سورة الروممكية وهي ستون آية وتسع عشرة كلمة وثلاثة آلاف وخمسمائة وأربعة وثلاثون حرفا. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) ١٢٣قوله عز وجل الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ سبب نزول هذه الآية على ما ذكره المفسرون أنه كان بين فارس والروم قتال وكان المشركون يودون أن تغلب فارس الروم لأن فارسا كانوا مجوسا أميين والمسلمون يودون غلبة الروم على فارس لكونهم أهل كتاب فبعث كسرى جيشا إلى الروم واستعمل عليهم رجلا يقال له شهرمان وبعث قيصر رجالا وجيشا وأمر عليهم رجلا يدعى بخين فالتقيا بأذرعات وبصرى وهي أدنى الشام إلى أرض العرب والعجم فغلبت فارس الروم فبلغ ذلك المسلمين بمكة فشق عليهم وفرح به كفار مكة ، وقالوا للمسلمين : إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أميون وفارس أميون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم فإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم فأنزل اللّه هذه الآيات فخرج أبو بكر الصديق إلى كفار مكة فقال : فرحتم بظهور إخوانكم فلا تفرحوا فو اللّه ليظهرن الروم على فارس. أخبرنا بذلك نبينا محمد صلّى اللّه عليه وسلّم فقام إليه أبي بن خلف الجمحي فقال كذبت : فقال أنت أكذب يا عدو اللّه فقال : اجعل بيننا أجلا أناحبك عليه والمناحبة بالحاء المهملة القمار والمراهنة أراهنك على عشر قلائص مني وعشر قلائص منك فإذا ظهرت فارس على الروم غرمت وإذا ظهرت الروم على فارس غرمت ففعلوا وجعلوا الأجل ثلاث سنين فجاء أبو بكر إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وأخبره بذلك قبل تحريم القمار. فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم : ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده في الخطر ومادده في الأجل فخرج أبو بكر فلقي أبيّا فقال لعلك ندمت فقال لا فتعال أزايدك في الخطر وأماددك في الأجل فاجعلها مائة قلوص ومائة قلوص إلى تسع سنين فقال قد فعلت فلما خشي أبي بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة أتاه ولزمه وقال : إني أخاف أن تخرج من مكة فأقم لي ضامنا كفيلا فكفله ابنه عبد اللّه بن أبي بكر فلما أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى أحد أتاه عبد اللّه بن أبي بكر فلزمه وقال واللّه لا أدعك حتى تعطيني كفيلا فأعطاه كفيلا ثم خرج إلى أحد قال : ثم رجع أبي بن خلف إلى مكة ومات بها من جراحته التي جرحه النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حين بارزه وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية وذلك على رأس سبع سنين من مناحبتهم وقيل كان يوم بدر وربطت الروم خيولهم بالمدائن وبنوا بالعراق مدينة وسموها رومية فقمر أبو بكر أبيّا وأخذ مال الخطر من ورثته وجاء به للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم وذلك قبل أن يحرم القمار فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم : تصدق به. وكان سبب غلبة الروم فارسا على ما قال عكرمة وغيره : أن شهرمان لما غلب الروم لم يزل يطؤهم ويخرب مدائنهم حتى بلغ الخليج فبينا أخوه فرحان جالس ذات يوم يشرب قال لأصحابه : لقد رأيت كأني جالس على سرير كسرى فبلغت كلمته كسرى فكتب إلى شهرمان إذا أتاك كتابي فابعث إلي برأس أخيك فرحان فكتب إليه أيها الملك إنك لم تجد مثل فرحان إن له لنكاية وصولة في العدو ، فلا تفعل فكتب إليه إن في رجال فارس خلفا عنه فعجل إليّ برأسه فراجعه فغضب كسرى ولم يجبه وبعث بريدا إلى أهل فارس إني قد عزلت عنكم شهرمان واستعملت عليكم فرحان ثم بعث مع البريد صحيفة صغيرة وأمره فيها بقتل شهرمان. وقال إذا ولي فرحان الملك وانقاد له أخوه فأعطه الصحيفة ، فلما وصل البريد إلى شهرمان عرض عليه كتاب كسرى فلما قرأه قال : سمعا وطاعة ونزل عن سرير الملك وأجلس عليه أخاه فرحان فدفع البريد الصحيفة إلى فرحان فلما قرأها : استدعى بأخيه شهرمان وقدمه ليضرب عنقه فقال له لا تعجل حتى أكتب وصيتي قال نعم فدعا بسفط ففتحه وأعطاه ثلاث صحائف منه وقال كل هذا راجعت فيك كسرى وأنت تريد قتلي بكتاب واحد فرد فرحان الملك إلى أخيه شهرمان فكتب إلى قيصر ملك الروم أما بعد إن لي إليك حاجة لا تحملها البرد ولا تبلغها الصحف فالقني في خمسين روميا حتى ألقاك في خمسين فارسيا فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي وجعل يضع العيون بين يديه في الطرق مخافة أن يريد أن يمكر به حتى أتاه عيونه فأخبروا أنه ليس معه إلا خمسون فارسيا ، فلما التقيا ضربت لهما فيها ديباج فدخلاها ومع كل واحد سكين ودعوا بترجمان يترجم بينهما فقال شهرمان : إن الذي خرب بلادك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا وإن كسرى حسدنا وأراد بأن يقتل أخي فأبيت عليه ثم أمر أخي بقتلي فأبى عليه ، وقد خلعناه جميعا ونحن نقاتله معك فقال : قد أصبتما وأشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين فإذا جاوزهما فشا. فقتلا الترجمان معا بسكينيهما فأديلت الروم على فارس عند ذلك وغلبوهم وقتلوهم ومات كسرى وجاء الخبر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الحديبية ففرح ومن كان معه من المسلمين بذلك فذلك قوله عز وجل الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ يعني أقرب أرض الشام إلى فارس وقيل هي أذرعات وقيل الأردن وقيل الجزيرة وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ أي فارس لهم سَيَغْلِبُونَ أي الروم لفارس. فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (٧) ٤٧فِي بِضْعِ سِنِينَ البضع ما بين الثلاث إلى السبع وقيل إلى التسع وقيل ما دون العشر لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ أي من قبل دولة الروم على فارس ومن بعدها فمن غلب فهو بأمر اللّه تعالى وقضائه وقدره وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ أي الروم على فارس وقيل فرح النبي صلّى اللّه عليه وسلّم والمؤمنون بظهورهم على المشركين يوم بدر وفرحوا بظهور أهل الكتاب على أهل الشرك يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ أي بيده النصر ينصر من يشاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب الرَّحِيمُ أي بالمؤمنين قوله تعالى وَعْدَ اللَّهِ أي وعد اللّه وعدا بظهور الروم على فارس لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أي أن اللّه لا يخلف وعده ثم قال تعالى يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا يعني أمر معاشهم كيف يكسبون ويتجرون ومتى يغرسون ويزرعون ويحصدون وقال الحسن إن أحدهم لينقر الدرهم بطرف ظفره فيذكر وزنه لا يخطئ وهو لا يحسن يصلي. وقيل : لا يعلمون الدنيا بحقيقتها إنما يعلمون ظاهرها وهو ملاذها وملاعبها ولا يعلمون باطنها وهو مضارها ومتاعبها. وقيل يعلمون وجودها الظاهر ولا يعلمون فناءها وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ أي ساهون عنها لا يتفكرون فيها ولا يعلمون بها. قوله عز وجل : أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (٨) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١١) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (١٣) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (١٦) فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨) ٨١٨أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ يعني لإقامة الحق وَأَجَلٍ مُسَمًّى أي لوقت معلوم إذا انتهت إليه فنيت وهو يوم القيامة وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ أي يسافروا فيها فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي ينظروا إلى مصارع الأمم قبلهم فيعتبروا كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ أي حرثوها وقلبوها للزراعة وَعَمَرُوها يعني الأمم الخالية أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها يعني أهل مكة وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ أي فلم يؤمنوا فأهلكهم اللّه فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ أي بنقص حقوقهم وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ أي ببخس حقوقهم ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا أي أساءوا العمل فاستحقوا السُّواى يعني الخلة التي تسوؤهم وهي النار وقيل السوء اسم لجهنم ، ومعنى الآية أن عاقبة الذين عملوا السوء النار أَنْ كَذَّبُوا أي لأنهم كذبوا وقيل معنى الآية ثم كان عاقبة المسيئين أن حملتهم تلك السيئات على أن كذبوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ قوله تعالى اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ أي خلقهم ابتداء ثم يعيدهم بعد الموت أحياء ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أي فيجزيهم بأعمالهم وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ قيل : معناه أنهم ييأسون من كل خير وقيل : ينقطع كلامهم وحججهم وقيل يفتضحون وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ يعني أصنامهم التي عبدوها شُفَعاءُ أي يشفون لهم وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ أي جاحدين متبرئين يتبرؤون منها وتتبرأ منهم وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ أي يتميز أهل الجنة من أهل النار. وقيل يتفرقون بعد الحساب أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار فلا يجتمعون أبدا فهو قوله تعالى فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ أي في جنة وقيل الروضة البستان الذي هو في غاية النضارة يُحْبَرُونَ قال ابن عباس يكرمون وقيل يتنعمون ويسرون والحبرة السرور. وقيل في معنى يحبرون : هو السماع في الجنة. قال الأوزاعي : ليس أحد من خلق اللّه أحسن صوتا من إسرافيل فإذا أخذ في السماع قطع على أهل سبع سموات صلاتهم وتسبيحهم وقال : إذا أخذ في السماع فلا يبقى في الجنة شجرة إلا وردته ، وسأل أبا هريرة رجل : هل لأهل الجنة من سماع؟ فقال : نعم شجرة أصلها من ذهب وأغصانها من فضة وثمارها اللؤلؤ والزبرجد والياقوت يبعث اللّه ريحا فيجاوب بعضها بعضا فما يسمع أحد أحسن منه وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ أي البعث يوم القيامة فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ قوله تعالى فَسُبْحانَ اللَّهِ أي فسبحوا اللّه ومعناه صلوا للّه حِينَ تُمْسُونَ أي تدخلون في المساء وهي صلاة المغرب والعشاء وَحِينَ تُصْبِحُونَ أي تدخلون في الصباح وهي صلاة الصبح وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قال ابن عباس يحمده أهل السموات والأرض ويصلون له وَعَشِيًّا أي وصلوا للّه عشيّا يعني صلاة العصر وَحِينَ تُظْهِرُونَ أي تدخلون في الظهيرة وهي صلاة الظهر. قال نافع ابن الأزرق لابن عباس : هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال : نعم وقرأ هاتين الآيتين وقال : جمعتا الصلوات الخمس ومواقيتها. واعلم أنه إنما خص هذه الأوقات بالتسبيح لأن أفضل الأعمال أدومها والإنسان لا يقدر أن يصرف جميع أوقاته إلى التسبيح لأنه محتاج إلى ما يعيشه من مأكول ومشروب وغير ذلك فخفف اللّه عنه العبادة في غالب الأوقات وأمره بها في أول النهار وفي أول الليل وآخره فإذا صلى العبد ركعتي الفجر فكأنما سبح قدر ساعتين وكذلك باقي الركعات وهي سبع عشرة ركعة مع ركعتي الفجر فإذا صلى الإنسان الصلوات الخمس في أوقاتها فكأنما سبح اللّه سبع عشرة ساعة من الليل والنهار بقي عليه سبع ساعات في جميع الليل والنهار وهي مقدار النوم والنائم مرفوع عنه القلم فيكون قد صرف جميع أوقاته في التسبيح والعبادة. فصل في فضل التسبيح عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (من قال سبحان اللّه وبحمده في كل يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر). وعنه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان اللّه وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه). أخرجهما الترمذي وقال فيهما حسن صحيح (ق) عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان اللّه وبحمده سبحان اللّه العظيم). وهذا الحديث أخرجه في صحيح البخاري (م) عن جويرية بنت الحارث زوج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم رضي اللّه عنها : (أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم خرج ذات غداة من عندها وهي في مسجدها فرجع بعد ما تعالى النهار فقال ما زلت في مجلسك هذا مذ خرجت بعد؟ قالت نعم فقال : لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرار لو وزنت بكلماتك لوزنتهن سبحان اللّه وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته) (م) عن سعد بن أبي وقاص قال : كنا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال (أ يعجز أحدكم أن يكتسب كل يوم ألف حسنة فسأله سائل من جلسائه قال كيف يكتسب ألف حسنة؟ قال : يسبح اللّه مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة ويحط عنه ألف خطيئة). وفي رواية غير مسلم (يحط عنه أربعين ألفا) قوله تعالى : يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (٢٢) وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٢٣) وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (٢٥) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (٢٦) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) ١٩٢٧يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ أي يخرج النطفة من الحيوان ويخرج الحيوان من النطفة. وقيل : يخرج الدجاجة من البيضة والبيضة من الدجاجة. وقيل يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها أي بالمطر وإخراج النبات منها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ أي مثل إخراج النبات من الأرض تخرجون من القبور للبعث والحساب وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ أي خلق أصلكم وهو آدم من تراب ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ أي تنبسطون في الأرض وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً أي جنسكم من بني آدم وقيل خلق حواء من ضلع آدم لِتَسْكُنُوا إِلَيْها أي لتميلوا للأزواج وتألفوهن وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً أي جعل بين الزوجين المودة والرحمة فهما يتوادان ويتراحمان من غير سابقة معرفة ولا قرابة ولا سبب يوجب التعاطف وما شيء أحب إلى أحدهما من الآخر من غير تراحم بينهما إلا الزوجان إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ أي في عظمة اللّه وقدرته وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ أي اختلاف اللغات العربية والعجمية وغيرهما وقيل أراد أجناس النطق وأشكاله خالف بينهما حتى لا تكاد تسمع منطقين حتى لو تكلم جماعة من وراء حائط يعرف كل منهم بنطقه ونغمته لا يشبه صوت أحد صوت الآخر وَأَلْوانِكُمْ أي أسود وأبيض وأشقر وأسمر وغير ذلك من اختلاف الألوان وأنتم بنو رجل واحد ومن أصل واحد وهو آدم عليه السلام. والحكمة في اختلاف الأشكال والأصوات للتعارف أي ليعرف كل واحد بشكله وحليته وصوته وصورته فلو اتفقت الأصوات والصور وتشاكلت وكانت ضربا واحدا لوقع التجاهل والالتباس ولتعطلت مصالح كثيرة وليعرف صاحب الخلق من غيره والعدو من الصديق والقريب من البعيد فسبحان من خلق الخلق على ما أراد وكيف أراد. وفي ذلك دليل على سعة القدرة وكمال العظمة إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ أي لعموم العلم فيهم وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ أي منامكم الليل للراحة وابتغاؤكم من فضله وهو طلب أسباب المعيشة بالنهار إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ أي سماع تدبر واعتبار وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً أي للمسافر ليستعد للمطر وَطَمَعاً أي للمقيم ليستعد المحتاج إليه من أجل الزرع وتسوية طرق المصانع وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ أي قدرة اللّه وأنه القادر عليه وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ قال ابن عباس وابن مسعود قامتا على غير عمد وقيل يدوم قيامهما بأمره ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ قال ابن عباس من القبور إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ أي منها وقيل معنى الآية ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون من الأرض وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ مطيعون قال ابن عباس كل له مطيعون في الحياة والبقاء والموت والبعث وإن عصوا في العبادة وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ أي يخلقهم أولا ثم يعيدهم بعد الموت للبعث وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ أي هو هين عليه وما من شيء عليه بعزيز وقيل معناه وهو أيسر عليه فإن الذي يقع في عقول الناس أن الإعادة تكون أهون من الإنشاء وقيل : هو أهون على الخلق وذلك لأنهم يقومون بصيحة واحدة فيكون أهون عليهم من أن يكونوا نطفا ثم علقا ثم مضغا إلى أن يصيروا رجالا ونساء. وهو رواية عن ابن عباس وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى أي الصفة العليا قال ابن عباس : ليس كمثله شيء وقيل هو الذي لا إله إلا هو فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ أي في ملكه الْحَكِيمُ في خلقه. قوله عز وجل : ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٩) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٠) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢) وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) ٢٨٣٣ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا أي بين لكم شبها بحالكم ذلك المثل مِنْ أَنْفُسِكُمْ ثم بين المثل فقال تعالى هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أي عبيدكم وإمائكم مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ أي من المال فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ يعني هل يشارككم عبيدكم في أموالكم التي أعطيناكم تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ أي تخافون أن يشاركوكم في أموالكم ويقاسموكم كما يخاف الحر من شريكه الحر في المال يكون بينهما أن ينفرد فيه بأمره دون شريكه ويخاف الرجل شريكه في الميراث وهو يحب أن ينفرد به. وقال ابن عباس : تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا فإذا لم تخافوا هذا من مماليككم ولا ترضوه لأنفسكم فكيف ترضون أن تكون آلهتكم التي تعبدونها شركائي وهم عبيدي كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ أي الدلالات والبراهين والأمثال لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ أي ينظرون في هذه الدلائل والأمثال بعقولهم بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني أشركوا باللّه أَهْواءَهُمْ أي في الشرك بِغَيْرِ عِلْمٍ جهلا بما يجب عليهم فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ أي عن طريق الهدى وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ أي مانعين يمنعونهم عن عذاب اللّه. قوله تعالى فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ يعني أخلص دينك للّه وقيل سدد عملك والوجه ما يتوجه إلى اللّه تعالى به الإنسان ودينه وعمله مما يتوجه إليه ليسدده قوله تعالى حَنِيفاً أي مائلا إليه مستقيما عليه فِطْرَتَ اللَّهِ أي دين اللّه والمعنى الزموا فطرة اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها قال ابن عباس خلق الناس عليها والمراد بالفطرة الدين وهو الإسلام (ق) عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (ما من مولود إلا يولد على الفطرة ثم قال اقرءوا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ). زاد البخاري (فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء) ثم يقول أبو هريرة : اقرءوا فطرة اللّه الآية ولهما في رواية (قالوا : يا رسول اللّه أفرأيت من يموت صغيرا قال اللّه أعلم بما كانوا عاملين). قوله : (ما من مولود يولد إلا على الفطرة) يعني على العهد الذي أخذ اللّه عليهم بقوله : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى فكل مولود في العالم على ذلك الإقرار وهي الحنيفية التي وضعت الخلقة عليها وإن عبد غير اللّه قال اللّه تعالى وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ولكن لا اعتبار بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا وإنما يعتبر الإيمان الشرعي المأمور به المكتسب بالإرادة والفعل ألا ترى إلى قوله : (فأبواه يهودانه أو ينصرانه) فهو مع وجود الإيمان الفطري فإنه محكوم له بحكم أبويه الكافرين وهذا معنى قول النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في حديث آخر (يقول اللّه عز وجل : إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم) وحكي عن عبد اللّه بن المبارك أنه قال : معنى الحديث أن كل مولود يولد على فطرته أي خلقته التي خلقه اللّه عليها في علم اللّه تعالى من السعادة والشقاوة فكل منهم صائر في العاقبة إلى ما فطر عليه وعامل في الدنيا بالعمل المشاكل لها فمن أمارات الشقاوة للطفل أن يولد بين يهوديين أو نصرانيين فيحملانه على اعتقاد دينهما. وقيل معناه أن كل مولود في مبدأ الخلقة على الفطرة أي على الجبلة السليمة والطبع المتهيئ لقبول الدين ، فلو ترك عليها لاستمرت على لزومها لأن هذا الدين موجود حسنه في العقول السليمة وإنما يعدل عنه من عدل إلى غيره لأنه من آفات التقليد ونحوه فمن سلم من تلك الآفات لم يعتقد غيره. ثم تمثل لأولاد اليهود والنصارى واتباعهم لآبائهم والميل إلى أديانهم فيزلون بذلك عن الفطرة السليمة والحجة المستقيمة بقوله (كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء). أي كما تلد البهيمة بهيمة مستوية لم يذهب من بدنها شيء وقوله (هل تحسون فيها من جدعاء يعني هل تشعرون أو تعلمون فيها من جدعاء وهي المقطوعة الأذن والأنف. قوله عز وجل لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ أي لا تبدلوا دين اللّه وقيل معنى الآية الزموا فطرة اللّه ولا تبدلوا التوحيد بالشرك. وقيل معنى لا تبديل لخلق اللّه هو جبل عليه الإنسان من السعادة والشقاوة فلا يصير السعيد شقيا ولا الشقي سعيدا. وقيل الآية في تحريم إخصاء البهائم ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ أي المستقيم وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ قوله عز وجل مُنِيبِينَ إِلَيْهِ أي فأقم وجهك أنت وأمتك منيبين إليه لأن خطاب النبيّ صلى اللّه عليه وسلّم يدخل فيه الأمة والمعنى راجعين إلى اللّه تعالى بالتوبة مقبلين إليه بالطاعة وَاتَّقُوهُ أي ومع ذلك خافوه وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ أي داوموا على أدائها في أوقاتها وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً أي صاروا فرقا مختلفة وهم اليهود والنصارى وقيل هم أهل البدع من هذه الأمة كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ أي راضون بما عندهم. قوله تعالى وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ أي قحط وشدة دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ أي مقبلين إليه بالدعاء ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً أي خصبا ونعمة إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣٧) فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٣٨) وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٠) ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (٤٢) ٣٤٤٢لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ أي ليجحدوا نعمة اللّه عليهم فَتَمَتَّعُوا فيه تهديد ووعيد خاطب به الكفار فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أي حالكم هذه في الآخرة أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً قال ابن عباس حجة وعذرا وقيل كتابا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ أي ينطق بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ أي بشركهم ويأمرهم به وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً أي الخصب وكثرة المطر فَرِحُوا بِها أي فرحوا وبطروا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أي جدب وقلة مطر وقيل خوف وبلاء بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ من السيئات إذا هُمْ يَقْنَطُونَ أي ييأسون من رحمة اللّه وهذا خلاف وصف المؤمن فإنه يشكر ربه عند النعمة ويرجوه عند الشدة أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ تقدم تفسيره. قوله عز وجل فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ أي من البر والصلة وَالْمِسْكِينَ أي حقه وهو التصدق عليه وَابْنَ السَّبِيلِ أي المسافر وقيل الضيف ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ أي يطلبون ثواب اللّه بما كانوا يعملون وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ قوله عز وجل وَما آتَيْتُمْ أي أعطيتم مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ أي في اجتلاب أموال الناس واجتذابها قيل في معنى الآية هو الرجل يعطي غيره العطية ليثيبه أكثر منها فهو جائز حلال ولكن لا يثاب عليها في القيامة وهذا قوله فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وكان هذا حراما على النبي خاصة لقوله تعالى وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ أي لا تعط وتطلب أكثر مما أعطيت وقيل هو الرجل يعطي صديقه أو قريبه ليكثر ماله لا يريد به وجه اللّه. وقيل : هو الرجل يلتزق بالرجل فيخدمه ويسافر معه فيجعل ربح ماله لالتماس عونه لا لوجه اللّه تعالى فلا يربو عند اللّه لأنه لم يرد بعمله وجه اللّه وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ أي أعطيتم من صدقة تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ أي بتلك الصدقة فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ أي يضاعف لهم الثواب فيعطون بالحسنة عشر أمثالها فالمضعف ذو الأضعاف من الحسنات. قوله تعالى اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ تقدم تفسيره. قوله تعالى ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أي بسبب الشرك والمعاصي ظهر قحط المطر وقلة النبات في البراري والبوادي والمفاوز والقفار والبحر. قيل المدائن والقرى التي هي على المياه الجارية والعرب تسمي المصر بحرا تقول : أجدب البر وانقطعت مادة البحر وقيل البر ظهر الأرض الأمصار وغيرها والبحر هو المعروف وقلة المطر كما تؤثر في البر تؤثر في البحر بخلو أجواف الأصداف من اللؤلؤ وذلك لأن الصدف إذا جاء المطر ترتفع على وجه الماء وتفتح أفواهها فما وقع فيه من المطر صار لؤلؤا بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ أي بسبب شؤم ذنوبهم وقال ابن عباس الفساد في البر قتل أحد ابني آدم أخاه وفي البحر غصب الملك الجائر السفينة. قيل كانت الأرض خضرة مونقة لا يأتي ابن آدم شجرة إلا وجد عليها ثمرة وكان البحر عذبا وكان لا يقصد البقر الغنم فلما قتل قابيل هابيل اقشعرت الأرض وشاكت الأشجار وصار ماء البحر ملحا زعافا وقصد الحيوان بعضها بعضا. وقيل : إن الأرض امتلأت ظلما وضلالة قبل مبعث النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فلما بعث رجع راجعون من الناس وقيل أراد بالناس كفار مكة لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا يعني عقوبة الذي عملوا من الذنوب لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ يعني عن الكفر وأعمالهم الخبيثة قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ أي لتروا منازلهم ومساكنهم خاوية كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ يعني فأهلكوا بكفرهم قوله عز وجل : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (٤٣) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٤٥) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٤٦) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٨) وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (٤٩) فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٥٠) وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤) ٤٣٥٤فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ يعني لدين الإسلام مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يعني يوم القيامة لا يقدر أحد على رده من الخلق يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ يعني يتفرقون ثم ذكر الفريقين فقال تعالى مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ يعني وبال كفره وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ أي يوطئون المضاجع ويسوونها في القبور لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ قال ابن عباس : ليثيبهم اللّه ثوابا أكثر من أعمالهم إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ فيه تهديد ووعيد لهم. قوله تعالى وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ أي تبشر بالمطر وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ أي بالمطر وهو الخصب وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ أي بهذه الرياح بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ معناه لتطلبوا رزقه بالتجارة في البحر وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي هذه النعم. قوله تعالى لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ أي بالدلالات الواضحات على صدقهم انْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا يعني أنا عذبنا الذين كذبوهم كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ أي مع إنجائهم من العذاب ففيه تبشير للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم بالظفر في العاقبة والنصر على الأعداء عن أبي الدرداء قال : سمعت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقول : (ما من مسلم يرد عن عرض أخيه إلا من كان حقا على اللّه أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة ثم تلا هذه الآية : وكان حقا علينا نصر المؤمنين). أخرجه الترمذي ولفظه : (من رد عن عرض أخيه رد اللّه عن وجهه النار يوم القيامة). وقال حديث حسن. قوله عز وجل اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً يعني تنشره فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ يعني مسيرة يوم أو يومين أو أكثر على ما يشاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً أي قطعا متفرقة فَتَرَى الْوَدْقَ أي المطر يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ أي من وسطه فَإِذا أَصابَ بِهِ يعني بالودق مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ يعني يفرحون بالمطر وَإِنْ كانُوا أي وقد كانوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ يعني آيسين فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ يعني المطر والمعنى انظر حسن تأثيره في الأرض وهو قوله تعالى كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى يعني إن الذي أحيا الأرض بعد موتها قادر على إحياء الموتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا أي الزرع بعد الخضرة لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ أي من بعد اصفرار الزرع يَكْفُرُونَ أي يجحدون ما سلف من النعمة والمعنى أنهم يفرحون عند الخصب ولو أرسلت عذابا على زرعهم لجحدوا سالف نعمتي فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ تقدم تفسيره. قوله تعالى اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ أي بدأكم وأنشأكم على ضعف وقيل من ماء ذي ضعف وقيل هو إشارة إلى أحوال الإنسان كان جنينا ثم طفلا مولودا ومفطوما فهذه أحوال الضعف ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً يعني من بعد ضعف الصغر شبابا وهو وقت القوة ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً يعني هرما وَشَيْبَةً وهو تمام النقصان يَخْلُقُ ما يَشاءُ أي من الضعف والقوة والشباب والشيبة وليس ذلك من أفعال الطبيعة بل بمشيئة اللّه وقدرته وَهُوَ الْعَلِيمُ بتدبير خلقه الْقَدِيرُ على ما يشاء. قوله تعالى : وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٥٦) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن ْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ (٥٨) كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٥٩) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (٦٠) ٥٥٦٠وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ أي يحلف المشركون ما لَبِثُوا أي في الدنيا غَيْرَ ساعَةٍ معناه أنهم استقلوا أجل الدنيا لما عاينوا الآخرة وقيل معناه ما لبثوا في قبورهم غير ساعة كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ يعني يصرفون عن الحق في الدنيا وذلك أنهم كذبوا في قولهم ما لبثوا غير ساعة كما كذبوا في الدنيا أن لا يبعثوا. والمعنى أن اللّه أراد أن يفضحهم فحلفوا على شيء تبين لأهل الجمع أنهم كاذبون فيه وكان ذلك بقضاء اللّه وقدره ثم ذكر إنكار المؤمن عليهم كذبتهم فقال تعالى وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ أي فيما كتب اللّه لكم في سابق علمه من اللبث في القبور وقيل معنى الآية وقال الذين أوتوا العلم في كتاب اللّه والإيمان يعني الذين يقيمون كتاب اللّه قالوا للمنكرين قد لبثتم إلى يوم البعث أي في قبوركم فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ أي الذي كنتم تنكرونه في الدنيا وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ أي وقوعه في الدنيا فلا ينفعكم العلم به الآن بدليل قوله تعالى فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ أي لا تطلب منهم العتبى والرجوع في الآخرة وقيل لا تطلب منهم التوبة التي تزيل الجريمة لأنها لا تقبل منهم. قوله تعالى وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فيه إشارة إلى إزالة الأعذار والإتيان بما فوق الكفاية من الإنذار وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ يعني ما أنتم إلا على باطل وذلك على سبيل العناد. فإن قلت ما معنى توحيد الخطاب في قوله : ولئن جئتهم والجمع في قوله : إن أنتم إلا مبطلون قلت فيه لطيفة وهي أن اللّه تعالى قال ولئن جئتهم بكل آية جاءت بها الرسل ويمكن أن يقال معناه أنكم كلكم أيها الرسل مبطلون كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ أي توحيد اللّه فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أي في نصرك وإظهارك على عدوك وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ يعني لا يحملنك على الجهل وقيل لا يستخفن رأيك الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ يعني بالبعث والحساب واللّه سبحانه وتعالى أعلم بمراده. |
﴿ ٠ ﴾