١١

٢١

فَوَيْلٌ أي شدة عذاب يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ أي يوم القيامة الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ أي يخوضون في الباطل يَلْعَبُونَ أي غافلون لأهون عما يراد بهم يَوْمَ يُدَعُّونَ أي يدفعون إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا يعني دفعا بعنف وجفوة ، وذلك أن خزنة جهنم يغلّون أيدي الكفار إلى أعناقهم ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم ويدفعون بها دفعا إلى النار على وجوههم وزجّا في أقفيتهم حتى يردوا إلى النار ، فإذا دنوا منها ، قال لهم خزنتها : هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ أي في الدنيا أَفَسِحْرٌ هذا ذلك أنهم كانوا ينسبون محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم إلى السحر وأنه يغطي على الأبصار فوبخوا بذلك

وقيل لهم : أفسحر هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ اصْلَوْها أي قاسوا شدتها فَاصْبِرُوا أي على العذاب أَوْ لا تَصْبِرُوا أي عليه سَواءٌ عَلَيْكُمْ أي الصبر والجزع إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي من الكفر والتكذيب في الدنيا.

قوله تعالى : إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ فاكِهِينَ أي معجبين بذلك ناعمين بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ أي من الخير والكرامة وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ كُلُوا أي يقال لهم كلوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً أي مأمون العاقبة من التخمة والسقم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي في الدنيا من الإيمان والطاعة مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ أي موضوعة بعضها إلى بعض وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ يعني ألحقنا أولادهم الصغار والكبار بإيمانهم فالكبار بإيمانهم بأنفسهم والصغار بإيمان آبائهم فإن الولد الصغير يحكم بإسلامه تبعا لأحد أبويه أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ يعني المؤمنين في الجنة بدرجات آبائهم وإن لم يبلغوا بأعمالهم درجات آبائهم تكرمة لآبائهم لتقر بذلك أعينهم هذه رواية عن ابن عباس.

وفي رواية أخرى عنه ، أن معنى الآية والذين آمنوا واتبعناهم ذرياتهم يعني البالغين بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم الصغار الذين لم يبلغوا الإيمان بإيمان آبائهم أخبر اللّه تعالى أنه

يجمع لعبده المؤمن من ذريته في الجنة كما كان يحب في الدنيا أن يجتمعوا إليه فيدخلهم الجنة بفضله ويلحقهم بدرجته بعمله من غير أن ينقص الآباء من أعمالهم شيئا وذلك

قوله تعالى : وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يعني : وما نقصنا الآباء من أعمالهم شيئا عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه ثم قرأ والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم إلى آخر الآية.

عن علي قال : (سألت خديجة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عن ولدين ماتا لها في الجاهلية فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هما في النار فلما رأى الكراهية في وجهها قال : لو رأيت مكانهما لأبغضتهما قالت يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فولدي منك قال : في الجنة ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إن المؤمنين وأولادهم في الجنة وإن المشركين وأولادهم في النار ثم قرأ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم) أخرج هذين الحديثين البغوي بإسناد الثعلبي.

كُلُّ امْرِئٍ أي كافر بِما كَسَبَ أي عمل من الشرك رَهِينٌ أي مرتهن بعمله في النار والمؤمن لا يكون مرتهنا بعمله لقوله (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين) ثم ذكر ما وعدهم به من الخير والنعمة

فقال تعالى :

وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣)

وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ يعني زيادة عما كان لهم وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ أي من أنواع اللحوم يَتَنازَعُونَ أي يتعاطون ويتناولون فِيها أي في الجنة كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها أي لا باطل فيها ولا رفث ولا تخاصم ولا تذهب عقولهم فيلغوا ويرفثوا وَلا تَأْثِيمٌ أي لا يكون فيها ما يؤثمهم ولا يجري بينهم ما فيه لغو وإثم كما يجري بين شربة الخمر في الدنيا.

وقيل : لا يأثمون في شربها.

وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٥) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨)

فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠)

﴿ ١٢