٢٧

٢٩

وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها يعني بعد قيل هي خيبر ويقال إنها مكة

وقيل فارس والروم

وقيل هي كل أرض تفتح على المسلمين إلى يوم القيامة وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً.

قيل كانت في آخر ذي القعدة سنة خمس. وعلى قول البخاري المتقدم في غزوة الخندق عن موسى بن عقبة أنها كانت في سنة أربع. قال العلماء بالسير إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لما أصبح من الليلة التي انصرف الأحزاب راجعين إلى بلادهم انصرف صلّى اللّه عليه وسلّم والمؤمنون عن الخندق إلى المدينة ووضعوا السلاح ، فلما كان الظهر أتى جبريل عليه السلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم متعمما بعمامة من إستبرق على بغلة بيضاء عليها رحالة وعليها من قطيفة من ديباج ، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عند زينب بنت جحش وهي تغسل رأسه وقد غسلت شقه فقال جبريل يا رسول اللّه قد وضعت السلاح؟ قال : نعم قال : جبريل عفا اللّه عنك ما وضعت الملائكة السلاح منذ أربعين ليلة وما رجعت الآن إلا من

طلب القوم.

وروى أنه كان الغبار على وجه جبريل وفرسه فجعل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يمسح الغبار عن وجهه ووجه فرسه فقال إن اللّه تعالى يأمرك بالمسير إلى بني قريظة وأنا عامد إلى بني قريظة فانهز إليهم فإني قد قطعت أوتارهم وفتحت أبوابهم وتركتهم في زلزال وبلبال ، فأمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم مناديا فأذن أن من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة ، وقدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم علي بن أبي طالب برايته إليهم وابتدرها الناس ، وسار علي حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فرجع حتى لقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالطريق فقال : يا رسول اللّه لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث. قال : أظنك سمعت لي منهم أذى قال : نعم يا رسول اللّه قال : لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا فلما دنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من حصونهم قال (يا إخوان القردة قد أخزاكم اللّه وأنزل بكم نقمته).

قالوا : يا أبا القاسم ما كنت جهولا ومر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة فقال (هل مر بكم أحد؟) فقالوا : يا رسول اللّه مر بنا دحية بن خليفة على بغلة بيضاء عليها رحالة وعليها قطيفة ديباج.

فقال صلّى اللّه عليه وسلّم (ذاك جبريل عليه السلام بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم) فلما أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بني قريظة نزل على بئر من آبارها في ناحية أموالهم وتلاحق به الناس فأتاه رجال بعد صلاة العشاء الأخيرة ولم يصلوا العصر لقول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة) ، فصلوا العصر بها بعد العشاء الأخيرة فما عابهم اللّه بذلك ولا عنفهم به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم

قال العلماء : حاصرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار ، وقذف اللّه في قلوبهم الرعب وكان حيي بن أخطب دخل على بني قريظة حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان ووفى لكعب بن أسد بما كان عاهده ، فلما أيقنوا أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال كعب بن أسد يا معشر يهود إنكم قد نزل من الأمر ما ترون وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا أيها شئتم. قالوا : وما هن؟ قال نتابع هذا الرجل ونصدقه فو اللّه لقد تبين لكم أنه نبي مرسل وأنه الذي تجدونه في كتابكم فتؤمنون على دياركم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم. فقالوا : لا نفارق حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به غيره. قال : فإذا أبيتم هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا مصلتين بالسيوف ولا نترك وراءنا ثقلا يهمنا حتى يحكم اللّه بيننا وبين محمد ، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا شيئا نخشى عليه وإن نظهر فلعمري لنتخذن النساء والأبناء. قالوا : نقتل هؤلاء المساكين فما في العيش بعدهم خير.

قال : فإن أبيتم هذه الليلة ليلة السبت وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فانزلوا فلعلنا أن نصيب من محمد وأصحابه غرة. قالوا : نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من قبلنا إلا ما قد علمت فأصابهم من المسخ ما لم يخف عليك. قال : ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه حازما ليلة من الدهر ثم إنهم بعثوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن ابعث لنا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الأوس نستشيره في أمرنا.

فأرسله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إليهم. فلما رأوه قام إليه الرجال والنساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم. فقالوا : يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح ، قال أبو لبابة فو اللّه ما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت اللّه ورسوله ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم حتى ربط في المسجد إلى عمود من عمده وقال واللّه لا أبرح مكاني حتى يتوب اللّه علي مما صنعت وعاهد اللّه لا يطأ أرض بني قريظة أبدا ولا يراني اللّه في بلد قد خنت اللّه ورسوله فيه أبدا. فلما بلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خبره وأبطأ عليه قال أما لو قد جاءني لاستغفرت له فأما إذ فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب اللّه عليه ، ثم إن اللّه أنزل توبة أبي لبابة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو في بيت أم سلمة قالت أم سلمة فسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يضحك ف

قلت : مم ضحكت يا رسول اللّه أضحك اللّه سنك؟ قال : تيب على أبي لبابة. ف

قلت : ألا أبشره بذلك يا رسول اللّه قال بلى إن شئت قال فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب. فقالت : يا أبا لبابة أبشر فقد تاب اللّه عليك. قال : فثار الناس إليه ليطلقوه فقال لا واللّه حتى يكون رسول اللّه هو الذي يطلقني بيده فلما مر عليه

خارجا إلى الصبح أطلقه. قال : ثم إن ثعلبة بن سعيد وأسيد بن سعيد وأسيد بن عبيد وهم نفر من بني هذيل ليسوا من قريظة ولا النضير نسبهم من فوق ذلك هم بنو عم القوم أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها بنو قريظة على حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وخرج في تلك الليلة عمرو بن السعدي القرظي فمر بحرس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعليهم محمد بن مسلمة الأنصاري تلك الليلة ، فلما رآه قال : من هذا قال : عمرو بن السعدي وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقال لا أغدر بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم أبدا فقال محمد بن مسلمة اللهم لا تحرمني من عثرات الكرام ، فخلى سبيله فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المدينة تلك الليلة ثم ذهب فلا يدري أين ذهب من أرض اللّه فذكر لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شأنه فقال ذاك رجل نجاه اللّه بوفائه وبعض الناس يزعم أنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأصبحت برمته ملقاة ولا يدري أين ذهب. فقال : فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تلك المقالة فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فتواثب الأوس وقالوا يا رسول اللّه إنهم موالينا دون الخزرج وقد فعلت في موالي الخزرج بالأمس ما قد علمت.

وقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل بني قريظة حاصر بني قينقاع وكانوا حلفاء الخزرج فنزلوا على حكمه. فسأله إياهم عبد اللّه بن أبي بن سلول فوهبهم له. فلما كلمه الأوس قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى. قال : فذلك إلى سعد بن معاذ وكان سعد جعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في مسجده في خيمة امرأة من المسلمين يقال لها رفيدة وكانت تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب ، فلما حكمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في بني قريظة أتاه قومه فحملوه على حمار قد وطئوا له وسادة من أدم وكان رجلا جسيما ثم أقبلوا معه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، وهم يقولون يا أبا عمرو أحسن في مواليك فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم فلما أكثروا عليه. قال : قد آن لسعد أن تأخذه في اللّه لومة لائم فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني الأشهل فنعى لهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد بن معاذ عن كلمته التي سمع منه ، فلما انتهى سعد إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال قوموا إلى سيدكم فأنزلوه فقاموا إليه وقالوا : يا أبا عمرو إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد ولاك مواليك فتحكم فيهم. فقال سعد عليكم بذلك عهد اللّه وميثاقه أن الحكم فيهم ما حكمت. قالوا : نعم قال وعلى من ها هنا في الناحية التي فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، وهو معرض عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إجلالا له فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نعم. قال سعد : فاني أحكم فيهم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لسعد (لقد حكمت بحكم اللّه من فوق سبعة أرقعة) ثم استنزلوا فحبسهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في دار بنت الحارث من نساء بني النجار ثم خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى سوق المدينة التي هي سوقها اليوم فخندق بها خنادق ثم بعث إليهم فضربت أعناقهم في تلك الخنادق يخرج بهم أرسالا وفيهم عدو اللّه ورسوله حيي بن أخطب وكعب بن أسد رأس القوم وهم ستمائة أو سبعمائة والمكثر لهم يقول : كانوا بين الثمانمائة إلى التسعمائة وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أرسالا يا كعب ما ترى ما يصنع بنا قال أفي كل موطن لا تعقلون ألا ترون الداعي لا ينزع وأن من يذهب به منكم لا يرجع هو واللّه القتل فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وأتى بحيي بن أخطب عدو اللّه وعليه حلة تفاحية قد شققها عليه من كل ناحية كموضع الأنملة أنملة أنملة لئلا يسلبها مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فلما نظر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال واللّه ما لمت نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل اللّه يخذل ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس إنه لا بأس بأمر اللّه كتاب وقدر وملحمة كتبت على بني إسرائيل ثم جلس فضرب عنقه وروي عن عائشة قالت لم يقتل من نساء بني قريظة إلا امرأة واحدة قالت واللّه إنها لعندي تتحدث معي وتضحك ظهرا وبطنا ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقتل رجالهم

بالسيف إذ هتف هاتف باسمها أين فلانة قالت أنا واللّه قلت ويلك مالك قالت أقتل قلت ولم قالت حدثا أحدثته قالت فانطلق بها فضرب عنقها وكانت عائشة تقول ما أنسى عجبا منها طيب نفس وكثرة ضحك وقد عرفت أنها تقتل قال الواقدي وكان اسم المرأة بنانة امرأة الحكم القرظي وكانت قتلت خلاد بن سويد قال وكان علي والزبير يضربان أعناق بني قريظة ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جالس هناك.

وروى محمد بن إسحاق عن الزهري أن الزبير بن باطا القرظي ويكنى أبا عبد الرحمن كان قد منّ على ثابت بن قيس بن شماس في الجلية يوم بعاث أخذه فجز ناصيته ثم خلى سبيله فجاءه يوم قريظة وهو شيخ كبير فقال يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني قال وهل يجهل مثلي مثلك قال إني أريد أن أجزيك بيدك عندي قال إن الكريم يجزي الكريم قال ثم أتى ثابت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال يا رسول اللّه قد كان للزبير عندي يد وله عليّ منة وقد أحببت أن أجزيه بها فهب لي دمه فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (هولك) فأتاه فقال له إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد وهب لي دمك قال شيخ كبير لا أهل له ولا ولد فما يصنع بالحياة فأتى ثابت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال يا رسول اللّه أهله وأولاده فقال (هم لك) فأتاه فقال إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أعطاني امرأتك وولدك فهم لك فقال أهل بيت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك فأتى ثابت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال ما له يا رسول اللّه قال هو لك فأتاه فقال إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد أعطاني مالك فهو لك فقال أي ثابت ما فعل الذي كان وجهه مرآة صينية يتراءى فيه عذارى الحي كعب بن أسد قال قتل قال فما فعل مقدمتنا إذا شددنا وحاميتنا إذا كررنا عزال بن شموال قال قتل قال فما فعل المجلسان يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة قال قتلوا قال فإني أسألك بيدي عندك يا ثابت إلا ما ألحقتني بالقوم فو اللّه ما في العيش بعد هؤلاء من خير فما أنا بصابر حتى ألقى الأحبة فقدمه ثابت فضربت عنقه فلما بلغ أبا بكر الصديق قوله حتى يلقى الأحبة قال يلقاهم واللّه في نار جهنّم خالدا مخلدا أبدا قال وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد أمر بقتل من أنبت منهم ثم قسم أموال بني قريظة ونساءهم على المسلمين وأغنم في ذلك اليوم سهمين للخيل وسهما

للرجال فكان للفارس ثلاثة أسهم سهمان للفرس ولفارسه سهم وللراجل ممن ليس له فرس سهم وكانت الخيل ستة وثلاثين فرسا وكان أول يوم وقع فيه السهمان ثم بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سعد بن زيد الأنصاري أخا بني الأشهل بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد فابتاع له بهم خيلا وسلاحا وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خنانة إحدى نساء بني عمرو بن قريظة فكانت عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى توفي عنها وهي في ملكه وقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحرص على أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب. فقالت : يا رسول اللّه بل تتركني في ملكك فهو أخف علي وعليك فتركها ، وقد كانت حين سباها كرهت الإسلام وأبت إلا اليهودية فعزلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ووجد في نفسه بذلك من أمرها. فبينما هو بين أصحابه إذ سمع وقع نعلين خلفه فقال إن هذا لثعلبة بن شعبة يبشرني بإسلام ريحانة ، فجاءه فقال : يا رسول اللّه قد أسلمت ريحانة فسره ذلك فلما قضي شأن بني قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ وذلك أنه دعا بعد أن حكم في بني قريظة ما حكم فقال اللهم إنك علمت أنه لم يكن قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم كذبوا رسولك اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش على رسولك شيئا فأبقني له وإن كنت قد قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك فانفجر كلمه فرجعه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى خيمته التي ضربت عليه في المسجد. قالت : عائشة فحضره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأبو بكر وعمر فو الذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وإني لفي حجرتي. قالت : وكانوا كما قال اللّه تعالى فيهم رُحَماءُ بَيْنَهُمْ.

(خ) عن سلمان بن صرد قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول حين أجلى الأحزاب (الآن نغزوهم ولا يغزوننا نحن نسير إليهم).

(ق) عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول (لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له أعز جنده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده فلا شيء بعده).

قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ أي متعة

الطلاق وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا أي من غير ضرر وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً سبب نزول هذه الآية أن نساء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم سألنه من عرض الدنيا شيئا وطلبن منه زيادة في النفقة وآذينه بغيرة بعضهن على بعض فهجرهن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وآلى أن لا يقربهن شهرا ، ولم يخرج إلى أصحابه فقالوا ما شأنه وكانوا يقولون طلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نساءه. فقال عمر : لأعلمن لكم شأنه قال فدخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ف

قلت : يا رسول اللّه أطلقتهن قال : (لا)

قلت : يا رسول اللّه إني دخلت المسجد والمسلمون يقولون طلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نساءه أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن. قال : (نعم إن شئت) فقمت على باب المسجد وناديت بأعلى صوتي لم يطلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نساءه ونزلت هذه الآية وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ فكنت أنا استنبطت هذا الأمر.

وأنزل اللّه آية التخيير وكان تحت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومئذ تسع نسوة خمسة من قريش وهن : عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر وأم حبيبة بنت أبي سفيان وأم سلمة بنت أبي أمية وسودة بنت زمعة ، وأربع من غير قرشيات وهن زينب بنت جحش الأسدية وميمونة بنت الحارث الهلالية وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية وجويرية بنت الحارث المصطلقية ، فلما نزلت آية التخيير بدأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعائشة ، وكانت أحبهن إليه فخيرها وقرأ عليها القرآن فاختارت اللّه ورسوله والدار الآخرة فرؤي الفرح في وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، وتابعتها على ذلك فلما اخترن اللّه ورسوله شكرهن اللّه على ذلك وقصره عليهن

فقال تعالى لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ

(م) عن جابر بن عبد اللّه قال (دخل أبو بكر يستأذن على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فوجد الناس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم ، فأذن لأبي بكر فدخل ، ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له فوجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جالسا وحوله نساؤه واجما ساكتا. فقال : لأقولن شيئا أضحك به النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ف

قلت : يا رسول اللّه لقد رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال (هن حولي كما ترى يسألنني النفقة) فقام أبو بكر إلى عائشة فوجأ عنقها وقام عمر إلى حفصة فوجأ عنقها كلاهما يقول : تسألن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما ليس عنده قلن واللّه لا نسأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شيئا أبدا ليس عنده ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين حتى نزلت هذه الآية :

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ حتى بلغ : لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً قال : فبدأ بعائشة فقال : يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك قالت : وما هو يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فتلا عليها الآية قالت أفيك يا رسول اللّه أستشير أبوي بل أختار اللّه ورسوله والدار الآخرة وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي

قلت : قال : (لا تسألني امرأة منهن طلا أخبرتها إن اللّه لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما مبشرا) قوله واجما أي مهتما ، والواجم الذي أسكته الهم وعلته الكآبة

وقيل الوجوم الحزن. قولهم فوجأت عنقها أي دققته وقوله لم يبعثني معنتا العنت المشقة والصعوبة

(م) عن الزهري أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أقسم أن لا يدخل على أزواجه شهرا قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة قالت : لما مضت تسع وعشرون ليلة أعدهن دخل علي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بدأ بي ف

قلت : يا رسول اللّه ، أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وإنك دخلت من تسع وعشرين أعدهن قال : إن الشهر تسع وعشرون.

فصل في حكم الآية

اختلف العلماء في هذا الخيار هل كان ذلك تفويض الطلاق إليهن ، حتى يقع بنفس الاختيار أم لا فذهب الحسن وقتادة وأكثر أهل العلم ، إلى أنه لم يكن تفويض الطلاق وإنما خيرهن على أنهن إذ اخترن الدنيا فارقهن لقوله تعالى فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ بدليل أنه لم يكن جوابهن على الفور ، وأنه قال لعائشة : (لا تعجلي حتى تستشيري أبويك) وفي تفويض الطلاق يكون الجواب على الفور ، وذهب قوم إلى أنه كان تفويض الطلاق ولو اخترن أنفسهن كان طلاقا. التفريع على حكم الآية اختلف أهل العلم في حكم التخيير ، فقال عمر

وابن مسعود ، وابن عباس : إذا خير الرجل امرأته فاختارت زوجها لا يقع شيء وإن اختارت نفسها يقع طلقة واحدة ، وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى وسفيان والشافعي وأصحاب الرأي إلا أن عند أصحاب الرأي يقع طلقة بائنة إذا اختارت نفسها وعند الآخرين رجعية وقال زيد بن ثابت : إذا اختارت الزوج يقع طلقة واحدة وإذا اختارت نفسها فثلاث وهو قول الحسن وبه قال مالك. وروي عن علي أنها إذا اختارت زوجها يقع طلقة واحدة ، وإذا اختارت نفسها فطلقة بائنة وأكثر العلماء على أنها إذا اختارت زوجها لا يقع شيء

(ق) عن مسروق قال : ما أبالي خيرت امرأتي واحدة أو مائة أو ألفا بعد أن تختارني ، ولقد سألت عائشة رضي اللّه عنها ، فقالت خيرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فما كان طلاقا

وفي رواية فاخترناه فلم يعد ذلك شيئا.

قوله تعالى :

يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (٣٠) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (٣١) يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٣٢)

﴿ ٢٩