٢قوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ أي لا تجعلوا كلامكم مرتفعا على كلام النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في الخطاب وذلك ، لأن رفع الصوت دليل على قلة الاحتشام وترك الاحترام. وقوله : لا تقدموا نهي عن فعل وقوله لا ترفعوا أصواتكم نهي عن قول وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أمرهم أن يبجلوه ويفخموه ويعظموه ولا يرفعوا أصواتهم عنده ولا ينادوه كما ينادي بعضهم بعضا فيقول يا محمد بل يقولون يا رسول اللّه يا نبي اللّه أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ أي لئلا تحبط. وقيل : مخافة أن تحبط حسناتكم وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ أي بذلك. (ق) عن أنس بن مالك قال : لما نزلت هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ الآية جلس ثابت بن قيس في بيته وقال : أنا من أهل النار. واحتبس عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فسأل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم سعد بن معاذ فقال : يا أبا عمرو ما شأن ثابت أيشتكي؟ فقال سعد : إنه لجاري وما علمت له شكوى. قال : فأتاه سعد فذكر له قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال ثابت : أنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأنا من أهل النار فذكر ذلك سعد للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بل هو من أهل الجنة. زاد في رواية : فكنا نراه يمشي بين أظهرنا رجل من أهل الجنة مسلم وللبخاري نحوه. وروي لما نزلت هذه الآية قعد ثابت في الطريق يبكي فمر به عاصم بن عدي فقال : ما يبكيك يا ثابت؟ قال : هذه الآية أتخوف أن تكون أنزلت فيّ وأنا رفيع الصوت على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أخاف أن يحبط عملي وأن أكون من أهل النار. فمضى عاصم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وغلب ثابتا البكاء فأتى امرأته جميلة بنت عبد اللّه بن أبي ابن سلول فقال لها : إذا دخلت بيت فرسي فشدي على الضبة بمسمار فضربتها بمسمار. وقال : لا أخرج حتى يتوفاني اللّه أو يرضى عني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأتى عاصم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبره قال اذهب فادعه فجاء عاصم إلى المكان الذي رآه فيه فلم يجده فجاء إلى أهله فوجده في بيت الفرس. فقال له : إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدعوك فقال اكسر الضبة فأتيا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : ما يبكيك يا ثابت؟ فقال : أنا صيت وأتخوف أن تكون هذه الآية نزلت فيّ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة؟ فقال : رضيت ببشرى اللّه ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم لا أرفع صوتي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أبدا فأنزل اللّه تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣) إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤) |
﴿ ٢ ﴾