سورة الحجرات(مدنية وهي ثمان عشرة آية وثلاثمائة وثلاث وأربعون كلمة وألف وأربعمائة وستة وسبعون حرفا). بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١) ١قوله عز وجل : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ من التقديم أي لا ينبغي لكم أن يصدر منكم تقديم أصلا. وقيل : لا تقدموا فعلا بين يدي اللّه ورسوله. والمعنى : لا تقدموا بين يدي أمر اللّه ورسوله ولا نهيهما. وقيل : لا تجعلوا لأنفسكم تقدما عند النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وفيه إشارة إلى احترام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والانقياد لأوامره ونواهيه والمعنى : لا تعجلوا بقول أو فعل قبل أن يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أو قبل أن يفعله. وقيل : لا تقولوا بخلاف الكتاب والسنة واختلفوا في معنى الآية فروي عن جابر أنه في الذبح يوم الأضحى أي : لا تذبحوا قبل أن يذبح النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وذلك أن أناسا ذبحوا قبل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فأمروا أن يعيدوا الذبح. (ق) عن البراء بن عازب قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل أن يصلي فإنما هو لحم عجله لأهله ليس من النسك في شي ء) زاد الترمذي في أوله : قال خطبنا النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يوم النحر وذكر الحديث. وروي عن عائشة أنه في النهي عن صوم يوم الشك أي لا تصوموا قبل نبيكم عن عمار بن ياسر قال : (من صام في اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلّى اللّه عليه وسلّم) أخرجه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح. وقيل في سبب نزول هذه الآية : ما روي عن عبد اللّه بن الزبير أنه قدم وفد من بني تميم على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال أبو بكر : أمر القعقاع بن معبد بن زرارة. وقال عمر : بل أمر الأقرع بن حابس. قال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي. وقال عمر : ما أردت خلافك ، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزل في ذلك يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ حتى انقضت زاد في رواية فما كان عمر يسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد هذه حتى يستفهمه أخرجه البخاري. وقيل : نزلت الآية في ناس كانوا يقولون : لو نزل في كذا أو صنع كذا وكذا ، فكره اللّه ذلك وقيل في معنى الآية لا تفتئتوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بشيء حتى يقضيه اللّه على لسانه. وقيل في القتال وشرائع الدين : لا تقضوا أمرا من دون اللّه ورسوله وَاتَّقُوا اللَّهَ أي في تضييع حقه بمخالفة أمره إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ أي لأقوالكم عَلِيمٌ أي بأفعالكم. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٢) ٢قوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ أي لا تجعلوا كلامكم مرتفعا على كلام النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في الخطاب وذلك ، لأن رفع الصوت دليل على قلة الاحتشام وترك الاحترام. وقوله : لا تقدموا نهي عن فعل وقوله لا ترفعوا أصواتكم نهي عن قول وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أمرهم أن يبجلوه ويفخموه ويعظموه ولا يرفعوا أصواتهم عنده ولا ينادوه كما ينادي بعضهم بعضا فيقول يا محمد بل يقولون يا رسول اللّه يا نبي اللّه أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ أي لئلا تحبط. وقيل : مخافة أن تحبط حسناتكم وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ أي بذلك. (ق) عن أنس بن مالك قال : لما نزلت هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ الآية جلس ثابت بن قيس في بيته وقال : أنا من أهل النار. واحتبس عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فسأل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم سعد بن معاذ فقال : يا أبا عمرو ما شأن ثابت أيشتكي؟ فقال سعد : إنه لجاري وما علمت له شكوى. قال : فأتاه سعد فذكر له قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال ثابت : أنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأنا من أهل النار فذكر ذلك سعد للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بل هو من أهل الجنة. زاد في رواية : فكنا نراه يمشي بين أظهرنا رجل من أهل الجنة مسلم وللبخاري نحوه. وروي لما نزلت هذه الآية قعد ثابت في الطريق يبكي فمر به عاصم بن عدي فقال : ما يبكيك يا ثابت؟ قال : هذه الآية أتخوف أن تكون أنزلت فيّ وأنا رفيع الصوت على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أخاف أن يحبط عملي وأن أكون من أهل النار. فمضى عاصم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وغلب ثابتا البكاء فأتى امرأته جميلة بنت عبد اللّه بن أبي ابن سلول فقال لها : إذا دخلت بيت فرسي فشدي على الضبة بمسمار فضربتها بمسمار. وقال : لا أخرج حتى يتوفاني اللّه أو يرضى عني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأتى عاصم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبره قال اذهب فادعه فجاء عاصم إلى المكان الذي رآه فيه فلم يجده فجاء إلى أهله فوجده في بيت الفرس. فقال له : إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدعوك فقال اكسر الضبة فأتيا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : ما يبكيك يا ثابت؟ فقال : أنا صيت وأتخوف أن تكون هذه الآية نزلت فيّ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة؟ فقال : رضيت ببشرى اللّه ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم لا أرفع صوتي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أبدا فأنزل اللّه تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣) إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤) ٣٤إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ الآية. قال أنس : فكنا ننظر إلى رجل من أهل الجنة يمشي بين أيدينا فلما كان يوم اليمامة في حرب مسيلمة رأى ثابت من المسلمين بعض انكسار وانهزمت طائفة منهم فقال : أف لهؤلاء. ثم قال ثابت لسالم مولى أبي حذيفة : ما كنا نقاتل أعداء اللّه مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مثل هذا ثم ثبتا وقاتلا حتى قتلا واستشهد ثابت وعليه درع فرآه رجل من الصحابة بعد موته في المنام وأنه قال له : اعلم أن فلانا رجلا من المسلمين نزع درعي فذهب به وهو في ناحية من المعسكر عند فرس يستن في طيله وقد وضع على درعي برمته فأت خالد بن الوليد فأخبره حتى يسترد درعي وأت أبا بكر خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقل له : إن علي دينا حتى يقضيه عني وفلان من رقيقي عتيق فأخبر الرجل خالدا فوجد الدرع والفرس على ما وصفه فاسترد الدرع وأخبر خالد أبا بكر بتلك الرؤيا فأجاز أبو بكر وصيته قال مالك بن أنس : لا أعلم وصية أجيزت بعد موت صاحبها إلا هذه. قال أبو هريرة وابن عباس : لما نزلت هذه الآية كان أبو بكر لا يكلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلا كأخي السرار. وقال ابن الزبير : لما نزلت هذه الآية ما حدث عمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بعد ذلك فسمع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كلامه حتى يستفهمه مما يخفض صوته فأنزل اللّه تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أي يخفضون أصواتهم عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أي إجلالا له وتعظيما أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى أي اختبرها وأخلصها كما يمتحن الذهب بالنار ليخرج خالصه لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ قوله عز وجل : إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ. قال ابن عباس : بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سرية إلى بني العنبر وأمر عليهم عيينة بن حصن الفزاري فلما علموا أنه توجه نحوهم ، هربوا وتركوا عيالهم ، فسباهم عيينة وقدم بهم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فجاءه بعد ذلك رجالهم يفدون الذراري فقدموا وقت الظهيرة ووافقوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قائما في أهله ، فلما رأتهم الذراري أجهشوا إلى آبائهم يبكون وكان لكل امرأة من نساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حجرة فعجلوا قبل أن يخرج إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فجعلوا ينادون : يا محمد اخرج إلينا. حتى أيقظوه من نومه فخرج إليهم ، فقالوا : يا محمد فادنا عيالنا فنزل جبريل عليه السلام فقال : إن اللّه تعالى يأمرك أن تجعل بينك وبينهم رجلا. فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أترضون أن يكون بيني وبينكم سبرة بن عمرو وهو على دينكم؟ قالوا : نعم. قال سبرة : أنا لا أحكم إلا وعمي شاهد وهو الأعور بن بشامة ، فرضوا به ، فقال الأعور : أرى أن تفادي نصفهم وتعتق نصفهم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : قد رضيت. ففادى نصفهم ، وأعتق نصفهم فأنزل اللّه عز وجل : إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وصفهم بالجهل وقلة العقل. وقيل في معنى الآية : أكثرهم إشارة إلى من يرجع منهم عن ذلك الأمر ومن لا يرجع فيستمر على حاله وهم الأكثر. وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) ٥وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ فيه بيان لحسن الأدب وهو خلاف ما جاءوا به من سوء الأدب وطلب العجلة في الخروج لَكانَ خَيْراً لَهُمْ أي الصبر لأنك كنت تعتقهم جميعا وتطلقهم بلا فداء. وقيل : لكان حسن الأدب في طاعة اللّه وطاعة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم خيرا لهم : وقيل : نزلت الآية في ناس من أعراب تميم وكأن فيهم الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن والزبرقان بن بدر فنادوا على الباب. ويروى ذلك عن جابر قال : جاءت بنو تميم فنادوا على الباب فقالوا : يا محمد اخرج علينا فإن مدحنا زين وذمنا شين فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يقول : إنما ذلكم اللّه الذي مدحه زين وذمه شين قالوا نحن ناس من تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا جئنا نشاعرك ونفاخرك فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : ما بالشعر بعثت ولا بالفخر أمرت ، ولكن هاتوا. فقام منهم شاب فذكر فضله وفضل قومه فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لثابت بن قيس بن شماس ، وكان خطيب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : قم فأجبه. فقام فأجابه وقام شاعرهم فذكر أبياتا فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لحسان بن ثابت : أجبه. فأجابه فقام الأقرع بن حابس فقال : إن محمد المؤتى له تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولا وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أحسن شعرا وقولا ثم دنا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال : أشهد أن لا إله إلا اللّه وأنك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : ما يضرك ما كان قبل هذا. ثم أعطاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكساهم وقد كان تخلف في ركابهم عمرو بن الأهتم لحداثة سنه فأعطاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مثل ما أعطاهم فأزرى به بعضهم وارتفعت الأصوات وكثر اللغط عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فنزل فيهم : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ الآيات إلى قوله وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي لمن تاب منهم. وقال زيد بن أرقم : جاء ناس من العرب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : وقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى هذا الرجل فإن يكن نبيا فنحن أسعد الناس به ، وإن يكن ملكا نعش في جنابه فجاؤوا فجعلوا ينادونه : يا محمد يا محمد فأنزل اللّه هذه الآيات. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨) وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) ٦٩قوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى بني المصطلق بعد الوقعة مصدقا وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية ، فلما سمع به القوم تلقوه تعظيما لأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله ، فهابهم فرجع من الطريق إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقال : إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي فغضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهم أن يغزوهم فبلغ القوم رجوع الوليد فأتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقالوا : يا رسول اللّه سمعنا برسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي له ما قبلناه من حق اللّه فبدا له الرجوع فخشينا أنه إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا وإنا نعوذ باللّه من غضب اللّه وغضب رسوله فاتهمهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبعث خالد بن الوليد خفية في عسكر وأمره أن يخفي عليهم قدومه ، وقال : انظر فإن رأيت منهم ما يدل على إيمانهم فخذ منهم زكاة أموالهم وإن لم تر ذلك ، فاستعمل فيهم ما تستعمل في الكفار ففعل ذلك خالد. فوافاهم فسمع منهم أذان المغرب والعشاء فأخذ منهم صدقاتهم ولم ير منهم إلا الطاعة والخير فانصرف إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأخبره الخبر فأنزل اللّه تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ يعني الوليد بن عقبة. وقيل : هو عام نزلت لبيان التثبت وترك الاعتماد على قول الفاسق وهو أولى من حكم الآية على رجل بعينه ، لأن الفسوق خروج عن الحق ولا يظن بالوليد ذلك إلا أنه ظن وتوهم فأخطأ ، فعلى هذا يكون معنى الآية : إن جاءكم فاسق بنبإ ، أي بخبر ، فتبينوا. وقرئ : فتثبتوا ، أي : فتوقفوا واطلبوا بيان الأمر وانكشاف الحقيقة ولا تعتمدوا على قول الفاسق أَنْ تُصِيبُوا أي كيلا تصيبوا بالقتل والسبي قَوْماً بِجَهالَةٍ أي جاهلين حاله وحقيقة أمرهم فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ أي من إصابتكم بالخطإ نادِمِينَ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ أي : فاتقوا اللّه أن تقولوا باطلا أو تكذبوه فإن اللّه يخبره ويعرفه حالكم فتفتضحوا لَوْ يُطِيعُكُمْ أي الرسول فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ أي مما تخبرونه به فيحكم برأيكم لَعَنِتُّمْ أي لأثمتم وهلكتم عن أبي سعيد الخدري (أنه قرأ واعلموا أن فيكم رسول اللّه لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم قال : هذا نبيكم يوحى إليه وخيار أئمتكم لو أطاعهم في كثير من الأمر لعنتوا فكيف بكم اليوم) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ أي جعله أحب الأديان إليكم وَزَيَّنَهُ أي حسنه وقربه منكم وأدخله فِي قُلُوبِكُمْ حتى اخترتموه لأن من أحب شيئا إذا طال عليه قد يسأم منه والإيمان في كل يوم يزداد في القلب حسنا وثباتا وبذلك تطيعون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ قال ابن عباس : يريد الكذب وَالْعِصْيانَ جميع معاصي اللّه تعالى وفي هذه لطيفة ، وهو أن اللّه تعالى ذكر هذه الثلاثة الأشياء في مقابلة الإيمان الكامل المزين في القلب المحبب إليه. والإيمان الكامل : ما اجتمع فيه ثلاثة أمور : تصديق بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان. فقوله : وكره إليكم الكفر في مقابله. قوله : حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وهو التصديق بالجنان والفسوق وهو الكذب في مقابلة الإقرار باللسان فكره إلى عبده المؤمن الكذب وهو الجحود وحبب إليه الإقرار بشهادة الحق والصدق وهو : لا إله إلا اللّه. والعصيان في مقابلة العمل بالأركان فكره إليه العصيان وحبب إليه العمل الصالح بالأركان ثم قال تعالى : أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ إشارة إلى المؤمنين المحبب إليهم الإيمان المزين في قلوبهم أي : أولئك هم المهتدون إلى محاسن الأعمال ومكارم الأخلاق فَضْلًا مِنَ اللَّهِ أي فعل ذلك بكم فضلا منه وَنِعْمَةً عليكم وَاللَّهُ عَلِيمٌ أي بكم وبما في قلوبكم حَكِيمٌ في أمره بما تقتضيه الحكمة وقيل عليم بما في خزائنه من الخير والرحمة والفضل والنعمة حكيم بما ينزل من الخير بقدر الحاجة إليه على وفق الحكم. قوله عز وجل : وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا. (ق) عن أنس قال : قيل للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم لو أتيت عبد اللّه بن أبيّ. فانطلق إليه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فركب حمارا وانطلق المسلمون يمشون معه وهي أرض سبخة ، فلما أتاه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال : إليك عني واللّه لقد آذاني نتن حمارك. فقال رجل من الأنصار : واللّه لحمار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أطيب ريحا منك. فغضب لعبد اللّه رجل من قومه ، فتشاتما ، فغضب لكل واحد منهما أصحابه فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال فبلغنا أنها نزلت فيهم : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما. ويروى أنها لما نزلت قرأها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليهم فأصلحوا وكف بعضهم عن بعض. (ق) عن أسامة بن زيد أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ركب على حمار عليه إكاف تحته قطيفة فدكية وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر قال : فسار حتى مر على مجلس فيه عبد اللّه بن أبي ابن سلول وذلك قبل أن يسلم عبد اللّه بن أبيّ. وإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأصنام واليهود وفي المسلمين عبد اللّه بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد اللّه بن أبيّ أنفه بردائه ثم قال : لا تغيروا علينا. فسلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثم وقف فنزل فدعاهم إلى اللّه تعالى وقرأ عليهم القرآن فقال عبد اللّه بن أبي ابن سلول : أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذونا به في مجالسنا وارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه فقال عبد اللّه بن رواحة : بلى يا رسول اللّه فاغشنا في مجالسنا فإنا نحب ذلك. واستبّ المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون فلم يزل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يخفضهم حتى سكتوا ثم ركب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم دابته. وقال قتادة : نزلت في رجلين من الأنصار كان بينهما مماراة في حق بينهما فقال أحدهما للآخر : لآخذن حقي منك عنوة لكثرة عشيرته ، وإن الآخر دعاه ليحاكمه إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فأبى أن يتبعه فلم يزل الأمر بينهما حتى تدافعوا وتناول بعضهم بعضا بالأيدي والنعال ولم يكن قتال بالسيوف. وقيل : كانت امرأة من الأنصار يقال لها أم زيد تحت رجل وكان بينهما وبين زوجها شيء فرقي بها إلى علية فحبسها فيها ، فبلغ ذلك قومها فجاؤوا وجاء معه قومه ، فاقتتلوا بالأيدي والنعال ، فأنزل اللّه عز وجل : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا. وقيل : المراد من الطائفتين الأوس والخزرج. فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما أي بالدعاء إلى حكم كتاب اللّه والرضا بما فيه لهما وعليهمافَإِنْ بَغَتْ أي تعدت إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى وأبت الإجابة إلى حكم كتاب اللّه فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ أي ترجع إِلى أَمْرِ اللَّهِ أي إلى كتابه الذي جعله حكما بين خلقه. وقيل : ترجع إلى طاعته في الصلح الذي أمر به فَإِنْ فاءَتْ أي رجعت إلى الحق فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ أي الذي يحملهما على الإنصاف والرضا بحكم اللّه وَأَقْسِطُوا أي اعدلوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ أي العادلين. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠) ١٠إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ أي في الدين والولاية ذلك أن الإيمان وقد عقد بين أهله من السبب والقرابة كعقد النسب الملاصق وإن بينهم ما بين الإخوة من النسب والإسلام لهم كالأب قال بعضهم : أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ أي إذا اختلفا واقتتلا وَاتَّقُوا اللَّهَ أي فلا تعصوه ولا تخالفوا أمره لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (ق). عن ابن عمر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه. ومن كان في حاجة أخيه كان اللّه في حاجته. ومن فرّج عن مسلم كربة فرج اللّه بها عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره اللّه تعالى يوم القيامة) واللّه سبحانه وتعالى أعلم بمراده. (فصل في حكم قتال البغاة) قال العلماء : في هاتين الآيتين دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان ، لأن اللّه تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين ويدل عليه ما روي عن علي بن أبي طالب ، وهو القدوة في قتال أهل البغي ، وقد سئل عن أهل الجمل وصفين أمشركون هم؟ فقال : لا إنهم من الشرك فروا. فقيل : أمنافقون هم؟ فقال : لا إن المنافقين لا يذكرون اللّه إلا قليلا. قيل : فما حالهم؟ قال : إخواننا بغوا علينا. والباغي في الشرع : هو الخارج على الإمام العدل فإذا اجتمعت طائفة لهم قوة ومنعة فامتنعوا عن طاعة الإمام العدل بتأويل محتمل ونصبوا لهم إماما فالحكم فيهم أن يبعث إليهم الإمام ويدعوهم إلى طاعته ، فإن أظهروا مظلمة أزالها عنهم وإن لم يذكروا مظلمة وأصروا على البغي قاتلهم الإمام حتى يفيئوا إلى طاعته. ثم الحكم في قتالهم أن لا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم ولا يذفف على جريحهم نادى منادي على يوم الجمل : ألا لا يتبع مدبر ولا يقتل أسير ولا يذفف على جريح ، وهو بذال معجمة ، وهو الإجهاز على الجريح وتحرير قتله وتتميمه. وأتي علي يوم صفين بأسير فقال : لا أقتلك صبرا إني أخاف اللّه رب العالمين. وما أتلفت إحدى الطائفتين على الأخرى في حال القتال من نفس ومال فلا ضمان عليها قال ابن شهاب كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول وأتلف فيها أموال ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم وجرى الحكم عليهم فما رأيته اقتص من أحد ولا أغرم مالا. أما من لم تجتمع فيه هذه الشروط الثلاثة : بأن كانوا جماعة قليلين لا منعة لهم ، أو لم يكن لهم تأويل ، أو لم ينصبوا إماما ، فلا يتعرض لهم إذا لم ينصبوا قتالا ولم يتعرضوا للمسلمين فإن فعلوا ذلك فهم كقطاع الطريق في الحكم. وروي أن عليا سمع رجلا يقول في ناحية المسجد : لا حكم إلا اللّه. فقال علي : كلمة حق أريد بها باطل. لكم علينا ثلاثة : لا نمنعكم مساجد اللّه أن تذكروا فيها اسم اللّه ، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ، ولا نبدؤكم بقتال. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١) ١١قوله عز وجل : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ الآية نزلت في ثلاثة أسباب : السبب الأول : من أولها إلى قوله خيرا منهم. قال ابن عباس : نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وذلك أنه كان في أذنه وقر ، فكان إذا أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقد سبقوه بالمجلس أوسعوا له حتى يجلس إلى جنبه فيسمع ما يقول ، فأقبل ذات يوم وقد فاتته ركعة من صلاة الفجر فلما انصرف النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من الصلاة ، أخذ أصحابه مجالسهم فظل كل رجل بمجلسه فلا يكاد يوسع أحد لأحد وكان الرجل إذا جاء فلم يجد مجلسا قام قائما كما هو فلما فرغ ثابت من الصلاة أقبل نحو رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتخطى رقاب الناس ثم يقول : تفسحوا تفسحوا. فجعلوا يتفسحون له حتى انتهى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبينه وبينه رجل فقال : تفسح. فقال له الرجل : أصبت مجلسا فاجلس. فجلس ثابت خلفه مغضبا ، فلما انجلت الظلمة غمز ثابت الرجل فقال : من هذا؟ قال أنا فلان. قال له ثابت : ابن فلانة وذكر أما له كان يعيّر بها في الجاهلية. فنكس الرجل رأسه واستحيا فأنزل اللّه هذه الآية. وقال الضحاك : نزلت في وفد بني تميم الذين ذكرناهم وكانوا يستهزئون بفقراء أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مثل عمار وخباب وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة لما رأوه من رثاثة حالهم فأنزل اللّه تعالى يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم. أي : لا يستهزئ غني بفقير ولا مستور عليه ذنبه بمن لم يستر ولا ذو حسب بلئيم وأشباه ذلك مما ينتقصه به ولعله عند اللّه خير منه وهو قوله تعالى : عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ السبب الثاني قوله : وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ أي لا يستهزئ نساء من نساء عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ روي عن أنس أنها نزلت في نساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عيرن أم سلمة بالقصر. وعن ابن عباس : (أنها نزلت في صفية بنت حيي قال لها بعض نساء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : يهودية بنت يهوديين. عن أنس : بلغ صفية أن حفصة قالت بنت يهودي فبكت فدخل عليها النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وهي تبكي فقال : ما يبكيك؟ قالت : قالت لي حفصة إني بنت يهودي فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إنك لابنة نبي وعمك لنبي وإنك لتحت نبي ففيم تفتخر عليك ثم قال : اتقي اللّه يا حفصة) أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح غريب. والسبب الثالث قوله تعالى : وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ عن أبي جبيرة بن الضحاك وهو أخو ثابت بن الضحاك الأنصاري قال : فينا نزلت هذه الآية في بني سلمة (قدم علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة فجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول يا فلان فيقولون مه يا رسول اللّه إنه يغضب من هذا الاسم فأنزل اللّه هذه الآية وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ أخرجه أبو داود وفي الترمذي قال (كان الرجل منا يكون له اسمان وثلاثة فيدعى ببعضها فعسى أن يكره قال فنزلت هذه الآية وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ.) قال الترمذي : حديث حسن. قوله تعالى : ولا تلمزوا أنفسكم أي لا يعيب بعضكم بعضا ولا يطعن بعضكم في بعض. والمراد بالأنفس ، الإخوان هنا. والمعنى : لا تعيبوا إخوانكم من المسلمين لأنهم كأنفسكم ، فإذا عاب عائب أحدا بعيب ، فكأنه عاب نفسه. وقيل : لا يخلو أحد من عيب فإذا عاب غيره فيكون حاملا لذلك على عيبه فكأنه هو العائب لنفسه ولا تنابزوا بالألقاب أي لا تدعوا الإنسان بغير ما سمي به. وقال ابن عباس : التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب عنها فنهي أن يعير بما سلف من عمله. وقيل : هو قول الرجل للرجل يا فاسق يا منافق يا كافر. قيل : كان الرجل اليهودي والنصراني يسلم فيقال له بعد إسلامه : يا يهودي يا نصراني فنهوا عن ذلك. وقيل : هو أن تقول لأخيك يا كلب يا حمار يا خنزير. وقال بعض العلماء : المراد بهذه الألقاب ما يكرهه المنادى به أو يفيد ذما له ، فأما الألقاب التي صارت كالأعلام لأصحابها كالأعمش والأعرج وما أشبه ذلك فلا بأس بها إذا لم يكرهها المدعو بها ، وأما الألقاب التي تكسب حمدا ومدحا تكون حقا وصدقا فلا يكره كما قيل لأبي بكر : عتيق ، ولعمر : الفاروق ، ولعثمان : ذو النورين ولعلي : أبو تراب ولخالد سيف اللّه ونحو ذلك بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ أي بئس الاسم أن تقولوا له يا يهودي أو يا نصراني بعد ما أسلم أو يا فاسق بعد ما تاب وقيل معناه أن من فعل ما نهي عنه من السخرية واللمز والنبز فهو فاسق وبئس الاسم الفسوق بعد الإيمان فلا تفعلوا ذلك فتستحقوا اسم الفسوق وَمَنْ لَمْ يَتُبْ أي من ذلك كله فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ أي : الضارون لأنفسهم بمعصيتهم ومخالفتهم. وقيل : ظلموا الذين قالوا لهم ذلك. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢) ١٢قوله عز وجل : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ قيل : نزلت في رجلين اغتابا رفيقهما وذلك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا غزا أو سافر ضم الرجل المحتاج إلى رجلين موسرين يخدمهما ويتقدمهما إلى المنزل فيهيئ لهما ما يصلحهما من الطعام والشراب فضم سلمان الفارسي إلى رجلين في بعض أسفاره ، فتقدم سلمان إلى المنزل فغلبته عيناه فنام ولم يهيئ شيئا لهما فلما قدما قالا له : ما صنعت شيئا. قال : لا غلبتني عيناي فنمت قالا له : انطلق إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فاطلب لنا منه طعاما فجاء سلمان إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وسأله طعاما فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم انطلق إلى أسامة بن زيد وقل له : إن كان عنده فضل طعام وأدم فليعطك وكان أسامة خازن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعلى رحله فأتاه فقال ما عندي شيء فرجع سلمان إليهما فأخبرهما فقالا كان عند أسامة طعام ولكن بخل فبعثا سلمان إلى طائفة من الصحابة فلم يجد عندهم شيئا فلما رجع قالا : لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها ثم انطلقا يتجسسان هل عند أسامة ما أمر لهما به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلما جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لهما : ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما؟ قالا : واللّه يا رسول اللّه ما تناولنا يومنا هذا لحما. قال : ظللتما تأكلان لحم سلمان وأسامة فأنزل اللّه عز وجل : يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن يعني أن يظن بأهل الخير سوءا فنهى اللّه المؤمن أن يظن بأخيه المؤمن شرا وقيل هو أن يسمع من أخيه المسلم كلاما لا يريد به سوءا أو يدخل مدخلا لا يريد به سوءا فيراه أخوه المسلم فيظن شرا لأن بعض الفعل قد يكون في الصورة قبيحا وفي نفس الأمر لا يكون كذلك لجواز أن يكون فاعله ساهيا أو يكون الرائي مخطئا فأما أهل السوء والفسق المجاهرون بذلك فلنا أن نظن فيهم مثل الذي يظهر منهم إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ. قال سفيان الثوري : الظن ظنان : أحدهما : إثم ، وهو أن يظن ويتكلم به والآخر ليس بإثم وهو أن يظن ولا يتكلم به. وقيل : الظن أنواع فمنه واجب ومأمور به وهو الظن الحسن باللّه عز وجل ومنه مندوب إليه وهو الظن الحسن بالأخ المسلم الظاهر العدالة ومنه حرام محظور وهو سوء الظن باللّه عز وجل وسوء الظن بالأخ المسلم وَلا تَجَسَّسُوا أي لا تبحثوا عن عيوب الناس نهى اللّه عن البحث عن المستور من أمور الناس وتتبع عوراتهم حتى يظهر على ما ستره اللّه منها (ق). عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد اللّه إخوانا كما أمركم المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى هاهنا التقوى هاهنا ويشير إلى صدره التقوى هاهنا. التقوى هاهنا بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله إن اللّه لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم وأعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم) التجسس بالجيم التفتيش عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر ومنه الجاسوس وبالحاء هو الاستماع إلى حديث الغير. وقيل : معناهما واحد وهو طلب الأخبار. وقوله : ولا تنافسوا أي لا ترغبوا فيما يرغب فيه الغير من أسباب الدنيا وحظوظها والحسد تمني زوال النعمة عن صاحبها. قوله : ولا تدابروا أي لا يعطي كل واحد منكم أخاه دبره وقفاه فيعرض عنه ويهجره. عن ابن عمر قال : (صعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المنبر فنادى بصوت رفيع يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عن عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع اللّه عورته ومن يتبع اللّه عورته يفضحه ولو في جوف رحله). قال نافع : ونظر ابن عمر يوما إلى الكعبة فقال : ما أعظمك وأعظم حرمتك. والمؤمن أعظم حرمة عند اللّه منك أخرجه الترمذي. وقال : حديث حسن غريب عن زيد بن وهب. قال : أتى ابن مسعود فقيل له : هذا فلان تقطر لحيته خمرا. فقال عبد اللّه : إنا قد نهينا عن التجسس ولكن إن يظهر إلينا شيء نأخذ به أخرجه أبو داود وله عن عقبة بن عامر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة) (م) عن أبي هريرة أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره اللّه يوم القيامة). قوله تعالى : وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أي لا يتناول بعضكم بظهر الغيب بما يسوءه مما هو فيه. عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (أ تدرون ما الغيبة؟ قلت اللّه ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره قلت وإن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه قد بهته). أخرجه مسلم عن عائشة قالت : (قلت للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم حسبك من صفية كذا وكذا قال بعض الرواة تعني قصيرة فقال لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته قالت وحكيت له إنسانا فقال ما أحب أني حكيت إنسانا وإن لي كذا وكذا) أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح ، قوله : لمزجته أي خالطته مخالطة يتغير بها طعمه وريحه لشدة نتنها وقبحها وهذا الحديث من أبلغ الزواجر عن الغيبة. قوله تعالى : أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ قال مجاهد : لما قيل أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا قالوا لا قيل فكرهتموه أي كما كرهتم هذا فاجتنبوا ذكره بسوء غالبا قيل تأويله إن ذكرك من لم يحضرك بسوء بمنزلة أكل لحمه وهو ميت لأنه لا يحس بذلك وفيه إشارة إلى أن عرض الإنسان كلحمه ودمه لأن الإنسان يتألم قلبه إذا ذكر بسوء كما يتألم جسده إذا قطع لحمه والعرض أشرف من اللحم فإذا لم يحسن من العاقل أكل لحم الناس فترك أعراضهم أولى وقوله لحم أخيه آكد في المنع آكد لأن العدو قد يحمله الغضب على أكل لحم عدوه ، وقوله ميتا أبلغ في الزجر. عن أنس قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم ولحومهم وفي نسخة وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم) أخرجه أبو داود وقال ميمون بن سيار بينا أنا نائم إذا بجيفة زنجي وقائل يقول كل يا عبد اللّه قلت وما آكل؟ قال كل بما اغتبت بعد فلان قلت واللّه ما ذكرت فيه خيرا ولا شرا قال : ولكنك استمعت ورضيت ، فكان ميمون لا يغتاب أحدا ولا يدع أحدا يغتاب أحدا عنده. قوله تعالى : وَاتَّقُوا اللَّهَ أي في أمر الغيبة واجتناب نواهيه إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ قوله عز وجل : يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣) ١٣يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى قال ابن عباس : نزلت في ثابت بن قيس بن شماس. وقوله في الرجل الذي لم يفسح له ابن فلانة فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : من الذاكر فلانة؟ قال ثابت : أنا رسول اللّه قال انظر في وجوه القوم فنظر فقال ما رأيت يا ثابت؟ قال رأيت أبيض وأحمر وأسود قال فإنك لا تفضلهم إلا بالدين والتقوى فنزلت في ثابت هذه الآية ونزل في الذي لم يفسح له يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا الآية. وقيل : لما كان يوم فتح مكة أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بلالا حتى علا على ظهر الكعبة وأذن فقال عتاب بن أسيد الحمد للّه الذي قبض أبي ولم ير هذا اليوم وقال الحارث بن هشام أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا وقال سهيل بن عمرو إن يكره اللّه شيئا يغيره. وقال أبو سفيان : إني لا أقول شيئا أخاف أن يخبره رب السماء فنزل جبريل فأخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بما قالوا وسألهم عما قالوا فأقروا فأنزل اللّه هذه الآية وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والإزراء بالفقراء فقال يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى يعني آدم وحواء. والمعنى : إنكم متساوون في النسب فلا تفاخر لبعض على بعض لكونكم أبناء رجل واحد وامرأة واحدة. وقيل : يحتمل أن يكون المعنى إنا خلقنا كل واحد منكم أيها الموجودون من أب وأم فإن كل واحد منكم خلق كما خلق الآخر سواء فلا وجه للتفاخر والتفاضل في النسب وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً جمع شعب بفتح الشين وهي رؤوس القبائل مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج سموا شعوبا لتشعب القبائل منهم وقيل لتجمعهم وَقَبائِلَ جمع قبيلة وهي دون الشعوب كبكر من ربيعة وتميم من مضر ودون القبائل العمائر واحدتها عمارة بفتح العين وهم كشيبان من بكر ودارم من تميم ودون العمائر البطون واحدتها بطن وهم كبني غالب ولؤي من قريش ودون البطون الأفخاذ واحدتها فخذ وهم كبني هاشم وبني أمية من لؤي ودون الأفخاذ الفصائل واحدتها فصيلة بالصاد المهملة كبني العباس من بني هاشم ثم بعد ذلك العشائر واحدتها عشيرة وليس بعد العشيرة شيء يوصف. وقيل : الشعوب للعجم ، والقبائل : للعرب ، والأسباط : من بني إسرائيل. وقيل : الشعوب الذين لا ينسبون إلى أحد بل ينسبون إلى المدائن والقرى والقبائل الذين ينتسبون إلى آبائهم. لِتَعارَفُوا أي ليعرف بعضكم بعضا في قرب النسب وبعده لا للتفاخر بالأنساب ثم بين الخصلة التي بها يفضل الإنسان على غيره ويكتسب بها الشرف عند اللّه تعالى فقال : إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ قيل : أكرم الكرم التقوى ، وألأم اللؤم الفجور. وقال ابن عباس : كرم الدنيا الغنى وكرم الآخرة التقوى. عن سمرة بن جندب قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (الحسب المال والكرم التقوى) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب (ق). عن أبي هريرة قال : (سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أي الناس أكرم؟ قال أكرمهم عند اللّه أتقاهم قالوا ليس عن هذا نسألك قال فأكرم الناس يوسف نبي اللّه ابن نبي اللّه ابن نبي اللّه ابن خليل اللّه قالوا ليس عن هذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألون؟ قالوا نعم قال فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) فقهوا بضم القاف على المشهور وحكي كسرها ومعناه إذا تعلموا أحكام الشرع عن ابن عمر أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم طاف يوم الفتح على راحلته يستلم الأركان بمحجنه فلما خرج لم يجد مناخا فنزل على أيدي الرجال ثم قام فخطبهم فحمد اللّه وأثنى عليه وقال : الحمد للّه الذي أذهب عنكم غيبة الجاهلية وتكبرها يا أيها الناس إن الناس رجلان بر تقي كريم على اللّه وفاجر شقي هين على اللّه ثم تلا يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ثم قال أقول قولي هذا وأستغفر اللّه لي ولكم) والمحجن عصا محنية الرأس كصولجان وقوله غبية الجاهلية يعني كبرها وفخرها إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ أي بظواهركم ويعلم أنسابكم خَبِيرٌ أي ببواطنكم لا تخفى عليه أسراركم فاجعلوا التقوى زادكم إلى معادكم قيل : التقي هو العالم باللّه المواظب على الوقوف ببابه المتقرب إلى جنابه. وقيل : حد التقوى أن يجتنب العبد المناهي ويأتي بالأوامر والفضائل ولا يغتر ولا يأمن فإن اتفق أن يرتكب منهيا لا يأمن ولا يتكل بل يتبعه بحسنة ويظهر عليه توبة وندامة ومن ارتكب منهيا ولم يتب في الحال واتكل على المهلة وغره طول الأمل فليس بمتق لأن المتقي لم يترك ما أمر به ويترك ما نهي عنه وهو مع ذلك خاش للّه خائف منه لا يشتغل بغير اللّه تعالى فإن التفت لحظة إلى نفسه وأهله وولده جعل ذلك ذنبا واستغفر منه وجدد له توبة جعلنا اللّه وإياكم من المتقين. قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) ١٤قوله تعالى : قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا الآية نزلت في نفر من بني أسد بن خزيمة قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في سنة مجدبة فأظهروا الإسلام ، ولم يكونوا مؤمنين في السر ، فأفسدوا طرق المدينة بالقذرات وأغلوا أسعارها وكانوا يغدون ويروحون إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. ويقولون : أتتك العرب أنفسهم على ظهور رواحلها وجئناك بالأثقال والعيال والذراري ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان ، يمنون على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك ويريدون الصدقة ، ويقولون : أعطنا فأنزل اللّه فيهم هذه الآية. وقيل : نزلت في الأعراب الذين ذكرهم اللّه في سورة الفتح وهم جهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار كانوا يقولون آمنا ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم فلما استنفروا للحديبية تخلفوا عنها فأنزل اللّه عز وجل قالت الأعراب آمنا أي صدقنا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا أي لم تصدقوا بقلوبكم وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا أي استسلمنا وانقدنا مخافة القتل والسبي وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ أخبر أن حقيقة الإيمان هو التصديق بالقلب وأن الإقرار باللسان وإظهار شرائعه بالأبدان لا يكون إيمانا دون التصديق بالقلب والإخلاص. (ق) عن سعد بن أبي وقاص قال : (أعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رهطا وأنا جالس فترك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلا منهم هو أعجبهم إليّ فقلت ما لك عن فلان واللّه إني لأراه مؤمنا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أو مسلما ذكر ذلك سعد ثلاثا وأجابه بمثل ذلك ثم قال إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكب في النار على وجهه). زاد في رواية قال الزهري : (فترى أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل الصالح) لفظ الحميدي اعلم أن الإسلام هو الدخول في السلم وهو الانقياد والطاعة فمن الإسلام ما هو طاعة على الحقيقة باللسان والأبدان والجنان لقوله لإبراهيم عليه السلام : (أسلم قال أسلمت لرب العالمين) ومنه ما هو انقياد باللسان والقلب وذلك قوله : ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم.) وقيل : الإيمان هو التصديق بالقلب مع الثقة وطمأنينة النفس عليه والإسلام هو الدخول في السلم والخروج من أن يكون حربا للمسلمين مع إظهار الشهادتين. فإن قلت : المؤمن والمسلم واحد عند أهل السنة فكيف يفهم ذلك مع هذا القول. قلت بين العام والخاص فرق فالإيمان لا يحصل إلا بالقلب والانقياد قد يحصل بالقلب وقد يحصل باللسان فالإسلام أعم والإيمان أخص لكن العام في صورة الخاص متحد مع الخاص ولا يكون أمرا غيره فالعام والخاص مختلفان في العموم والخصوص متحدان في الوجود فذلك المؤمن والمسلم. وقوله تعالى : وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي ظاهرا وباطنا سرا وعلانية وقال ابن عباس تخلصوا له الإيمان لا يَلِتْكُمْ أي لا ينقصكم مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً أي من ثواب أعمالكم إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ثم بين حقيقة الإيمان فقال تعالى : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨) ١٥١٨إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا أي لم يشكوا في دينهم وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ أي في إيمانهم ولما نزلت هاتان الآيتان أتت الأعراب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحلفون باللّه إنهم مؤمنون صادقون وعرف اللّه منهم غير ذلك فأنزل اللّه عز وجل : قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ أي تخبرون اللّه بدينكم الذي أنتم عليه وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أي لا تخفى عليه خافية وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أي لا يحتاج إلى إخباركم يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا هو قولهم أسلمنا ولم نحاربك يمنون بذلك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فبين بذلك أن إسلامهم لم يكن خالصا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ أي لا تعتدوا عليّ بإسلامكم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ أي للّه المنة عليكم أن أرشدكم وأمدكم بتوفيقه حيث هداكم للإيمان على ما زعمتم وادعيتم وهو قوله تعالى : إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أي إنكم مؤمنون إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي إنه سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء في السموات والأرض فكيف يخفى عليه حالكم بل يعلم سركم وعلانيتكم وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ أي بجوارحكم الظاهرة والباطنة واللّه سبحانه وتعالى أعلم. |
﴿ ٠ ﴾