سورة الأحزابمدنية وهي ثلاث وسبعون آية وألف ومائتان وثمانون كلمة وخمسون آلاف وسبعمائة وتسعون حرفا. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٢) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (٣) ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤) ١٤قوله عز وجل يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ نزلت في أبي سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور عمرو بن سفيان السلمي ، وذلك أنهم قدموا المدينة فنزلوا على عبد اللّه بن أبي سلول رأس المنافقين بعد قتال أحد ، وقد أعطاهم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم الأمان على أن يكلموه فقام معهم عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح وطعمة بن أبيرق فقالوا للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم وعنده عمر بن الخطاب ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومناة ، وقل إن لها شفاعة لمن عبدها وندعك وربك ، فشق ذلك على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال عمر يا رسول اللّه ائذن لي في قتلهم. فقال إني أعطيتهم الأمان. فقال عمر اخرجوا في لعنة اللّه وغضبه فأمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عمر أن يخرجهم من المدينة. فأنزل اللّه تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ أي دم على التقوى وقيل معناه اتق اللّه ولا تنقض العهد بينك وبينهم وقيل الخطاب مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم والمراد به أمته ولا تُطِعِ الْكافِرِينَ يعني من أهل مكة يعني أبا سفيان وعكرمة وأبا الأعور والمنافقين يعني من أهل المدينة عبد اللّه بن أبي وعبد اللّه بن سعد وطعمة إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً أي بخلقه قبل أن يخلقهم حَكِيماً أي فيما دبره لهم وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعني من وفاء العهد وترك طاعة الكافرين والمنافقين إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أي ثق باللّه وكل أمرك إليه وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا يعني حافظا لك وقيل كفيلا برزقك. قوله تعالى ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ نزلت في أبي معمر جميل بن معمر الفهري ، وكان رجلا لبيبا حافظا لما يسمع فقالت قريش ما حفظ أبو معمر هذه الأشياء إلا وله قلبان ، وكان يقول إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد ، فلما هزم اللّه المشركين يوم بدر انهزم أبو معمر فيهم فلقيه أبو سفيان وإحدى نعليه في يده والأخرى في رجله ، فقال له يا أبا معمر ما حال الناس. فقال انهزموا فقال له فما بال إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك. فقال أبو معمر ما شعرت إلا أنهما في رجلي. فعلموا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده. وعن أبي ظبيان قال : قلنا لابن عباس أرأيت قول اللّه ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ما عنى بذلك؟ قال (قام نبي اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوما يصلي فخطر خطرة. فقال المنافقون الذين يصلون معه ألا ترون أن له قلبين قلبا معكم وقلبا معهم فأنزل اللّه ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ (أخرجه الترمذي. وقال حديث حسن قوله خطر خطرة يريد الوسوسة التي تحصل للإنسان في صلاة. قيل في معنى الآية أنه لما قال اللّه تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ فكان ذلك أمرا بالتقوى. فكأنه قال ومن حقها أن لا يكون في قلبك تقوى غير اللّه ، فإن المرء ليس له قلبان حتى يتقي اللّه ب أحدهما وبالآخر غيره ، وقيل إن هذا مثل ضربه اللّه تعالى للمظاهر من امرأته وللمتبني ولد غيره ، فكما لا يكون لرجل قلبان لأنه لا يخلو إما أن يفعل ب أحدهما ما يفعل بالآخر من أفعال القلوب ، فالآخر فضله عليه محتاج إليه ، وإما أن يفعل بهذا ما لا يفعل بذاك ، فذلك يؤدي إلى اتصاف الجملة بكونه مريدا كارها عالما جاهلا موقنا شاكا في حالة واحدة ، وهما حالتان متنافيتان فكذلك لا تكون امرأة المظاهر أمه حتى يكون له أمان ولا يكون ولد واحد ابن رجلين. قوله تعالى وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وصورة الظهار أن يقول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي ، يقول اللّه وما جعل نساءكم التي تقولون لهن هذا في التحريم كأمهاتكم ، ولكنه منكم منكر وزور وفيه كفارة ، وسيأتي الكلام عليه إن شاء اللّه في سورة المجادلة. قوله تعالى وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ يعني الذين تتبنونهم أَبْناءَكُمْ وفيه نسخ التبني ، وذلك أن الرجل كان في الجاهلية يتبنى الرجل فيجعله كالابن المولود يدعوه إليه الناس ويرث ميراثه ، وكان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أعتق زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي وتبناه قبل الوحي ، وآخى بينه وبين حمزة بن عبد المطلب ، فلما تزوج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم زينب بنت جحش وكانت تحت زيد بن حارثة ، قال المنافقون تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى الناس عن ذلك فأنزل اللّه هذه الآية ونسخ بها التبني ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ أي لا حقيقة له يعني قولهم زيد بن محمد وادعاء النسب لا حقيقة له وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ يعني قوله الحق وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ يعني يرشد إلى سبيل الحق. ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥) النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٦) |
﴿ ١ ﴾