سورة الواقعة

(مكية وهي سبع وتسعون آية وثلاثمائة وثمان وسبعون كلمة وألف وسبعمائة وثلاثة أحرف) روى البغوي بسنده عن أبي ظبية عن عبد اللّه بن مسعود قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول (من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا).

وكان أبو ظبية لا يدعها أبدا ، وأخرجه ابن الأثير في كتابه جامع الأصول لم يعزه ، واللّه تعالى أعلم.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤)

وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (٧) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨)

١

٨

قوله عز وجل : إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ يعني إذا قامت القيامة

وقيل إذا نزلت صيحة القيامة وهي النفخة الأخيرة

وقيل الواقعة اسم للقيامة كالآزفة ، لَيْسَ لِوَقْعَتِها يعني لمجيئها كاذِبَةٌ يعني ليس لها كذب والمعنى أنها تقع حقا وصدقا

وقيل معناه ليس لوقعتها قصة كاذبة أي كل ما أخبر اللّه عنها وقص من خبرها قصة صادقة غير كاذبة

وقيل معناه ليس لوقعتها نفس كاذبة أي إن كل من يخبر عن وقوعها صادق غير كاذب لم تكذب نفس أخبرت عن وقوعها ، خافِضَةٌ رافِعَةٌ أي تخفض أقواما إلى النار وترفع أقواما إلى الجنة وقال ابن عباس تخفض أقواما كانوا في الدنيا مرتفعين وترفع أقواما كانوا في الدنيا مستضعفين

وقيل تخفض أقواما بالمعصية وترفع أقواما بالطاعة ، إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا أي إذا حركت وزلزلت زلزالا وذلك أن اللّه عز وجل إذا أوحى إليها اضطربت فرقا وخوفا قال المفسرون ترج كما يرج الصبي في المهد حتى ينهدم كل بناء عليها وينكسر كل ما فيها من جبال وغيرها وهو

قوله تعالى : وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا أي فتتت حتى صارت كالدقيق المبسوس وهو المبلول

وقيل صارت كثيبا مهبلا بعد أن كانت شامخة

وقيل معناه قلعت من أصلها وسيرت على وجه الأرض حتى ذهب بها فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا أي غبارا متفرقا كالذي يرى في شعاع الشمس إذا دخل الكوة وهو الهباء ، وَكُنْتُمْ أَزْواجاً أي أصنافا ثَلاثَةً ثم فسر الأزواج

فقال تعالى : فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ يعني أصحاب اليمين.

والميمنة ناحية اليمين وهم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة وقال ابن عباس هم الذين كانوا على يمين آدم حين أخرجت الذرية من صلبه وقال اللّه تعالى : (هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي)

وقيل هم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم

وقيل هم الذين كانوا ميامين أي مباركين على أنفسهم وكانت أعمالهم صالحة في طاعة اللّه وهم التابعون بإحسان ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ تعجيب من حالهم في السعادة. والمعنى أي شيء هم.

وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (٩) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣)

وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦)

٩

١٦

وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ يعني أصحاب الشمال وهم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار وقال ابن عباس هم الذين كانوا على شمال آدم عند إخراج الذرية وقال اللّه تعالى لهم : (هؤلاء إلى النار ولا أبالي)

وقيل هم الذين يؤتون كتبهم بشمائلهم

وقيل هم المشائيم على أنفسهم وكانت أعمالهم في المعاصي لأن العرب تسمي اليد اليسرى الشؤمى ، وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ قال ابن عباس هم السابقون إلى الهجرة السابقون في الآخرة إلى الجنة

وقيل هم السابقون إلى الإسلام

وقيل هم الذين صلوا إلى القبلتين من المهاجرين والأنصار

وقيل هم السابقون إلى الصلوات الخمس

وقيل إلى الجهاد

وقيل هم المسارعون إلى التوبة وإلى ما دعا اللّه إليه من أعمال البر والخير

وقيل هم أهل القرآن المتوجون يوم القيامة.

فإن قلت لم أخر ذكر السابقين وكانوا أولى بالتقديم عن أصحاب اليمين.

قلت فيه لطيفة وذلك أن اللّه تعالى ذكر في أول السورة من الأمور الهائلة عند قيام الساعة تخويفا لعباده فإما محسن فيزداد رغبة في الثواب

وإما مسيء فيرجع عن إساءته خوفا من العقاب فلذلك قدم أصحاب اليمين ليسمعوا ويرغبوا ثم ذكر أصحاب الشمال ليرهبوا ثم ذكر السابقين وهم الذين لا يحزنهم الفزع الأكبر ليجتهد أصحاب اليمين في القرب من جهنم ثم أثنى على السابقين

فقال تعالى : أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ يعني من اللّه في جواره وفي ظل عرشه ودار كرامته وهو قوله : فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ

قوله تعالى : ثُلَّةٌ أي جماعة غير محصورة العدد ، مِنَ الْأَوَّلِينَ يعني من الأمم الماضية من لدن آدم إلى زمن نبينا وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ يعني من هذه الأمة وذلك لأن الذين عاينوا جميع الأنبياء وصدقوهم من الأمم الماضية أكثر ممن عاين النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وآمن به

وقيل إن الأولين هم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم

وقيل من الآخرين أي ممن جاء بعدهم من الصحابة ، عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ أي منسوجة من الذهب والجوهر

وقيل موضونة يعني مصفوفة مُتَّكِئِينَ عَلَيْها أي على السرر مُتَقابِلِينَ يعني لا ينظر بعضهم في قفا بعض وصفوا بحسن العشرة في المجالسة

وقيل لأنهم صاروا أرواحا نورانية صافية ليس لهم أدبار وظهور.

يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١)

وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣)

١٧

٢٣

يَطُوفُ عَلَيْهِمْ أي للخدمة وِلْدانٌ أي غلمان مُخَلَّدُونَ لا يموتون ولا يهرمون ولا يتغيرون ولا ينتقلون من حالة إلى حالة

وقيل مخلدون مفرطون والخلد القرط وهو الحلقة تعلق في الأذن واختلفوا في هؤلاء الولدان فقيل هم أولاد المؤمنين الذين ماتوا أطفالا وفيه ضعف لأن اللّه أخبر أنه يلحقهم بآبائهم ولأن من المؤمنين من لا ولد له فلو خدمه ولد غيره كان منقصة بأبي الخادم

وقيل هم صغار الكفار الذين ماتوا قبل التكليف وهذا القول أقرب من الأول لأنه قد اختلف في أولاد المشركين على ثلاثة مذاهب فقال الأكثرون هم في النار تبعا لآبائهم وتوقف فيهم طائفة والمذهب الثالث وهو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون أنهم من أهل الجنة ولكل مذهب دليل ليس هذا موضعه ،

وقيل هم أطفال ماتوا لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيئات فيعاقبوا عليها ومن قال بهذه الأقوال يعلل بأن الجنة ليس فيها ولادة والقول الصحيح الذي لا معدل عنه إن شاء اللّه إنهم ولدان خلقوا في الجنة لخدمة أهل الجنة كالحور وإن لم يولدوا ولم يحصلوا عن ولادة أطلق عليهم اسم الولدان لأن العرب تسمي الغلام وليدا ما لم يحتلم والأمة وليدة وإن أسنت ، بِأَكْوابٍ جمع كوب وهي الأقداح المستديرة الأفواه لا آذان لها ولا عرا وَأَبارِيقَ جمع إبريق وهي ذوات الخراطيم والعرا سميت أباريق

لبريق لونها من الصفاء

وقيل لأنها يرى باطنها كما يرى ظاهرها ، وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ أي من خمرة جارية لا يُصَدَّعُونَ عَنْها أي لا تصدع رؤوسهم من شربها وعنها كناية عن الكأس

وقيل لا يتفرقون عنها وَلا يُنْزِفُونَ أي لا يغلب على عقولهم ولا يسكرون منها وقرئ بكسر الزاي ومعناه لا ينفد شرابهم ، وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ أي يأخذون خيارها وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ قال ابن عباس يخطر على قلبه لحم الطير فيطير ممثلا بين يديه على ما اشتهى

وقيل إنه يقع على صحفة الرجل فيأكل منه ما يشتهي ثم يطير.

فإن قلت هل في تخصيص الفاكهة بالتخير واللحم بالاشتهاء بلاغة؟.

قلت نعم وكيف لا وفي كل حرف من حروف القرآن بلاغة وفصاحة والذي يظهر فيه أن اللحم والفاكهة إذا حضرا عند الجائع تميل نفسه إلى اللحم وإذا حضرا عند الشبعان تميل نفسه إلى الفاكهة فالجائع مشته والشبعان غير مشته بل هو مختار وأهل الجنة إنما يأكلون لا من جوع بل للتفكه فميلهم إلى الفاكهة أكثر فيتخيرنها ولهذا ذكرت في مواضع كثيرة من القرآن بخلاف اللحم وإذا اشتهاه حضر بين يديه على ما يشتهيه فتميل نفسه إليه أدنى ميل ولهذا قدم الفاكهة على اللحم واللّه أعلم ، وَحُورٌ عِينٌ أي ويطوف عليهم حور عين

وقيل لهم حور عين وجاء في تفسير حور أي بيض عين أي ضخام العيون كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ أي المخزون في الصدف المصون الذي لم تمسه الأيدي ولم تقع عليه الشمس والهواء فيكون في نهاية الصفاء روي (أنه سطع نور في الجنة فقيل ما هذا؟ قيل ضوء ثغر حوراء ضحكت) وروي (أن الحوراء إذا مشت يسمع تقديس الخلاخل من ساقيها وتمجيد الأسورة من ساعديها وإن عقد الياقوت يضحك من نحرها وفي رجليها نعلان من ذهب شراكها من لؤلؤ يصران بالتسبيح).

جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (٢٦) وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨)

وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (٣١)

٢٤

٣١

جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أي فعلنا ذلك بهم جزاء بما كانوا يعملون في الدنيا بطاعتنا لا يَسْمَعُونَ فِيها أي في الجنة ، لَغْواً قيل اللغو ما يرغب عنه من الكلام ويستحق أن يلغى

وقيل هو القبيح من القول والمعنى ليس فيها لغو فيسمع وَلا تَأْثِيماً قيل معناه أن بعضهم لا يقول لبعض أثمت لأنهم لا يتكلمون بما فيه إثم كما يتكلم به أهل الدنيا

وقيل معناه لا يأتون تأثيما أي ما هو سبب التأثيم من قول أو فعل قبيح إِلَّا قِيلًا معناه لكن يقولون قيلا أو يسمعون قيلا سَلاماً سَلاماً يعني يسلم بعضهم على بعض

وقيل تسلم الملائكة عليهم أو يرسل الرب بالسلام إليهم

وقيل معناه أن قولهم يسلم في اللغو.

ثم ذكر أصحاب اليمين وعجب من شأنهم

فقال تعالى : وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ لما بين حال السابقين شرع في بيان حال أصحاب اليمين

فقال تعالى : فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ أي لا شوك فيه كأنه خضد شوكه أي قطع ونزع منه وهذا قول ابن عباس

وقيل هو الموقر حملا قيل ثمرها أعظم من القلال وهو النبق قيل لما نظر المسلمون إلى وج وهو واد مخصب بالطائف فأعجبهم سدره فقالوا ليت لنا مثل هذا فأنزل اللّه هذه الآية وَطَلْحٍ قيل هو الموز عند أكثر المفسرين

وقيل هو شجر له ظل بارد طيب

وقيل هو شجر أم غيلان له شوك ونور طيب الرائحة فخوطبوا ووعدوا بمثل ما يحبون ويعرفون إلا أن فضله على شجر الدنيا كفضل الجنة على الدنيا مَنْضُودٍ أي متراكم قد نضد بالحمل من أوله إلى آخره ليست له سوق بارزة بل من عروقه إلى أغصانه ثمر وليس شيء من ثمر الجنة في غلاف كثمر الدنيا مثل الباقلاء والجوز ونحوهما بل كلها مأكول ومشروب ومشموم ومنظور إليه ، وَظِلٍّ مَمْدُودٍ أي دائم لا تنسخه الشمس كظل أهل الدنيا وذلك لأن الجنة ظل كلها لا

شمس فيها.

(ق) عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة واقرءوا إن شئتم وظل ممدود) وعن ابن عباس في قوله وظل ممدود قال شجرة في الجنة على ساق يخرج إليها أهل الجنة فيتحدثون في أصلها فيشتهي بعضهم لهو الدنيا فيرسل اللّه عز وجل ريحا من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو في الدنيا وَماءٍ مَسْكُوبٍ أي مصبوب يجري دائما في غير أخدود ولا ينقطع.

وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (٣٣) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤) إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦)

٣٢

٣٦

وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ قال ابن عباس لا تنقطع إذا جنيت ولا تمتنع من أحد إذا أراد أخذها

وقيل لا مقطوعة بالأزمان ولا ممنوعة بالأثمان كما تنقطع ثمار الدنيا في الشتاء ولا يوصل إليها إلا بالثمن

وقيل لا يحظر عليها كما يحظر على بساتين الدنيا وجاء في الحديث (ما قطعت ثمرة من ثمار الجنة إلا أبدل اللّه عز وجل مكانها ضعفين) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ قال علي مرفوعة على الأسرة

وقيل بعضها فوق بعض فهي مرفوعة عالية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم (في قوله : وفرش مرفوعة قال ارتفاعها كما بين السماء والأرض ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب قال الترمذي قال بعض أهل العلم معنى هذا الحديث ارتفاعها كما بين السماء والأرض يقول ارتفاع الفرش المرفوعة في الدرجات والدرجات ما بين كل درجتين بين السماء والأرض

وقيل أراد بالفرش النساء والعرب تسمي المرأة فراشا ولباسا على الاستعارة فعلى هذا القول يكون معنى مرفوعة أي رفعن بالفضل والجمال على نساء الدنيا ويدل على هذا التأويل قوله في عقبه ، إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً أي خلقناهن خلقا جديدا قال ابن عباس يعني الآدميات العجائز الشمط يقول خلقناهن بعد الكبر والهرم خلقا آخر ، فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً يعني عذارى.

عن أنس رضي اللّه تعالى عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (إن أنشأناهن إنشاء قال إن من المنشآت اللاتي كن في الدنيا عجائز عمشا رمصا) أخرجه الترمذي وقال حديث غريب وضعف بعض رواته وروى البغوي بسنده عن الحسن قال (أتت عجوز النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت يا رسول اللّه ادع اللّه أن يدخلني الجنة فقال يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز قال فولت تبكي قال أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز إن اللّه تعالى قال إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً هذا حديث مرسل وروي بإسناد الثعلبي عن أنس بن مالك عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً قال عجائزكن في الدنيا عمشا رمصا فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً وقال المسيب بن شريك هن عجائز الدنيا أنشأهن اللّه بقدرته خلقا جديدا كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكارا

وقيل إنهن فضلن على الحور العين بصلاتهن في الدنيا وقيلهن الحور العين أنشأهن اللّه لم تقع عليهن ولادة فجعلناهن أبكارا عذارى وليس هناك وجع.

عُرُباً أَتْراباً (٣٧) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (٣٨) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠)

٣٧

٤٠

عُرُباً جمع عروب وهي المتحببة إلى زوجها قاله ابن عباس في رواية عنه وعنه أنها الملقة

وقيل الغنجة وعن أسامة بن زيد عن أبيه عربا قال حسان الكلام أَتْراباً يعني أمثالا في الخلق

وقيل مستويات في السن على سن واحد بنات ثلاث وثلاثين ، عن معاذ بن جبل عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال (يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا مكحلين أبناء ثلاثين أو قال ثلاث وثلاثين سنة) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب لِأَصْحابِ الْيَمِينِ يعني أنشأهن لأصحاب اليمين

وقيل هذا الذي ذكرنا لأصحاب اليمين ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ يعني من المؤمنين الذين هم قبل هذه الأمة وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ يعني من مؤمني هذه الأمة يدل عليه ما روى البغوي بإسناد الثعلبي عن عروة بن رويم قال (لما أنزل اللّه عز وجل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين بكى عمر فقال يا نبي اللّه آمنا برسول اللّه وصدقناه ومن ينجو منا قليل فأنزل اللّه عز وجل وثلة من الأولين وثلة من الآخرين فدعا

رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عمر فقال قد أنزل اللّه تعالى فيما قلت فقال رضينا عن ربنا وتصديق نبينا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من آدم إلينا ثلة ومنا إلى يوم القيامة ثلة ولا يستتمها الأسودان من رعاة الإبل ممن قال لا إله إلا اللّه) ،

(ق) عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (عرضت عليّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد إذ رفع إلى سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ثم نهض فدخل منزله فخاض القوم في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قال بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا باللّه وذكروا أشياء فخرج عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال ما الذي تخوضون فيه فأخبروه فقال هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ، فقام عكاشة بن محصن فقال يا رسول اللّه ادع اللّه أن يجعلني منهم فقال أنت منهم فقام رجل آخر فقال يا رسول اللّه ادع اللّه أن يجعلني منهم فقال سبقك بها عكاشة) الرهيط تصغير رهط وهم دون العشرة

وقيل إلى الأربعين.

(ق) عن عبد اللّه بن مسعود قال (كنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قبة نحوا من أربعين فقال أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قلنا نعم قال أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قلنا نعم قال والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة مسلمة وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر) وعن بريدة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال (أهل الجنة عشرون ومائة صف ثمانون منها من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن وذهب جماعة إلى أن الثلثين جميعا من هذه الأمة وهو قول أبي العالية ومجاهد وعطاء بن أبي رباح والضحاك قالوا ثلة من الأولين من سابقي هذه الأمة وثلة من الآخرين من هذه الأمة أيضا في آخر الزمان يدل على ذلك ما روى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس في هذه الآية ثلة من الأولين وثلة من الآخرين قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (هما جميعا من أمتي) وهذا القول هو اختيار الزجاج قال معناه جماعة ممن تبع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وآمن به وعاينه وجماعة ممن آمن به وكان بعده ولم يعاينه.

فإن قلت كيف قال في الآية الأولى وقليل من الآخرين وقال في هذه الآية وثلة من الآخرين؟.

قلت : الآية الأولى في السابقين الأولين وقليل ممن يلحق بهم من الآخرين وهذه الآية في أصحاب اليمين وهم كثيرون من الأولين والآخرين وحكي عن بعضهم أن هذه ناسخة للأولى واستدل بحديث عروة بن رويم ونحوه والقول بالنسخ لا يصح لأن الكلام في الآيتين خبر والخبر لا يدخله النسخ.

قوله تعالى :

وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (٤٤) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥)

وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠)

ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥)

هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (٥٦)

٤١

٥٦

وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ قد تقدم أنه بمعنى التعجب من حالتهم وهم الذين يعطون كتبهم بشمائلهم ثم بين منقلبهم وما أعد لهم من العذاب

فقال تعالى : فِي سَمُومٍ أي في حر النار

وقيل في ريح شديد الحرارة وَحَمِيمٍ أي ماء حار يغلي ، وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ يعني في ظل من دخان شديد السواد قيل إن النار

سواد وأهلها سود وكل شيء فيها أسود

وقيل اليحموم اسم من أسماء النار لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ يعني لا بارد المنزل ولا كريم المنظر وذلك لأن فائدة الظل ترجع إلى أمرين

أحدهما دفع الحر

والثاني حسن المنظر وكون الإنسان فيه مكرما وظل أهل النار بخلاف هذا لأنهم في ظل من دخان أسود حار ، ثم بين بما استحقوا ذلك

فقال تعالى : إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ يعني في الدنيا ، مُتْرَفِينَ يعني منعمين وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ يعني على الذنب الكبير وهو الشرك

وقيل الحنث العظيم اليمين الغموس وذلك أنهم كانوا يحلفون أنهم لا يبعثون وكذبوا في ذلك يدل عليه سياق الآية وهو

قوله تعالى : وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ فرد اللّه تعالى عليهم بقوله قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يعني الآباء والأبناء ، لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ يعني أنهم يجمعون ويحشرون ليوم الحساب ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ يعني عن الهدى الْمُكَذِّبُونَ أي بالبعث والخطاب لكفار مكة

وقيل إنه عام مع كل ضال مكذب ، لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ تقدم تفسيره فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ يعني الإبل العطاش قيل إن الهيام داء يصيب الإبل فلا تروى معه ولا تزال تشرب حتى تهلك

وقيل الهيم الأرض ذات الرمل التي لا تروى بالماء قيل يلقى على أهل النار العطش فيشربون من الحميم شرب الهيم فلا يروون هذا نُزُلُهُمْ يعني ما ذكر من الزقوم والحميم أي رزقهم وغذاؤهم وما أعد لهم يَوْمَ الدِّينِ يعني يوم يجازون بأعمالهم ثم احتج عليهم في البعث بقوله تعالى :

نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ (٥٧) أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٩) نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (٦١)

وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥)

٥٧

٦٥

نَحْنُ خَلَقْناكُمْ يعني ولم تكونوا شيئا وأنتم تعلمون ذلك فَلَوْ لا أي فهلا تُصَدِّقُونَ يعني بالبعث بعد الموت.

قوله عز وجل : أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ يعني ما تصبون في الأرحام من النطف أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أي أنتم تخلقون ما تمنون بشرا أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ أي إنه خلق النطفة وصورها وأحياها فلم لا تصدقون بأنه واحد قادر على أن يعيدكم كما أنشأكم احتج عليهم في البعث بالقدرة على ابتداء الخلق ، نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ يعني الآجال فمنكم من يبلغ الكبر والهرم ومنكم من يموت صبيا وشابا وغير ذلك من الآجال القريبة والبعيدة

وقيل معناه إنه جعل أهل السماء وأهل الأرض فيه سواء شريفهم ووضيعهم فعلى هذا القول يكون معنى قدرنا قضينا ، وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ يعني لا يفوتني شيء أريده ولا يمتنع مني أحد

وقيل معناه وما نحن بمغلوبين عاجزين عن إهلاككم وإبدالكم بأمثالكم وهو

قوله تعالى : عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ

أي نأتي بخلق مثلكم بدلا منكم في أسرع حين وَنُنْشِئَكُمْ

أي نخلقكم فِي ما لا تَعْلَمُونَ

أي من الصور والمعنى نغير حليتكم إلى ما هو أسمح منها من أي خلق شئنا

وقيل نبدل صفاتكم فنجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بمن كان قبلكم أي إن أردنا أن نفعل ذلك بكم ما فاتنا ، وقال سعيد بن المسيب فيما لا تعلمون في حواصل طيور سود كأنها الخطاطيف تكون ببرهوت وهو واد باليمن وهذه الأقوال كلها تدل على المسخ وعلى أنه لو شاء أن يبدلهم بأمثالهم من بني آدم قدر ولو شاء أن يمسخهم في غير صورهم قدر ، وقال بعض أهل المعاني هذا يدل على النشأة الثانية يكونها اللّه تعالى في وقت لا يعلمه العباد ولا يعلمون كيفيته كما علموا الإنشاء الأول من جهة التناسل ويكون التقدير على هذا وما نحن

بمسبوقين على أن ننشئكم في وقت لا تعلمونه يعني وقت البعث والقيامة ، وفيه فائدة وهو التحريض على العمل الصالح لأن التبديل والإنشاء هو الموت والبعث وإذا كان ذلك واقعا في الأزمان ولا يعلمه أحد فينبغي أن لا يتكل الإنسان على طول المدة ولا يغفل عن إعداد العدة وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى أي الخلقة الأولى ولم تكونوا شيئا وفيه تقرير للنشأة الثانية يوم القيامة فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ أي بأني قادر على إعادتكم كما قدرت على إبدائكم أول مرة.

قوله تعالى : أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ لما ذكر اللّه تعالى ابتداء الخلق وما فيه من دلائل الوحدانية ذكر بعده الرزق لأن به البقاء وذكر أمورا ثلاثة المأكول والمشروب وما به إصلاح المأكول والمشروب ورتبه ترتيبا حسنا فذكر المأكول أولا لأنه هو الغذاء وأتبعه المشروب لأن به الاستمراء ثم النار التي بها الإصلاح وذكر من أنواع المأكول الحب لأنه هو الأصل ومن المشروب الماء لأنه أيضا هو الأصل وذكر من المصلحات النار لأن بها إصلاح أكثر الأغذية ، فقوله أفرأيتم ما تحرثون أي ما تثيرون من الأرض وتلقون فيه البذر أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أي تنبتونه وتنشئونه حتى يشتد ويقوم على سوقه أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ معناه أأنتم فعلتم ذلك أم اللّه ولا شك في أن إيجاد أحب في السنبل ليس بفعل أحد غير اللّه تعالى وإن كان إلقاء البذر من فعل الناس ، لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ يعني ما تحرثونه وتلقون فيه من البذر ، حُطاماً أي تبنا لا قمح فيه

وقيل هشيما لا ينتفع به في مطعم ولا غيره

وقيل هو جواب لمعاند يقول نحن نحرثه وهو بنفسه يصير زرعا لا بفعلنا ولا بفعل غيرنا فرد اللّه عليّ هذا المعاند بقوله لو نشاء لجعلناه حطاما فهل تقدرون أنتم على حفظه أو هو يدفع عن نفسه بنفسه تلك الآفات التي تصيبه ولا يشك أحد في أن دفع الآفات ليس إلا بإذن اللّه وحفظه ، فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ أي تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم

وقيل تندمون على نفقاتكم

وقيل تندمون على ما سلف منكم من المعاصي التي أوجبت تلك العقوبة

وقيل تتلاومون

وقيل تحزنون

وقيل هو تلهف على ما فات.

إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧) أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ (٧٠)

أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (٧٢) نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (٧٣)

٦٦

٧٣

إِنَّا لَمُغْرَمُونَ أي وتقولون فحذف القول ومعنى الغرم ذهاب المال بغير عوض

وقيل معناه لموقع بنا وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما لمعذبون يعني أنهم عذبوا بذهاب أموالهم بغير فائدة والمعنى إنا غرمنا الحب الذي بذرناه فذهب بغير عوض ، بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أي ممنوعون والمعنى حرمنا الذي كنا نطلبه من الريع في الزرع ، أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ ذكرهم اللّه تعالى نعمه عليهم بإنزال المطر الذي لا يقدر عليه إلا اللّه عز وجل : لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً قال ابن عباس شديد الملوحة

وقيل مرا لا يمكن شربه فَلَوْ لا أي فلا تَشْكُرُونَ يعني نعمة اللّه عليكم أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ يعني تقدحون من الزند أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها يعني التي تقدح منها النار وهي المرخ والعفار وهما شجرتان تقدح منهما النار وهما رطبتان

وقيل أراد جميع الشجر الذي توقد منه النار أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ نَحْنُ جَعَلْناها يعني نار الدنيا تَذْكِرَةً أي للنار الكبرى إذا رأى الرائي هذه النار ذكر بها نار جهنم فيخشى اللّه ويخاف عقابه

وقيل موعظة يتعظ بها المؤمن.

(ق) عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم قالوا واللّه إن كانت لكافية يا رسول اللّه قال فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلها مثل حرها) وَمَتاعاً أي بلغة ومنفعة لِلْمُقْوِينَ يعني للمسافرين والمقوي النازل في الأرض القواء وهي القفر

الخالية البعيدة من العمران والمعنى أنه ينتفع بها أهل البوادي والسفار فإن منفعتهم أكثر من المقيم فإنهم يوقدونها بالليل لتهرب الشماع ويهتدي بها الضال إلى غير ذلك من المنافع هذا قول أكثر المفسرين

وقيل المقوين الذين يستمتعون بها في الظلمة ويصطلون بها من البرد وينتفعون بها في الطبخ والخبز إلى غير ذلك من المنافع

وقيل المقوي من الأضداد يقال للفقير مقو لخلوه من المال ويقال للغني مقو لقوته على ما يريد والمعنى أن فيها متاعا ومنفعة للفقراء والأغنياء جميعا لا غنى لأحد عنها.

فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤) فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨)

لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)

٧٤

٧٩

فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ لما ذكر اللّه ما يدل على وحدانيته وقدرته وإنعامه على سائر الخلق خاطب نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم ويجوز أن يكون خطابا لكل فرد من الناس

فقال تعالى فسبح باسم ربك أي برّأ اللّه ونزهه عمايقول المشركون في صفته والاسم يكون بمعنى الذات والمعنى فسبح بذات ربك العظيم.

قوله عز وجل : فَلا أُقْسِمُ قال أكثر المفسرين معناه فأقسم ولا صلة مؤكدة

وقيل لا على أصلها وفي معناها وجهان

أحدهما أنها ترجع إلى ما تقدم ومعناها النهي وتقديره فلا تكذبوا ولا تجحدوا ما ذكرته من النعم والحجج.

الوجه الثاني : أن لا رد لما قاله الكفار في القرآن من أنه سحر وشعر وكهانة والمعنى ليس الأمر كما تقولون ثم استأنف القسم فقال أقسم والمعنى لا واللّه لا صحة لقول الكفار

وقيل إن لا هنا معناها النفي فهو كقول القائل لا تسأل عما جرى وهو يريد تعظيم الأمر لا النهي عن السؤال ، بِمَواقِعِ النُّجُومِ قال ابن عباس أراد نجوم القرآن فإنه كان ينزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم متفرقا

وقيل أراد مغارب النجوم ومساقطها

وقيل أراد منازلها

وقيل انكدارها وانتثارها يوم القيامة

وقيل مواقعها في اتباع الشياطين عند الرجم وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ قيل هذا يدل على أن المراد بمواقع النجوم نزول القرآن والمعنى إن القسم بمواقع النجوم لقسم عظيم لو تعلمون عظمته لانتفعتم بذلك

وقيل معنى لو تعلمون أي فاعلموا عظمته

وقيل إنه اعتراض بين القسم والمقسم عليه والمعنى فأقسم بمواقع النجوم ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ أي إن الكتاب الذي أنزل على محمد صلّى اللّه عليه وسلّم لقرآن كريم أي عزيز مكرم لأنه كلام اللّه تعالى ووحيه إلى نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم

وقيل الكريم الذي من شأنه أن يعطي الكثير وسمي القرآن كريما لأنه يفيد الدلائل التي تؤدي إلى الحق في الدين

وقيل الكريم اسم جامع لما يحمد والقرآن الكريم لما يحمد فيه من الهدى والنور والبيان والعلم والحكم فالفقيه يستدل به ويأخذ منه والحكيم يستمد منه ويحتج به والأديب يستفيد منه ويتقوى به فكل عالم يطلب أصل علمه منه

وقيل سمي كريما لأن كل أحد يناله ويحفظه من كبير وصغير وذكي وبليد بخلاف غيره من الكتب ،

وقيل إن الكلام إذا كرر مرارا يسأمه السامعون ويهون في الأعين وتمله الآذان والقرآن عزيز كريم لا يهون بكثرة التلاوة ولا يخلق بكثرة الترداد ولا يمله السامعون ولا يثقل على الألسنة بل هو غض طري يبقى أبد الدهر كذلك فِي كِتابٍ

مَكْنُونٍ أي مصون مستور عند اللّه تعالى في اللوح المحفوظ من الشياطين من أن يناله بسوء

وقيل المراد بالكتاب المصحف ومعنى مكنون مصون محفوظ من التبديل والتحريف و

القول الأول أصح ، لا يَمَسُّهُ أي ذلك الكتاب المكنون إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ وهم الملائكة الموصوفون بالطهارة من الشرك والذنوب والأحداث يروى هذا القول عن ابن عباس وأنس وهو قول سعيد بن جبير وأبي العالية وقتادة وابن زيد

وقيل هم السفرة الكرام البررة وعلى

القول الثاني من أن المراد بالكتاب المصحف فقيل معنى لا يمسه إلا المطهرون أي من الشرك وكان ابن عباس ينهى أن تمكن اليهود والنصارى من

قراءة القرآن قال الفراء لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به

وقيل معناه لا يقرأه إلا الموحدون وقال قوم معناه لا يمسه إلا المطهرون من الأحداث والجنابات وظاهر الآية نفي ومعناها نهي قالوا لا يجوز للجنب ولا للحائض ولا للمحدث حمل المصحف ولا مسه وهو قول عطاء وطاوس وسالم والقاسم وأكثر أهل العلم وبه قال مالك والشافعي وأكثر الفقهاء يدل عليه ما روى مالك في الموطأ عن عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم إن في الكتاب الذي كتبه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعمرو بن حزم (أن لا تمس القرآن إلا طاهرا) أخرجه مالك مرسلا وقد جاء موصولا عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كتب إلى أهل اليمن بهذا والصحيح فيه الإرسال وروى الدار قطني بسنده عن سالم عن أبيه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (لا يمس القرآن إلا طاهر) والمراد بالقرآن المصحف سماه قرآنا على قرب الجوار والاتساع ، كما روي (أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو) وأراد به المصحف وقال الحكم وحماد وأبو حنيفة يجوز للمحدث والجنب حمل المصحف ومسه بغلافه.

فإن

قلت : إذا كان الأصح أن المراد من الكتاب هو اللوح المحفوظ وأن المراد من (لا يمسه إلا المطهرون) هم الملائكة ولو كان المراد نفي الحدث لقال لا يمسه إلا المتطهرون من التطهر فكيف يصح قول الشافعي لا يصح للمحدث مس المصحف.

قلت من قال إن الشافعي أخذه من صريح الآية حمله على التفسير الثاني وهو القول بأن المراد من الكتاب هو المصحف ومن قال إنه أخذه من طريق الاستنباط قال المس بطهر صفة دالة على التعظيم والمس بغير طهر نوع استهانة وهذا لا يليق بمباشرة المصحف الكريم والصحيح أنه أخذه من السنة ودليله ما تقدم من الأحاديث واللّه أعلم.

قوله تعالى :

تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨٠) أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (٨١) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢) فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤)

٨٠

٨٤

تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ صفة للقرآن أي القرآن منزل من عند رب العالمين سمي المنزل تنزيلا على اتساع اللغة يقال للمقدور قدر وللمخلوق خلق وفيه رد على من قال إن القرآن شعر أو سحر أو كهانة فقال اللّه تعالى بل القرآن تنزيل من رب العالمين.

قوله عز وجل : أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ يعني القرآن أَنْتُمْ أي يا أهل مكة مُدْهِنُونَ قال ابن عباس مكذبون

وقيل كافرون والمدهن والمداهن الكذاب والمنافق والإدهان الجري في الباطل على خلاف الظاهر هذا أصله ثم قيل للمكذب والكافر مدهن وإن صرح بالتكذيب والكفر ، وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أي حظكم ونصيبكم من القرآن أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ قال الحسن في هذه الآية خسر عبد لا يكون حظه من كتاب اللّه إلا التكذيب وقال جماعة من المفسرين معناه وتجعلون شكركم أنكم تكذبون أي بنعمة اللّه عليكم وهذا في الاستسقاء بالأنواء وذلك أنهم كانوا إذا مطروا يقولون مطرنا بنوء كذا ولا يرون ذلك المطر من فضل اللّه عليهم فقيل لهم أتجعلون رزقكم أي شكركم بما رزقكم التكذيب فمن نسب الإنزال إلى النجم فقد كذب برزق اللّه تعالى ونعمه وكذب بما جاء به القرآن والمعنى أتجعلون بدل الشكر التكذيب ،

(ق) عن يزيد بن خالد الجهني قال (صلى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا اللّه ورسوله أعلم قال قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل اللّه ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب

وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب) رواه مسلم وفيه عن ابن عباس

عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمعناه وزاد فنزلت هذه الآية فلا أقسم بمواقع النجوم إلى قوله وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ، وفيه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال ما أنزل اللّه من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين ينزل اللّه الغيث فيقولون الكوكب كذا وكذا

وفي رواية بكوكب كذا وكذا عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (و تجعلون رزقكم أنكم تكذبون قال شكركم تقولون مطرنا بنوء كذا وكذا وبنجم كذا وكذا)

وفي رواية بكوكب كذا وكذا أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب.

قوله في أثر سماء أي أثر مطر والنوء الكوكب يقال ناء النجم ينوء إذا سقط وغاب

وقيل ناء إذا نهض وطلع واختلف العلماء في معنى الحديث وكفر من قال مطرنا بنوء كذا على قولين

أحدهما أنه كفر باللّه تعالى سالب لأصل الإيمان مخرج عن ملة الإسلام وذلك فيمن قال ذلك معتقدا أن الكوكب فاعل مدبر منشئ للمطر كما كان بعض الجاهلية يزعم فمن اعتقد هذا فلا شك في كفره ، وهذا القول هو الذي ذهب إليه جماهير العلماء منهم الشافعي وهو ظاهر الحديث وعلى هذا لو قال مطرنا بنوء كذا وكذا وهو معتقد أن إيجاد المطر من اللّه ورحمته وأن النوء ميقات له ومراده إنا مطرنا في وقت طلوع نجم كذا ولم يقصد إلى فعل النجم كما جاء عن عمر أنه استسقى بالمصلى ثم نادى العباس كم بقي من نوء الثريا؟ فقال إن العلماء يزعمون أنها تعترض في الأفق سبعا بعد وقوعها فو اللّه ما مضت تلك السبع حتى غيث الناس وإنما أراد عمركم بقي من الوقت الذي جرت العادة أنه إذا تم أتى اللّه بالمطر فهذا جائز لا كفر فيه واختلفوا في كراهية هذا والأظهر أنها كراهية تنزيه لا إثم فيها ولا تحريم وسبب هذه الكراهة أنها كلمة مترددة بين الكفر وغيره فيساء الظن بقائلها ولأنها من شعار الجاهلية ومن سلك مسلكهم ،

والقول الثاني في تأويل أصل الحديث أن المراد بالكفر كفر النعمة للّه تعالى لاقتصاره على إضافة الغيث إلى الكواكب وهذا جار فيمن لا يعتقد تدبير الكواكب ويؤيد هذا التأويل حديث أبي هريرة (ما أنزل اللّه من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين) فقوله بها يدل على أنه كفر بالنعمة واللّه أعلم.

قوله تعالى : فَلَوْ لا أي فهلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ أي النفس أو الروح إلى الحلقوم عند الموت وَأَنْتُمْ يعني يا أهل الميت حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ يعني إلى الميت متى تخرج نفسه

وقيل تنظرون إلى أمري وسلطاني لا يمكنكم الدفع ولا تملكون شيئا.

وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٨٧) فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩)

وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١)

وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢)

٨٥

٩٢

وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ أي بالعلم والقدرة والرؤية

وقيل ورسلنا الذين يقبضون روحه أقرب إلى الميت منكم وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ أي الذين حضروه من الملائكة لقبض روحه

وقيل لا تبصرون أي لا تعلمون ذلك فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ أي مملوكين

وقيل محاسبين ومجزيين تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أي تردون نفس هذا الميت إلى جسده بعد ما بلغت الحلقوم فأجاب عن قوله فلو لا إذا بلغت الحلقوم وعن قوله فلو لا إن كنتم غير مدينين بجواب واحد وهو قوله ترجعونها والمعنى إن كان الأمر كما تقولون إنه لا بعث ولا حساب ولا إله يجازي فهلا تردون نفس من يعز عليكم إذا بلغت الحلقوم وإذا لم يمكنكم ذلك فاعلموا أن الأمر إلى غيركم وهو اللّه تعالى فآمنوا به ثم ذكر طبقات الخلق عند الموت وبين درجاتهم

فقال تعالى : فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ يعني السابقين. فَرَوْحٌ أي فله روح وهو الراحة

وقيل فله فرح

وقيل رحمة وَرَيْحانٌ أي وله استراحة

وقيل رزق

وقيل هو الريحان الذي يشم قال أبو العالية لا يفارق أحد من المقربين الدنيا حتى يؤتى بغصن

من ريحان الجنة فيشمه فتقبض روحه وَجَنَّةُ نَعِيمٍ أي وله جنة النعيم يفضي إليها في الآخرة قال أبو بكر الوراق الروح النجاة من النار والريحان رضوان دار القرار

وَأَمَّا إِنْ كانَ يعني المتوفى مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ أي فسلامة لك يا محمد منهم والمعنى فلا تهتم لهم فإنهم سلموا من عذاب اللّه أو إنك ترى فيهم ما تحب من السلامة

وقيل هو أن اللّه يتجاوز عن سيئاتهم ويقبل حسناتهم

وقيل معناه مسلم لك أنهم من أصحاب اليمين أو يقال لصاحب اليمين مسلم لك أنك من أصحاب اليمين

وقيل فسلام عليك من أصحاب اليمين ،

وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ أي بالبعث الضَّالِّينَ أي عن الهدى وهم أصحاب الشمال.

فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤) إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥)

٩٣

٩٥

فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ أي الذي يعد لهم حميم جهنم وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ أي وإدخال نار عظيمة إِنَّ هذا يعني ما ذكر من قصة المحتضرين لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ أي لا شك فيه

وقيل إن هذا الذي قصصناه عليك في هذه السورة من الأقاصيص وما أعد اللّه لأوليائه من النعم وما أعد لأعدائه من العذاب الأليم وما ذكر مما يدل على وحدانيته يقين لا شك فيه ، فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ أي فنزه ربك العظيم عن كل سوء

وقيل معناه فصل بذكر ربك العظيم وبأمره.

عن عقبة بن عامر الجهني قال (لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اجعلوها في ركوعكم ولما نزلت سبح اسم ربك الأعلى قال اجعلوها في سجودكم) أخرجه أبو داود عن حذيفة أنه صلّى مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فكان يقول في ركوعه (سبحان ربي العظيم وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وما أتى على آية رحمة إلا وقف وسأل وما أتى على آية عذاب إلا وقف وتعوذ) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وله عن جابر عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال (من قال سبحان اللّه وبحمده غرست له نخلة في الجنة).

(م) عن أبي ذر قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (ألا أخبرك بأحب الكلام إلى اللّه تعالى قال سبحان اللّه وبحمده).

(ق) عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرّحمن سبحان اللّه وبحمده سبحان اللّه العظيم) هذا الحديث آخر حديث في صحيح البخاري واللّه أعلم.

﴿ ٠