سورة الملكمكية وهي ثلاثون آية وثلاثمائة وثلاثون كلمة وألف وثلاثمائة وثلاثة عشر حرفا. عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (إن من القرآن سورة ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي تبارك الذي بيده الملك) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن ولأبي داود نحوه ، وفيه (تشفع لصاحبها) عن ابن عباس قال (ضرب بعض أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر فإذا هو قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فأتى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال يا رسول اللّه ضربت خبائي على قبر إنسان وأنا لا أحسب أنه قبر فإذا هو قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر) أخرجه الترمذي وقال حديث غريب. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (٢) ١٢قوله عز وجل : تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ أي له الأمر والنهي والسلطان فيعز من يشاء ويذل من يشاء وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي من الممكنات الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ قيل أراد موت الإنسان وحياته في الدنيا جعل اللّه الدنيا دار حياة وفناء وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء وإنما قدم الموت لأنه أقرب إلى قهر الإنسان ، وقيل قدمه لأنه أقدم وذلك لأن الأشياء كانت في الابتداء في حكم الموتى كالتراب والنطفة والعلقة ونحو ذلك ثم طرأ عليها الحياة وقال ابن عباس خلق الموت على صورة كبش أملح لا يمر بشيء ولا يجد ريحه شيء إلا مات وخلقت الحياة على صورة فرس بلقاء وهي التي كان جبريل والأنبياء يركبونها لا تمر بشيء ولا يجد ريحها شيء إلا حيي وهي التي أخذ السامري قبضة من أثرها فألقاها في العجل فخار وحيي وقيل إن الموت صفة وجودية مضادة للحياة ، وقيل الموت عبارة عن زوال القوة الحيوانية وإبانة الروح عن الجسد وضده الحياة وهي القوة الحساسة مع وجود الروح في الجسد وبه سمي الحيوان حيوانا وقيل إن الموت نعمة لأن الفاصل بين حال التكليف في هذه الدار وحال المجازاة في دار القرار والحياة أيضا نعمة إذ لو لاها لم يتنعم أحد في الدنيا ولم يصل إليه الثواب في الآخرة لِيَبْلُوَكُمْ أي ليختبركم فيما بين الحياة إلى الموت أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا روي عن ابن عمر مرفوعا أحسن عملا أحسن عقلا وأورع عن محارم اللّه وأسرع في طاعته وقال الفضيل بن عياض أحسن عملا أخلصه وأصوبه ، وقال أيضا العمل لا يقبل حتى يكون خالصا صوابا فالخالص إذا كان للّه والصواب إذا كان على السنة وقيل أيكم أزهد في الدنيا وَهُوَ الْعَزِيزُ أي الغالب المنتقم ممن عصاه الْغَفُورُ أي لمن تاب إليه ورجع عن إساءته. الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (٤) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ (٥) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (٧) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) ٣٨قوله تعالى : الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً يعني طبقا على طبق بعضها فوق بعض كل سماء مقبية على الأخرى وسماء الدنيا كالقبة على الأرض قال كعب الأحبار سماء الدنيا موج مكفوف والثانية مرمرة بيضاء والثالثة حديد والرابعة صفر أو قال نحاس والخامسة فضة والسادسة ذهب والسابعة ياقوتة حمراء وما بين السماء إلى الحجب السبعة صحار من نور ، ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ أي ما ترى يا ابن آدم في شيء مما خلق الرّحمن اعوجاجا ولا اختلافا ولا تناقضا بل خلقهن مستقيمة مستوية فَارْجِعِ الْبَصَرَ أي كرر النظر هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ أي من شقوق وصدوع ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ قال ابن عباس مرة بعد مرة يَنْقَلِبْ أي ينصرف إِلَيْكَ فيرجع الْبَصَرُ خاسِئاً أي صاغرا ذليلا مبعدا لم ير ما يهوي وَهُوَ حَسِيرٌ أي كليل منقطع لم يدرك ما طلب وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا أي القربى من الأرض وهي التي يراها الناس بِمَصابِيحَ أي بكواكب كالمصابيح في الإضاءة وهي أعلام الكواكب ، وقال ابن عباس بنجوم لها نور وقيل خلق اللّه النجوم لثلاث زينة للسماء وعلامات يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ورجوما للشياطين وهو قوله تعالى : وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ قال ابن عباس : يرجم بها الشياطين الذين يسترقون السمع. فإن قلت جعل الكواكب زينة للسماء يقتضي بقاءها وجعلها رجوما للشياطين يقتضي زوالها فكيف الجمع بين هاتين الحالتين. قلت قالوا إنه ليس المراد أنهم يرمون بأجرام الكواكب بل يجوز أن تنفصل من الكواكب شعلة وترمي الشياطين بتلك الشعلة وهي الشهب ومثلها كمثل قبس يؤخذ من النار وهي على حالها وَأَعْتَدْنا لَهُمْ أي وأعتدنا للشياطين بعد الاحتراق في الدنيا عَذابَ السَّعِيرِ أي في الآخرة وهي النار الموقدة وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أي ليس العذاب مختصا بالشياطين بل لكل من كفر باللّه من إنس وجن عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ثم وصف جهنم فقال تعالى : إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً هو أول صوت نهيق الحمار وذلك أقبح الأصوات وَهِيَ تَفُورُ أي تغلي بهم كغلي المرجل وقيل تفور بهم كما يفور الماء الكثير بالحب القليل ، تَكادُ تَمَيَّزُ أي تتقطع مِنَ الْغَيْظِ من تغيظها عليهم كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ أي جماعة سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها يعني سؤال توبيخ وتقريع أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ أي رسول ينذركم. قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (١٠) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (١١) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦) ٩١٦قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا يعني للرسول ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وهذا اعتراف منهم بأنه أزاح عللهم ببعثة الرسل ولكنهم كذبوا وقالوا ما نزل اللّه من شيء إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ فيه وجهان أحدهما وهو الأظهر أنه من جملة قول الكفار للرسل والثاني يحتمل أن يكون من كلام الخزنة للكفار والمعنى لقد كنتم في الدنيا في ضلال كبير وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أي من الرسل ما جاءوا به أَوْ نَعْقِلُ أي نفهم منهم ، قال ابن عباس لو كنا نسمع الهدى أو نعقله فنعمل به ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ وقيل معناه لو كنا نسمع سمع من يعي ونعقل عقل من يميز وننظر ونتفكر ما كنا في أصحاب السعير فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ هو في معنى الجمع أي بتكذيبهم الرسل وقولهم (ما نزل اللّه من شي ء) فَسُحْقاً أي بعدا لِأَصْحابِ السَّعِيرِ قوله عز وجل : إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ أي يخافون ربهم ولم يروه فيؤمنوا به خوفا من عذابه لَهُمْ مَغْفِرَةٌ أي لذنوبهم وَأَجْرٌ كَبِيرٌ يعني جزاء أعمالهم الصالحة وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ قال ابن عباس نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيخبره جبريل بما قالوا فقال بعضهم لبعض أسروا قولكم كي لا يسمع إله محمد فأخبره اللّه أنه لا يخفى عليه خافية فقال تعالى : إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ثم أكد ذلك بقوله تعالى : أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ يعني ألا يعلم من خلق مخلوقه ، وقيل ألا يعلم اللّه من خلق والمعنى ألا يعلم اللّه ما في صدور من خلق وَهُوَ اللَّطِيفُ أي باستخراج ما في الصدور الْخَبِيرُ بما فيها من السر والوسوسة. قوله تعالى : هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا الذلول المنقاد من كل شيء والمعنى جعلها لكم سهلة لا يمتنع المشي فيها لحزونتها وغلظها فَامْشُوا فِي مَناكِبِها أمر إباحة وكذا قوله وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ومناكبها جوانبها وأطرافها ونواحيها وقيل طرقها وفجاجها وقال ابن عباس جبالها والمعنى هو الذي سهل لكم السلوك في جبالها وهو أبلغ التذلل وكلوا من رزقه أي مما خلقه اللّه لكم في الأرض وَإِلَيْهِ النُّشُورُ أي وإليه تبعثون من قبوركم ثم خوف كفار مكة فقال تعالى : أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ قال ابن عباس يعني عقاب من في السماء إن عصيتموه أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ أي تتحرك بأهلها وقيل تهوي بهم والمعنى أن اللّه تعالى يحرك الأرض عند الخسف بهم حتى يقلبهم إلى أسفل وتعلو الأرض عليهم وتمور فوقهم أي تجيء وتذهب. أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩) أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (٢٠) أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧) ١٧٢٧أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً يعني ريحا ذات حجارة كما فعل بقوم لوط فَسَتَعْلَمُونَ أي عند الموت في الآخرة كَيْفَ نَذِيرِ أي إنذاري إذا عاينتم العذاب وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي من قبل كفار مكة وهم الأمم الخالية فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ أي إنكاري عليهم أليس وجدوا العذاب حقا. قوله عز وجل : أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ أي باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها وَيَقْبِضْنَ أي يضممن أجنحتهن إذا ضربن بهن جنوبهن بعد البسط ما يُمْسِكُهُنَّ أي حال القبض والبسط إِلَّا الرَّحْمنُ والمعنى : أن الطير مع ثقلها وضخامة جسمها لم يكن بقاؤها وثبوتها في الجو إلا بإمساك اللّه عز وجل إياها وحفظه لها إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ يعني أنه تعالى لا تخفى عليه خافية أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ استفهام إنكار أي لا جند لكم يَنْصُرُكُمْ أي يمنعكم مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ أي من عذاب اللّه قال ابن عباس أي من ينصركم مني إن أردت عذابكم إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ أي من الشيطان يغرهم بأن العذاب لا ينزل بهم أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ يعني من ذا الذي يرزقكم المطر إن أمسكه اللّه عنكم بَلْ لَجُّوا أي تمادوا فِي عُتُوٍّ أي نبو وتكبر وَنُفُورٍ أي تباعد عن الحق ثم ضرب مثلا للكافر والمؤمن فقال تعالى : أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أي كابا رأسه في الضلالة والجهالة أعمى القلب والعين لا يبصر يمينا ولا شمالا وهو الكافر أكب على الكفر والمعاصي في الدنيا فحشره اللّه على وجهه يوم القيامة أَهْدى أي هو أهدى ، أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا أي قائما معتدلا لا يبصر الطريق عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يعني المؤمن يمشي يوم القيامة سويا قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ أي خلقكم وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ يعني أنه تعالى ركب فيكم هذه القوى لكنكم ضيعتموها فلم تقبلوا ما سمعتموه ولا اعتبرتم بما أبصرتموه ولا تأملتم ما عقلتموه فكأنكم ضيعتم هذه النعم فاستعملتموها في غير ما خلقت له فلهذا قال قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ وذلك لأن شكر نعم اللّه صرفها في وجه مرضاته فلما صرفتموها في غير مرضاته فكأنكم ما شكرتم رب هذه النعم الواهب لها قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ أي خلقكم وبثكم فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ أي يوم القيامة والمعنى أن القادر على الإبداء قادر على الإعادة وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ هذا سؤال يحتمل وجهين : أحدهما أنه سؤال عن نزول العذاب بهم والثاني أنه سؤال عن يوم القيامة فأجاب اللّه عن ذلك بقوله قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أمره بإضافة العلم إلى اللّه تعالى وتبليغ ما أوحي إليه فَلَمَّا رَأَوْهُ يعني العذاب في الآخرة على قول أكثر المفسرين ، وقيل يعني العذاب ببدر زُلْفَةً أي قريبا سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا أي اسودت وعلتها الكآبة والمعنى قبحت وجوههم بالسواد وَقِيلَ لهم أي وقالت لهم الخزنة هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ من الدعاء أي تتمنون وتطلبون أن يعجله لكم وقيل من الدعوى أي تدعون أنه باطل. قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (٣٠) ٢٨٣٠قُلْ يا محمد لمشركي مكة الذين يتمنون هلاكك أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أي من المؤمنين أَوْ رَحِمَنا أي فأبقانا وأخر في آجالنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ أي إنه واقع بهم لا محالة وقيل في معنى الآية قل أرأيتم إن أهلكني اللّه أي فعذبني ومن معي أو رحمنا أي فغفر لنا فنحن مع إيماننا خائفون أن يهلكنا بذنوبنا لأن حكمه نافذ فينا فمن يجيركم أو يمنعكم من عذاب أليم وأنتم كافرون وهذا قول ابن عباس ، قُلْ أي قل لهم في إنكارك عليهم وتوبيخك لهم هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا أي نحن آمنا به وعبدناه وأنتم كفرتم به فَسَتَعْلَمُونَ أي عند معاينة العذاب مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي نحن أم أنتم وهذا تهديد لهم ثم ذكرهم ببعض نعمه عليهم على طريق الاحتجاج فقال تعالى : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ قيل يريد ماء زمزم وقيل غيرها من المياه غَوْراً أي غائرا ذاهبا في الأرض لا تناله الأيدي ولا الدلاء فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ أي ظاهر تراه العيون وتناله الأيدي والدلاء ، وقال ابن عباس معين أي جار والمقصود من الآية أن يجعلهم مقرين ببعض نعمه عليهم ويريهم قبح ما هم عليه من الكفر والمعنى أخبروني إن صار ماؤكم ذاهبا في الأرض فمن يأتيكم بماء معين فلا بد أن يقولوا هو اللّه تعالى فيقال لهم حينئذ فلم تجعلون معه من لا يقدر على شيء أصلا شريكا له في العبودية فهذا محال ، واللّه أعلم. |
﴿ ٠ ﴾