سورة محمد صلّى اللّه عليه وسلّممدنية وهي ثمان وثلاثون آية. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (٢) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (٣) ١٣قوله عز وجل : الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ يعني أبطلها ولم يتقبلها منهم. وأراد بالأعمال : ما كانوا يفعلون من أعمال البر في إطعام الطعام ، وصلة الأرحام وفك العاني وهو الأسير ، وإجارة المستجير ، ونحو ذلك. وقال بعضهم : أول هذه السورة متعلق بآخر سورة الأحقاف المتقدمة كأن قائلا قال : كيف يهلك القوم الفاسقون ولهم أعمال صالحة كإطعام الطعام ونحوه من الأعمال واللّه لا يضيع لعامل عمله ولو كان مثقال ذرة من خير فأخبر بأن الفاسقين هم الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللّه أضل أعمالهم يعني أبطلها لأنها لم تكن للّه ولا بأمره إنما فعلوها من عند أنفسهم ليقال عنهم ذلك فلهذا السبب أبطلها اللّه تعالى وقال الضحاك : أبطل كيدهم ومكرهم بالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم وجعل الدائرة عليهم. قال بعضهم : المراد بقوله ، الَّذِينَ كَفَرُوا هم الذين كانوا يطعمون الجيش يوم بدر وهم رؤوس كفار قريش منهم أبو جهل ، والحارث بن هشام ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وغيرهم. وقيل : هم جميع كفار قريش وقيل هم كفار أهل الكتاب وقيل هو عام فيدخل فيه كل كافر وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني ومنعوا غيرهم عن الدخول في دين اللّه وهو الإسلام أو منعوا أنفسهم من الدخول في الإسلام أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ يعني أبطلها لأنها كانت لغير اللّه ومنه قوله تعالى : وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قال ابن عباس الذين كفروا مشركو قريش ، والذين آمنوا هم الأنصار وقيل مؤمنو أهل الكتاب وقيل هو عام فيدخل فيه كل مؤمن آمن باللّه ورسوله وهذا هو الأولى ليشمل جميع المؤمنين وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ يعني القرآن الذي أنزله اللّه على محمد وإنما ذكره بلفظ الاختصاص مع ما يجب من الإيمان بجميع ما جاء به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن اللّه تعظيما لشأن القرآن الكريم وتنبيها على أنه لا يتم الإيمان إلا به وأكد ذلك بقوله : وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وقيل : معناه أن دين محمد صلّى اللّه عليه وسلّم هو الحق لأنه ناسخ للأديان كلها ولا يرد عليه نسخ وقال سفيان الثوري في قوله آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ يعني لم يخالفوه في شيء كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ يعني ستر بأيمانهم وعملهم الصالح ما كان منهم من الكفر والمعاصي لرجوعهم وتوبتهم منها فغفر لهم بذلك ما كان منهم وَأَصْلَحَ بالَهُمْ يعني حالهم وشأنهم وأمرهم بالتوفيق في أمور الدين والتسليط على أمور الدنيا بما أعطاهم من النصر على أعدائهم. وقيل أصلح بالهم يعني قلوبهم لأن القلب إذا صلح صلح سائر الجسد وقال ابن عباس عصمهم أيام حياتهم يعني أن هذا الإصلاح يعود إلى إصلاح أعمالهم حتى لا يعصوا ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ يعني الشيطان وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ يعني القرآن ومعنى الآية ذلك الأمر وهو إضلال أعمال الكفار وتكفير سيئات المؤمنين كائن بسبب إتباع الكفار الباطل وإتباع المؤمنين الحق من ربهم كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ الضمير في أمثالهم راجع إلى الناس على أنه تعالى يضرب للناس أمثال أنفسهم أو أنه راجع إلى الفريقين على معنى أنه تعالى ضرب أمثال الفريقين للناس ليعتبروا بها قال الزجاج كذلك يضرب اللّه أمثال حسنات المؤمنين وأمثال أعمال الكافرين للناس. فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤) |
﴿ ٢ ﴾