سورة الحشر

قال سعيد بن جبير قلت لابن عباس سورة الحشر فقال قل سورة النضير وهي مدنية أربع وعشرون آية وأربعمائة وخمس وأربعون كلمة وألف وتسعمائة وثلاثة عشر حرفا

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١)

١

قوله عز وجل : سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ قال المفسرون : نزلت هذه السورة في بني النضير وهم طائفة من اليهود وذلك أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لما دخل المدينة صالحه بنو النضير على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه فقبل ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلما غزا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بدرا وظهر على المشركين قال بنو النضير واللّه إنه النبي الأمي الذي نجد نعته في التوراة لا ترد له راية فلما غزا أحدا وهزم المسلمون ارتابوا وأظهروا العداوة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وللمؤمنين ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، وركب كعب بن الأشرف في أربعين راكبا من اليهود إلى مكة فأتوا قريشا فحالفوهم وعاقدوهم على أن تكون كلمتهم واحدة على محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ودخل أبو سفيان في أربعين من قريش وكعب بن الأشرف في أربعين من اليهود المسجد الحرام وأخذ بعضهم على بعض الميثاق بين أستار الكعبة ثم رجع كعب وأصحابه إلى المدينة فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بما تعاقد عليه كعب وأبو سفيان وأمره بقتل كعب بن الأشرف فقتله محمد بن مسلمة غيلة) وقد تقدمت القصة في سورة آل عمران وكان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قد اطلع منهم على خيانة حين أتاهم يستعينهم في دية الرجلين المسلمين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري في منصرفه من بئر معونة فهموا بطرح حجر على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من الحصن فعصمه اللّه منهم وأخبره بذلك وقد تقدمت القصة في سورة المائدة.

فلما قتل كعب بن الأشرف أصبح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأمر الناس بالمسير إلى بني النضير وكانوا بقرية يقال لها زهرة فلما سار إليها النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وجدهم ينوحون على كعب بن الأشرف فقالوا يا محمد واعية على أثر واعية وباكية على أثر باكية قال نعم فقالوا ذرنا نبك شجونا ثم ائتمر أمرك فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم اخرجوا من المدينة فقالوا الموت أقرب إلينا من ذلك ثم تنادوا بالحرب وأذنوا بالقتال ودس المنافقون عبد اللّه بن أبي وأصحابه إليهم أن لا تخرجوا من الحصين فإن قاتلوكم فنحن معكم ولا نخذلكم ولننصرنكم ولئن أخرجتم لنخرجن معكم فدربوا على الأزقة وحصنوها ثم إنهم أجمعوا على الغدر برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأرسلوا إليه أن اخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك وليخرج منا ثلاثون حتى نلتقي بمكان نصف بيننا وبينك فيسمعوا منك فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا كلنا فخرج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في ثلاثين من أصحابه وخرج إليه ثلاثون حبرا من اليهود حتى كانوا في براز من الأرض فقال بعض اليهود لبعض كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلا من أصحابه كلهم يحب الموت قبله ولكن أرسلوا إليه كيف

نفهم ونحن ستون اخرج في ثلاثة من أصحابك ويخرج إليك ثلاثة من علمائنا فيسمعون منك فإن آمنوا بك آمنا بك وصدقناك ، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في ثلاثة من أصحابه وخرج ثلاثة من اليهود معهم الخناجر وأرادوا الفتك برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار فأخبرته بما أراد بنو النضير من الغدر برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأقبل أخوها سريعا حتى أدرك النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فساره بخبرهم قبل أن يصل إليهم فرجع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فلما كان من الغد صبحهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالكتائب فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة فقذف اللّه في قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين فسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الصلح فأبى عليهم إلا أن يخرجوا من المدينة على ما يأمرهم به فقبلوا ذلك فصالحهم على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من أموالهم إلا الحلقة وهي السلاح وعلى أن يخلوا لهم ديارهم وعقارهم وسائر أموالهم.

وقال ابن عباس : على أن يحمل كل أهل بيت على بعير ما شاؤوا من متاعهم وللنبي صلّى اللّه عليه وسلّم ما بقي ،

وقيل أعطى كل ثلاثة نفر بعيرا وسقاء ففعلوا ذلك وخرجوا من ديارهم إلى أذرعات وأريحاء من أرض الشام إلا أهل بيتين منهم آل أبي الحقيق وآل حيي بن أخطب فإنهم لحقوا بخيبر ولحقت طائفة بالحيرة ، فذلك

قوله عز وجل :

هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (٢)

٢

هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ يعني بني النضير مِنْ دِيارِهِمْ يعني التي كانت بالمدينة.

قال ابن إسحاق كان إجلاء بني النضير مرجع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من أحد ، وفتح قريظة مرجعه من الأحزاب وبينهما سنتان لِأَوَّلِ الْحَشْرِ قال الزهري كانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما مضى وكان اللّه قد كتب عليهم الجلاء ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا قال ابن عباس من شك أن المحشر بالشام فليقرأ هذه الآية فكان هذا أول حشر إلى الشام قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أخرجوا قالوا إلى أين؟ قال إلى أرض المحشر ثم يحشر الخلق يوم القيامة إلى الشام

وقيل إنما قال لأول الحشر لأنهم كانوا أول من أجلي من أهل الكتاب من جزيرة العرب ثم أجلي آخرهم عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه

وقيل كان هذا : أول الحشر من المدينة والحشر الثاني من خيبر وجميع جزيرة العرب إلى أذرعات وأريحاء من أرض الشام في أيام عمر ،

وقيل كان هذا أول الحشر والحشر الثاني نار تحشرهم يوم القيامة من المشرق إلى المغرب تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا ما ظَنَنْتُمْ يعني أيها المؤمنين أَنْ يَخْرُجُوا أي من المدينة لعزتهم ومنعتهم وذلك أنهم كانوا أهل حصون وعقار ونخل كثير وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ أي وظن بنو النضير أن حصونهم تمنعهم من سلطان اللّه فَأَتاهُمُ اللَّهُ أي أتاهم أمر اللّه وعذابه مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وهو أن اللّه أمر نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم بقتالهم وإجلائهم وكانوا لا يظنون ذلك ، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ أي الخوف الشديد بقتل سيدهم كعب بن الأشرف يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ قال الزهري وذلك أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لما صالحهم على أن لهم ما أقلت الإبل كانوا ينظرون إلى الخشب في منازلهم فيهدمونها وينزعون ما استحسنوه منها فيحملونه على إبلهم ويخرب المؤمنون باقيها

وقيل كانوا يقلعون العمد وينقضون السقوف وينقبون الجدران

لئلا يسكنها المؤمنون حسدا منهم وبغضا

وقيل كان المسلمون يخربون ما يليهم من ظاهرها ويخربها اليهود من داخلها وقال ابن عباس كلما ظهر المسلمون على دار من دورهم هدموها لتتسع لهم المقاتل وجعل أعداء اللّه ينقبون دورهم من أدبارها فيخرجون إلى التي بعدها فيتحصنون فيها ويكسرون ما يليهم ويرمون بالتي خرجوا منها أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، فَاعْتَبِرُوا يعني فاتعظوا وانظروا ما نزل بهم يا أُولِي الْأَبْصارِ يعني يا ذوي العقول والبصائر.

وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤) ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (٥)

٣

٥

وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ يعني الخروج من الوطن لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا يعني بالقتل والسبي كما فعل ببني قريظة وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ ذلِكَ أي الذي لحقهم ونزل بهم بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي خالفوا اللّه ورسوله وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ

قوله تعالى : ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ الآية وذلك أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لما نزل ببني النضير وتحصنوا بحصونهم أمر بقطع نخيلهم وأحرقها فجزع أعداء اللّه عند ذلك وقالوا يا محمد زعمت أنك تريد الصلاح أفمن الصلاح عقر الشجر وقطع النخل وهل وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الأرض فوجد المسلمون في أنفسهم من قولهم وخشوا أن يكون ذلك فسادا.

واختلفوا في ذلك فقال بعضهم لا تقطعوا فإنه مما أفاء اللّه علينا وقال بعضهم بل نغيظهم بقطعه فأنزل اللّه هذه الآية بتصديق من نهى عن قطعه وتحليل من قطعه من الإثم وأن ذلك كان بإذن اللّه تعالى

(ق) عن ابن عمر قال : حرق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نخل بني النضير وقطع وهي البويرة فنزل ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ البويرة اسم موضع لبني النضير وفي ذلك يقول حسان بن ثابت :

وهان على سراة بني لؤيّ حريق بالبويرة مستطير

قال ابن عباس النخل كلها لينة ما خلا العجوة وكان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقطع نخلهم إلا العجوة ، وأهل المدينة يسمون ما خلا العجوة من التمر الألوان

وقيل النخل كلها لينة إلا العجوة والبرنية

وقيل اللينة النخل كلها من غير استئناف وقال ابن عباس في رواية أخرى عنه هي لون من النخل

وقيل كرام النخل

وقيل هي ضرب من النخل يقال لتمرها اللون وهو شديد الصفرة ويرى نواه من خارج يغيب فيه الضرس وكان من أجود تمرهم وأعجبه إليهم وكانت النخلة الواحدة ثمنها ثمن وصيف وأحب إليهم من وصيف فلما رأوهم يقطعونها شق عليهم ذلك وقالوا للمؤمنين إنكم تكرهون الفساد وأنتم تفسدون دعوا هذا النخل قائما هو لمن غلب عليه فأخبر اللّه أن قطعها كان بإذنه ، وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ يعني اليهود والمعنى ولأجل إخزاء اليهود أذن اللّه في قطعها احتج العلماء بهذه الآية على أن حصون الكفار وديارهم لا بأس أن تهدم وتحرق وترمى بالمجانيق وكذلك قطع أشجارهم ونحوها.

وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦)

٦

قوله عز وجل : وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ أي ما رد اللّه على رسوله مِنْهُمْ أي من يهود بني النضير فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ يعني أوضعتم وهو سرعة السير مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ يعني الإبل التي تحمل القوم وذلك أن بني النضير لما تركوا رباعهم وضياعهم طلب المسلمون من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقسمها بينهم كما فعل بغنائم خيبر فبين اللّه تعالى في هذه الآية أنها لم يوجف المسلمون عليها خيلا ولا ركابا ولم يقطعوا إليها شقة ولا نالوا مشقة وإنما كانوا يعني بني النضير على ميلين من المدينة فمشوا إليها مشيا ولم يركب إلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان على جمل ، وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ من أعدائه وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي فهي له خاصة يضعها حيث يشاء فقسمها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة وهم

أبو دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة

(ق) عن مالك بن أوس النضري أن عمر دعاه إذ جاءه حاجبه يرفأ فقال هل لك يا أمير المؤمنين في عثمان وعبد الرّحمن بن عوف والزبير وسعد يستأذنون؟ قال نعم فأدخلهم فلبث قليلا ثم جاء يرفأ فقال هل لك في عباس وعلي يستأذنان؟ قال نعم فأذن لهما فلما دخلا قال العباس يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا فقال القوم أجل يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح

أحدهما من الآخر قال مالك بن أوس يخيل إليّ أنهم قد كانوا قدموهم لذلك فقال عمر اتئدوا أنشدكم باللّه الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (لا نورث ما تركنا صدقة) يريد بذلك نفسه قالوا نعم ثم أقبل عمر على العباس وعلي وقال أنشدكما باللّه الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمان أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (لا نورث ما تركنا صدقة) قالا نعم قال عمر إن اللّه خص رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بخاصة لم يخصص بها أحدا غيره فقال (و ما أفاء اللّه على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) الآية قال فقسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بينكم أموال بني النضير فو اللّه ما استأثرها عليكم ولا أخذها دونكم فقد أعطاكموها وقسمها فيكم حتى بقي هذا المال وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأخذ منه نفقة سنة ثم ما بقي يجعله مجعل مال اللّه فعمل بذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حياته ثم أنشدكم باللّه الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون ذلك؟ قالوا نعم قال ثم نشد عباسا وعليا بمثل ما نشد القوم أتعلمان ذلك؟

قالا نعم قال فلما توفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال أبو بكر أنا ولي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقبضه أبو بكر فعمل فيه بما عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأنتم حينئذ وأقبل على علي وعباس وقال تذاكران أن أبا بكر عمل فيه كما تقولان واللّه يعلم إنه لصادق راشد تابع للحق ثم توفى اللّه أبا بكر فقلت أنا ولي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأبي بكر فقبضته سنتين من إمارتي أعمل فيهما بما عمل فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأبو بكر واللّه يعلم إني فيه لصادق بار راشد تابع للحق ثم جئتماني كلاكما وكلمتكما واحدة وأمركما جميع فقلت لكما إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (لا نورث ما تركنا صدقة) قلتم ادفعها إلينا فلما بدا لي أن أدفعها إليكما قلت إن شئتما دفعته إليكما على أن عليكما عهدا للّه وميثاقه لتعملان فيه بما عمل فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأبو بكر وما عملت فيه منذ وليت وإلا فلا تكلماني فقلتما ادفعه إلينا بذلك فدفعته إليكما أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك فو اللّه الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيه بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنه فادفعاه إليّ فإني أكفيكماه.

ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٧)

٧

قوله تعالى : ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى يعني من أموال كفار أهل القرى قال ابن عباس هي قريظة والنضير وفدك وخيبر وقرى عرينة فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى يعني بني هاشم وبني المطلب وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ قد تقدم تفسيره في سورة الأنفال في حكم الغنيمة وقسمتها

وأما حكم الفيء فإنه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مدة حياته يضعه حيث يشاء فكان ينفق على أهله منه نفقة سنتهم ويجعل ما بقي مجعل مال اللّه في الكراع والسلاح عدة في سبيل اللّه.

واختلف العلماء في مصرف الفيء بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال قوم هو للأئمة بعده وللشافعي فيه قولان

أحدهما أنه للمقاتلة

والثاني هو لمصالح المسلمين ويبدأ بالمقاتلة ثم بالأهم من المصالح.

واختلفوا في تخميس مال الفيء فذهب قوم إلى أنه يخمس فخمس لأهل خمس الغنيمة وأربعة للمقاتلة أو للمصالح وذهب الأكثرون إلى أنه لا يخمس بل مصرف جميعه واحد ولجميع المسلمين فيه حق قرأ عمر بن

الخطاب (ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى حتى بلغ للفقراء المهاجرين إلى قوله والذين جاءوا من بعدهم) ثم قال هذه استوعبت المسلمين عامة قال وما على وجه الأرض مسلم إلا وله في هذا الفيء حق إلا ما ملكت أيمانكم كَيْ لا يَكُونَ الفيء دُولَةً والدولة اسم للشيء الذي يتداوله القوم بينهم بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ يعني بين الرؤساء والأقوياء فيغلبوا عليه الفقراء والضعفاء وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا غنموا غنيمة أخذ الرئيس ربعها لنفسه وهو المرباع ثم يصطفي بعده ما شاء فجعله اللّه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقسمه فيما أمره به وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ أي من مال الفيء والغنيمة وَما نَهاكُمْ عَنْهُ أي من الغلول وغيره فَانْتَهُوا وهذا نازل في أموال الفيء وهو عام في كل ما أمر به النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أو نهي عنه من قول أو عمل من واجب أو مندوب أو مستحب أو نهى عن محرم فيدخل فيه الفيء وغيره

(ق) عن عبد اللّه بن مسعود أنه قال (لعن اللّه الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق اللّه فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت ما حديث بلغني عنك أنك قلت كذا وكذا وذكرته فقال عبد اللّه وما لي لا ألعن من لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو في كتاب اللّه تعالى فقالت المرأة لقد قرأت لوحي المصحف فما وجدته فقال إن كنت قرأته لقد وجدته قال اللّه عز وجل : وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا الوشم هو غرز العضو من الإنسان بالإبرة ثم يحشى بكحل والمستوشمة هي التي تطلب أن يفعل بها ذلك والنامصة هي التي تنتف الشعر من الوجه والمتفلجة هي التي تتكلف تفريج ما بين ثناياها بصناعة

وقيل هي التي تتفلج في مشيتها فكل ذلك منهي عنه

(ق) عن عائشة رضي اللّه عنها قالت قال رسول اللّه

صلّى اللّه عليه وسلّم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)

وفي رواية (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) عن أبي رافع أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به ونهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدناه في كتاب اللّه اتبعناه) أخرجه أبو داود والترمذي.

وقال هذا حديث حسن الأريكة كل ما أتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة أو نحو ذلك وَاتَّقُوا اللَّهَ أي في أمر الفيء إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ أي على ترك ما أمركم به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أو نهاكم عنه ثم بين من له الحق في الفيء فقال عز وجل :

لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨)

٨

لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يعني ألجأهم كفار مكة إلى الخروج يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ أي رزقا

وقيل ثوابا من اللّه وَرِضْواناً أي أخرجوا من ديارهم طلبا لرضا اللّه عز وجل :

وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي بأنفسهم وأموالهم والمراد بنصر اللّه نصر دينه وإعلاء كلمته أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ أي في إيمانهم قال قتادة المهاجرون الذين تركوا الديار والأموال والعشائر وخرجوا حبا للّه ولرسوله واختاروا الإسلام على ما كانوا فيه من شدة حتى ذكر لنا أن الرجل كان يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ما له دثار غيرها

(م) عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول (إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا) وعن أبي سعيد قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (أبشروا صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم وذلك خمسمائة سنة) أخرجه أبو داود.

وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩)

٩

قوله عز وجل : وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ يعني الأنصار توطنوا الدار وهي المدينة واتخذوها سكنا مِنْ قَبْلِهِمْ يعني أنهم أسلموا في ديارهم وآثروا الإيمان وابتنوا المساجد قبل قدوم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بسنتين والمعنى والذين تبوءوا الدار من قبل المهاجرين وقد آمنوا لأن الإيمان ليس بمكان يتبوأ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وذلك أنهم أنزلوا المهاجرين في منازلهم وأشركوهم في أموالهم وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً أي حزازة وغيظا وحسدا مِمَّا أُوتُوا أي أعطي المهاجرين من الفيء دونهم وذلك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قسم أموال بني النضير بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا ثلاثة فطابت أنفس الأنصار بذلك وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ أي ويؤثر الأنصار المهاجرين بأموالهم ومنازلهم على أنفسهم وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ أي فاقة وحاجة إلى ما يؤثرون به

(ق) عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه قال (جاء رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال إني مجهود فأرسل إلى بعض نسائه فقالت والذي بعثك بالحق ما عندي إلا الماء ثم أرسل به إلى أخرى فقالت مثل ذلك وقلن كلهن مثل ذلك فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من يضيفه يرحمه اللّه فقام رجل من الأنصار يقال له أبو طلحة فقال أنا يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته هل عندك شي ء؟ قالت لا إلا قوت صبياني قال فعلليهم بشيء ونوميهم فإذا دخل ضيفنا فأريه أنا نأكل فإذا هوى بيده ليأكل فقومي إلى السراج كي تصلحيه فأطفئيه ففعلت فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين فلما أصبح غدا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لقد عجب اللّه أو ضحك اللّه من فلان وفلانة) زاد في رواية (فأنزل اللّه وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ

لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ).

(ق) عن أبي هريرة قال (قالت الأنصار للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم أقسم بيننا وبين إخواننا النخيل قال لا فقالوا تكفونا ونشرككم في الثمر قالوا سمعنا وأطعنا)

(خ) عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال (دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الأنصار إلى أن يقطع لهم البحرين فقالوا لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها فقال أما لا فاصبروا حتى تلقوني على الحوض فإنه سيصيبكم أثرة بعدي)

وفي رواية (ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) الأثرة بفتح الهمزة والثاء والراء وضبطه بعضهم بضم الهمزة وإسكان الثاء والأول أشهر ومعناه الاستئثار وهو أن يستأثر عليكم بأمور الدنيا ويفضل غيركم عليكم ولا يجعل لكم في الأمر نصيب

وقيل هو من آثر إذا أعطى أراد يستأثر عليكم غيركم فيفضل في نصيبه من الفيء والاستئثار الانفراد بالشيء

وقيل الأثرة الشدة والأول أظهر وعن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم النضير للأنصار (إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وتشاركونهم في هذه الغنيمة وإن شئتم كانت لكم أموالكم ودياركم ولم نقسم لكم شيئا من الغنيمة فقالت الأنصار بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها فأنزل اللّه عز وجل ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) والشح في كلام العرب البخل مع الحرص وقد فرق بعض العلماء بين البخل والشح فقال البخل نفس المنع والشح هو الحالة النفسانية التي تقتضي ذلك المنع.

ولما كان الشح من صفات النفس لا جرم قال اللّه تعالى : وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي الفائزون بما أرادوا وروي أن رجلا قال لابن مسعود إني أخاف أن أكون قد هلكت قال وما ذاك قال إني أسمع اللّه يقول ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وأنا رجل شحيح لا يكاد يخرج من يدي شيء فقال عبد اللّه ليس ذلك بالشح الذي ذكر اللّه في القرآن ولكن الشح أن تأكل مال أخيك ظلما ولكن ذلك البخل وبئس الشيء البخل وقال ابن عمر ليس الشح أن يمنع الرجل ماله إنما الشح أن تطمع عين الرجل فيما ليس له

وقيل الشح هو الحرص الشديد الذي يحمل صاحبه على ارتكاب المحارم

وقيل من لم يأخذ شيئا نهاه اللّه عن أخذه ولم يمنع شيئا أمره اللّه بإعطائه فقد وقاه شح نفسه

(م) عن جابر رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلّوا محارمهم) عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (شر ما في الرجل شح هالع وجبن خالع) أخرجه أبو داود الهلع

أشد الجزع والمراد منه أن الشحيح يجزع جزعا شديدا ويحزن على شيء يفوته أو يخرج من يده والخالع الذي خلع فؤاده لشدة خوفه وفزعه عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (لا يجتمع غبار في سبيل اللّه ودخان جهنم في جوف عبد أبدا ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا) أخرجه النسائي.

وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٠)

١٠

قوله تعالى : وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يعني من بعد المهاجرين والأنصار وهم التابعون لهم إلى يوم القيامة يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ أخبر أنهم يدعون لأنفسهم بالمغفرة ولإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا أي غشا وحسدا وبغضا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ فكل من كان في قلبه غل أو بغض لأحد من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يترحم على جميعهم فإنه ليس ممن عناه اللّه بهذه الآية لأن اللّه تعالى رتب المؤمنين على ثلاث منازل المهاجرين ثم من بعدهم التابعون الموصوفون بما ذكر فمن لم يكن من التابعين بهذه الصفة كان خارجا من أقسام المؤمنين وليس له في المسلمين نصيب وقال ابن أبي ليلى الناس على ثلاثة منازل الفقراء المهاجرون والذين تبوءوا الدار والإيمان والذين جاءوا من بعدهم فاجتهد أن لا تكون خارجا من هذه الثلاث منازل

(ق) عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)

(م) عن عروة بن الزبير قال قالت عائشة (يا ابن أختي أمروا أن يستغفروا لأصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فسبوهم) عن عبد اللّه بن مغفل قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول (اللّه اللّه في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فبغضبي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللّه ومن آذى اللّه فيوشك أن يأخذه) أخرجه الترمذي وقال مالك بن أنس : من انتقص أحدا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أو كان في قلبه غل عليهم فليس له حق في فيء المسلمين ثم تلا هذه الآية ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى - إلى- وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ- إلى-

رَؤُفٌ رَحِيمٌ وقال مالك بن مغول قال الشعبي يا مالك تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة سئلت اليهود من خير أهل ملتكم؟

قالوا أصحاب موسى وسئلت النصارى من خير أهل ملتكم؟ قال حواري عيسى وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم؟ فقالوا أصحاب محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم والسيف مسلول عليهم إلى يوم القيامة لا تقوم لهم راية ولا يثبت لهم قدم ولا تجمع لهم كلمة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها اللّه بسفك دمائهم وتفريق شملهم وإدحاض حجتهم أعاذنا اللّه وإياكم من الأهواء المضلة.

وروي عن جابر قال قيل لعائشة إن ناسا يتناولون أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى أبا بكر وعمر فقالت وما تعجبون من هذا انقطع عنهم العمل فأحب اللّه أن لا يقطع عنهم الأجر.

وروي أن ابن عباس سمع رجلا ينال من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال له : من أمن المهاجرين الأولين أنت؟

قال لا قال أفمن الأنصار أنت؟ قال لا قال فأنا أشهد بأنك لست من التابعين لهم بإحسان.

قوله عز وجل :

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١١) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١٢)

١١

١٢

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يعني أظهروا خلاف ما أضمروا وهم عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول وأصحابه

يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ يعني اليهود من بني قريظة وبني النضير وإنما جعل المنافقين إخوانهم لأنهم كفار مثلهم لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ أي من المدينة لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ أي منها وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً يعني إن سألنا أحد خلافكم وخذلانكم فلا نطيعه فيكم وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ أي لنعيننكم ولنقاتلن معكم وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ يعني المنافقين لَكاذِبُونَ أي فيما قالوا ووعدوا ثم أخبر اللّه عن حال المنافقين

فقال تعالى : لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وكان الأمر كذلك فإنهم أخرجوا ولم يخرج المنافقون معهم وقوتلوا فلم ينصروهم وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ يعني لو قدروا نصرهم أو لو قصدوا نصر اليهود لولوا الأدبار منهزمين ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ يعني بني النضير لا يصيرون منصورين إذا انهزم ناصروهم.

لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣) لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (١٤) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٥) كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦)

١٣

١٦

لَأَنْتُمْ يعني يا معشر المسلمين أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ أصل الرهبة والرهب الخوف الشديد مع حزن واضطراب والمعنى أنهم يرهبون ويخافون منكم أشد من رهبتهم من اللّه ذلِكَ أي الخوف منكم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ يعني عظمة اللّه تعالى : لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أي لا يبرزون لقتالكم إنما يقاتلونكم متحصنين بالقرى والجدران وهو

قوله تعالى : أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ وقرئ جدر بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ أي بعضهم فظ على بعض أو عداوة بعضهم بعضا شديدة

وقيل بأسهم فيما بينهم من وراء الحيطان والحصون شديد فإذا خرجوا إليكم فهم أجبن خلق اللّه تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى أي متفرقة مختلفة قال قتادة أهل الباطل مختلفة أهواؤهم مختلفة أعمالهم مختلفة شهاداتهم وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق

وقيل أراد أن دين المنافقين وآراءهم يخالف دين اليهود وآراءهم ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ ثم ضرب لليهود مثلا

فقال تعالى : كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً يعني مشركي مكة ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ يعني القتل ببدر وكان ذلك قبل غزوة بني النضير وقال ابن عباس (كمثل الذين من قبلهم) يعني بني قينقاع

وقيل مثل قريظة كمثل بني النضير وكان بينهما سنتان وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أي في الآخرة ثم ضرب مثلا آخر للمنافقين واليهود جميعا في تخاذلهم وتخلى بعضهم عن بعض

فقال تعالى كَمَثَلِ الشَّيْطانِ أي مثل المنافقين مع بني النضير وخذلانهم إياهم كمثل الشيطان إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ وذلك ما روي عن عطاء وغيره عن ابن عباس قال كان راهب في الفترة يقال له برصيصا تعبد في صومعة له سبعين سنة لم يعص اللّه فيها طرفة عين وأن إبليس أعياه في أمره الحيل فجمع ذات يوم مردة الشياطين وقال ألا أحد منكم يكفيني أمر برصيصا؟ فقال الأبيض و

هو صاحب الأنبياء وهو الذي تصدى للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم وجاء في صورة جبريل ليوسوس إليه على وجه الوحي فلحقه جبريل عليه السلام فدفعه إلى أقصى أرض الهند لإبليس أنا أكفيك أمره فانطلق فتزين بزينة الرهبان وحلق وسط رأسه وأتى صومعة برصيصا فناداه فلم يجبه وكان لا يفتل عن صلاته إلا في كل عشرة أيام ولا يفطر إلا في كل عشرة أيام مرة فلما رأى الأبيض أنه لا يجيبه أقبل على العبادة في أصل الصومعة فلما انفتل برصيصا من صلاته اطلع من صومعته فرأى الأبيض قائما يصلي في هيئة حسنة على هيئة الرهبان فلما رأى ذلك من حاله ندم في نفسه أي لام نفسه حين لم يجبه فقال له إنك ناديتني وكنت مشتغلا عنك فما حاجتك قال الأبيض حاجتي أني جئت لأكون معك فأتأدب بأدبك وأقتبس من عملك ونجتمع على العبادة فتدعو لي وأدعو لك قال برصيصا إني لفي شغل عنك فإن كنت مؤمنا فإن اللّه

سيجعل لك فيما للمؤمنين نصيبا إن استجاب لي ثم أقبل على صلاته وترك الأبيض وأقبل الأبيض يصلي فلم يلتفت إليه برصيصا أربعين يوما فلما انفتل بعدها رآه قائما يصلي فلما رأى برصيصا شدة اجتهاد الأبيض قال له ما حاجتك؟ قال حاجتي أن تأذن لي فارتفع إليك فأذن له فارتفع إليه في صومعته فأقام حولا يتعبد لا يفطر إلا في كل أربعين يوما مرة ولا ينفتل عن صلاته إلا كذلك وربما مد إلى الثمانين فلما رأى برصيصا اجتهاده تقاصرت إليه نفسه وأعجبه شأن الأبيض فلما حال الحول قال الأبيض لبرصيصا إني منطلق فإن لي صاحبا غيرك ظننت أنك أشد اجتهادا مما رأيت وكان يبلغنا عنك غير الذي رأيت فدخل من ذلك على برصيصا أمر شديد وكره مفارقته لما رأى من كثرة اجتهاد ولما ودعه الأبيض قال له إن عندي دعوات أعلمكها تدعو بهن فهو خير لك مما أنت فيه يشفي اللّه بها السقم ويعافي بها المبتلى والمجنون قال برصيصا أنا أكره هذه المنزلة لأن لي في نفسي شغلا وإني أخاف إن علم الناس شغلوني عن العبادة فلم يزل به الأبيض حتى علمه ثم انطلق حتى أتى إبليس فقال قد واللّه أهلكت الرجل فانطلق الأبيض فتعرض لرجل فخنقه ثم جاء في صورة رجل متطبب فقال لأهله إن بصاحبكم جنونا أفأعالجه؟ قالوا نعم فعالجه فلم يفد فقال لهم إني لا أقوى على جنته ولكن سأرشدكم إلى من يدعو اللّه فيعافيه انطلقوا إلى برصيصا فإن عنده الاسم الذي إذا دعا به أجيب قال انطلقوا إليه فسألوه ذلك فدعا بتلك الكلمات فذهب

عنه الشيطان فكان الأبيض يفعل ذلك بالناس ويرشدهم إلى برصيصا فيدعو لهم فيعافون فانطلق الأبيض فتعرض لجارية من بنات ملوك بني إسرائيل ولها ثلاثة إخوة وكان أبوهم هو الملك فلما مات استخلف أخاه فكان عم تلك الجارية ملك بني إسرائيل فخنقها وعذبها ، ثم جاء إليهم كما كان يأتي الناس في صورة متطبب فقال لهم أعالجها؟ قالوا نعم فقال إن الذي عرض لها مارد لا يطاق ولكن سأرشدكم إلى من تثقون به تدعونها عنده فإذا جاء شيطانها دعا لها فإذا علمتم أنها قد عوفيت تردونها صحيحة قالوا ومن هو؟ قال برصيصا قالوا وكيف لنا أن يجيبنا إلى هذا وهو أعظم شأنا من ذلك قال فانطلقوا فابنوا صومعة إلى جنب صومعته حتى تشرف عليه فإن قبلها وإلا فضعوها في صومعتها وقولوا له هذه أمانة عندك فاحتسب أمانتك قال فانطلقوا فسألوه ذلك فأبى عليهم فبنوا صومعة على ما أمرهم الأبيض ثم انطلقوا فوضعوا الجارية في صومعتها وقالوا يا برصيصا هذه أختنا أمانة عندك فاحتسب فيها ثم انصرفوا فلما انفتل برصيصا عن صلاته حتى عاين الجارية وما هي عليه من الجمال فوقعت في قلبه ودخل عليه أمر عظيم فجاءها الشيطان فخنقها فدعا برصيصا بتلك الدعوات فذهب الشيطان عنها ثم أقبل برصيصا على صلاته فجاءها الشيطان فخنقها فكانت تكشف عن نفسها وتتعرض لبرصيصا فجاءه الشيطان وقال له ويحك واقعها فلم تجد مثلها وستتوب بعد ذلك فتدرك ما تريد من الأمر فلم يزل به حتى واقعها فلم يزل كذلك يأتيها حتى حملت وظهر حملها فقال له الشيطان ويحك يا برصيصا قد افتضحت فهل لك أن تقتلها وتتوب؟ فإن سألوك فقل ذهب بها شيطانها فلم أقف عليه فقتلها ثم انطلق بها فدفنها إلى جانب الجبل فجاء الشيطان وهو يدفنها بالليل فأخذ بطرف إزارها فبقي خارجا من التراب ثم رجع برصيصا إلى صومعته وأقبل على صلاته إذ جاء إخوتها يتعاهدون أختهم وكانوا يجيئون في بعض الأيام يسألون عنها ويوصونه بها فقالوا يا برصيصا ما

فعلت أختنا قال قد جاء شيطانها فذهب بها ولم أطقه فصدقوه وانصرفوا فلما أمسوا وهم مكروبون جاء الشيطان إلى أكبرهم في منامه فقال ويحك إن برصيصا فعل بأختك كذا وكذا وإنه دفنها في موضع كذا وكذا فقال هذا حلم وهو من الشيطان إن برصيصا خير من ذلك فتتابع عليه ثلاث ليال فلم يكترث به فانطلق الشيطان إلى أوسطهم فقال الأوسط مثل ما قال الأكبر ولم يخبر به أحدا فانطلق إلى أصغرهم بمثل ذلك قال الأصغر لأخويه واللّه لقد رأيت كذا وكذا فقال الأوسط أنا واللّه قد رأيت مثله فقال الأكبر أنا واللّه قد رأيت مثله فانطلقوا إلى برصيصا فقالوا يا برصيصا ما فعلت أختنا فقال أليس قد أعلمتكم بحالها فكأنكم قد اتهمتموني فقالوا لا واللّه لا نتهمك واستحيوا منه وانصرفوا فجاءهم الشيطان فقال ويحكم إنها لمدفونة في موضع كذا وكذا وإن طرف

إزارها خرج من التراب فانطلقوا فرأوا أختهم على ما رأوه في النوم فمشوا في مواليهم وغلمانهم معهم الفؤوس والمساحي فهدموا صومعة برصيصا وأنزلوه منها وكتفوه ثم انطلقوا به للملك فأقر على نفسه وذلك أن الشيطان أتاه فوسوس له فقال له تقتلها ثم تكابر يجتمع عليك أمران قتل ومكابرة اعترف فلما اعترف أمر الملك بقتله وصلبه على خشبة فلما صلب أتاه الأبيض فقال يا برصيصا أتعرفني؟ قال لا فقال أنا صاحبك الذي علمتك الدعوات وكنت إذا دعوت بهن يستجاب لك ويحك ما اتقيت اللّه في أمانتك خنت أهلها وإنك زعمت أنك أعبد بني إسرائيل أما استحيت فلم يزل يعيره ويعنفه حتى قال في آخر ذلك ألم يكفك ما صنعت حتى أقررت على نفسك وفضحت أشباهك من الناس وفضحت نفسك فإن مت على هذه الحالة لن تفلح أبدا ولن يفلح أحد من نظرائك قال فكيف أصنع؟ قال تطيعني في خصلة واحدة حتى أخلصك مما أنت فيه فآخذ بأعينهم وأخرجك من مكانك قال وما هي؟ قال تسجد لي قال ما أستطيع أفعل قال بطرفك افعل فسجد له برصيصا فقال يا برصيصا هذا الذي أردت منك صارت عاقبة أمرك إلى أن كفرت بربك ، فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ قال اللّه تعالى :

فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (١٧)

١٧

فَكانَ عاقِبَتَهُما

يعني الشيطان وذلك الإنسان أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ قال ابن عباس ضرب اللّه هذا المثل ليهود بني النضير والمنافقين من أهل المدينة وذلك أن اللّه تعالى أمر نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم بإجلاء بني النضير فدس المنافقون إلى اليهود وقالوا لا تجيبوا محمدا إلى ما دعاكم ولا تخرجوا من دياركم فإن قاتلكم فإنا معكم وإن أخرجكم خرجنا معكم فأجابوهم ودربوا على حصونهم وتحصنوا في ديارهم رجاء نصر المنافقين فخذلوهم وتبرؤوا منهم كما تبرأ الشيطان من برصيصا وخذله فكان عاقبة الفريقين النار قال ابن عباس فكان الرهبان بعد ذلك لا يمشون في بني إسرائيل إلا بالتقية والكتمان وطمع أهل الفسق والفجور في الأحبار ورموهم بالبهتان والقبيح حتى كان من أمر جريج الراهب ما كان فلما برأه اللّه مما رموه به من الزنا انبسطت الرهبان بعده وظهروا للناس وكانت قصة جريج على ما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى ابن مريم وصاحب جريج وصاحب يوسف وكان جريج رجلا صالحا عابدا فاتخذ صومعة فكان فيها فأتته أمه وهو يصلي فيها فقالت يا جريج فقال يا رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فانصرفت فلما كان من الغد أتته فقالت يا جريج فقال يا رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فانصرفت فلما كان من الغد أتته فقالت يا جريج فقال يا رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فقالت اللهم لا تمته حتى ينظر في وجوه المومسات فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها معهم ، فقالت إن شئتم لافتننه لكم قال فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت هو من جريج فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه فقال ما شأنكم فقالوا زنيت بهذه البغيّ فولدت منك فقال أين الصبي فجاؤوا

فقال دعوني حتى أصلي فصلى؟ فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه وقال يا غلام من أبوك قال فلان الراعي قال فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا له نبني لك صومعتك من ذهب قال أعيدوها من طين كما كانت ففعلوا. وبينا صبي يرضع من أمه فمر رجل راكب على دابة فارهة ذو شارة حسنة فقالت أمه اللهم اجعل ابني مثل هذا فترك الثدي وأقبل عليه فنظر إليه فقال اللهم لا تجعلني مثل هذا ثم أقبل على ثديه فجعل يرضع قال فكأني أنظر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يحكي ارتضاعه بإصبعه السبابة في فيه فجعل يمصها قال ومر بجارية وهم يضربونها ويقولون زنيت وسرقت وهي تقول حسبي اللّه ونعم الوكيل فقالت أمه اللهم لا تجعل ابني مثلها فترك الرضاع ونظر إليها فقالت اللهم اجعلني مثلها فهنالك تراجعا الحديث ،

فقالت مر رجل حسن الهيئة فقالت اللهم اجعل ابني مثله فقلت اللهم لا تجعلني مثله ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون زنيت وسرقت فقلت اللهم لا تجعل ابني مثلها فقلت اللهم اجعلني مثلها فقال إن ذلك الرجل كان جبارا فقلت اللهم لا تجعلني مثله وإن هذه يقولون لها زنيت ولم تزن وسرقت ولم تسرق فقلت اللهم اجعلني مثلها) أخرجه مسلم بتمامه وهذا لفظه وأخرجه البخاري مفرقا حديث جريج تعليقا وحديث المرأة وابنها خاصة.

المومسات الزواني جمع مومسة وهي المرأة الفاجرة والبغيّ الزانية أيضا وقوله يتمثل بحسنها أي يتعجب منه ويضرب به المثل وقوله ذو شارة حسنة أي صاحب جمال ظاهر في الهيئة والملبس والمركب ونحو ذلك والجبار العاتي المتكبر القاهر للناس.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩) لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (٢٢)

هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٢٣)

١٨

٢٣

قوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ أي لينظر أحدكم إلى شيء قدم لنفسه من الأعمال عملا صالحا ينجيه أم سيئا يوبقه والمراد بالغد يوم القيامة وقربه على الناس كان يوم القيامة يأتي غدا وكل ما هو آت فهو قريب ، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ قيل كرر الأمر بالتقوى تأكيدا

وقيل معنى الأول اتقوا اللّه في أداء الواجبات ومعنى الثاني واتقوا اللّه فلا تأتوا المنهيات وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ أي تركوا أمر اللّه فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أي أنساهم حظوظ أنفسهم حتى لم يقدموا لها خيرا ينفعها وعنده أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ لما أرشد المؤمنين إلى ما يصلحهم بقوله (و لتنظر نفس ما قدمت لغد هدد الكافرين بقوله نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم بين الفرق بين الفريقين بقوله لا يستوي أصحاب النار يعني الذين هم في العذاب الدائم وأصحاب الجنة يعني الذين هم في النعيم المقيم ثم أتبعه بقوله أصحاب الجنة هم الفائزون ومعلوم أن من جعل له النعيم المقيم فقد فاز فوزا عظيما.

قوله تعالى : لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ قيل معناه أنه لو جعل في الجبل تمييزا وعقلا كما جعل فيكم وأنزل عليه القرآن لخشع أي تطأطأ وخضع وتشقق وتصدع من خشية اللّه والمعنى أن الجبل مع صلابته ورزانته مشقق من خشية اللّه ، وحذر من أن لا يؤدي حق اللّه تعالى في تعظيم القرآن والكافر مستخف بحقه معرض عما فيه من العبر والأحكام كأنه لم يسمعها.

وصفه بقساوة القلب فهو غافل عما يتضمنه القرآن من المواعظ والأمثال والوعيد وتمييز الحق من الباطل والواجب مما لا يجب بأحسن بيان وأوضح برهان ومن وقف على هذا وفهمه أوجب له الخشوع والخشية وهذا تمثيل لأن الجبل لا يتصور منه الخشوع والخشية إلا أن يخلق اللّه تعالى له تمييزا وعقلا يدل على أنه تمثيل.

قوله تعالى : وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ أي الغرض من هذا التمثيل التنبيه على فساد قلوب هؤلاء الكفار وقساوتها وغلظ طباعهم.

ولما وصف القرآن بالعظم أتبعه بوصف عظمته

فقال تعالى : هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ يعني أنه تعالى أعلم بما غاب عن العباد مما لم يعاينوه ولم يعلموه وعلم ما شاهدوه وما علموه

وقيل استوى في علمه تعالى السر والعلانية والموجود والمعدوم

وقيل علم حال الدنيا والآخرة هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ اسمان مشتقان اشتقاقهما من الرحمة وهما صفتان للّه تعالى ومعناهما ذو الرحمة ورحمة اللّه إرادته الخير والنعمة والإحسان إلى خلقه

وقيل إن الرّحمن أشد مبالغة من الرّحيم ولهذا قيل هو رحمن الدنيا ورحيم الآخرة لأن إحسانه تعالى في الدنيا يعم المؤمن والكافر وفي الآخرة يختص إحسانه وإنعامه بالمؤمنين هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ أي المتصرف بالأمر والنهي في جميع خلقه المالك لهم فهم تحت ملكه وقهره وإرادته الْقُدُّوسُ أي الطاهر عن كل عيب المنزه عما لا يليق به

وقيل هو الذي كثرت بركته السَّلامُ أي الذي سلم من النقائص وكل آفة تلحق الخلق.

فإن قلت على هذا التفسير لا يبقى بين القدوس والسلام فرق فيكون كالتكرار وذلك لا يليق بفصاحة القرآن.

قلت الفرق بينهما أن القدوس إشارة إلى براءته عن جميع العيوب والنقائص في الماضي والحاضر والسلام إشارة إلى أنه لا يطرأ عليه شيء من العيوب والنقائص في المستقبل فإن الذي يطرأ عليه شيء من ذلك تزول سلامته ولا يبقى سليما ،

وقيل السلام أي سلم خلقه ممن ظلمه ، الْمُؤْمِنُ قال ابن عباس هو الذي أمن الناس من ظلمه وأمن من آمن به من عذابه

وقيل هو المصدق لرسله بإظهار المعجزات لهم والمصدق للمؤمنين بما وعدهم من الثواب وبما أوعد الكافرين من العذاب الْمُهَيْمِنُ قال ابن عباس أي الشهيد على عباده بأعمالهم الذي لا يغيب عنه شيء

وقيل هو القائم على خلقه برزقه وأنشد في معناه :

ألا إن خير الناس بعد نبيه مهيمنه التاليه في العرب والنكر

أي القائم على الناس بعده

وقيل هو الرقيب الحافظ ،

وقيل هو المصدق

وقيل هو القاضي

وقيل هو بمعنى الأمين والمؤتمن

وقيل بمعنى العلي ومنه قول العباس يمدح النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في أبيات منها :

حتى احتوى بينك المهيمن من خندف عليا زانها النطق

وقيل : المهيمن اسم من أسماء اللّه تعالى هو أعلم بتأويله وأنشدوا في معناه :

جل المهيمن عن صفات عبيده ولقد تعالى عن عقول أولي النهى

راموا بزعمهم صفات مليكهم والوصف يعجز عن مليك لا يرى

الْعَزِيزُ أي الذي لا يوجد له نظير

وقيل الغالب القاهر الْجَبَّارُ قال ابن عباس الجبار هو العظيم وجبروت اللّه عظمته فعلى هذا هو صفة ذات

وقيل هو من الجبر يعني الذي يغني الفقير ويجبر الكسير فعلى هذا هو صفة فعل وهو سبحانه وتعالى كذلك يجبر كل كسير ويغني كل فقير

وقيل هو الذي يجبر الخلق ويقهرهم على ما أراد : وسئل بعضهم عن معنى الجبار فقال هو القهار الذي إذا أراد أمرا فعله لا يحجزه عنه حاجز

وقيل الجبار هو الذي لا ينال ولا يداني والجبار في صفة اللّه تعالى صفة مدح وفي صفة الناس صفة ذم وكذلك الْمُتَكَبِّرُ في صفة الناس صفة ذم لأن المتكبر هو الذي يظهر من نفسه الكبر وذلك نقص في حقه لأنه ليس له كبر ولا علو بل له الحقارة والذلة فإذا أظهر الكبر كان كذابا في فعله فكان مذموما في حق الناس

وأما المتكبر في صفة اللّه تعالى فهو صفة مدح لأن له جميع صفات العلو والعظمة ولهذا قال في آخر الآية سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ كأنه قيل إن بعض الخلق يتكبر فيكون ذلك نقصا في حقه أما اللّه تعالى فله العلو والعظمة والعزة والكبرياء فإن أظهر ذلك

كان ضم كمال إلى كمال قال ابن عباس المتكبر هو الذي تكبر بربوبيته فلا شيء مثله

وقيل هو الذي تكبر عن كل سوء

وقيل هو المتعظم عما لا يليق بجماله وجلاله

وقيل هو المتكبر عن ظلم عباده

وقيل الكبر والكبرياء الامتناع ،

وقيل هو ذو الكبرياء وهو الملك سبحان اللّه عما يشركون أي من ادعاء الكبر لأنفسهم.

هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٤)

٢٤

هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ أي المقدر لما يوجده فهو سبحانه وتعالى قدر أفعاله على وجوه مخصوصة فهو راجع إلى الإرادة ،

وقيل المقدر لقلب الشيء بالتدبير إلى غيره الْبارِئُ أي المخترع المنشئ للأعيان من العدم إلى الوجود الْمُصَوِّرُ أي الذي يخلق صورة الخلق على ما يريده

وقيل معناه الممثل للمخلوقات بالعلامات التي يتميز بعضها عن بعض

وقيل الخالق المبدئ للخلق المخترع له على غير مثال سبق البارئ المنشئ لما يريد بخلقه فيظهره من العدم إلى الوجود المصور لما خلقه وأنشأه على صور مختلفة وأشكال متباينة

وقيل معنى التصوير التخطيط والتشكيل فأولا يكون خلقا ثم برءا ثم تصويرا وإنما قدم الخالق على البارئ لأن تأثير الإرادة مقدم على تأثير القدرة وقدم البارئ على المصور لأن إيجاد الذات مقدم على إيجاد الصفات لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ عن معقل بن يسار رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ الثلاث الآيات من آخر سورة الحشر وكل به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي فإن مات في ذلك اليوم مات شهيدا ومن قالها حين يمسي كان كذلك) أخرجه الترمذي وقال حديث غريب واللّه أعلم.

﴿ ٠