جميع الورثة وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً أي لا تلد فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا أي أعطني من عندك ولدا مرضيا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ أي وليا ذا رشاد ، وقيل أراد به يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوة والعلم ، وقيل أراد به الحبورة ، لأن زكريا كان رأس الأحبار ، والأولى أن يحمل على ميراث غير المال لأن الأنبياء لم يورثوا المال وإنما يورثون العلم ، ويبعد عن زكريا وهو نبي من الأنبياء أن يشفق على ماله أن يرثه بنو عمه ، وإنما خاف أن يضيع بنو عمه دين اللّه ويغيروا أحكامه ، وذلك لما أن شاهد من بني إسرائيل تبديل الدين وقتل الأنبياء. فسأل ربه ولدا صالحا يأمنه على أمته ويرث نبوته وعلمه لئلا يضيع وهذا قول ابن عباس وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا أي برا تقيا مرضيا. قوله تعالى يا زَكَرِيَّا المعنى فاستجاب اللّه له دعائه فقال يا زكريا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ أي بولد ذكر اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا أي لم يسم أحد قبله يحيى وقيل معناه لم نجعل له شبها ومثلا ، وذلك لأنه لم يعص اللّه ولم يهم بمعصية قط وقال ابن عباس : لم تلد العواقر مثله ولدا ، قيل لم يرد اللّه تعالى بذلك اجتماع الفضائل كلها ليحيى ، وإنما أراد بعضها لأن الخليل والكليم كانا قبله وهما أفضل منه قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي أي من أين يكون لي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً أي وامرأتي عاقر وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا أي يأسا يريد بذلك نحول الجسم ودقة العظم ونحول الجلد قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ أي يسير وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ أي من قبل يحيى وَلَمْ تَكُ شَيْئاً قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً أي دلالة على حمل امرأتي قالَ آيَتُكَ أي علامتك أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا أي صحيحا سليما من غير بأس ولا خرس ، وقيل ثلاث ليال متتابعات والأول أصح قيل إنه لم يقدر فيها أن يتكلم مع الناس فإذا أراد ذكر اللّه انطلق لسانه. قوله عز وجل : فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١) يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (١٩) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (٢١) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (٢٢) |
﴿ ١ ﴾