١٢١٤وقوله تعالى : فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ أي أتمهن وفرغ من خلقهن فِي يَوْمَيْنِ وهما الخميس والجمعة وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها قال ابن عباس خلق في كل سماء خلقا من الملائكة وخلق ما فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلمه إلا اللّه تعالى وقيل أوحى إلى كل سماء ما أراد من الأمر والنهي وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا أي التي تلي الأرض بِمَصابِيحَ أي بكواكب تشرق كالمصابيح وَحِفْظاً أي وجعلناها يعني الكواكب حفظا للسماء من الشياطين الذين يسترقون السمع ذلِكَ أي الذي ذكر من صنعه وخلقه تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ أي في ملكه الْعَلِيمِ أي بخلقه وفيه إشارة إلى كمال القدرة والعلم. قوله تعالى : فَإِنْ أَعْرَضُوا يعني هؤلاء المشركين عن الإيمان بعد هذا البيان فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ أي خوفتكم صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ أي هلاكا مثل هلاكهم والصاعقة المهلكة من كل شيء إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ يعني إلى عاد وثمود مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ يعني الرسل الذين أرسلوا إلى آبائهم وَمِنْ خَلْفِهِمْ يعني ومن بعد الرسل الذين أرسلوا إلى آبائهم وهم الرسل الذين أرسلوا إليهم وهما هود وصالح وإنما خص هاتين القبيلتين لأن قريشا كانوا يمرون على بلادهم أَلَّا أي بأن لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً يعني لو شاء ربنا دعوة الخلق لأنزل ملائكة بدل هؤلاء الرسل فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ روى البغوي بإسناد الثعلبي عن جابر بن عبد اللّه قال : (قال الملأ من قريش وأبو جهل قد التبس علينا أمر محمد فلو التمستم رجلا عالما بالشعر والكهانة والسحر فأتاه فكلمه ثم أتينا ببيان من أمره ، فقال عتبة بن ربيعة : واللّه لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر وعلمت من ذلك علما وما يخفى عليّ إن كان كذلك ، فأتاه فلما خرج إليه قال : يا محمد أنت خير أم هاشم أنت خير أم عبد المطلب أنت خير أم عبد اللّه فيم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا فإن كان ما بك للرياسة عقدنا لك ألويتنا فكنت رئيسا ما بقيت وإن كان بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختارهن من أي بنات قريش وإن كان بك المال جمعنا لك ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ساكت لا يتكلم فلما فرغ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ إلى قوله تعالى فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش واحتبس عنهم فقال أبو جهل يا معشر قريش واللّه ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه وما ذاك إلا من حاجة أصابته فانطلقوا بنا إليه فانطلقوا إليه فقال أبو جهل : واللّه يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك طعامه فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد ، فغضب عتبة وأقسم لا يكلم محمدا أبدا وقال : واللّه لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا ولكني أتيته وقصصت عليه القصة فأجابني بشيء واللّه ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر ، وقرأ السورة إلى قوله تعالى فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ فأمسكت بفيه وناشدته الرحم أن يكف وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب) وقال محمد بن كعب القرظي : حدثت أن عتبة بن ربيعة كان سيدا حليما قال يوما وهو جالس في نادي قريش ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جالس وحده في المسجد يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل منا بعضها فنعطيه ويكف عنا وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أن أصحاب محمد صلّى اللّه عليه وسلّم يزيدون ويكثرون قالوا بلى يا أبا الوليد فقم إليه وكلمه فقام عتبة حتى جلس إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال يا ابن أخي إنك منا حيث علمت من البسطة في العشيرة والمكانة في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت جماعتهم وسفهت أحلامهم وعيبت آلهتهم وكفرت من مضى من آبائهم فاستمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها فقال صلّى اللّه عليه وسلّم قل يا أبا الوليد فقال يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون من أكثرنا مالا وإن كنت تريد شرفا سودناك علينا وإن كان هذا الذي بك رئيا تراه لا تستطيع رده طلبنا لك الطب أو لعل هذا شعر جاش به صدرك فنعذرك فإنكم لعمري بني عبد المطلب تقدرون من ذلك على ما لا يقدر عليه أحد حتى إذا فرغ قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال : نعم ، قال : فاستمع مني ، قال : فافعل ، فقال : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ ثم مضى فيها يقرأ فلما سمعها عتبة أنصت وألقى يده خلف ظهره معتمدا عليها يستمع منه حتى انتهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى السجدة فسجد ثم قال أسمعت يا أبا الوليد فأنت وذاك فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف باللّه لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلما جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد قال ورائي أني سمعت قولا واللّه ما سمعت بمثله قط ما هو بشعر ولا بسحر ولا كهانة يا معشر قريش أطيعوني يا معشر قريش خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه فو اللّه ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وأنتم أسعد الناس به قالوا سحرك واللّه محمد يا أبا الوليد بلسانه قال هذا رأيي لكم فاصنعوا ما بدا لكم). فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦) |
﴿ ١٢ ﴾