سورة القمر

(مكية وهي خمس وخمسون آية وثلاثمائة واثنتان وأربعون كلمة وألف وأربعمائة وثلاثون وعشرون حرفا)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣)

١

٣

قوله عز وجل : اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ أي دنت القيامة وَانْشَقَّ الْقَمَرُ قيل : فيه تقديم وتأخير تقديره انشق القمر واقتربت الساعة وانشقاق القمر من آيات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الظاهرة ومعجزاته يدل عليه ما روي عن أنس : (أن أهل مكة سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين).

أخرجه البخاري ومسلم. وزاد الترمذي فنزلت اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ إلى قوله سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ولهما عن ابن مسعود. قال : (انشق القمر على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شقتين فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اشهدوا)

وفي رواية أخرى قال : (بينما نحن مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمنى إذ انفلق القمر فلقتين ، فلقة فوق الجبل ، وفلقة دونه. فقال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (اشهدوا) ولهما عن ابن عباس قال : (إن القمر انشق في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم)

(م) عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال : (انشق القمر على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلقتين فستر الجبل فلقة وكانت فلقة فوق الجبل فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : اشهدوا) وعن جبير بن مطعم قال : (انشق القمر على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فصار فرقتين فقالت قريش سحر محمد أعيننا ، فقال بعضهم لئن كان سحرنا ما يستطيع أن يسحر الناس كلهم) أخرجه الترمذي وزاد غيره فكانوا يتلقون الركبان فيخبرونهم بأنهم قد رأوه فيكذبونهم.

قال مقاتل : انشق القمر ثم التأم بعد ذلك.

وروى مسروق عن عبد اللّه بن مسعود قال : انشق القمر على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت قريش : سحركم ابن أبي كبشة فسألوا السفارة فقالوا : نعم. قد رأيناه فأنزل اللّه تعالى :

اقتربت الساعة وانشق القمر. فهذه الأحاديث الصحيحة قد وردت بهذه المعجزة العظيمة ، مع شهادة القرآن المجيد بذلك فإنه أدل دليل وأقوى مثبت له وإمكانه لا يشك فيه مؤمن وقد أخبر عنه الصادق فيجب الإيمان به واعتقاد وقوعه.

وقال الشيخ محيي الدين النووي في شرح صحيح مسلم ، قال الزجاج : وقد أنكرها بعض المبتدعة المضاهين المخالفي الملة وذلك لما أعمى اللّه قلبه ولا إنكار للعقل فيها لأن القمر مخلوق للّه تعالى يفعل فيه ما يشاء كما يفنيه ويكوره في آخر أمره. فأما قول بعض الملاحدة لو وقع هذا النقل متواترا واشترك أهل الأرض كلهم في رؤيتهم له ومعرفته ولم يختص بها أهل مكة فأجاب العلماء عن هذا بأن هذا الانشقاق حصل في الليل ومعظم الناس نيام غافلون والأبواب مغلقة وهم مغطون بثيابهم فقل من يتفكر في السماء أو ينظر إليها إلا الشاذ

النادر. ومما هو مشاهد معتاد أن كسوف القمر وغيره مما يحدث في السماء في الليل من العجائب والأنوار والطوالع والشهب العظام ونحو ذلك يقع ولا يتحدث به إلا آحاد الناس ولا علم عند غيرهم بذلك لما ذكرناه من غفلة الناس. وكان هذا الانشقاق آية عظيمة حصلت في الليل لقوم سألوها واقترحوا رؤيتها ، فلم يتأهب غيرهم لها.

قال العلماء : وقد يكون القمر حينئذ في بعض المجاري والمنازل التي تظهر لبعض أهل الآفاق دون بعض كما يكون ظاهرا لقوم غائبا عن قوم وكما يجد الكسوف أهل بلد دون بلد واللّه أعلم

وقيل في معنى الآية ينشق القمر يوم القيامة وهذا قول باطل لا يصح وشاذ لا يثبت لإجماع المفسرين على خلافه ولأن اللّه ذكره بلفظ الماضي وحمل الماضي على المستقبل بعيد يفتقر إلى قرينة تنقله أو دليل يدل عليه وفي

قوله تعالى : وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا دليل على وجود هذه الآية العظيمة وقد كان ذلك في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمعنى : وإن يروا آية أي تدل على صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، والمراد بالآية هنا انشقاق القمر يعرضوا أي عن التصديق بها وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ أي دائم مضطرد.

وكل شيء دام حاله قيل فيه : مستمر.

وذلك لما رأوا تتابع المعجزات وترادف الآيات فقالوا هذا سحر مستمر :

وقيل مستمر أي قوي محكم شديد بعلوه يعلو كل سحر.

قيل : مستمر أي ذاهب سوف يبطل ويذهب ولا يبقى وإنما قالوا ذلك تمنية لأنفسهم وتعليلا وَكَذَّبُوا يعني النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وما عاينوا من قدرة اللّه وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ أي ما زين لهم الشيطان من الباطل

وقيل : هو قولهم إنه سحر القمر وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ أي لكل أمر حقيقة فما كان منه في الدنيا فسيظهر وما كان منه في الآخرة فسيعرف.

وقيل : كل أمر مستقر. فالخير مستقر بأهله في الجنة ، والشر مستقر بأهله في النار ،

وقيل : يستقر قول المصدقين والمكذبين حين يعرفون حقيقته بالثواب أو العقاب.

وقيل : معناه لكل حديث منتهى.

وقيل : ما قدر فهو كائن وواقع لا محالة.

وقيل : هو جواب قولهم سحر مستمر يعني ليس أمره بذاهب كما زعمتم بل كل أمر من أموره مستقر وإن أمر محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سيظهر إلى غاية يتبين فيها أنه حق.

وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (٥) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦) خُشَّعاًأَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (٧)

﴿ ١