سورة المدثر

وهي مكية

وقيل غير آية من آخرها وهي ست وخمسون آية ومائتان وخمس وخمسون كلمة وألف حرف وعشرة أحرف.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤)

وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥)

١

٥

قوله عز وجل : يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ

(ق) عن يحيى بن كثير قال (سألت أبا سلمة بن عبد الرّحمن عن أول ما نزل من القرآن قال يا أيها المدثر قلت يقولون اقرأ باسم ربك قال أبو سلمة سألت جابرا عن ذلك وقلت له مثل الذي قلت فقال لي جابر لا أحدثك إلا ما حدثنا به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ونظرت خلفي فلم أر شيئا فرفعت رأسي فرأيت شيئا.

فأتيت خديجة فقلت دثروني فدثروني) وصبوا علي ماء باردا فنزلت يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وذلك قبل أن تفرض الصلاة

وفي رواية (فلما قضيت جواري هبطت فاستبطنت الوادي- وذكر نحوه- فإذا هو قاعد على عرش في الهواء- يعني جبريل- فأخذتني رجفة شديدة)

(ق) عن جابر رضي اللّه عنه من رواية الزهري (عن أبي سلمة عنه قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحدث عن فترة الوحي فقال لي في حديثه : فبينما أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فجثثت منه رعبا فقلت زملوني زملوني فدثروني فأنزل اللّه عز وجل يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ إلى وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ

وفي رواية (فجئثت منه حتى هويت إلى الأرض فجئت إلى أهلي) وذكره وفيه قال أبو سلمة الرّجز الأوثان قال ثم حمى الوحي بعد وتتابع.

فإن قلت دل هذا الحديث على أن سورة المدثر أول ما نزل من القرآن ، ويعارضه حديث عائشة رضي اللّه عنها المخرج في الصحيحين أيضا في بدء الوحي ، وسيأتي في موضعه إن شاء اللّه تعالى وفيه (فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، حتى بلغ- ما لَمْ يَعْلَمْ- فرجع بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يرجف فؤاده) الحديث.

قلت الصّواب الذي عليه جمهور العلماء أن أول ما نزل من القرآن على الإطلاق اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، كما صرح به في حديث عائشة ، وقول من قال إن سورة المدثر أول ما نزل من القرآن على الإطلاق ضعيف لا يعتد به ، وإنما كان نزولها بعد فترة الوحي كما صرح به في رواية الزّهري عن أبي سلمة عن جابر ، ويدل عليه أيضا قوله في الحديث وهو يحدث عن فترة الوحي إلى أن قال وأنزل اللّه تعالى يا أيها المدثر ويدل

عليه أيضا قوله (فإذا الملك الذي جاءني بحراء ثم قال وأنزل اللّه تعالى : يا أيها المدثر) وأيضا قوله (ثم حمي الوحي بعد وتتابع) فالصواب إن أول ما نزل من القرآن على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سورة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ وإن أول ما نزل بعد فترة الوحي سورة المدثر فحصل بهذا الذي بيناه الجمع بين الحديثين ، واللّه أعلم قوله (فإذا هو قاعد على عرش بين السّماء والأرض) يريد به السرير الذي يجلس عليه وقوله يحدث عن فترة الوحي ، أي عن احتباسه وعدم تتابعه ، وتواليه في النزول قوله (فجئثت منه) روى بجيم مضمومة ثم همزة مكسورة ثم ثاء مثلثة ساكنة ثم تاء الضّمير وروى بثاءين مثلثتين بعد الجيم ، ومعناه فرعبت منه وفزعت. وقوله (و حمي الوحي بعد وتتابع) أي كثر نزوله ، وازداد بعد فترته من قولهم حميت الشّمس والنّار إذا ازداد حرهما ، وقوله وصبوا علي ماء فيه أنه ينبغي لمن فزع أن يصب عليه ماء حتى يسكن فزعه واللّه أعلم.

وأما التّفسير ف

قوله عز وجل : يا أيها المدثر أصله المتدثر وهو الذي يتدثر في ثيابه ليستدفئ بها ، وأجمعوا على أنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وإنما سماه مدثرا لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم دثروني ،

وقيل معناه يا أيّها المدثر بدثار النّبوة والرّسالة من قولهم ألبسه اللّه لباس التقوى ، فجعل النّبوة كالدثار واللباس ، مجازا قُمْ فَأَنْذِرْ أي حذرهم من عذاب ربك إن لم يؤمنوا والمعنى قم من مضجعك ودثارك ،

وقيل قم قيام عز واشتغل بالإنذار الذي تحملته وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ أي عظم ربك عما يقوله عبدة الأوثان وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ فيه أربعة أوجه :

أحدها أن ينزل لفظ الثّياب والتّطهير على الحقيقة ،

والثاني أن ينزل لفظ الثياب على الحقيقة والتطهير على المجاز والثالث أن ينزل لفظ الثّياب على المجاز ، والتّطهير على الحقيقة والرابع أن ينزل لفظ الثّياب والتّطهير على المجاز.

أما الوجه

الأول : فمعناه وثيابك فطهر من النّجاسات والمستقذرات ، وذلك أن المشركين لم يكونوا يحترزون عنها فأمر صلّى اللّه عليه وسلّم بصون ثيابه من النجاسات ، وغيرها خلافا للمشركين.

الوجه الثاني : معناه وثيابك فقصر وذلك لأن المشركين كانوا يطولون ثيابهم ويجرون أذيالهم على النّجاسات وفي الثّوب الطّويل من الخيلاء والكبر والفخر ما ليس في الثوب القصير فنهى عن تطويل الثوب وأمر بتقصيره لذلك ،

وقيل معناه وثيابك فطهر عن أن تكون مغصوبة أو محرمة بل تكون من وجه حلال وكسب طيب.

الوجه الثالث : معناه حمل الثوب على النفس قال عنترة :

وشككت بالرمح الأصم ثيابه ليس الكريم على القنا بمحرم

يريد نفسه والمعنى ونفسك فطهر عن الذّنوب والرّيب وغيرهم وكنى بالثياب عن الجسد لأنها تشتمل عليه.

الوجه الرابع : وهو حمل الثّياب والتّطهير على المجاز ، فقيل معناه وقلبك فطهر عن الصّفات المذمومة ،

وقيل معناه وخلقك فحسن وسئل ابن عباس عن قوله ، وثيابك فطهر فقال : لا تلبسها على معصية ولا غدر أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي :

وإني بحمد اللّه لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع

والعرب تقول في وصف الرّجل بالصّدق والوفاء هو طاهر الثّياب ، وتقول لمن غدر إنه لدنس الثّوب ، والسّبب في ذلك أن الثوب كالشّيء الملازم للإنسان فلهذا جعلوه كناية عن الإنسان كما يقال الكرم في ثوبه والعفة في إزاره ،

وقيل إن من طهر باطنه طهر ظاهره.

وقوله تعالى : وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ يعني أترك الأوثان ولا تقربها وقال ابن عباس : اترك المآثم ،

وقيل الشّرك والمعنى اترك كل ما أجب لك العذاب من الأعمال والأقوال.

وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠)

ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤)

٦

١٤

وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ يعني لا تعط مالك مصانعة لتعطي أكثر منه هذا قول أكثر المفسرين وهذا النهي مختص بالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم وإنما نهي عن ذلك تنزيها لمنصب النبوة لأن من أعطى شيئا لغيره يطلب منه الزيادة عليه لا بد وأن يتواضع لذلك الذي أعطاه ، ومنصب النّبوة بحل عن ذلك وهذا غير موجود في حق الأمة ، فيجوز لغيره من الأمة ذلك كما قيل هما رباءان حلال وحرام فالحلال الهدية يهديها الرجل لغيره ليعطيه أكثر منها

وأما الحرام فالربا المحرم بنص الشرع ،

وقيل معناه لا تعط شيئا لمجازاة الدنيا أعط للّه وأراد به وجه اللّه.

وقيل معناه لا تمنن على اللّه بعملك فتستكثره ، ولا يكثرن عملك في عينك فإنه مما أنعم اللّه به عليك وأعطاك.

وقيل معناه لا تمنن على أصحابك بما تعلمهم من أمر الدين وتبلغهم من أمر الوحي كالمستكثر بذلك عليهم ،

وقيل لا تمنن عليهم بنبوتك فتأخذ منهم على ذلك أجرا تستكثر به ،

وقيل معناه لا تمنن لا تضعف عن الخير تستكثر منه ،

وقيل معناه لا تمنن على النّاس بما تنعم عليهم وتعطيهم استكثارا منك لتلك العطية ، فإن المن يحبط العمل وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ أي على طاعته وأوامره ونواهيه لأجل ثواب اللّه تعالى

وقيل معناه فاصبر للّه على ما أوذيت فيه ،

وقيل معناه إنك حملت أمرا عظيما فيه محاربة العرب والعجم ، فاصبر على ذلك للّه عز وجل ،

وقيل معناه فاصبر تحت موارد القضاء لأجل اللّه فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ أي نفخ في الصور وهو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل وهي النّفخة الأولى ،

وقيل الثانية وهو الأصح فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يعني يوم النفخة وهو يوم القيامة يَوْمٌ عَسِيرٌ أي شديد عَلَى الْكافِرِينَ يعني يعسر عليهم في ذلك اليوم الأمر ، فيعطون كتبهم بشمائلهم وتسود وجوههم غَيْرُ يَسِيرٍ أي غير هين.

فإن قلت ما فائدة قوله غير يسير وعسير مغن عنه.

قلت : فائدة التكرار التّأكيد كقوله : أنا محب لك غير مبغض ،

وقيل لما كان على الكافرين غير يسير دل على أنه يهون على المؤمنين بخلاف الكفار فإنه عليهم عسير لا يسر فيه ليزداد غيظ الكافرين وبشارة المؤمنين

قوله تعالى : ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً أي خلقته في بطن أمه وحيدا فريدا لا مال له ولا ولد ،

وقيل معناه خلقته وحدي لم يشاركني في خلقه أحد ، والمعنى ذرني وإيّاه ، فأنا أكفيكه نزلت هذه الآية في الوليد بن المغيرة المخزومي ، وكان يسمى الوحيد في قومه. وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً أي كثير يمد بعضه بعضا دائما غير منقطع ،

وقيل ما يمد بالنماء كالزرع والضرع والتجارة واختلفوا في مبلغه ، فقيل كان ألف دينار

وقيل أربعة آلاف درهم ،

وقيل ألف ألف وقال ابن عباس : تسعة آلاف مثقال فضة وعنه كان له بين مكة والطّائف إبل وخيل ونعم ، وكان له غنم كثيرة وعبيد وجوار :

وقيل كان له بستان بالطّائف لا تنقطع ثماره شتاء ولا صيفا ،

وقيل كان له غلة شهر بشهر ، وَبَنِينَ شُهُوداً أي حضورا بمكة لا يغيبون عنه لأنهم كانوا أغنياء غير محتاجين إلى الغيبة لطلب الكسب ،

وقيل معنى شهودا أي رجالا يشهدون معه المحافل والمجامع ، قيل كانوا عشرة

وقيل سبعة وهم الوليد بن الوليد وخالد وعمارة وهشام والعاص وقيس وعبد شمس أسلم منهم ثلاثة نفر خالد وهشام وعمارة وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً أي بسطت له في العيش وطول العمر بسطا مع الجاه العريض والرياسة في قومه ، وكان الوليد من أكابر قريش وكان يدعى ريحانة قريش.

ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨)

١٥

١٨

ثُمَّ يَطْمَعُ أي يرجو أَنْ أَزِيدَ أي أزيده مالا وولدا وتمهيدا كَلَّا أي لا أفعل ولا أزيده قالوا فما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقصان ماله وولده حتى هلك إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً أي معاندا والمعنى أنه كان معاندا في جميع دلائل التوحيد والقدرة والبعث والنبوة منكرا للكل ،

وقيل كان كفره كفر عناد وهو أنه كان يعرف هذا بقلبه وينكره بلسانه وهو أقبح الكفر وأفحشه سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً يعني سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له فيها ، وعن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (الصعود عقبة في النار يتصعد فيها الكافر سبعين خريفا ثم يهوي فيها سبعين خريفا فهو كذلك أبدا) أخرجه الترمذي. وقال حديث غريب وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله سأرهقه صعودا.

قال هو جبل من نار يكلف أن يصعده فإذا وضع يده ذابت فإذا رفعها عادت ، وإذا وضع رجله ذابت فإذا رفعها عادت وقال الكلبي : الصعود صخرة ملساء في النّار يكلف الكافر أن يصعدها لا يترك يتنفس في صعوده يجذب من أمامه بسلاسل الحديد ، ويضرب من خلفه بمقامع من حديد فيصعدها في أربعين عاما ، فإذا بلغ ذروتها أحدر إلى أسفلها ، ثم يكلف أن يصعدها يجذب من أمامه ، ويضرب من خلفه فذلك دأبه أبدا

قوله عز وجل إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ أي فكر في الأمر الذي يريده ونظر فيه وتدبره ورتب في قلبه كلاما ، وهيأه لذلك لأمر وهو المراد بقوله وَقَدَّرَ أي وقدر ذلك الكلام في قلبه وذلك أن اللّه تعالى لما أنزل على نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ إلى قوله الْمَصِيرُ قام النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في المسجد يصلي والوليد بن المغيرة قريب منه يسمع قراءته فلما فطن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لاستماعه أعاد قراءة الآية فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه من بني مخزوم فقال واللّه لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن ، واللّه إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق ، وإنه يعلو وما يعلي ثم انصرف إلى منزله فقالت قريش صبأ واللّه الوليد ولتصبون قريش كلهم فقال أبو جهل : أنا أكفيكموه فانطلق حتى جلس إلى جنب الوليد حزينا فقال له الوليد ما لي أراك حزينا يا ابن أخي؟

فقال وما يمنعني أن لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينونك على كبر سنك ، ويزعمون أنك زينت كلام محمد ، وأنك تدخل على ابن أبي كبشة ، وابن أبي قحافة لتنال من فضل طعامهم. فغضب الوليد وقال : ألم تعلم قريش أني من أكثرهم مالا وولدا؟ وهل شبع محمد وأصحابه من الطعام حتى يكون لهم فضل طعام ثم قام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه ، فقال لهم تزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يخنق قط؟ قالوا اللّهم لا ، قال تزعمون أنه كاهن فهل رأيتموه قط تكهن؟ قالوا اللّهم لا قال تزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه ينطق بشعر قط؟ قالوا اللهم لا قال تزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيئا من الكذب ، قالوا اللّهم لا وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يسمى الأمين قبل النبوة لصدقه ، فقالت قريش للوليد فما هو فتفكر في نفسه ، ثم قال ما هو إلا ساحر أما رأيتموه يفرق بين الرجل ، وأهله ، وولده ، ومواليه فهو ساحر وما يقوله سحر يؤثر. فذلك

قوله عز وجل : إِنَّهُ فَكَّرَ أي في أمر محمد صلّى اللّه عليه وسلّم والقرآن وقدر في نفسه ماذا يمكنه أن يقول في محمد صلّى اللّه عليه وسلّم والقرآن.

فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣)

فَقالَ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨)

لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩)

١٩

٢٩

فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ أي عذب ،

وقيل لعن كيف قدر وهو على طريق التعجب والإنكار والتوبيخ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ كرره للتأكيد ،

وقيل معناه لعن على أي حال قدر من الكلام ثُمَّ نَظَرَ أي في طلب ما يدفع به القرآن ويرده ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ أي كلح وقطب وجهه كالمهتم المتفكر في شيء يدبره ثُمَّ أَدْبَرَ أي عن الإيمان وَاسْتَكْبَرَ أي حين دعى إليه فَقالَ إِنْ هذا الذي يقوله محمد ويقرؤه إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ يروى ويحكى عن السحرة إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ يعني يسارا وجبرا فهو يأثره عنهما اللّه قال اللّه تعالى : سَأُصْلِيهِ أي سأدخله

سَقَرَ هو اسم من أسماء جهنّم

وقيل آخر دركاتها وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ أي وما أعلمك أي شيء هي سقر ، وإنما ذكره على سبيل التّهويل والتّعظيم لأمرها لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ قيل هما بمعنى كما تقول صد عني وأعرض عني

وقيل لا بد من الفرق وإلا لزم التكرار فقيل معناه لا تبقى أحدا من المستحقين للعذاب إلا أخذته ، ثم لا تذر من لحوم أولئك شيئا إلا أكلته وأهلكته ،

وقيل لا يموت فيها ولا يحيا أي لا تبقى من فيها حيا ولا تذر من فيها ميتا كلما احترقوا جددوا وأعيدوا ،

وقيل لا تبقى لهم لحما ولا تذر منهم عظما ،

وقيل لكل شيء ملال وفترة إلا جهنم ليس لها ملال ولا فترة فهي لا تبقى عليهم ولا تذرهم لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ جمع بشرة أي مغيرة للجلد حتى تجعله أسود قال مجاهد : تلفح الجلد حتى تدعه أشد سوادا من اللّيل وقال ابن عباس : محرقة للجلد ،

وقيل تلوح لهم جهنم حتى يروها عيانا.

عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠) وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١) كَلاَّ وَالْقَمَرِ (٣٢)

٣٠

٣٢

عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ أي على النار تسعة عشر من الملائكة وهم خزنتها مالك ومعه ثمانية عشر جاء في الأثر (إن أعينهم كالبرق الخاطف وأنيابهم كالصّياصي يخرج لهب النار من أفواههم ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة قد نزعت منهم الرّحمة يدفع أحدهم سبعين ألفا فيرميهم حيث أراد من جهنم) وقال عمرو بن دينار : إن أحدهم يدفع بالدفعة الواحدة في جهنم أكثر من ربيعة ومضر وقال ابن عباس : لما نزلت هذه الآية. قال أبو جهل : لقريش ثكلتكم أمهاتكم أسمع من ابن أبي كبشة يخبر أن خزنة النار تسعة عشر ، وأنتم الدهم يعني الشجعان أفيعجز كل عشر منكم أن تبطش بواحد منهم يعني خزنة جهنم ، فقال أبو الأشد بن أسيد بن كلدة بن خلف الجمحي أنا أكفيكم منهم سبعة عشر عشرة على ظهري ، وسبعة على بطني ، واكفوني أنتم اثنين ويروى عنه أنه قال أنا أمشي بين أيديكم على الصّراط فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن وتسعة بمنكبي الأيسر في النار ونمضي فندخل الجنة. فأنزل اللّه تعالى : وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً يعني لا رجالا آدميين فمن ذا يغلب الملائكة وإنما جعلهم ملائكة ليكونوا من غير جنس المعذبين وأشد منهم لأن الجنسية مظنة الرّأفة والرّحمة وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ أي عددهم في القلة إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا أي ضلالة لهم حتى قالوا ما قالوا ،

وقيل فتنتهم هي قولهم لم لم يكونوا عشرين ، وما الحكمة في تخصيص هذا العدد

وقيل فتنتهم هي قولهم كيف يقدر هذا العدد ، القليل على تعذيب جميع من في النار.

وأجيب عن قولهم لم لم يكونوا عشرين بأن أفعال اللّه تعالى لا تعلل ولا يقال فيها لم ، وتخصيص الزبانية بهذا العدد لأمر اقتضته الحكمة ،

وقيل وجه الحكمة في كونهم تسعة عشر أن هذا العدد يجمع أكثر القليل ، وأقل الكثير ، ووجه ذلك أن الآحاد أقل الأعداد وأكثرها تسعة ، وأقل الكثير عشرة فوقع الاقتصار على عدد يجمع أقل الكثير وأكثر القليل لهذه الحكمة ، وما سوى ذلك من الأعداد فكثير لا يدخل تحت الحصر.

وأجيب عن قولهم كيف يقدر هذا العدد القليل على تعذيب جميع أهل النّار ، وذلك بأن اللّه جلّ جلاله يعطي هذا القليل من القوة والقدرة ما يقدرون به على ذلك ، فمن اعترف بكمال قدرة اللّه ، وأنه على كل شيء قدير وأن أحوال القيامة على خلاف أحوال الدنيا زال عن قلبه هذا الاستبعاد بالكلية. لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعني أن هذا العدد مكتوب في التّوراة والإنجيل أنهم تسعة عشر وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً يعني من آمن من أهل الكتاب يزدادون تصديقا بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم ، وذلك أن العدد كان موجودا في كتابهم وأخبر به النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم

على وفق ما عندهم من غير سابقة دراسة ، وتعلم علم إنما حصل له ذلك بالوحي السّماوي ، فازدادوا بذلك إيمانا وتصديقا بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم. وَلا يَرْتابَ أي ولا يشك الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ يعني في عددهم وإنما قال ولا يرتاب وإن كان الاستيقان يدل على نفي الارتياب ليجمع لهم بين إثبات اليقين ونفي الشّك ، وذلك أبلغ وآكد لأن فيه تعريضا بحال غيرهم كأنه قال : وليخالف حالهم حال الناس المرتابين من أهل الكفر ، والنفاق وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي شك ونفاق وَالْكافِرُونَ أي مشركو مكة.

فإن قلت لم يكن بمكة نفاق فكيف قال ، وليقول الذين في قلوبهم مرض وهم المنافقون وهذه السورة مكية.

قلت لأنه كان في علم اللّه تعالى أن النفاق سيحدث فأخبره عما سيكون وهو كسائر الإخبار بالغيوب فعلى هذا تصير الآية معجزة للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم لأنه إخبار عن غيب سيقع وقد وقع على وفق الخبر ،

وقيل يحتمل أن يراد بالّذين في قلوبهم مرض أهل مكة لأن فيهم من هو شاك وفيهم من هو قاطع بالكذب ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يعني أي شيء أراد اللّه بهذا المثل العجيب ، وإنما سموه مثلا لأنه استعارة من المثل المضروب لأنه مما غرب من الكلام وبدع استغرابا منهم لهذا العقد واستبعادا له ، والمعنى أيّ غرض قصد في جعل الملائكة تسعة عشرة لا عشرين ومرادهم بذلك إنكار هذا من أصله وإنه ليس من عند اللّه فلهذا سموه مثلا كَذلِكَ أي كما أضل من أنكر عدد الخزنة وهدى من صدق به كذلك يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ لأن اللّه تعالى بيده الهداية والإضلال وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ هذا جواب لأبي جهل حين قال : أما لمحمد أعوان إلا تسعة عشر ، والمعنى أن الخزنة تسعة عشر ، ولهم أعوان وجنود من الملائكة لا يعلم عددهم إلا اللّه تعالى خلقوا لتعذيب أهل النار

وقيل كما أن مقدورات اللّه تعالى غير متناهية فكذلك جنوده غير متناهية ، وَما هِيَ يعني النار إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ أي إلا تذكرة وموعظة للناس ،

وقيل ما هي يعني آيات القرآن ومواعظه إلا تذكرة للناس يتعظون بها كَلَّا أي لا يتعظون ولا يتذكرون ،

وقيل معناه ليس الأمر كما يقول من زعم أنه يكفي أصحابه خزنة النار

وقيل كلا هنا بمعنى حقا وَالْقَمَرِ.

وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧)

كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١)

٣٣

٤١

وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ أي ولى ذاهبا ،

وقيل دبر بمعنى أقبل تقول العرب دبرني فلان أي جاء خلفي فاللّيل يأتي خلف النهار وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ أي أضاء وتبين وهذا قسم وجوابه إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ يعني إن سقر لإحدى الأمور العظام ،

وقيل أراد بالكبر دركات النار وهي سبعة جهنم ولظى والحطمة والسّعير وسقر والجحيم والهاوية نَذِيراً لِلْبَشَرِ قيل يحتمل أن يكون نذيرا صفة للنار ، والمعنى أن النّار نذير للبشر قال الحسن : واللّه ما أنذر بشيء أدهى من النار ،

وقيل يجوز أن يكون نذيرا صفة للّه تعالى ، والمعنى أنا لكم منها نذير فاتقوها

وقيل هو صفة للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم ومعناه يا أيها المدثر قم نذيرا للبشر فأنذر لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ أي يتقدم في الخير والطّاعة أو يتأخر عنهما فيقع في الشر والمعصية ، والمعنى أن الإنذار قد حصل لكل واحد ممن آمن أو كفر ، وقد تمسك بهذه الآية من يرى أن العبد غير مجبور على الفعل وأنه متمكن من فعل نفسه.

وأجيب عنه بأن مشيئته تابعة لمشيئة اللّه تعالى

وقيل إضافة المشيئة إلى المخاطبين على سبيل التهديد كقوله اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ

وقيل هذه المشيئة للّه تعالى ، والمعنى لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر.

قوله تعالى : كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ أي مرتهنة في النّار بكسبها ومأخوذة بعملها إِلَّا أَصْحابَ

الْيَمِينِ فإنهم غير مرتهنين بذنوبهم في النار ، ولكن اللّه يغفرها لهم ،

وقيل معناه فكوا رقاب أنفسهم بأعمالهم الحسنة كما يفك الراهن رهنه بأداء الحق الذي عليه.

واختلفوا في أصحاب اليمين من هم فقيل هم المؤمنون المخلصون ،

وقيل هم الذين يعطون كتبهم بإيمانهم ،

وقيل هم الذين كانوا على يمين آدم يوم أخذ الميثاق وحين قال اللّه تعالى لهم : (هؤلاء في الجنة ولا أبالي)

وقيل هم الذين كانوا ميامين أي مباركين على أنفسهم ، وروى عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنهم أطفال المسلمين وهو أشبه بالصواب لأن الأطفال لم يكتسبوا إثما يرتهنون به وعن ابن عباس قال هم الملائكة فِي جَنَّاتٍ أي هم في بساتين يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ أي يتساءلون المجرمين وعن صلة فيقولون لهم.

ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦)

حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١)

٤٢

٥١

ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قيل وهذا يقوي قول من قال إن أصحاب اليمين هم الأطفال لأنهم لم يعرفوا الذنوب التي توجب النّار ،

وقيل معناه يسأل بعضهم بعضا عن المجرمين ، فعلى هذا التفسير يكون معنى ما سلككم ، أيّ يقول المسؤولون للسّائلين قلنا للمجرمين ما سلككم ، أي أدخلكم

وقيل ما حبسكم في سقر ، وهذا سؤال توبيخ وتقريع قالُوا مجيبين لهم لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ أي للّه في الدّنيا وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ أي لم نتصدق عليه وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ أي في الباطل وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ أي بيوم الجزاء على الأعمال وهو يوم القيامة حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ يعني الموت قال اللّه تعالى : فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ قال ابن مسعود : تشفع الملائكة والنّبيون والشهداء والصالحون وجميع المؤمنين فلا يبقى في النار إلا أربعة ثم تلا قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ الآية ، وقال عمران بن حصين : الشّفاعة نافعة لكل أحد دون هؤلاء الذين تسمعون.

روى البغوي بسنده عن أنس رضي اللّه تعالى عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (يصف أهل النار فيعذبون قال فيمر بهم الرجل من أهل الجنة ، فيقول للرجل منهم يا فلان فيقول ما تريد فيقول أما تذكر رجلا سقاك شربة يوم كذا وكذا قال فيقول وإنك لأنت هو فيقول نعم فيشفع له فيشفع فيه قال ، ثم يمر بهم الرجل من أهل الجنة فيقول يا فلان فيقول ما تريد فيقول أما تذكر رجلا وهب لك وضوءا يوم كذا وكذا ، فيقول وإنك لأنت هو فيقول نعم فيشفع له فيشفع فيه) فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ أيّ عن مواعظ القرآن كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ جمع حمار مُسْتَنْفِرَةٌ قرئ بالكسر أي نافرة وقرئ بالفتح أي منفرة مذعورة محمولة على النفار فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قيل القسورة جماعة الرّماة لا واحد له من لفظه ، وهي رواية عن ابن عباس وعنه أنها القناص وعنه قال : هي حبال الصيادين ،

وقيل معناه فرت من رجال أقوياء وكل ضخم شديد عند العرب قسورة وقسور

وقيل القسورة لغط القوم وأصواتهم

وقيل القسورة شدة سواد ظلمة اللّيل وقال أبو هريرة : هي الأسد وذلك لأن الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت فكذلك هؤلاء المشركون إذا سمعوا النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ القرآن هربوا منه شبههم بالحمر في البلادة والبله ، وذلك أنه لا يرى مثل نفار حمر الوحش إذا خافت من شيء.

بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢) كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣) كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦)

٥٢

٥٦

بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً قال المفسرون إن كفار قريش قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم

ليصبح عند رأس كل رجل منا كتاب منشور من اللّه أنك رسوله نؤمر فيه باتباعك ،

وقيل إن المشركين قالوا يا محمد بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل كان يصبح ، وعند رأسه ذنبه وكفارته فأتنا بمثل ذلك كَلَّا أي لا يؤتون الصحف وهو ردع لهم عن هذه الاقتراحات بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ أي لا يخافون عذاب الآخرة والمعنى أنهم لو خافوا النّار لما اقترحوا هذه الآيات بعد قيام الأدلة ، لأنه لما حصلت المعجزات الكثيرة كفت في الدّلالة على صحة النّبوة فطلب الزّيادة يكون من باب التعنت كَلَّا أي حقا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ يعني إنه عظة عظيمة فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ أي اتعظ به فإنما يعود نفع ذلك عليه وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أي إلا أن يشاء اللّه لهم الهدى فيتذكروا ويتعظوا هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ أي هو حقيق بأن يتقيه عباده ويخافوا عقابه فيؤمنوا به ويطيعوه ، وهو حقيق بأن يغفر لهم ما سلف من كفرهم وذنوبهم

وقيل هو أهل أن تتقى محارمه ، وأهل أن يغفر لمن اتقاه عن أنس رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال في هذه الآية : هو أهل التّقوى وأهل المغفرة قال اللّه تبارك ، وتعالى أنا أهل أن أتقى فمن اتقاني فلم يجعل معي إلها فأنا أهل أن أغفر له أخرجه التّرمذي ، وقال حديث غريب وفي إسناده سهيل بن عبد اللّه القطيعي وليس بالقوي في الحديث وقد تفرد به عن ثابت ، واللّه تعالى أعلم بمراده.

﴿ ٠