سورة الأنبياء

وهي مكية وعدد آياتها مائة واثنتا عشرة آية وألف ومائة وثمان وستون كلمة وأربعة آلاف وثمانمائة وتسعون حرفا.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣) قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤)

بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥) ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (٨) ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩)

لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠)

١

١٠

قوله عز وجل : اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ أي وقت محاسبة اللّه إياهم على أعمالهم يوم القيامة. نزلت في منكري البعث وإنما ذكر اللّه هذا الاقتراب لما فيه من المصلحة للمكلفين ، فيكونون أقرب إلى التأهب له ، والمراد بالناس المحاسبون وهم المكلفون دون غيرهم ،

وقيل هم المشركون وهذا من باب إطلاق اسم الجنس على بعضه وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ أي عن التأهب له

وقيل معناه أنهم غافلون عن حسابهم ساهون لا يتفكرون في عاقبتهم مع اقتضاء عقولهم أنه لا بد من جزاء المحسن والمسيء ثم إذا نبهوا من سنة الغفلة بما يتلى من الآيات والنذر أعرضوا عنه ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ يعني ما يحدث اللّه من تنزيل شيء من القرآن يذكرهم ويعظهم به

وقيل معناه إن اللّه يحدث الأمر بعد الأمر فينزل الآية بعد الآية والسورة بعد السورة في وقت الحاجة لبيان الأحكام وغيرها من الأمور والوقائع

وقيل الذكر المحدث ما قاله النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وبينه من السنن والمواعظ سوى ما في القرآن وأضافه إليه لأن اللّه تعالى قال وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ أي لاعبين لا يعتبرون ولا يتعظون لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ أي ساهية معرضة غافلة عن ذكر اللّه وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أي بالغوا في إخفاء التناجي وهم الذين أشركوا ثم بين سرهم الذي تناجوا به ،

فقال تعالى مخبرا عنهم هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يعني أنهم أنكروا إرسال البشر وطلبوا إرسال الملائكة والأولى إرسال البشر إلى البشر لأن الإنسان إلى القبول من أشكاله أقرب أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ يعني أتحضرون السحر وتقبلونه وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ يعني تعلمون أنه سحر قالَ لهم محمد رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ

يعني لا يخفى عليه شيء وَهُوَ السَّمِيعُ لأقوالهم الْعَلِيمُ بأفعالهم.

قوله عز وجل :

بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ يعني أباطيل وأهاويل رآها في النوم بَلِ افْتَراهُ يعني اختلقه بَلْ هُوَ شاعِرٌ وذلك أن المشركين اقتسموا القول في النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وفيما يقوله ، فقال بعضهم أضغاث أحلام وقال بعضهم بل هو فرية وقال بعضهم هو شاعر وما جاءكم به شعر فَلْيَأْتِنا يعني النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بِآيَةٍ يعني بحجة إن كان صادقا كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ أي من الرسل بالآيات قال اللّه تعالى مجيبا لهم ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ أي قبل مشركي مكة مِنْ قَرْيَةٍ أي من أهل قرية أتتهم الآيات أَهْلَكْناها يعني بالتكذيب أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ يعني إن جاءتهم آية والمعنى أن أولئك لم يؤمنوا بالآيات لما جاءتهم أفيؤمن هؤلاء.

قوله تعالى : وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ هذا جواب لقولهم هل هذا إلا بشر مثلكم ، والمعنى إنا لم نرسل الملائكة إلى الأولين إنما أرسلنا رجالا يوحى إليهم مثلك فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ يعني أهل التوراة والإنجيل يريد علماء أهل الكتاب ، فإنهم لا ينكرون أن الرسل كانوا بشرا وإن أنكروا نبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم أمر اللّه المشركين بسؤال أهل الكتاب لأن المشركين أقرب إلى تصديقهم من تصديق من آمن بالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم

وقيل أراد بالذكر القرآن يعني فاسئلوا المؤمنين العالمين من أهل القرآن إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ

قوله عز وجل : وَما جَعَلْناهُمْ أي الرسل جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ هذا رد لقولهم ما لهذا الرسول يأكل الطعام ، والمعنى لم نجعلهم ملائكة بل جعلناهم بشرا يأكلون الطعام وَما كانُوا خالِدِينَ يعني في الدنيا بل يموتون كغيرهم ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ يعني الذي وعدناهم بإهلاك أعدائهم فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ يعني من المؤمنين الذين صدقوهم وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ يعني المشركين لأن المشرك مسرف على نفسه.

قوله عز وجل : لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ يعني يا معشر قريش كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ يعني شرفكم وفخركم وهو شرف لمن آمن به ،

وقيل معناه فيه حديثكم ،

وقيل فيه ذكر ما تحتاجون إليه من أمر دينكم

وقيل فيه تذكرة لكم لتحذروا فيكون الذكر بمعنى الوعد والوعيد أَفَلا تَعْقِلُونَ فيه بعث على التدبر لأن الخوف من لوازم العقل.

قوله تعالى :

وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥)

وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠)

أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣)

﴿ ١