١٩٢٨أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩) أَوَلَمْ يَرَوْا قيل هذه الآيات إلى قوله فما كان جواب قومه يحتمل أن تكون من تمام قول إبراهيم لقومه وقيل إنها وقعت معترضة في قصة إبراهيم وهي في تذكير أهل مكة وتحذيرهم ومعنى أو لم يروا أو لم يعلموا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ أي يخلقهم نطفة ثم علقة ثم مضغة ثُمَّ يُعِيدُهُ أي في الآخرة عند البعث إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ أي الخلق الأول والخلق الثاني قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ أي انظروا إلى ديارهم وآثارهم كيف بدأ خلقهم ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ أي ثم إن اللّه الذي خلقهم ينشئهم نشأة ثانية بعد الموت والمعنى فكما لم يتعذر عليه إحداثهم مبدئا كذلك لا يتعذر عليه إنشاؤهم معيدا بعد الموت ثانيا إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي من البداءة والإعادة يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ عدلا منه وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ تفضلا وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ أي تردون وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ قيل معناه ولا من في السماء بمعجزين والمعنى أنه لا بعجزه أهل الأرض في الأرض ولا أهل السماء في السماء وقيل معنى قوله ولا في السماء لو كنتم فيها وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ أي يمنعكم مني وَلا نَصِيرٍ أي ينصركم من عذابي وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ يعني بالقرآن وَلِقائِهِ أي البعث أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي يعني الجنة وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فهذا آخر الآيات في تذكير أهل مكة ثم عاد إلى قصة إبراهيم عليه السلام فقال تعالى فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ قال ذلك بعضهم لبعض وقيل قال الرؤساء للأتباع اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ أي بأن جعلها بردا وسلاما قيل إن ذلك اليوم لم ينتفع أحد بنار إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يصدقون وَقالَ يعني إبراهيم لقومه إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أي ثم تنقطع ولا تنفع في الآخرة وقيل معناه إنكم تتوادون على عبادتها وتتواصلون عليها في الدنيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً تتبرأ الأوثان من عابديها وتتبرأ القادة من الأتباع ويلعن الأتباع القادة وَمَأْواكُمُ النَّارُ يعني العابدين والمعبودين جميعا وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ أي مانعين من عذابه فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ أي صدقه برسالته لما رأى معجزاته وهو أول من صدق إبراهيم وأما في أصل التوحيد فإنه كان مؤمنا لأن الأنبياء لا يتصور فيهم الكفر وَقالَ يعني إبراهيم إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إلى حيث أمرني ربي فهاجر من كوثى وهي من سواد الكوفة إلى حران ثم هاجر إلى الشام ومعه لوط وامرأته سارة وهو أول من هاجر إلى اللّه تعالى وترك بلده وسار إلى حيث أمره اللّه بالمهاجرة إليه. قيل هاجر وهو ابن خمس وسبعين سنة إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ أي الذي لا يغلب والذي يمنعني من أعدائي الْحَكِيمُ الذي لا يأمرني إلا بما يصلحني. قوله تعالى وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ يقال إن اللّه تعالى لم يبعث نبيا بعد إبراهيم إلا من نسله وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا هو الثناء الحسن فكل أهل الأديان يتولونه ويحبونه ويحبون الصلاة عليه والذرية الطيبة والنبوة من نسله هذا له في الدنيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ أي في زمرة الصالحين قال ابن عباس مثل آدم ونوح. قوله عز وجل وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ أي الفعلة القبيحة ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ أي لم يفعلها أحد قبلكم ثم فسر الفاحشة فقال أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ يعني أنكم تقضون الشهوة من الرجال وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وذلك أنهم كانوا يأتون الفاحشة بمن مر بهم من المسافرين فترك الناس الممر بهم لأجل ذلك وقيل معناه تقطعون سبيل النسل بإيثار الرجال على النساء وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ أي مجالسكم والنادي مجلس القوم ومتحدثهم عن أم هانئ بنت أبي طالب عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله وتأتون في دنياكم المنكر قال (كانوا يحذفون أهل الأرض ويسخرون منهم) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب الحذف هو رمي الحصى بين الأصابع قيل إنهم كانوا يجلسون في مجالسهم وعند كل رجل منهم قصعة فيها حصى فإذا مر بهم عابر سبيل حذفوه فأيهم أصابه قال : أنا أولى به وقيل : إنه كان يأخذ ما معه وينكحه ويغرمه ثلاثة دراهم وقيل إنهم كانوا يجامعون بعضهم بعضا في مجالسهم وقيل إنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم وعن عبد اللّه بن سلام كان يبزق بعضهم على بعض. وقيل كان أخلاق قوم لوط مضغ العلك وتطريف الأصابع بالحناء وحل الإزار والصفير والحذف والرمي بالجلاهق واللوطية فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ أي لما أنكر عليهم لوط ما يأتونه من القبائح إِلَّا أَنْ قالُوا أي استهزاء ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ أي إن العذاب نازل بنا فعند ذلك قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (٣٠) وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (٣١) قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٢) وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٣) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٣٤) وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٣٥) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨) وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩) فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠) |
﴿ ٢٨ ﴾