سورة ن

مكية وهي اثنان وخمسون آية وثلاثمائة كلمة وألف ومائتان وستة وخمسون حرفا

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١)

١

قوله عز وجل : ن قال ابن عباس هو الحوت الذي على ظهره الأرض وعنه (إن أول ما خلق اللّه القلم فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة ثم خلق النون فبسط الأرض على ظهره فتحرك النون فمادت الأرض فأثبتت الجبال فإن الجبال لتفخر على الأرض ثم قرأ ن والقلم وما يسطرون) قيل اسم النون بهموت

وقيل لوثيا وعن علي بلهوث.

قال أصحاب السير والأخبار : لما خلق اللّه الأرض وفتقها سبع أرضين بعث من تحت العرش ملكا فهبط إلى الأرض حتى دخلت تحت الأرضين السبع وضبطها فلم يكن لقدميه موضع قرار فأهبط اللّه تعالى من الفردوس ثورا له أربعون ألف قرن وأربعون ألف قائمة وجعل قرار قدم الملك على سنامه فلم تستقر قدمه فأخذ اللّه ياقوتة خضراء من أعلى درجة الفردوس غلظها مسيرة خمسمائة سنة وفوضعها بين سنام الثور إلى أذنه فاستقر عليها قدما الملك وقرون ذلك الثور خارجة من أقطار الأرض ومنخراه في البحر فهو يتنفس كل يوم نفسا فإذا تنفس مد البحر وإذا رد نفسه جزر البحر فلم يكن لقوائم الثور قرار فخلق اللّه تعالى صخرة كغلظ سبع سموات وسبع أرضين فاستقرت قوائم الثور عليها وهي الصخرة التي قال لقمان لابنه فتكن في صخرة فلم يكن للصخرة مستقر فخلق اللّه تعالى نونا وهو الحوت العظيم فوضع الصخرة على ظهره وسائر جسده خال والحوت على البحر والبحر على متن الريح والريح على القدرة قيل فكل الدنيا بما عليها حرفان قال لها الجبار سبحانه وتعالى وتنزه وتقدس كوني فكانت.

قال كعب الأحبار : إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهر الأرض فوسوس إليه فقال له أتدري ما على ظهرك يا ليوثا من الأمم والدواب والشجر والجبال لو نفضتهم لألقيتهم على ظهرك فهم ليوثا أن يفعل ذلك فبعث له دابة فدخلت منخره فوصلت إلى دماغه فعج الحوت إلى اللّه تعالى منها فأذن لها فخرجت قال كعب الأحبار فو الذي نفسي بيده إنه لينظر إليها وتنظر إليه إن هم بشيء من ذلك عادت كما كانت وعن ابن عباس أيضا أن النون هو الدواة ومنه قول الشاعر :

إذا ما الشوق برح بي إليهم ألقت النون بالدمع السجام

أراد بالنون الدواة وعن ابن عباس أيضا أن نونا حرف من حروف الرّحمن إذا جمعت الرّحمن

وقيل هو

مفتاح اسمه ناصر ونصير

وقيل اسم للسورة وَالْقَلَمِ هو القلم الذي كتب اللّه به الذكر وهو قلم من نور طوله ما بين السماء والأرض ويقال أول ما خلق اللّه القلم فنظر إليه فانشق نصفين ثم قال اجر بما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى على اللوح المحفوظ بذلك وإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه وَما يَسْطُرُونَ أي وما يكتب الحفظة من أعمال بني آدم

وقيل إن حملنا القلم على ذلك القلم المعين فيحتمل أن يكون المراد وما يسطرون فيه وهو اللوح المحفوظ ويكون الجمع في وما يسطرون للتعظيم لا للجمع.

ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)

٢

٤

ما أَنْتَ يا محمد بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ هذا جواب القسم أقسم اللّه بنون والقلم وما يسطرون وما أنت بنعمة ربك بمجنون وهو رد لقولهم يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ والمعنى إنك لا تكون مجنونا قد أنعم اللّه عليك بالنبوة والحكمة فنفى عنه الجنون

وقيل معناه ما أنت بمجنون والنعمة للّه وهو كما يقال ما أنت بمجنون والحمد للّه

وقيل إن نعمة اللّه كانت ظاهرة عليه من الفصاحة التامة والعقل الكامل والسيرة المرضية والأخلاق الحميدة والبراءة من كل عيب والاتصاف بكل مكرمة وإذا كانت هذه النعم محسوسة ظاهرة فوجودها ينفي حصول الجنون فنبه اللّه تعالى بهذه الآية على كونهم كاذبين في قولهم إنك لمجنون وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ أي غير منقوص ولا مقطوع ومنه قول لبيد :

عبس كواسب ما يمن طعامها أي ما يقطع يصف بذلك كلابا ضارية ،

وقيل في معنى الآية إنه غير مكدر عليك بسبب المنة والقول هو الأول ومعناه إن لك على احتمالك الطعن وصبرك على هذا القول القبيح وافترائهم عليك أجرا عظيما دائما لا ينقطع ،

وقيل إن لك على إظهار النبوة وتبليغ الرسالة ودعاء الخلق إلى اللّه تعالى والصبر على ذلك وبيان الشرائع لهم أجرا عظيما فلا تمنعك نسبتهم إياك إلى الجنون عن الاشتغال بهذا الأمر العظيم الذي قد حملته ثم وصفه بما يخالف حال المجنون

فقال تعالى : وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ وهذا كالتفسير لقوله ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ لأن الأخلاق الحميدة والأفعال المرضية كانت ظاهرة عليه ومن كان كذلك لم تجز إضافة الجنون إليه ولما كانت أخلاق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كاملة حميدة وأفعاله المرضية الجميلة وافرة وصفها اللّه تعالى بأنها عظيمة وحقيقة الخلق قوى نفسانية يسهل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الحميدة والآداب المرضية فيصير ذلك كالخلقة في صاحبه ويدخل في حسن الخلق التحرز من الشح والبخل والتشديد في المعاملات ويستعمل في حسن الخلق التحبب إلى الناس بالقول والفعل والبذل وحسن الأدب والمعاشرة بالمعروف مع الأقارب والأجانب والتساهل في جميع الأمور والتسامح بما يلزم من الحقوق وترك التقاطع والتهاجر واحتمال الأذى من الأعلى والأدنى مع طلاقة الوجه وإدامة البشر فهذه الخصال تجمع جميع محاسن الأخلاق ومكارم الأفعال ولقد كان جميع ذلك في رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولهذا وصفه اللّه تعالى بقوله وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ، وقال ابن عباس معناه على دين عظيم لا دين أحب إليّ ولا أرضى عندي منه وهو دين الإسلام وقال الحسن هو آداب القرآن سئلت عائشة رضي اللّه عنها عن خلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت كان خلقه القرآن وقال قتادة

هو ما كان يأتمر من أوامر اللّه وينتهي عنه من مناهي اللّه تعالى والمعنى وإنك لعلى الخلق الذي أمرك اللّه به في القرآن

وقيل سمى اللّه خلقه عظيما لأنه امتثل تأديب اللّه إياه بقوله خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ واللّه سبحانه وتعالى أعلم.

(فصل : في فضل حسن الخلق وما كان عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم) من ذلك ما روى جابر أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال (إن اللّه بعثني لتمام مكارم الأخلاق وتمام محاسن الأفعال)

(م) عن

النواس بن سمعان قال (سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن البر والإثم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس) ، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم) أخرجه أبو داود وعنها قالت : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (إن من أكمل الناس إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن.

عن أبي الدرداء أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإن اللّه تعالى يبغض الفاحش البذي ء) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ، وله عن جابر رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (إن من أحبكم إلى اللّه وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا) ،

(ق) عن البراء رضي اللّه عنه قال (كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا ليس بالطويل ولا بالقصير)

(ق) عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما قال (إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يكن فاحشا ولا متفحشا) وكان يقول (خياركم أحاسنكم أخلاقا)

(ق) عن أنس رضي اللّه عنه قال (خدمت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عشر سنين واللّه ما قال لي أف قط ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا) زاد الترمذي (و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من أحسن الناس خلقا وما مسست خزا قط ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولا شممت مسكا قط ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم) ،

(خ) عنه قال (إن كانت الأمة لتأخذ بيد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فتنطلق به حيث شاءت) زاد في رواية (و يجيب إذا دعي) وعنه قال (كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع يده ولا يصرف وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه ولم ير مقدما ركبتيه بين يدي جليس له) أخرجه الترمذي ،

(ق) عن عائشة رضي اللّه تعالى عنها قالت (ما خير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة اللّه فينتقم) ، زاد مسلم عنها (و ما ضرب

رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل اللّه تعالى)

(ق) عن أنس قال (كنت أمشي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال اللّه الذي عندك فالتفت إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وضحك وأمر له بعطاء) ،

(ق) عنه رضي اللّه عنه قال (كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أحسن الناس خلقا وكان لي أخ يقال له أبو عمير وكان فطيما كان إذا جاءنا قال يا أبا عمير ما فعل النغير لنغير كان يلعب به) النغير طائر صغير يشبه العصفور إلا أنه أحمر المنقار

(م) عن الأسود قال (سألت عائشة ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يفعل في بيته؟ قالت : كان يكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج إلى الصلاة) المهنة الخدمة عن عبد اللّه بن الحارث بن جزء قال (ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم) أخرجه الترمذي

قوله تعالى :

فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨)

٥

٨

فَسَتُبْصِرُ أي يا محمد وَيُبْصِرُونَ يعني أهل مكة إذا نزل بهم العذاب بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ قال ابن عباس معناه بأيكم المجنون

وقيل الباء بمعنى (في) معناه فستبصر ويبصرون في أي الفريقين المجنون في فريقك أو فريقهم

وقيل المفتون هو الشيطان الذي فتن بالجنون إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ معناه إنهم رموه بالجنون والضلال ووصفوا أنفسهم بالعقل والهداية فأعلم اللّه تعالى أنه هو العالم بالفريقين الضال والمهتدي والمجنون والعاقل فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ يعني مشركي مكة وذلك أنهم دعوه إلى دين آبائه فنهاه اللّه أن يطيعهم.

وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (١٠)

٩

١٠

وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ أصل الإدهان اللين والمصانعة والمقاربة في الكلام

وقيل أدهن الرجل في دينه وداهن في أمره إذا خان فيه وأظهر خلاف ما أبطن ومعنى الآية أنهم تمنوا أن تترك بعض ما أنت عليه مما لا يرضونه مصانعة لهم فيفعلوا مثل ذلك ويتركوا بعض ما لا ترضى به فتلين لهم ويلينون لك

وقيل معناه ودوا لو تكفر فيكفرون وهو أن تعبد آلهتهم مدة ويعبدون اللّه مدة وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ أي كثير الحلف بالباطل مَهِينٍ أي ضعيف حقير ذليل

وقيل هو من المهانة وهي قلة الرأي والتمييز وقال ابن عباس كذاب وهو قريب من الأول لأن الإنسان إنما يكذب لمهانة نفسه عليه قيل هو الوليد بن المغيرة

وقيل هو الأسود بن عبد يغوث

وقيل هو الأخنس بن شريق.

هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (١٣) أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥)

١١

١٥

هَمَّازٍ أي مغتاب يأكل لحوم الناس بالطعن والعيب

وقيل هو الذي يغمز بأخيه في المجلس مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ أي فتان يسعى بالنميمة ليفسد بين الناس مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ أي بخيل بالمال وقال ابن عباس مناع للخير أي يمنع ولده وعشيرته عن الإسلام يقول لئن دخل واحد منكم في دين محمد لا أنفعه بشيء أبدا ، مُعْتَدٍ أي ظلوم يتعدى الحق أَثِيمٍ أي فاجر يتعاطى الإثم عُتُلٍّ أي غليظ جاف

وقيل هو الفاحش السيئ الخلق

وقيل هو الشديد في الخصومة بالباطل

وقيل هو الشديد في كفره

وقيل العتل الأكول الشروب القوي الشديد ولا يزن في الميزان شعيرة يدفع الملك من أولئك سبعين ألفا في النار دفعة واحدة بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ أي مع ما وصفناه به من الصفات المذمومة زنيم وهو الدعي الملصق في القوم وليس منهم قال ابن عباس يريد مع هذا هو دعي في قريش وليس منهم قيل إنما ادعاه أبوه بعد ثمان عشرة سنة

وقيل الزنيم هو الذي له زنمة كزنمة الشاة وقال ابن عباس في هذه الآية نعت من لا يعرف حتى قيل زنيم فعرف وكانت له زنمة في عنقه يعرف بها وعنه أيضا قال يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها قال ابن قتيبة لا نعلم أن اللّه وصف أحدا ولا ذكر من عيوبه مثل ما ذكر من عيوب الوليد بن المغيرة فألحق به عارا لا يفارقه في الدنيا ولا في الآخرة أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ قرئ على الخبر ومعناه فلا تطع كل حلاف مهين لأن كان ذا مال وبنين أي لا تطعه لماله وبنيه وقرئ أأن كان ذا مال وبنين بالاستفهام ومعناه ألأن كان ذا مال وبنين إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أي جعل مجازاة النعم التي خولها من المال والبنين الكفر

بآياتنا

وقيل لأن كان ذا مال وبنين تطيعه ثم أوعده

فقال تعالى :

سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦) إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠)

١٦

٢٠

سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ أي على الأنف والمعنى نسود وجهه فنجعل له علما يعرف به في الآخرة وهو سواد الوجه فعبر بالأنف عن الوجه وقال ابن عباس سنسمه بالسيف وفعل به ذلك يوم بدر ،

وقيل معناه سنلحق به شيئا لا يفارقه أي سنسمه ميسم سوء يريد نلحق به عارا لا يفارقه كما أن السمة لا تمحى ولا يعفى أثرها.

وقد ألحق اللّه به بما ذكر من عيوبه عارا لا يفارقه في الدنيا ولا في الآخرة كالوسم على الخرطوم الذي لا يخفى قط

وقيل معناه سنكويه على وجهه.

وقوله تعالى : إِنَّا بَلَوْناهُمْ أي اختبرنا أهل مكة بالقحط والجوع كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ روي عن

ابن عباس في

قوله تعالى : إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ قال بستان باليمن يقال له الضروان دون صنعاء بفرسخين يطؤه أهل الطريق وكان غرسه قوم من أهل الصلاة وكان لرجل فمات فورثه ثلاث بنين له وكان يترك للمساكين إذا صرموا نخلهم كل شيء تعداه المنجل إذا طرح من فوق النخل إلى البساط وكل شيء يخرج من المنجل إلى البساط فهو أيضا للمساكين وإذا حصدوا زرعهم فكل شيء تعداه المنجل فهو للمساكين وإذا داسوه كان لهم كل شيء ينتثر أيضا فلما مات الأب وورثه بنوه هؤلاء الإخوة الثلاثة قالوا واللّه إن المال قليل وإن العيال كثير وإنما كان هذا الأمر يفعل لما كان المال كثيرا والعيال قليلا فأما إذا قل المال وكثر العيال فإنا لا نستطيع أن نفعل فتحالفوا بينهم يوما أن يغدوا غدوة قبل خروج الناس فليصر من نخلهم فذلك

قوله تعالى : إِذْ أَقْسَمُوا أي تحالفوا لَيَصْرِمُنَّها أي ليقطعن ثمرها مُصْبِحِينَ أي إذا أصبحوا قبل أن يخرج إليهم المساكين وقبل أن يعلم بها المساكين ، وَلا يَسْتَثْنُونَ أي ولم يقولوا إن شاء اللّه

وقيل لا يستثنون شيئا للمساكين من ثمر جنتهم فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ أي عذاب من ربك ولا يكون الطائف إلا بالليل وهو

قوله تعالى : وَهُمْ نائِمُونَ وكان ذلك الطائف نارا أنزلت من السماء فأحرقتها وهو

قوله تعالى : فَأَصْبَحَتْ أي الجنة كَالصَّرِيمِ أي كالليل الأسود المظلم

وقيل تصرم منها الخير فليس فيها شيء ينتفع به وقال ابن عباس كالرماد الأسود وهو بلغة خزيمة.

فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥)

فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (٢٨) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠)

قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (٣١)

٢١

٣١

فَتَنادَوْا أي فنادى بعضهم بعضا مُصْبِحِينَ يعني لما أصبحوا أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ يعني الثمار والزرع والأعناب إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ أي قاطعين ثماركم فَانْطَلَقُوا أي مشوا إليها وَهُمْ يَتَخافَتُونَ أي يتسارون يقول بعضهم لبعض سرا أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ أي على قصد ومنع

وقيل معناه على جد وجهد

وقيل على أمر مجتمع قد أسسوه بينهم

وقيل على حنق وغضب من المساكين وقال ابن عباس على قدرة قادِرِينَ أي عند أنفسهم على جنتهم وثمارها لا يحول بينهم وبينها أحد فَلَمَّا رَأَوْها أي رأوا الجنة محترقة قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ أي لمخطئون الطريق أضللنا عن مكان جنتنا وليست هذه جنتنا بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أي قال بعضهم قد حرمنا خيرها ونفعها بمنعنا المساكين وتركنا الاستثناء قالَ أَوْسَطُهُمْ أي أعدلهم وأعقلهم وأفضلهم أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ أي هلا تستثنون أنكر عليهم ترك الاستثناء في قولهم ليصرمنها مصبحين سماه تسبيحا لأنه تعظيم للّه وإقرار بأنه لا يقدر أحد على شيء إلا بمشيئته ، وعلى التفسير الثاني أن الاستثناء بمعنى لا يتركون شيئا للمساكين من ثمر جنتهم يكون معنى لولا تسبحون أي تتوبون وتستغفرون اللّه من ذنوبكم وتفريطكم ومنعكم حق المساكين

وقيل كان استثناؤهم سبحان اللّه

وقيل هلا تسبحون اللّه وتشكرونه على ما أعطاكم من نعمه قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا معناه أنهم نزهوه عن الظلم فيما فعل وأقروا على أنفسهم بالظلم فقالوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ أي بمنعنا المساكين حقوقهم فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ أي يلوم بعضهم بعضا قالُوا يا وَيْلَنا دعوا على أنفسهم بالويل إِنَّا كُنَّا طاغِينَ أي في منعنا حق الفقراء والمساكين

وقيل معناه طغينا في نعم اللّه فلم نشكرها ولم نصنع ما كان يصنع آباؤنا من

قبل ثم رجعوا إلى أنفسهم فقالوا :

عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْهاإِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦)

أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٤١)

يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢)

٣٢

٤٢

عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ قال ابن مسعود بلغني أن القوم أخلصوا وعرف اللّه منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منه عنقودا قال اللّه تعالى : كَذلِكَ الْعَذابُ أي كفعلنا بهم نفعل بمن تعدى حدودنا وخالف أمرنا يخوف بذلك كفار مكة ثم قال تعالى : وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ثم أخبر بما أعد اللّه للمتقين

فقال تعالى : إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ أي عند ربهم في الآخرة ولما نزلت هذه الآية قال المشركون إنا نعطي في الآخرة أفضل مما تعطون فقال اللّه تعالى تكذيبا للمشركين أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ يعني أن التسوية بين المسلم والمجرم غير جائزة فكيف يكون أفضل أو يعطى أفضل منه ولما قال تعالى ذلك على سبيل الاستبعاد والإنكار قال لهم على طريق الالتفات ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ يعني هذا الحكم المعوج أَمْ لَكُمْ كِتابٌ أي نزل من عند اللّه فِيهِ أي في ذلك الكتاب تَدْرُسُونَ أي تقرؤون إِنَّ لَكُمْ فِيهِ أي في ذلك الكتاب لَما تَخَيَّرُونَ أي تختارون وتشتهون أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ معناه ألكم عهود ومواثيق مؤكدة عاهدناكم عليها فاستوثقتم بها منا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ أي لا تنقطع تلك الأيمان والعهود إلى يوم القيامة إِنَّ لَكُمْ أي في ذلك العهد لَما تَحْكُمُونَ أي لأنفسكم من الخير والكرامة عند اللّه تعالى ثم قال اللّه تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه وسلّم سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ أي أيهم كفيل لهم بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ أي بل لهم شركاء يعني ما كانوا يجعلونه للّه شريكا وإنما أضاف الشركاء إليهم لأنهم هم جعلوها شركاء للّه ،

وقيل معنى شركاء شهداء يشهدون بصدق ما ادعوه فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ

كانُوا صادِقِينَ أي في دعواهم يَوْمَ يُكْشَفُ أي فليأتوا بشركائهم في ذلك اليوم لتنفعهم وتشفع لهم عَنْ ساقٍ أي عن أمر فظيع شديد قال ابن عباس هو أشد ساعة في القيامة تقول العرب للرجل إذا وقع في أمر عظيم فظيع يحتاج فيه إلى الجد ومقاساة الشدة شمر عن ساقك إذا قام في ذلك الأمر ويقال إذا اشتد الأمر في الحرب كشفت الحرب عن ساق وسئل ابن عباس عن هذه الآية فقال إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب أما سمعتم قول الشاعر :

سن لنا قومك ضرب الأعناق وقامت الحرب بنا على ساق

ثم قال ابن عباس هو يوم كرب وشدة وأنشد أهل اللغة أبياتا في هذا المعنى فمنها ما أنشده أبو عبيدة لقيس بن زهير :

فإن شمرت لك عن ساقها فدنها ربيع ولا تسأم

ومنها قول جرير :

ألا رب ساهي الطرف من آل مازن إذا شمرت عن ساقها الحرب شمرا

وقد كثر مثل هذا في كلام العرب حتى صار كالمثل للأمر العظيم الشديد

(ق) عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه أن ناسا في زمن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا يا محمد هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نعم هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب قالوا لا يا رسول اللّه قال ما تضارون في رؤية اللّه يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية

أحدهما إذا كان يوم القيامة

أذن مؤذن لتتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير اللّه من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد اللّه من بر وفاجر وغير أهل الكتاب فيدعى اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد عزيرا ابن اللّه قال كذبتم ما اتخذ اللّه من صاحبة ولا ولد فماذا تبغون فيقولون عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار ثم تدعى النصارى فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد المسيح ابن اللّه فيقال لهم كذبتم ما اتخذ اللّه من صاحبة ولا ولد فيقال لهم ماذا تبغون فيقولون عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد اللّه من بر وفاجر أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها قال فماذا تنتظرون لتتبع كل أمة ما كانت تعبد فيقولون يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ باللّه منك لا نشرك باللّه شيئا مرتين أو ثلاثا حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول هل بينكم وبينه آية لتعرفونه بها فيقولون نعم فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد من تلقاء نفسه إلا أذن له بالسجود ولا يبقى من كان يسجد نفاقا ورياء إلا جعل اللّه ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة فقال أنا ربكم فيقولون أنت ربنا ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون اللهم سلم سلم ، قيل يا رسول اللّه وما الجسر قال دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسكة تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكردس في نار جهنم حتى إذا خلص المؤمنون

من النار فو الذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد منا شدة للّه في استقصاء الحق من المؤمنين للّه يوم القيام لإخوانهم الذين في النار فيقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا وقد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه ، ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا ، وكان أبو سعيد يقول إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم : إن اللّه لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما فيقول اللّه عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصفر أو أخضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم تعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء اللّه الذين أدخلهم اللّه الجنة بغير عمل عملوه و

لا خير قدموه ثم يقول ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين فيقول لكم عندي أفضل من هذا فيقولون ربنا أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول رضائي فلا أسخط عليكم أبدا) لفظ مسلم والبخاري نحوه بمعناه.

(فصل : في شرح ألفاظ الحديث وما يتعلق به) أما الرؤية وما يتعلق بها فسيأتي الكلام عليها في موضعها إن شاء اللّه تعالى.

قوله (حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد اللّه من بر وفاجر أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها

وفي رواية أبي هريرة فيأتيهم اللّه في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ باللّه منك

هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء عرفناه فيأتيهم اللّه في صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه) قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه اللّه وغيره اعلم أن هذا الحديث من أكبر أحاديث الصفات وأعظمها وللعلماء فيه وفي أمثاله قولان :

أحدهما : وهو قول معظم السلف أو كلهم أنه لا يتكلم في معناها بل يقولون يجب علينا أن نؤمن بها ونعتقد أن لها معنى يليق بجلال اللّه تعالى وعظمته مع اعتقادنا الجازم أن اللّه تعالى ليس كمثله شيء وأنه منزه عن التجسيم والانتقال والتحيز في جهة وعن سائر صفات المخلوقين وهذا القول هو مذهب جماعة من المتكلمين واختاره جماعة من محققيهم وهو أسلم وقال الخطابي هذا الحديث تهيب القول فيه شيوخنا فأجروه على ظاهر لفظه ولم يكشفوا عن باطن معناه على نحو مذهبهم في التوقف عن تفسير كل ما لا يحيط العلم بكنهه من هذا الباب.

والقول الثاني : وهو مذهب معظم المتكلمين أنها تتأول على ما يليق بها على حسب مواقعها وإنما يسوغ تأويلها لمن كان من أهله فعلى هذا المذهب يقال في قوله صلّى اللّه عليه وسلّم فيأتيهم اللّه أن الإتيان عبارة عن رؤيتهم إياه لأن العادة أن من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته بالإتيان فعبر بالإتيان والمجيء هنا عن الرؤية مجازا

وقيل الإتيان فعل من أفعال اللّه تعالى سماه إتيانا

وقيل المراد بيأتيهم اللّه يأتيهم بعض ملائكته قال القاضي عياض وهذا الوجه أشبه عندي بالحديث قال ويكون هذا الملك هو الذي جاءهم في الصورة التي أنكروها من سمات الحدوث الظاهرة على الملك والمخلوق قال أو يكون معناه يأتيهم اللّه في صورة أي يصور ويظهر لهم من صور ملائكته ومخلوقاته التي لا تشبه صفات الإله ليختبرهم وهذا آخر امتحان المؤمنين فإذا قال لهم هذا الملك أو هذه الصورة أنا ربكم رأوا عليه علامة من علامات المخلوقات مما ينكرونه ويعلمون بذلك أنه ليس ربهم فيستعيذون باللّه منه.

وأما قوله صلّى اللّه عليه وسلّم فيأتيهم اللّه في صورته التي يعرفون فالمراد بالصورة هنا الصفة ومعناه فيتجلى اللّه تعالى لهم في الصفة التي يعلمونها ويعرفونه بها وإنما عرفوه بصفته وإن لم تكن تقدمت لهم رؤية له سبحانه وتعالى لأنهم على هذه الصفة يرونه شيئا من مخلوقاته وقد علموا أنه لا يشبه شيئا من مخلوقاته فيعلمون بذلك أنه ربهم فيقولون أنت ربنا وإنما عبر عن الصفة بالصورة لمشابهتها إياها ولمجانسة الكلام فإنه تقدم ذكر الصورة.

وقوله في حديث أبي سعيد (أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها) معنى رأوه فيها أي علموها وهي صفته المعلومة للمؤمنين وهي أنه لا يشبهه شيء وقولهم (نعوذ باللّه منك لا نشرك باللّه) إنما استعاذوا منه لما قدمناه من كونهم رأوا عليه سمات المخلوق.

قوله (فيكشف عن ساق

وفي رواية للبخاري يكشف ربنا عن ساقه) ذكر هذه الرواية البيهقي في كتاب الأسماء والصفات ، قال أبو سليمان الخطابي فيحتمل أن يكون معنى قوله فيكشف عن ساقه أي عن قدرته التي تكشف عن الشدة وضبط يكشف بفتح الياء وضمها وقد تقدم تفسير كشف الساق

وقيل المراد بالساق في هذا الحديث نور عظيم. وورد ذلك في حديث عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وهو ما روي عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله (يوم يكشف عن ساق قال نور عظيم يخرون له سجدا تفرد به روح بن حبان مولى عمر بن عبد العزيز وهو شامي يأتي بأحاديث منكرة لا يتابع عليها وموالي عمر بن عبد العزيز كثيرون ففي إسناده مجهول أيضا وقال ابن فورك ومعنى ذلك ما يتجدد للمؤمن عند رؤية اللّه تعالى من الفوائد والألطاف قال القاضي عياض

وقيل قد يكون الساق علامة بينه وبين المؤمنين من ظهور جماعة من الملائكة على خلقة عظيمة وقد تكون ساقا مخلوقة جعلها اللّه تعالى علامة للمؤمنين خارجة عن السوق المعتادة ، قيل معناه كشف الحزن وإزالة للرعب عنهم وما كان غلب على عقولهم من الأهوال فتطمئن حينئذ نفوسهم عند ذلك ويتجلى اللّه لهم فيخرون سجدا قال

الخطابي وهذه الرؤية في هذا المقام يوم القيامة غير الرؤية التي هي في الجنة لكرامة أولياء اللّه وإنما هذه الرؤية امتحان اللّه لعباده وقوله فلا يبقى من كان يسجد للّه تعالى من تلقاء نفسه إلا أذن اللّه له في السجود ولا يبقى من كان يسجد نفاقا ورياء إلا جعل اللّه ظهره طبقة واحدة هذا السجود امتحان من اللّه تعالى لعباده ومعنى طبقة واحدة أي فقارة واحدة كالصحيفة فلا يقدر على السجود وقوله ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة معناه ثم يرفعون رؤوسهم وقد أزال المانع لهم من رؤيته وتجلى لهم فيقولون أنت ربنا وقوله ثم يضرب الجسر على جهنم الجسر بفتح الجيم وكسرها لغتان وهو الصراط وتحل للشفاعة بكسر الحاء

وقيل بضمها من حل ومعناه وتقع الشفاعة ويؤذن فيها قوله دحض مزلة أي تزلق فيه الأقدام ولا تثبت قوله فيه خطاطيف جمع خطاف وهو الذي يخطف الشيء وكلاليب جمع كلوب وهو الحديدة التي يعلق بها اللحم والحسك الذي يقال له السعدان نبت له شوك عظيم من كل جانب قوله فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكردس في نار جهنم معناه أنهم ثلاثة أقسام قسم يسلم فلا يناله شيء أصلا وقسم يخدش ثم يرسل فيخلص وقسم يكردس أي يلقى ويسقط في جهنم وفي هذا إثبات الصراط وهو مذهب أهل السنة وأهل الحق وهو جسر يجعل على متن جهنم وهو أرق من الشعر وأحد من السيف فيمر عليه الناس كلهم فالمؤمنون ينجون على حسب منازلهم وأعمالهم والآخرون يسقطون في جهنم أعاذنا اللّه منها ، ومعنى مناشدة المؤمنين للّه يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار شفاعتهم لهم وقوله فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير ومثقال نصف دينار من خير ومثقال ذرة قال القاضي عياض قيل معنى الخير اليقين قال والصحيح أن معناه شيء زائد على مجرد الإيمان لأن الإيمان الذي هو التصديق لا يتجزأ وإنما يكون هذا الخير زائدا عليه من عمل صالح وذكر خفي وعمل من

أعمال القلب من شفقة على مسكين أو خوف من اللّه تعالى أو نية صادقة ومثقال الذرة مثل لأقل الخير لأن ذلك أقل المقادير وقول المؤمنين لم نذر فيها خيرا أي صاحب خير

وقوله تعالى : (شفعت الملائكة هو بفتح الفاء وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط) هؤلاء الذين معهم مجرد الإيمان فقط ولم يعملوا خيرا قط وتفرد اللّه تعالى بعلم ما تكنه القلوب فالرحمة لمن ليس عنده إلا مجرد الإيمان فقط ومعنى قبض قبضة أي جمع جماعة.

قوله قد عادوا حمما أي صاروا فحما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة جمع فوهة وهي أول النهر.

قوله فيخرجون كاللؤلؤ أي في الصفاء في رقابهم الخواتم قيل معناه أنه يعلق في رقابهم أشياء من ذهب أو غير ذلك مما يعرفون بها واللّه أعلم.

قوله تعالى : وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ السجود يعني الكفار والمنافقين تصير أصلابهم كصياصي البقر أو كصفيحة نحاس فلا يستطيعون السجود.

خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (٤٣)

٤٣

خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وذلك أن المؤمنين يرفعون رؤوسهم من السجود ووجوههم أشد بياضا من الثلج وقد علاها النور والبهاء وتسود وجوه الكفار والمنافقين ويغشاهم ذل وخسران وندامة وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ يعني في دار الدنيا كانوا يدعون إلى الصلاة المكتوبة بالأذان والإقامة وذلك أنهم كانوا يسمعون حي على الصلاة حي على الفلاح فلا يجيبون وَهُمْ سالِمُونَ يعني أنهم كانوا يدعون إلى الصلاة وهم أصحاء فلا يأتونها قال كعب الأحبار واللّه ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعة.

فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨)

لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١)

٤٤

٥١

قوله عز وجل : فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ أي دعني والمكذبين بالقرآن وخل بيني وبينهم ولا تشغل قلبك بهم وكلهم إليّ فإني أكفيك إياهم سَنَسْتَدْرِجُهُمْ أي سنأخذهم بالعذاب مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ فعذبوا يوم بدر بالقتل والأسر ،

وقيل في معنى الآية كلما أذنبوا ذنبا جددنا لهم نعمة وأنسيناهم الاستغفار والتوبة.

وهذا هو الاستدراج لأنهم يحسبونه تفضيلا لهم على المؤمنين وهو في الحقيقة سبب إهلاكهم فعلى العبد المسلم إذا تجددت عنده نعمة أن يقابلها بالشكر وإذا أذنب ذنبا أن يعاجله بالاستغفار والتوبة. وَأُمْلِي لَهُمْ أي أمهلهم وأطيل لهم المدة.

وقيل معناه أمهلهم إلى الموت فلا أعاجلهم بالعقوبة إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ أي عذابي شديد

وقيل الكيد ضرب من الاحتيال فيكون بمعنى الاستدراج المؤدي إلى العذاب أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً أي على تبليغ الرسالة فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ المغرم الغرامة والمعنى أتطلب منهم أجرا فيقل عليهم حمل الغرامات في أموالهم فيثبطهم ذلك عن الإيمان أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ أي عندهم اللوح المحفوظ فهم يكتبون منه ما يحكمون به وهو استفهام على سبيل الإنكار فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ أي اصبر على أذاهم لقضاء ربك قيل إنه منسوخ بآية السيف وَلا تَكُنْ في الضجر والعجلة كَصاحِبِ الْحُوتِ يعني يونس بن متى إِذْ نادى ربه أي في بطن الحوت وَهُوَ مَكْظُومٌ أي مملوء غما لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ أي حين رحمه وتاب عليه ، لَنُبِذَ بِالْعَراءِ أي لطرح بالفضاء من بطن الحوت على الأرض وَهُوَ مَذْمُومٌ أي يذم ويلام بالذنب.

وقيل في معنى الآية لولا أن تداركته نعمة من ربه لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة ثم ينبذ بعراء القيامة أي بأرضها وفضائها

فإن قلت هل يدل قوله وهو مذموم على كونه كان فاعلا للذنب.

قلت الجواب عنه من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن كلمة لولا دلت على أنه لم يحصل منه ما يوجب الذم الثاني لعل المراد منه ترك الأفضل فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين الثالث لعل هذه الواقعة كانت قبل النبوة يدل عليه

قوله تعالى : فَاجْتَباهُ رَبُّهُ والفاء للتعقيب أي اصطفاه ورد عليه الوحي وشفعه في قومه فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ أي النبيين.

قوله تعالى : وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ وذلك أن الكفار أرادوا أن يصيبوا النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بالعين فنظرت قريش إليه وقالوا ما رأينا مثله ولا مثل حججه ،

وقيل كانت العين في بني أسد حتى أن كانت الناقة أو البقرة لتمر بأحدهم فيعاينها ثم يقول لجاريته خذي المكتل والدراهم فائتينا بلحم من لحم هذه فما تبرح حتى تقع بالموت فتنحر.

وقيل كان رجل من العرب يمكث لا يأكل يومين أو ثلاثة ثم يرفع جانب خبائه فتمر به الإبل فيقول لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه فما تذهب إلا قليلا حتى يسقط ما عناه فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالعين ويفعل به مثل ذلك فعصم اللّه نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم وأنزل وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم قال ابن عباس : معناه ينفذونك

وقيل يصيبونك بعيونهم كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه.

وقيل يصرعونك

وقيل يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة وإنما أراد أنهم ينظرون إليك إذا قرأت القرآن نظرا شديدا بالعداوة والبغضاء يكاد يسقطك ، ومنه قولهم نظر إلي نظرا يكاد يصرعني أو يكاد يهلكني يدل على صحة هذا المعنى أنه قرن هذا النظر بسماع القرآن وهو قوله لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ لأنهم كانوا يكرهون ذلك أشد الكراهة ويحدون النظر إليه بالبغضاء وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ أي ينسبونه إلى الجنون إذا سمعوه يقرأ القرآن قال تعالى ردا عليهم.

وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢)

٥٢

وَما هُوَ يعني القرآن إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ قال ابن عباس موعظة للمؤمنين قال الحسن : دواء من أصابته العين أن تقرأ عليه هذه الآية

(ق) ، عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (العين حق) زاد البخاري (و نهى عن الوشم)

(م) عن ابن عباس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا) وعن عبيد اللّه بن رفاعة الزرقي (أن أسماء بنت عميس كانت تقول يا رسول اللّه إن ولد جعفر تسرع إليهم العين أفأسترقي لهم؟ قال : نعم ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين) أخرجه الترمذي قوله العين حق أخذ بظاهر هذا الحديث جماهير العلماء وقالوا العين حق وأنكره طوائف من المبتدعة والدليل على فساد قولهم (أن كل معنى ليس مخالفا في نفسه ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا إفساد دليل فإنه من مجوزات العقول فإذا أخبر الشارع بوقوعه وجب اعتقاده ولا يجوز تكذيبه ومذهب أهل السنة أن العين إنما تفسد وتهلك عند قابلة هذا الشخص الذي هو العائن لشخص آخر فتؤثر فيه بقدرة اللّه تعالى وفعله وقوله ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين ، فيه إثبات القدر وأنه حق والمعنى أن الأشياء كلها بقدر اللّه ولا يقع شيء إلا على حسب ما قدر اللّه وسبق به علمه ولا يقع شرر العين وغيره من الخير والشر إلا بقدرة اللّه وفيه صحة إثبات العين وأنها قوية الضرر إذا وافقها القدر ، واللّه أعلم.

﴿ ٠