سورة حم المؤمن

وتسمى سورة غافر وهي مكية قيل غير آيتين وهما

قوله تعالى : الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ والتي بعدها وهي خمس وثمانون آية وألف ومائة وتسع وتسعون كلمة وأربعة آلاف وتسعمائة وستون حرفا ، عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه تعالى عنه قال (إن مثل صاحب القرآن كمثل رجل انطلق يرتاد لأهله منزلا فمر بأثر غيث فبينما هو يسير فيه ويتعجب منه إذ هبط على روضات دمثات فقال عجبت من الغيث الأول فهذا أعجب منه وأعجب فقيل له إن مثل الغيث الأول مثل هذه الروضات الدمثات مثل آل حم في القرآن) وعن ابن عباس قال : لكل شيء لباب ولباب القرآن الحواميم وقال ابن مسعود إذا وقعت في آل حم وقعت في روضات الجنة أتأنق فيهن ، وقال سعد بن إبراهيم إن آل حم تسمى العرائس.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣)

١

٣

قوله عز وجل : حم قال ابن عباس رضي اللّه عنهما : حم اسم اللّه الأعظم وعنه قال الر وحم ون حروف اسمه الرّحمن مقطعة

وقيل حم اسم للسورة

وقيل الحاء افتتاح أسمائه حليم وحميد وحي وحكيم وحنان ، والميم افتتاح أسمائه ملك ومجيد ومنان ،

وقيل معناه حم بضم الحاء أي قضى ما هو كائن تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ أي الغالب القادر

وقيل الذي لا مثل له الْعَلِيمِ أي بكل المعلومات غافِرِ الذَّنْبِ يعني ساتر الذنب وَقابِلِ التَّوْبِ يعني التوبة قال ابن عباس غافر الذنب لمن قال لا إله إلا اللّه وقابل التوب ممن قال لا إله إلا اللّه شَدِيدِ الْعِقابِ لمن لا يقول لا إله إلا اللّه ذِي الطَّوْلِ يعني السعة والغنى

وقيل ذي الفضل والنعم وأصل الطول الإنعام الذي تطول مدته على صاحبه لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يعني هو الموقوف بصفات الوحدانية التي لا يوصف بها غيره إِلَيْهِ الْمَصِيرُ أي مصير العباد إليه في الآخرة

قوله تعالى :

ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (٤) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٥) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٦) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٧)

٤

٧

ما يُجادِلُ يعني ما يخاصم ويحاجج في آيات اللّه يعني في دفع آيات اللّه بالتكذيب والإنكار إلا الذين كفروا قال أبو العالية آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن.

قوله تعالى : ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وقوله وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ وعن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال (إن جدالا في القرآن كفر) أخرجه أبو داود وقال المراد في القرآن كفر وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال (سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قوما يتمارون فقال إنما هلك من كان قبلكم بهذا ضربوا كتاب اللّه عز وجل بعضه ببعض وإنما أنزل الكتاب يصدق بعضه بعضا فلا تكذبوا بعضه ببعض فما علمتم منه فقولوه وما جهلتم منه فكلوه إلى عالمه)

(م) عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال :

هاجرت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوما فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعرف في وجهه الغضب فقال (إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب) فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ يعني تصرفهم فِي الْبِلادِ للتجارات وسلامتهم فيها مع كفرهم فإن عاقبة أمرهم العذاب كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ يعني الكفار الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب من بعد قوم نوح وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ قال ابن عباس ليقتلوه ويهلكوه

وقيل ليأسروه وَجادَلُوا يعني خاصموا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا يعني ليبطلوا بِهِ الْحَقَّ الذي جاءت به الرسل فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ يعني أنزلت بهم من الهلاك ما هموا هم بإنزاله بالرسل

وقيل معناه فكيف كان عقابي إياهم أليس كان مهلكا مستأصلا وَكَذلِكَ حَقَّتْ أي وجبت كَلِمَةُ رَبِّكَ يعني كما وجبت كلمة العذاب على الأمم المكذبة حقت عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا يعني من قومك أَنَّهُمْ يعني بأنهم أَصْحابُ النَّارِ

قوله عز وجل : الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ قيل حملة العرش اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أردفهم اللّه تعالى بأربعة أخر كما قال اللّه تعالى : وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ وهم أشرف الملائكة وأفضلهم لقربهم من اللّه عز وجل وهم على صورة الأوعال وجاء في الحديث إن لكل ملك منهم وجه رجل ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر ، ولكل واحد منهم أربعة أجنحة جناحان منها على وجهه مخافة أن ينظر إلى العرش فيصعق وجناحان يهفو بهما في الهواء ليس لهم كلام غير التسبيح والتحميد والتمجيد ما بين أظلافهم إلى ركبهم كما بين سماء إلى سماء وقال ابن عباس : حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى أسفل قدميه مسيرة خمسمائة عام ، ويروي أن أقدامهم في تخوم الأرضين و

الأرضون والسموات إلى حجزهم تسبيحهم سبحان ذي العزة والجبروت سبحان ذي الملك والملكوت سبحان الحي الذي لا يموت سبوح قدوس رب الملائكة والروح

وقيل إن أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم خرقت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم وهم أشد خوفا من أهل السماء السابعة وأهل السماء السابعة أشد خوفا من التي تليها والتي تليها أشد خوفا من التي تليها.

وروى جابر عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال (أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة اللّه عز وجل من حملة العرش إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام) أخرجه أبو داود

وأما صفة العرش فقيل إنه جوهرة خضراء وهو من أعظم المخلوقات خلقا وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال : إن ما بين القائمة من قوائم العرش والقائمة الثانية كخفقان الطير المسرع ثلاثين ألف عام ويكسى العرش كل يوم ألف لون من النور لا يستطيع أن ينظر إليه خلق من خلق اللّه تعالى والأشياء كلها في العرش كحلقة في فلاة وقال مجاهد بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب حجاب نور وحجاب ظلمة وحجاب نور وحجاب ظلمة

وقيل إن العرش قبلة لأهل السماء كما أن الكعبة قبلة لأهل الأرض قوله : وَمَنْ حَوْلَهُ يعني الطائفين به وهم الكروبيون وهم سادات الملائكة ، قال وهب بن منبه : إن حول العرش سبعين ألف صف من الملائكة صف خلف صف يطوفون بالعرش يقبل هؤلاء ويدبر هؤلاء فإذا استقبل بعضهم بعضا هلل هؤلاء وكبر هؤلاء ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام أيديهم إلى أعناقهم قد وضعوها على عواتقهم فإذا سمعوا تكبير أولئك وتهليلهم رفعوا أصواتهم فقالوا سبحانك

وبحمدك ما أعظمك وأجلك أنت اللّه لا إله غيرك أنت الأكبر والخلق كلهم إليك راجعون ومن وراء هؤلاء وهؤلاء مائة ألف صف من الملائكة قد وضعوا اليمنى على اليسرى ليس منهم أحد إلا يسبح بتحميد لا يسبحه الآخر ما بين جناحي أحدهم مسيرة ثلاثمائة عام وما بين شحمة أذنه إلى عاتقه أربعمائة عام واحتجب اللّه عز وجل من الملائكة الذين حول العرش بسبعين حجابا من نار وسبعين حجابا من ظلمة وسبعين حجابا من نور وسبعين حجابا من در أبيض وسبعين حجابا من ياقوت أحمر وسبعين حجابا من زبرجد أخضر وسبعين حجابا من ثلج وسبعين حجابا من ماء وسبعين حجابا من برد وما لا يعلمه إلا اللّه عز وجل.

قوله تعالى : يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ أي ينزهون اللّه تعالى عما لا يليق بجلاله والتحميد هو الاعتراف بأنه هو المنعم على الإطلاق وَيُؤْمِنُونَ بِهِ أي يصدقون بأنه واحد لا شريك له ولا مثل له ولا نظير له.

فإن قلت قدم قوله يسبحون بحمد ربهم على قوله وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ولا يكون التسبيح إلا بعد الإيمان فما فائدة قوله ويؤمنون به.

قلت فائدته التنبيه على شرف الإيمان وفضله والترغيب فيه. ولما كان اللّه عز وجل محتجبا عنهم بحجب جلاله وجماله وكماله وصفهم بالإيمان به. قال شهر بن حوشب حملة العرش ثمانية أربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك وأربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك قال وكأنهم يرون ذنوب بني آدم وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا أي يسألون اللّه تعالى المغفرة لهم قيل هذا الاستغفار من الملائكة مقابل لقولهم أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ فلما صدر هذا منهم أولا تداركوه بالاستغفار لهم ثانيا وهو كالتنبيه لغيرهم فيجب على كل من تكلم في أحد بشيء يكرهه أن يستغفر له رَبَّنا أي ويقولون ربنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً أي وسعت رحمتك وعلمك كل شيء وفيه تنبيه على تقديم الثناء على اللّه تعالى بما هو أهله قيل المطلوب بالدعاء فلما قدموا الثناء على اللّه عز وجل قالوا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ أي دينك وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ قال مطرف أنصح عباد اللّه للمؤمنين الملائكة وأغش الخلق للمؤمنين هم الشياطين.

رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠)

٨

١٠

رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ قيل إذا دخل المؤمن الجنة قال : أين أبي وأين أمي وأين ولدي وأين زوجتي ، فيقال : إنهم لم يعملوا عملك ، فيقول : إني كنت أعمل لي ولهم فيقال أدخلوهم الجنة فإذا اجتمع بأهله في الجنة كان أكمل لسروره ولذته وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ أي عقوبات السيئات بأن تصونهم من الأعمال الفاسدة التي توجب العقاب وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ يعني من تقه في الدنيا فَقَدْ رَحِمْتَهُ يعني في القيامة وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يعني النعيم الذي لا ينقطع في جوار مليك لا تصل العقول إلى كنه عظمته وجلاله

قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ يعني يوم القيامة وهم في النار وقد مقتوا أنفسهم حين عرضت عليهم سيئاتهم وعاينوا العذاب فيقال لهم لَمَقْتُ اللَّهِ يعني إياكم في الدنيا أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ أي اليوم عند حلول العذاب بكم.

قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (١١) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢)

١١

١٢

قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ قال ابن عباس رضي اللّه عنهما : كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم فأحياهم اللّه تعالى في الدنيا ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها ثم أحياهم للبعث يوم القيامة فهذه موتتان وحياتان

وقيل أميتوا في الدنيا ثم أحيوا في القبر للسؤال ثم أميتوا في قبورهم ثم أحيوا للبعث في الآخرة وذلك أنهم عدوا أوقات البلاء والمحنة وهي أربعة الموتة الأولى ثم الحياة في القبر ثم الموتة الثانية فيه ثم الحياة للبعث فأما الحياة الأولى التي هي من الدنيا فلم يعدوها لأنها ليست من أقسام البلاء

وقيل ذكر حياتين وهي حياة الدنيا وحياة القيامة وموتتين وهي الموتة الأولى في الدنيا ثم الموتة الثانية في القبر بعد حياة السؤال ولم يعدوا حياة السؤال لقصر مدتها فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا يعني إنكارهم البعث بعد الموت فلما شاهدوا البعث اعترفوا بذنوبهم ثم سألوا الرجعة بقولهم فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ يعني من النار مِنْ سَبِيلٍ والمعنى فهلّا إلى رجوع إلى الدنيا من سبيل لنصلح أعمالنا ونعمل بطاعتك وهذا كلام من غلب عليه اليأس والقنوط من الخروج وإنما قالوا ذلك تعللا وتحيرا والمعنى فلا خروج ولا سبيل إليه ولهذا جاء الجواب على حسب ذلك وهو

قوله تعالى : ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ معناه فأجيبوا أن لا سبيل إلى الخروج وهذا العذاب والخلود في النار بأنكم إذا دعى اللّه وحده كفرتم يعني إذا قيل لا إله إلا اللّه أنكرتم ذلك وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ أي غيره تُؤْمِنُوا أي تصدقوا ذلك الشرك فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ أي الذي لا أعلى منه الْكَبِيرِ أي الذي لا أكبر منه.

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (١٦) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٧)

وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (١٨) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩)

١٣

١٩

قوله عز وجل : هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ أي عجائب مصنوعاته التي تدل على كمال قدرته وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً يعني المطر الذي هو سبب الأرزاق وَما يَتَذَكَّرُ أي يتعظ بهذه الآيات إِلَّا مَنْ يُنِيبُ أي يرجع إلى اللّه تعالى في جميع أموره فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أي الطاعة والعبادة وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ.

قوله تعالى : رَفِيعُ الدَّرَجاتِ أي رافع درجات الأنبياء والأولياء والعلماء في الجنة

وقيل معناه المرتفع أي إنه سبحانه وتعالى هو المرتفع بعظمته في صفات جلاله وكماله ووحدانيته المستغني عن كل ما سواه وكل الخلق فقراء إليه ذُو الْعَرْشِ أي خالقه ومالكه ، والفائدة في تخصيص العرش بالذكر لأنه أعظم الأجسام والمقصود بيان كمال التنبيه على كمال القدرة فكل ما كان أعظم كانت دلالته على كمال القدرة أقوى يُلْقِي الرُّوحَ يعني ينزل الوحي سماه روحا لأن به تحيا الأرواح كما تحيا الأبدان بالأرواح مِنْ أَمْرِهِ قال ابن عباس :

من قضائه

وقيل بأمره

وقيل من قوله عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ يعني الأنبياء لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ يعني لينذر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بالوحي يوم التلاق وهو يوم القيامة لأنه يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض ،

وقيل يلتقي الخلق والخالق

وقيل يلتقي العابدون والمعبودون

وقيل يلتقي المرء مع عمله

وقيل يلتقي الظالم والمظلوم يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ أي خارجون من قبورهم ظاهرون لا يسترهم شيء لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ أي من أعمالهم وأحوالهم ،

فإن قلت إن اللّه تعالى لا يخفى عليه شيء في سائر الأيام فما وجه تخصيص ذلك اليوم ، قلت كانوا يتوهمون في الدنيا إذا استتروا بالحيطان والحجب أن اللّه تعالى لا يراهم وتخفى عليه أعمالهم وهم في ذلك اليوم صائرون من البروز والانكشاف إلى حال لا يتوهمون فيها مثل ما كانوا يتوهمونه في الدنيا لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ أي يقول اللّه عز وجل في ذلك اليوم بعد فناء الخلق لمن الملك فلا أحد يجيبه فيجيب نفسه تعالى فيقول لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ أي الذي قهر الخلق بالموت

وقيل إذا حضر الأولون والآخرون في يوم القيامة نادى مناد لمن الملك فيجيبه جميع الخلائق في يوم القيامة لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ فالمؤمنون يقولونه تلذذا حيث كانوا يقولونه في الدنيا ونالوا به المنزلة الرفيعة في العقبى والكفار يقولونه على سبيل الذل والصغار والندامة حيث لم يقولوه في الدنيا الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ يعني يجزى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته لا ظُلْمَ الْيَوْمَ أي إن الخلق آمنون في ذلك اليوم من الظلم لأن اللّه تعالى ليس بظلام للعبيد إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ أي إنه تعالى لا يشغله حساب عن حساب بل يحاسب الخلق كلهم في وقت واحد.

قوله تعالى : وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ يعني يوم القيامة سميت آزفة لقرب وقتها وكل ما هو آت فهو قريب إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ وذلك أنها تزول عن أماكنها من الخوف حتى تصير إلى الحناجر فلا هي تعود إلى أماكنها ولا هي تخرج من أفواههم فيموتوا ويستريحوا كاظِمِينَ أي مكروبين ممتلئين خوفا وحزنا حتى يضيق القلب عنه ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ أي من قريب ينفعهم وَلا شَفِيعٍ أي يشفع لهم يُطاعُ أي فيهم يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ أي خيانتها وهي مسارقة النظر إلى ما لا يحل

وقيل هو نظر الأعين لما نهى اللّه عنه وَما تُخْفِي الصُّدُورُ أي يعلم مضمرات القلوب.

وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٢٠) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (٢١) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٢) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٢٤)

فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٢٥) وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (٢٦)

٢٠

٢٦

وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ أي يحكم بالعدل وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ يعني الأصنام لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ لأنها لا تعلم شيئا ولا تقدر على شيء إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ أي لأقوال الخلق الْبَصِيرُ بأفعالهم أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ أي المعنى أن العاقل من اعتبر بغيره فإن الذين مضوا من الكفار كانوا أشد قوة من هؤلاء فلم تنفعهم قوتهم فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ أي يدفع عنهم العذاب ذلِكَ أي ذلك العذاب الذي نزل بهم بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ

قوله عز وجل : وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا يعني

فرعون وقومه اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قيل هذا القتل غير القتل الأول لأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الوالدان فلما بعث موسى عليه الصلاة والسلام أعاد القتل عليهم فمعناه أعيدوا عليهم القتل وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ أي استحيوا النساء ليصدوهم بذلك عن متابعة موسى عليه الصلاة والسلام ومظاهرته وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ أي وما مكر فرعون وقومه واحتيالهم إِلَّا فِي ضَلالٍ أي يذهب كيدهم باطلا ويحيق بهم ما يريده اللّه تعالى وَقالَ فِرْعَوْنُ أي لملئه ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وإنما قال فرعون هذا لأنه كان في خاصة قومه من يمنعه من قتل موسى وإنما منعوه عن قتله لأنه كان فيهم من يعتقد بقلبه أنه كان صادقا ،

وقيل قالوا لا تقتله فإنه هو ساحر ضعيف فلا يقدر أن يغلب سحرنا وإن قتلته قالت العامة كان محقا صادقا وعجزوا عن جوابه فقتلوه وَلْيَدْعُ رَبَّهُ أي وليدع موسى ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منا إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ يعني يقول فرعون أخاف أن يغير دينكم الذي أنتم عليه أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ

يعني بذاك تغيير الدين وتبديله وعبادة غيره.

وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (٢٧) وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ (٢٩)

٢٧

٢٩

وَقالَ مُوسى يعني لما توعده فرعون بالقتل إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ يعني أن موسى عليه الصلاة والسلام لم يأت في دفع الشدة إلا بأن استعاذ باللّه واعتمد عليه فلا جرم أن صانه اللّه عن كل بلية مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ أي متعظم عن الإيمان لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ

قوله عز وجل : وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ قيل كان ابن عم فرعون

وقيل كان من القبط

وقيل كان من بني إسرائيل ، فعلى هذا يكون معنى الآية وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون وكان اسم هذا المؤمن حزبيل عند ابن عباس وأكثر العلماء وقال إسحاق كان اسمه جبريل

وقيل حبيب أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ أي لأن يقول رَبِّيَ اللَّهُ وهذا استفهام إنكار وهو إشارة إلى التوحيد وقوله وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ فيه إشارة إلى تقرير نبوته بإظهار المعجزة والمعنى وقد جاءكم بما يدل على صدقه وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ أي لا يضركم ذلك إنما يعود وبال كذبه عليه وَإِنْ يَكُ صادِقاً أي فكذبتموه يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ قيل معناه يصبكم الذي يعدكم إن قتلتموه وهو صادق ،

وقيل بعض على أصلها ومعناه كأنه قاله على طريق الاحتجاج أقل ما في صدقه أن يصيبكم بعض الذي يعدكم وفيه هلاككم فذكر البعض ليوجب الكل إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي يعني إلى دينه مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ أي على اللّه تعالى

(خ) عن عروة بن الزبير قال : سألت عبد اللّه بن عمرو بن العاص عن أشد ما صنع المشركون برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال : بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولوى ثوبه في عنقه وخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقال أَ

تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ.

قوله عز وجل : يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ يعني غالبين في الأرض أي أرض مصر فَمَنْ يَنْصُرُنا يعني يمنعنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا والمعنى لكم الملك فلا تتعرضوا لعذاب اللّه بالتكذيب وقتل النبي فإنه لا مانع من عذاب اللّه تعالى إن حل بكم قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ أي من الرأي والنصيحة إِلَّا ما أَرى

يعني لنفسي وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ أي ما أدعوكم إلا إلى طريق الهدى ثم حكى اللّه تعالى أن مؤمن آل فرعون رد على فرعون هذا الكلام وخوفه أن يحل به ما حل بالأمم قبله بقوله :

وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (٣٤)

٣٠

٣٤

وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ يعني مثل عادتهم في الإقامة على التكذيب حتى أتاهم العذاب وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ يعني لا يهلكهم إلا بعد إقامة الحجة عليهم وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ يعني يوم القيامة سمي يوم القيامة يوم التناد لأنه يدعى فيه كل أناس بإمامهم وينادي بعضهم بعضا فينادي أصحاب الجنة أصحاب النار وينادي أصحاب النار أصحاب الجنة وينادى فيه بالسعادة والشقاوة ألا إن فلان بن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا وفلان ابن فلان شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدا وينادي حين يذبح الموت يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت

وقيل ينادي المؤمن هاؤم اقرءوا كتابيه وينادي الكافر يا ليتني لم أوت كتابيه

وقيل يوم التناد يعني يوم التنافر من ند البعير إذا نفر وهرب وذلك أنهم إذا سمعوا زفير النار ندوا هربا فلا يأتون قطرا من الأقطار إلا وجدوا الملائكة صفوفا عليه فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ يعني منصرفين عن موقف الحساب إلى النار ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ يعني يعصمكم من عذابه وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ يعني يهديه وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ يعني يوسف بن يعقوب مِنْ قَبْلُ يعني من قبل موسى بِالْبَيِّناتِ يعني قوله أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ قيل مكث فيهم يوسف عشرين سنة نبيا

وقيل إن فرعون يوسف هو فرعون موسى

وقيل هو فرعون آخر فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ قال ابن عباس من عبادة اللّه وحده لا شريك له والمعنى أنهم بقوا شاكين في نبوته لم ينتفعوا بتلك البينات التي جاءهم بها حَتَّى إِذا هَلَكَ يعني

مات قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا يعني أقمتم على كفركم وظننتم أن اللّه لا يجدد عليكم الحجة وإنما قالوا ذلك على سبيل التشهي والتمني من غير حجة ولا برهان عليه بل قالوا ذلك ليكون لهم أساسا في تكذيب الأنبياء الذين يأتون بعده وليس قولهم لن يبعث اللّه من بعده رسولا تصديقا لرسالة يوسف كيف وقد شكوا فيها وإنما هو تكذيب لرسالة من بعده مضمون إلى التكذيب لرسالته كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ يعني في شركه وعصيانه مُرْتابٌ يعني في دينه.

الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥) وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبابٍ (٣٧) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (٣٨) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (٣٩)

مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (٤٠)

٣٥

٤٠

الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ قيل هذا تفسير للمسرف المرتاب يعني الذين يجادلون في إبطال آيات اللّه بالتكذيب بِغَيْرِ سُلْطانٍ أي بغير حجة وبرهان أَتاهُمْ من اللّه كَبُرَ أي ذلك الجدال مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ

قوله عز وجل : وَقالَ فِرْعَوْنُ يعني لوزيره يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً يعني بناء ظاهرا لا يخفى على الناظرين وإن بعد وقد تقدم ذكره في سورة القصص لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ يعني طرقها وأبوابها من سماء إلى سماء فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ يعني موسى كاذِباً أي فيما يدعي ويقول إن له ربا غيري وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ قال ابن عباس رضي اللّه عنهما صده اللّه تعالى عن سبيل الهدى وقرئ وصد بالفتح أي وصد فرعون الناس عن السبيل وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ أي وما كيده في إبطال آيات موسى إلا في خسار وهلاك.

قوله تعالى : وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ أي طريق الهدى يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ أي متعة ينتفعون بها مدة ثم تنقطع وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ يعني التي لا تزول والمعنى أن الدنيا فانية منقرضة لا منفعة فيها وأن الآخرة باقية دائمة والباقي خير من الفاني ، قال بعض العارفين : لو كانت الدنيا ذهبا فانيا والآخرة خزفا باقيا لكانت الآخرة خيرا من الدنيا فكيف والدنيا خزف فان والآخرة ذهب باق مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها قيل معناه من عمل الشرك فجزاؤه جهنم خالدا فيها ومن عمل بالمعاصي فجزاؤه العقوبة بقدرها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ يعني لا تبعة عليهم فيما يعطون في الجنة من الخير

وقيل يصب عليهم الرزق صبا بغير تقتير.

وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (٤٢) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٤٣) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٤٤) فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (٤٥)

النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (٤٦)

٤١

٤٦

وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ معناه أنا أدعوكم إلى الإيمان الذي يوجب النجاة من النار وأنتم تدعونني إلى الشرك الذي يوجب النار ثم فسر ذلك فقال تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ أي لا أعلم أن الذي تدعونني إليه إله وما ليس بإله كيف يعقل جعله شريكا للإله الحق ولما بين أنهم يدعونه إلى الكفر والشرك بين أنه يدعوهم إلى الإيمان بقوله وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ أي في انتقامه ممن كفر الْغَفَّارِ أي لذنوب أهل التوحيد لا جَرَمَ يعني حقا أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ يعني الصنم لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ يعني ليست له استجابة دعوة لأحد في الدنيا ولا في الآخرة

وقيل ليست له دعوة إلى عبادته في الدنيا ولا في الآخرة لأن الأصنام لا تدعي الربوبية ولا تدعو إلى عبادتها وفي الآخرة تتبرأ من عابديها وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ يعني مرجعنا إلى اللّه فيجازي كلّا بما يستحقه وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ يعني المشركين

هُمْ أَصْحابُ النَّارِ فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ أي إذا عاينتم العذاب حين لا ينفعكم الذكر وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ أي أرد أمري إلى اللّه وذلك أنهم توعدوه لمخالفته دينهم إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ يعني يعلم المحق من المبطل ثم خرج المؤمن من بينهم فطلبوه فلم يقدروا عليه وذلك

قوله تعالى : فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا يعني ما أرادوا به من الشر قيل إنه نجا مع موسى عليه الصلاة والسلام وكان قبطيا وَحاقَ يعني نزل بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ يعني الغرق في الدنيا والنار في الآخرة وذلك

قوله تعالى : النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا يعني صباحا ومساء قال ابن مسعود (أرواح آل فرعون في أجواف طيور سود يعرضون على النار كل يوم مرتين تغدو وتروح إلى النار ويقال يا آل فرعون هذه منازلكم حتى تقوم الساعة)

وقيل تعرض روح كل كافر على النار بكرة وعشيا ما دامت الدنيا.

ويستدل بهذه الآية على إثبات عذاب القبر أعاذنا اللّه تعالى منه بمنّه وكرمه

(ق) عن عبد اللّه بن عمر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال هذا مقعدك حين يبعثك اللّه تعالى إليه يوم القيامة) ثم أخبر اللّه تعالى عن مستقرهم يوم القيامة

فقال تعالى : وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أي يقال لهم ادخلوا يا آل فرعون أَشَدَّ الْعَذابِ قال ابن عباس ألوان من العذاب غير الذي كانوا يعذبون بها منذ أغرقوا.

وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (٤٧) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (٤٨) وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (٤٩) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٥٠) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١)

يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢)

٤٧

٥٢

قوله تعالى : وَإِذْ يَتَحاجُّونَ أي واذكر يا محمد لقومك إذ يختصمون يعني أهل النار فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً أي في الدنيا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا يعني الرؤساء والقادة إِنَّا كُلٌّ فِيها يعني نحن وأنتم إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ أي قضى علينا وعليكم وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ يعني حين اشتد عليهم العذاب لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ قالُوا يعني الخزنة أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ يعني لا عذر لكم بعد مجيء الرسل قالُوا بَلى أي اعترفوا بذلك قالُوا فَادْعُوا يعني أنتم إنا لا نّدعوا لكم لأنهم علموا أنه لا يخفف عنهم العذاب قال اللّه تعالى : وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ يعني يبطل ويضل ولا ينفعهم.

قوله عز وجل : إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا قال ابن عباس بالغلبة والقهر ،

وقيل بالحجة

وقيل بالانتقام من الأعداء في الدنيا والآخرة وكل ذلك حاصل لهم فهم منصورون بالحجة على من خالفهم تارة وقد نصرهم اللّه بالقهر على من عاداهم وأهلك أعداءهم بالانتقام منهم كما نصر يحيى بن زكريا لما قتل فإنه قتل به سبعين ألفا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ يعني وننصرهم يوم القيامة يوم يقوم الأشهاد وهم الحفظة من الملائكة يشهدون للرسل بالتبليغ وعلى الكفار بالتكذيب يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ أي إن اعتذروا عن كفرهم لم يقبل منهم وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ أي البعد من الرحمة وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ يعني جهنم.

وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (٥٣) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٥٤) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٥٥) إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦) لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٥٧)

٥٣

٥٧

وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى يعني النبوة

وقيل التوراة وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ يعني التوراة

وقيل سائر الكتب المنزلة على أنبيائهم هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ

قوله تعالى : فَاصْبِرْ أي يا محمد على أذاهم إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أي في إظهار دينك وإهلاك أعدائك قال الكلبي نسخت آية القتال آية الصبر وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ يعني الصغائر وهذا على قول من يجوزها على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

وقيل يعني على ترك الأولى والأفضل

وقيل على ما صدر منه قبل النبوة وعند من لا يجوز الصغائر على الأنبياء يقول هذا تعبد من اللّه تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه وسلّم ليزيده درجة ولتصير سنة لغيره من بعده وذلك لأن مجامع الطاعات محصورة في قسمين التوبة عما لا ينبغي ، والاشتغال بما ينبغي والأول مقدم وهو التوبة من الذنوب

والثاني الاشتغال بالطاعات وهو

قوله تعالى :

وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ

أي نزه ربك عما لا يليق بجلاله

وقيل صل شاكرا لربك بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ يعني صلاة العصر وصلاة الفجر وقال ابن عباس الصلوات الخمس إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ يعني كفار قريش إِنْ فِي صُدُورِهِمْ يعني ما في قلوبهم إِلَّا كِبْرٌ قال ابن عباس ما حملهم على تكذيبك إلا ما في صدورهم من الكبر والعظمة ما هُمْ بِبالِغِيهِ يعني ببالغي مقتضى ذلك الكبر

وقيل معناه إن في صدورهم إلا كبر على محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وطمع أن يغلبوه وما هم ببالغي ذلك

وقيل نزلت في اليهود وذلك أنهم قالوا للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم إن صاحبنا المسيح بن داود يعنون الدجال يخرج في آخر الزمان فيبلغ سلطانه البر والبحر ويرد الملك إلينا قال اللّه تعالى :

فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ أي من فتنة الدجال إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ يعني لأقوالهم الْبَصِيرُ يعني بأفعالهم.

قوله عز وجل : لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني مع عظمهما أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ أي من إعادتهم بعد الموت والمعنى أنهم مقرون أن اللّه تعالى خلق السموات والأرض وذلك أعظم في الصدور من خلق الناس فكيف لا يقرون بالبعث بعد الموت وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يعني أن الكفار لا يعلمون حيث لا يستدلون بذلك على توحيد خالقها ، وقال قوم معنى أكبر من خلق الناس أي أعظم من خلق الدجال ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعني اليهود الذين يخاصمون في أمر الدجال.

(فصل في ذكر الدجال)

(م) عن هشام بن عروة قال سمعت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقول (ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال) معناه أكبر فتنة وأعظم شوكة من الدجال

(ق) عن ابن عمر رضي اللّه تعالى عنهما (أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ذكر الدجال فقال إنه أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافئة) ولأبي داود والترمذي عنه قال (قام النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في الناس فأثنى على اللّه بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال إني أنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذره قومه لقد أنذر نوح قومه ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وأن اللّه ليس بأعور)

(ق) عن أنس رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (ما من نبي إلا وقد أنذر قومه الأعور الكذاب ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر)

وفي رواية لمسلم (بين عينيه كافر ثم تهجى ك ف ر ويقرؤه كل مسلم) عن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت (كان

رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في بيتي فذكر الدجال ، فقال إن بين يديه ثلاث سنين سنة تمسك السماء ثلث قطرها والأرض ثلث نباتها.

والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها والأرض ثلثي نباتها. والثالثة تمسك السماء قطرها كله والأرض نباتها كله نباتها كله فلا تبقى ذات ظلف ولا ضرس من البهائم إلا هلكت ومن أشد فتنته أنه يأتي الأعرابي فيقول :

أرأيت إن أحييت لك إبلك ألست تعلم أني ربك قال : فيقول : بلى ، فيتمثل الشيطان نحو إبله كأحسن ما تكون ضروعا وأعظمه أسنمة ويأتي الرجل قد مات أخوه ومات أبوه فيقول : أرأيت إن أحييت لك أخاك وأباك ألست تعلم أني ربك فيقول بلى فيتمثل له الشيطان نحو أخيه ونحو أبيه قالت : ثم خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لحاجته ثم رجع والقوم في اهتمام وغمّ مما حدثهم قالت وأخذ بلحمتي الباب فقال مهيم أسماء ف

قلت : يا رسول اللّه لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال قال : إن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه وإلا فإن ربي خليفتي على كل مؤمن ، قالت أسماء :

فقلت يا رسول اللّه واللّه إنا لنعجن عجينا فما نخبزه حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ ، قال : يجزيهم ما يجزئ أهل السماء من التسبيح والتقديس)

وفي رواية عنها قالت قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم (يمكث الدجال في الأرض أربعين سنة السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كاضطرام السعفة في النار) هذا حديث أخرجه البغوي بسنده والذي جاء في صحيح مسلم قال (قلنا يا رسول اللّه ما لبثه في الأرض قال أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم هذه قلنا يا رسول اللّه فذاك اليوم الذي كسنة أتكفينا له صلاة يوم قال لا اقدروا له قدره قلنا يا رسول اللّه وما إسراعه في الأرض قال كالغيث استذرته الريح)

وفي رواية أبي داود عنه (فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف فإنها جواركم من فتنته وفيه ثم ينزل عيسى عليه الصلاة والسلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق فيدركه عند باب لد فيقتله)

(ق) عن حذيفة قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول (إن مع الدجال إذا خرج ماء ونارا ، فأما الذي يرى الناس أنه نار فماء بارد والذي يرى الناس أنه ماء فنار محرقة فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يرى أنه نار فإنه ماء عذب بارد)

(ق) عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (ألا أحدثكم حديثا عن الدجال ما حدث به نبي قومه إنه أعور وإنه يجيء بمثال الجنة والنار فالتي يقول إنها الجنة هي النار وإني أنذركم كما أنذر نوح قومه)

(ق) (عن المغيرة بن شعبة قال (ما سأل أحد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الدجال ما سألته وإنه قال لي ما يضرك قلت إنهم يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء قال هو أهون على اللّه من ذلك) عن عمران بن حصين أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (من سمع بالدجال فلينأ منه فو اللّه إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به

الشبهات أو قال لما يبعث به من الشبهات) أخرجه أبو داود

(ق) عن أنس أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ليس نقب من نقابها إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها فينزل السبخة ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج إليه كل كافر ومنافق)

(م) عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (يأتي المسيح من قبل المشرق وهمته المدينة حتى ينزل دبر أحد ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام وهناك يهلك) عن أبي بكر الصديق رضي اللّه تعالى عنه قال : حدثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (الدجال يخرج بأرض بالمشرق يقال لها خراسان يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة) أخرجه الترمذي ، وقال حديث حسن غريب

(م). عن أنس رضي اللّه تعالى عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة) عن مجمع بن جارية الأنصاري قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول (يقتل ابن مريم الدجال بباب لد) أخرجه الترمذي ، وقال حديث حسن صحيح. قال الشيخ محيي الدين النووي : قال القاضي عياض هذه الأحاديث التي وردت في قصة الدجال حجة للمذهب الحق في صحة وجوده وأنه شخص بعينه ابتلى اللّه تعالى به عباده فأقدره على أشياء من المقدورات من إحياء الميت الذي يقتله ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه وجنته وناره وإتباع كنوز الأرض له وأمره السماء أن تمطر فتمطر والأرض أن تنبت فتنبت ويقع كل ذلك بقدرة اللّه تعالى وفتنته ثم يعجزه اللّه تعالى بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره ويبطل أمره

ويقتله عيسى ابن مريم عليه السلام ويثبت اللّه الذين آمنوا بالقول الثابت ، هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء خلافا لمن أنكره وأبطل أمره من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة وخلافا للجبائي المعتزلي وموافقيه من الجهمية وغيرهم في أنه صحيح الوجود ولكن الأشياء التي يأتي بها زعموا أنها مخاريق وخيالات لا حقائق لها وزعموا أنها لو كانت حقا لضاهت معجزات الأنبياء وهذا غلط من جميعهم لأنه لم يدع النبوة فيكون

ما معه كالتصديق له وإنما يدعي الربوبية وهو في نفس دعواه مكذب لها بصورة حاله ووجود دلائل الحدوث فيه ونقص صورته وعجزه عن إزالة العور الذي في عينه وعن إزالة الشاهة بكفره المكتوب بين عينيه ولهذه الدلائل لا يغتر به إلا عوام من الناس لشدة الحاجة والفاقة رغبة في سد الرمق أو خوفا من فتنته لأن فتنته عظيمة جدا تدهش العقول وتحير الألباب ولهذا حذرت الأنبياء من فتنته فأما أهل التوفيق فلا يغترون به ولا يخدعون بما معه لما سبق من العلم بحاله ولهذا يقول له الذي يقتله ثم يحييه ما ازددت فيك إلا بصيرة قوله (قلت يا رسول اللّه إنهم يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء قال هو أهون على اللّه تعالى من ذلك) معناه هذا أهون على اللّه تعالى من أن يجعل ما خلقه اللّه عز وجل على يده مضلا للمؤمنين ومشككا لقلوبهم بل إنما جعله اللّه له ليزداد الذين آمنوا إيمانا وتثبت الحجة على الكافرين والمنافقين وليس معناه أنه ليس معه شيء من ذلك لأنه ثبت في الحديث أن معه ماء ونارا فماؤه نار وناره ماء بارد واللّه تعالى أعلم.

وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ (٥٨) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (٥٩) وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (٦٠)

٥٨

٦٠

قوله عز وجل : وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أي الجاهل والعالم وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ أي لا يستوون قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ إِنَّ السَّاعَةَ يعني القيامة لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها أي لا شك في قيامها ومجيئها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ أي لا يصدقون بالبعث بعد الموت ،

قوله تعالى : وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ أي اعبدوني دون غيري أجبكم وأثبكم وأغفر لكم فلما عبر عن العبادة بالدعاء جعل الإثابة استجابة عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول على المنبر (الدعاء هو العبادة ثم قرأ وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (من لم يسأل اللّه يغضب عليه) أخرجه الترمذي وقال حديث غريب عن أنس بن مالك قال (الدعاء مخ العبادة) أخرجه الترمذي وعنه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال (ليس شيء أكرم على اللّه من الدعاء) أخرجه الترمذي وقال حديث غريب

فإن قلت كيف قال ادعوني أستجب لكم وقد يدعو الإنسان كثيرا فلا يستجاب له ، قلت الدعاء له شروط منها الإخلاص في الدعاء وأن لا يدعو وقلبه لاه مشغول بغير الدعاء وأن يكون المطلوب بالدعاء مصلحة للإنسان وأن لا يكون فيه قطيعة رحم فإذا كان الدعاء بهذه الشروط كان حقيقا بالإجابة فإما أن يعجلها له

وإما أن يؤخرها له يدل عليه ما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (ما من رجل يدعو اللّه تعالى بدعاء إلا استجيب له فإما أن يعجل له به في الدنيا

وإما أن يدخر له في الآخرة

وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ما لم

يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل قالوا يا رسول اللّه وكيف يستعجل قال يقول دعوت ربي فما استجاب لي) أخرجه الترمذي وقال حديث غريب

وقيل الدعاء هو الذكر والسؤال إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي أي عن توحيدي

وقيل دعائي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ أي صاغرين ذليلين.

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٦١) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٦٣) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٦٤) هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٥)

قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦٦) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٦٨) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (٦٩)

٦١

٦٩

قوله عز وجل : اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ أي لتحصل لكم الراحة فيه بسبب النوم والسكون وَالنَّهارَ مُبْصِراً أي لتحصل لكم فيه مكنة التصرف في حوائجكم ومهماتكم إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ أي ذلكم المميز بالأفعال الخاصة التي لا يشاركه فيها أحد هو اللّه ربكم خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ أي هو الجامع لهذه الأوصاف من الإلهية والربوبية وخلق الأشياء كلها وأنه لا شريك له في ذلك فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ أي فأنى تصرفون عن الحق كَذلِكَ أي كما أفكنتم عن الحق مع قيام الدلائل كذلك يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً أي فراشا لتستقروا عليها

وقيل منزلا في حال الحياة وبعد الموت وَالسَّماءَ بِناءً أي سقفا مرفوعا كالقبة وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ أي خلقكم فأحسن خلقكم قال ابن عباس خلق ابن آدم قائما معتدلا يأكل ويتناول بيده وغير ابن آدم يتناول بفيه وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ قيل هو ما خلق اللّه تعالى لعباده من المأكل والمشرب من غير رزق الدواب ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ هُوَ الْحَيُّ وهذا يفيد الحصر أي لا حي إلا هو فوجب أن يحمل ذلك على الذي يمتنع أن يموت امتناعا تاما ثابتا وهو اللّه تعالى الذي لا يوصف بالحياة الكاملة إلا هو ، والحي هو المدرك الفعال لما يريد وهذه إشارة إلى العلم التام والقدرة التامة ولما نبه على هذه الصفات نبه على كمال الوحدانية بقوله لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أي فادعوه واحمدوه ، قال ابن عباس من قال لا إله إلا اللّه فليقل على أثرها الحمد للّه رب العالمين قُلْ

إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ وذلك حين دعي إلى الكفر أمره اللّه تعالى أن يقول ذلك.

قوله تعالى : هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ يعني أصلكم آدم

وقيل يحتمل أن كل إنسان خلق من تراب لأنه خلق من النطفة وهي من الأغذية والأغذية من النبات والنبات من التراب ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً يعني أن مراتب الإنسان بعد خروجه من بطن أمه ثلاث الطفولية وهي حالة النمو والزيادة إلى أن يبلغ كمال الأشد من غير ضعف ثم يتناقص بعد ذلك وهي الشيوخة وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ أي من قبل أن يصير شيخا وَلِتَبْلُغُوا أي جميعا أَجَلًا مُسَمًّى أي وقتا محدود لا تجاوزونه يعني

أجل الحياة إلى الموت وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ أي ما في هذه الأحوال العجيبة من القدرة الباهرة الدالة على توحيده وقدرته هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ أي يكونه من غير كلفة ولا معاناة ولا تعب وكل ذلك من كمال قدرته على الإحياء والإماتة وسائر ما ذكر من الأفعال الدالة على قدرته كأنه قال من الاقتدار إذا قضى أمرا كان أهون شيء وأسرعه.

قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ يعني القرآن أَنَّى يُصْرَفُونَ أي عن دين الحق

وقيل نزلت في القدرية.

الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (٧٤)

ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (٧٥) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٦) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٧٧) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (٧٨)

٧٠

٧٨

الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ فيه وعيد وتهديد ثم وصف ما أوعدهم به

فقال تعالى : إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ يعني يجرون بتلك السلاسل فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ يعني توقد بهم النار ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني الأصنام قالُوا ضَلُّوا عَنَّا أي فقدناهم فلم نرهم بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً قيل إنهم أنكروا عبادتها ،

وقيل لم نكن ندعوا شيئا ينفع ويضر ،

وقيل ضاعت عبادتنا لها فكأنا لم نكن ندعو من قبل شيئا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ أي كما أضل هؤلاء ذلِكُمْ أي العذاب الذي نزل بكم بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ أي تبطرون وتأشرون فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ أي تختالون وتفرحون به ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ يعني السبعة خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ يعني عن الإيمان.

قوله تعالى : فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ الخطاب للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم أي بنصرك على الأعداء فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أي من العذاب في حياتك أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ أي قبل أن يحل ذلك بهم فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ أي خبره وحاله في القرآن وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ أي لم نذكر لك حال الباقين منهم وليس منهم أحد إلا أعطاه اللّه تعالى آيات ومعجزات ، وقد جادله قومه وكذبوه فيها وما جرى عليهم يقارب ما جرى عليك فصبروا وهذا تسلية لنبيه صلّى اللّه عليه وسلّم وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يعني بأمره وإرادته فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ أي قضاؤه بين الأنبياء والأمم قُضِيَ بِالْحَقِّ يعني بالعدل وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ يعني الذين يجادلون في آيات اللّه بغير حق وفيه وعيد وتهديد لهم.

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٧٩) وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠) وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (٨١) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨٣)

فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (٨٥)

٧٩

٨٥

قوله تعالى : اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ أي في أصوافها وأوبارها وأشعارها وألبانها وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ أي تحمل أثقالكم من بلد إلى بلد في أسفاركم وحاجاتكم وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ أي على الإبل في البر وعلى السفن في البحر يُرِيكُمْ آياتِهِ

أي دلائل قدرته أَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ

يعني أن هذه الآيات التي ذكرها ظاهرة باهرة فليس شيء منها يمكن إنكاره.

قوله تعالى : أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ يعني مصانعهم وقصورهم والمعنى لو سار هؤلاء في أطراف الأرض لعرفوا أن عاقبة هؤلاء المنكرين المتمردين الهلاك والبوار مع أنهم كانوا أكثر عددا وأموالا من هؤلاء فَما أَغْنى عَنْهُمْ أي لم ينفعهم ما كانُوا يَكْسِبُونَ أي أي شيء أغنى عنهم كسبهم فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا أي رضوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ قيل هو قولهم لن نبعث ولن نعذب

وقيل هو علمهم بأحوال الدنيا سمي ذلك علما على ما يدعونه ويزعمونه وهو في الحقيقة جهل وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا أي عذابنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ أي تبرأنا مما كنا نعدل باللّه فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ يعني أن سنة اللّه قد جرت في الأمم الخالية بعدم قبول الإيمان عند معاينة البأس وهو العذاب يعني بتلك السنة أنهم إذا رأوا العذاب آمنوا ولا ينفعهم إيمانهم عند معاينة العذاب وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ يعني بذهاب الدارين قيل الكافر خاسر في كل وقت ولكنه يتبين خسرانه إذا رأى العذاب واللّه سبحانه وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.

﴿ ٠