١٠

١١

قوله عز وجل : فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ أي إذا فرغ من صلاة الجمعة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف في حوائجكم وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ يعني الرزق وهذا أمر إباحة قال ابن عباس إن شئت فاخرج وإن شئت فاقعد وإن شئت فصل إلى العصر

وقيل قوله فانتشروا في الأرض ليس لطلب دنيا ولكن لعيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في اللّه

وقيل وابتغوا من فضل اللّه هو طلب العلم وعن عراك بن مالك أنه كان إذا صلّى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد وقال اللهم أجبت دعوتك وصليت فريضتك وانتشرت كما أمرتني فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً أي إذا فرغتم من الصلاة ورجعتم إلى التجارة والبيع والشراء فاذكروا اللّه كثيرا قيل باللسان

وقيل بالطاعة قيل لا تكون من الذاكرين اللّه كثيرا حتى تذكره قائما وقاعدا ومضطجعا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

قوله تعالى : وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً

(ق) عن جابر قال (بينما نحن نصلي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذ أقبلت عير تحمل طعاما فانفتلوا إليها حتى ما بقي مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إلا إثنا عشر رجلا فنزلت هذه الآية وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما)

وفي رواية (أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان يخطب قائما فجاءت عير من الشام وذكر نحوه) وفيه (إلا اثنا عشر رجلا فيهم أبو بكر وعمر) ولمسلم (كنا مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الجمعة فقدمت سويقة قال فخرج الناس إليها فلم يبق إلا اثنا عشر رجلا أنا فيهم) وذكر الحديث وهو حجة من يرى صحة الجمعة باثني عشر رجلا.

وأجيب عنه بأنه ليس فيه بيان أنه أقام بهم الجمعة حتى يكون الحديث حجة لاشتراط هذا العدد وقال ابن عباس في رواية عنه لم يبق في المسجد إلا ثمانية رهط قال الحسن وأبو مالك (أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر فقدم دحية بن خليفة الكلبي بتجارة زيت وطعام من الشام والنبي صلّى اللّه عليه وسلّم يخطب فلما رأوه بالبقيع قاموا إليه خشية أن يسبقوا إليه فلم يبق مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إلا رهط فيهم أبو بكر وعمر ، فنزلت هذه الآية فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم والذي نفس محمد بيده لو تتابعتم حتى لا يبقى منكم أحد لسال بكم الوادي نارا) وقال مقاتل (بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يخطب يوم الجمعة إذ قدم دحية بن خليفة الكلبي من الشام بالتجارة وكان إذا قدم لم تبق عاتق بالمدينة إلا أتته وكان يقدم بكل ما يحتاج إليه من دقيق وبر وزيت وغيره وينزل عند أحجار الزيت وهو مكان في سوق المدينة ثم يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه فيخرج إليه الناس ليبتاعوا منه فقدم ذات جمعة وذلك قبل أن يسلم ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قائم على المنبر يخطب فخرج إليه الناس ولم يبق في المسجد إلا اثنا عشر رجلا وامرأة فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كم بقي في المسجد؟ فقالوا اثني عشر رجلا وامرأة ، فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لولا هؤلاء لسومت لهم الحجارة من السماء فأنزل اللّه هذه الآية) وأراد باللهو الطبل وكانت العير إذا قدمت استقبلوها بالطبل والتصفيق ،

وقوله تعالى انفضوا أي تفرقوا وذهبوا نحوها والضمير في إليها راجع إلى التجارة لأنها أهم إليهم وتركوك قائما اتفقوا على أن القيام كان في الخطبة للجمعة قال علقمة (سئل ابن مسعود أكان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يخطب قائما أو قاعدا؟ قال أما تقرؤون وتركوك قائما) قال العلماء الخطبة فريضة في صلاة الجمعة وقال داود الظاهري هي مستحبة ويجب أن

يخطب الإمام قائما خطبتين يفصل بينهما بجلوس وقال أبو حنيفة وأحمد لا يشترط القيام ولا القعود وتشترط الطهارة في الخطبة عند الشافعي في أحد القولين وأقل ما يقع عليه اسم الخطبة أن يحمد اللّه ويصلي على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ويوصي بتقوى اللّه هذه الثلاث شروط في الخطبتين جميعا ويجب أن يقرأ في الأولى آية من القرآن ويدعو للمؤمنين في الثانية ولو ترك واحدة من هذه الخمسة لم تصح خطبته ولا جمعته عند الشافعي وذهب أبو حنيفة إلى أنه لو أتى بتسبيحة أو تحميدة أو تكبيرة أجزأه وهذا القدر لا يقع عليه اسم الخطبة وهو مأمور بالخطبة والسنة للإمام إذا صعد المنبر أن يستقبل الناس وأن يسلم عليهم خلافا لأبي حنيفة ومالك وهل يحرم الكلام في حال الخطبة فيه خلاف بين العلماء والأصح أنه يحرم على المستمع دون الخاطب ويستحب أن يصلي تحية المسجد إذا دخل والإمام يخطب خلافا لأبي حنيفة ومالك.

(ذكر الأحاديث الواردة الدالة على هذه الأحكام)

(ق) عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال (كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يخطب خطبتين يقعد بينهما)

وفي رواية أخرى (كان يخطب يوم الجمعة وهو قائم ثم يقوم فيتم كما يفعلون الآن)

(م) عن جابر بن سمرة رضي اللّه عنه قال (كانت للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس) زاد في رواية (فمن حدثك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب) ،

(م) عن كعب بن عجرة رضي اللّه عنه أنه دخل المسجد وعبد الرّحمن بن الحكم يخطب جالسا فقال انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعدا وقد قال اللّه تعالى : وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً ،

(م) عن جابر بن سمرة رضي اللّه عنه قال (كنت أصلي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الصلاة فكانت صلاته قصدا وخطبته قصدا) زاد أبو داود ويقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء) أخرجه أبو داود والترمذي ولأبي داود عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (كل

كلام لا يبدأ فيه بالحمد للّه فهو أجذم) عن ابن مسعود رضي اللّه عنه (أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا تشهد قال الحمد للّه نستعينه ونستغفره ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا من يهدي اللّه فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة من يطع اللّه ورسوله فقد رشد ومن يعصيهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر اللّه شيئا)

وفي رواية أن يونس سأل ابن شهاب عن تشهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الجمعة فذكر نحوه وقال فيه (و من يعصيهما فقد غوى ونسأل اللّه ربنا أن يجعلنا ممن يطيعه ويطيع رسوله ويتبع رضوانه ويجتنب سخطه إنما نحن به وله) أخرجه أبو داود

(م) عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال (كانت خطبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الجمعة يحمد اللّه ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول على أثر ذلك وقد علا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ويقول بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى ويقول أما بعد فإن خير الحديث كتاب اللّه وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ثم يقول أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فإليّ وعليّ) عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال (كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا أخرجه الترمذي

(ق) عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة انصت والإمام يخطب فقد لغوت) عن نافع أن ابن عمر رأى رجلين يتحدثان والإمام يخطب يوم الجمعة فحصبهما أن اصمتا أخرجه مالك في الموطأ قال ابن شهاب خروج الإمام يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام (فأما صفة صلاة الجمعة) فركعتان يجهر فيهما بالقراءة ولجواز الجمعة خمس

شروط الوقت وهو وقت الظهر ما بين زوال الشمس إلى دخول وقت العصر والعدد والإمام والخطبة ودار الإقامة فإن فقد شرط من هذه الشروط لخمس يجب أن يصلي ظهرا ولا يجوز للإمام أن يبتدئ الخطبة قبل تمام العدد وهو أربعون عند الشافعي فلو اجتمعوا وخطب بهم ثم انفضوا قبل افتتاح الصلاة أو انفض واحد من العدد لا يجوز أن يصلي بهم الجمعة بل يصلي الظهر ولو افتتح بهم الصلاة ثم انفضوا فأصح أقوال الشافعي أن بقاء الأربعين شرط إلى آخر الصلاة كما أن بقاء الوقت شرط إلى آخر الصلاة فلو نقص واحد قبل أن يسلم الإمام يجب على الباقين أن يصلوها ظهرا ، وفيه قول آخر وهو أنه إن بقي معه اثنان أتمها جمعة

وقيل إن بقي معه واحد أتمها جمعة وعند المزني إن انفضوا بعد ما صلّى بهم الإمام ركعة أتمها جمعة وإن بقي وحده وإن كان في الركعة الأولى يتمها أربعا وإن انفض من العدد واحدا ، وبه قال أبو حنيفة لكن في العدد الذي يشترط كالمسبوق إذا أدرك مع الإمام ركعة من الجمعة فإذا سلم الإمام أتمها جمعة وإن أدرك أقل من ركعة أتمها أربعا

(خ) عن أنس رضي اللّه عنه (أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس)

(م) عن عبيد اللّه بن أبي رافع قال (استخلف مروان أبا هريرة على المدينة وخرج إلى مكة فصلى بنا أبو هريرة الجمعة فقرأ بعد الحمد سورة الجمعة في الأولى وإذا جاءك المنافقون في الثانية قال فأدركت أبا هريرة حين انصرف فقلت له إنك

قرأت سورتين كان علي بن أبي طالب يقرأ بهما في الكوفة فقال أبو هريرة إني سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ بهما يوم الجمعة) ،

(م) عن النعمان بن بشير رضي اللّه تعالى عنه قال (كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية قال وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما في الصلاتين) عن سمرة بن جندب رضي اللّه عنهما (أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقرأ في الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل

أتاك حديث الغاشية) أخرجه أبو داود والنسائي.

وقوله تعالى : قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ أي ما عند اللّه من الثواب والأجر على الصلاة والثبات مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ الذي جاء بهما دحية وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ يعني أنه تعالى موجد الأرزاق وأصلها منه فإياه فاسألوا ومنه فاطلبوا ، واللّه تعالى أعلم.

﴿ ١٠